كلمات
خطاب توكل كرمان بمناسبة عيد ثورة 14 أكتوبر في ذكراها الواحدة والستين
باسم ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، وفي عيدها الواحد والستين، أحييكم جميعًا إخواني وأخواتي أينما كنتم في ربوع يمننا الحبيب..
أحييكم جميعًا شعبنا اليمني الأبي في عيد ثورة أكتوبر المجيدة، ذكرى اليوم الخالد، يوم التحرر من الاستعمار، يوم الشعب، رمز نضال اليمنيين في كفاحهم لبناء الهوية اليمنية واليمن الجديد الذي كانت ثورتي سبتمبر وأكتوبر تعبيرًا عن حلمهم الكبير وقدرتهم على تحويله إلى مشروع وطني على أرض الواقع.
اليوم المجيد الذي رسم الطريق لأجيال اليمنيين من بعده وما يزال يلهمنا وينير لنا الطريق أمام التحديات التي تقف أمام شعبنا اليوم من قوى الارتهان للنفوذ الخارجي الساعية لإعادة شعبنا إلى عهود السلطنات وقوى الإمامة الكهنوتية التي تمثل التحدي الأكبر أمام شعبنا وحريته وكرامته وهويته الوطنية.
إن الرابع عشر من أكتوبر هو اليوم الأغر الذي تجلت فيه إرادة شعبنا العظيم، ونكست فيه رايات الاستعمار والسلطنات، وتوجت فيه نضالاته التي أنجزت التحرر والاستقلال الكامل.
هذا هو إرثنا العظيم، هذا هو الطريق الذي رسمه مناضلونا الأوائل.
أن نحتفل بثوراتنا وتاريخنا المجيد فهذا ما يرسخ هويتنا الوطنية ويؤكد انتماءنا لليمن، دولة وشعبًا.
إن الميليشيات الحوثية في صنعاء وميليشيات المجلس الانتقالي في عدن تعادي احتفالاتنا بأعياد سبتمبر وأكتوبر، ويستفزها احتفال اليمنيين بثوراتهم الوطنية واستذكارهم لتاريخها ورموزها ومناضليها وإرثها النضالي والوطني.
في صنعاء يحتفلون بمناسباتهم الطائفية والمذهبية ويسعون لفرض ثقافتهم المتخلفة وخزعبلاتهم وأئمتهم وخرافاتهم على سكان المدن والأرياف والقرى الواقعة تحت قبضتهم وسيطرتهم.
وفي عدن، كم كنا نتمنى أن يدركوا أن تاريخ اليمن النضالي يتضمن ثورة 14 أكتوبر المجيدة التي تمثل ركنه الركين وعماد هويته الوطنية وتاريخه المجيد.
أي جنوب يتحدثون عنه وهم غافلون عن ثورة أكتوبر ومناضليها وتاريخها ومسارها الوطني الذي مضت فيه وحددته للأجيال من بعدها؟ المسار الوطني الذي يكتسب أهميته وديمومته من طبيعة القضايا التي انحاز إليها وبنى مشروعها الوطني وأنجز تحت راياتها الاستقلال الوطني وتوحيد الجنوب بعد أن جزأه الاستعمار إلى سلطنات ومشيخات بقيت لزمن طويل في خدمته تحمي أطماعه الاستعمارية ومصالحه اللامشروعة.
لقد كانت ثورة 14 أكتوبر 1963 واستقلال الجنوب في الثلاثين من نوفمبر 1967 مسارًا طبيعيًا متزامنا مع الثورة السبتمبرية المجيدة، توحدت اليمن أولًا في وجدان اليمنيين وقلوبهم وثوراتهم الوطنية قبل أن تتوحد سياسيًا بقيام الجمهورية اليمنية.
الأعداء يفجرون اليوم في عدائهم وخصومتهم لليمن وشعبها، ويعتقدون أن الوقت حان ليعلنوا فجورهم في وجه اليمن واليمنيين وتصفية قضيتهم وتقسيم بلدهم. وفي مواجهتهم سينهض شعبنا اليمني العظيم متمسكًا بثوابته الوطنية المتمثلة بثورتي سبتمبر وأكتوبر؛ الجمهورية والاستقلال والديمقراطية والوحدة.
لن ننسى أن الغدر بالوحدة في حرب صيف 1994 الظالمة والإخلال بالشراكة الوطنية في دولة الوحدة قد أسس لنهج إقصائي نقيض لقيم الوحدة ومضامينها الوطنية.
لقد كانت ثورة 11 فبراير انتصارًا لقيم الوحدة وفتحت الطريق لبناء الدولة الوطنية العادلة الممثلة لجميع فئات الشعب اليمني وقواه الاجتماعية في كل مناطق اليمن دون هيمنة ودون إقصاء.
أرادت ثورة 11 فبراير أن تطوي نهج الغلبة المدمر لليمن، وكان من نتائجها مخرجات الحوار الوطني التي أقرت النظام الفيدرالي وأنجزت مشروع الدستور الجديد، لكن الثورة المضادة وقفت حجر عثرة أمام طموحات اليمنيين للتغيير وبناء دولة القانون والمواطنة.
إن شعبنا اليمني الذي رفض نظام الغلبة المناطقي العائلي، لن يقبل الرضوخ لغلبة العنصرية الإمامية التي تمثلها ميليشيات الحوثيين التي أذاقت شعبنا الويلات وتسببت في كل ما مرت به بلادنا من دمار وانهيار وحروب واستباحة داخلية وخارجية.
لن يقبل شعبنا العودة إلى الإمامة والاستعمار؛ والتشرذم بين دويلات الميليشيات وأمراء الحرب.
وإنني على يقين تام أن طريق الانتصار على قوى الماضي الطائفية والسلاطينية وأعوانهم في الخارج لن يتم إلا بالتمسك بقضايانا الكبرى: الجمهورية والديمقراطية والوحدة اليمنية.
سننتصر بالمشروع الوطني الذي يوحد اليمنيين ويجمع شملهم تحت رايته، لا برايات الميليشيات والشعارات الطائفية والمناطقية والعنصرية.
واجبنا اليوم هو التأكيد على ما يجمع اليمنيين لا ما يفرقهم. واجبنا هو الثبات على المبادئ التي رسمها لنا جيل المؤسسين الكبار في ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
عشر سنوات من الحرب أذاقت شعبنا الويلات. الميليشيا الانقلابية الحوثية تذل سكان المدن والقرى وتنهيهم بالجباية والإتاوات. تفرض عليهم أفكارها الطائفية في المدارس والجوامع ومؤسسات الدولة التي سيطرت عليها وحولتها إلى أدوات تستخدمها لفرض سلطتها الكهنوتية الطائفية.
وللأسف، وأقولها بكل أسى، فقد فشلت الشرعية في بناء دولة اليمنيين في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها.
يستحق شعبنا في هذه المحافظات أن ينعم بالاستقرار والخدمات، لكن فشل المجلس القيادي الرئاسي وحكومته كان واضحًا في معاناة الناس من انهيار العملة وارتفاع الأسعار وضعف مؤسسات الدولة الخدمية والأمنية والتعليمية وعدم قدرتها على تلبية احتياجات الناس ومتطلبات حياتهم اليومية.
عندما نتحدث عن الميليشيات الانقلابية الحوثية فنحن نتحدث عن أعداء شعبنا الذين تسببوا في مأساة بلادنا والحرب المدمرة التي طالت كل شيء؛ حياة الناس ومعيشتهم ومدنهم وكل حياتهم.
أما عندما نتحدث عن حكومات الشرعية فنحن نتحدث عن خيبة أملنا فيمن يُفترض أن يكونوا مخلصين لقضيتنا وشعبنا.
إن الاهتمام بمعيشة الناس وإدارة حياتهم اليومية والحفاظ على استقرار العملة وتخفيض الأسعار وإدارة مؤسسات الدولة بما يخدم حياة المواطنين وتسهيل حياتهم اليومية هو مسؤولية الشرعية بكل مؤسساتها، والتقصير في هذه المسؤولية هو عمل عدائي ضد شعبنا ويقدم خدمة لأعدائه من الميليشيات الإمامية ومن يقف خلفها.
تقديم نموذج ناجح في إدارة مناطق الدولة الشرعية لا يقل أهمية عن الانتصار المنتظر أمام الميليشيات الانقلابية الحوثية.
الانتصار لا يتحقق باستعادة المحافظات والمديريات المستباحة من قبل الحوثيين ولكنه قبل ذلك يبدأ ببناء مؤسسات الدولة في مناطق الشرعية.
يبدأ بتقديم نموذج دولة تخدم مواطنيها وتحل قضاياهم وتحفظ مصالحهم وتحفظ أمنهم واستقرارهم بإدارة عادلة تحتكم للقانون والدستور والقوانين النافذة دون محاباة أو خضوع لنفوذ يتحرك خارج الدولة والدستور والقانون.
إخواني وأخواتي، أيها المواطنون والمواطنات، أيها الأحرار في يمننا الحبيب،
في هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا نستحضر الهدف الجامع لنا كيمنيين يتوقون لإنقاذ بلدهم من التشظي والانقسامات. إن تقسيم اليمن هو هدف أعداء الشعب اليمني الساعين لإعادة الإمامة في الشمال والسلطنات في الجنوب. تقسيم اليمن هو ما يريده أعداء اليمن في الخارج كي يسهل عليهم تقاسم النفوذ في جغرافيا مجزأة تسيطر عليها الميليشيات وأدوات الطامعين بنهب خيرات اليمن واستعباد أهلها وتحويلهم إلى وقود لحروبهم ومشاريعهم المتعطشة لفرض هيمنتهم على اليمن واستخدامها في صراعات الهيمنة الإقليمية والدولية.
إخواني وأخواتي،
شعبنا اليمني الحر الأبي،
ونحن نحتفل بهذه المناسبة الوطنية العظيمة، لا ننسى إخواننا في غزة ولبنان، الذين يتعرضون لحرب إبادة جماعية لا مثيل لها في التاريخ الحديث. هذا التقويض المريع للقيم الإنسانية يعيد العالم إلى عصر البربرية الوحشية التي عرفها التاريخ البشري في القرون الوسطى وما قبلها.
القتل اليومي والتشريد لن يمر وسيكون له عواقب وخيمة على العالم كله. هذه الاستباحة، وهذا الترويع المستهتر بحياة الإنسان، يقوض كل ما توافقت عليه الإنسانية من قيم ويعيدها إلى عصور الهمجية الوحشية البدائية.
القضية الفلسطينية، قضية شعب عربي صودرت أرضه وهجر شعبه وتعرض لأقذر احتلال استيطاني مدعوم من دول كبرى لا تعير اهتمامًا لحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولا تأبه لحقوق الإنسان، ولديها الاستعداد لدعم حرب إبادة ضد شعب أعزل، في سابقة لم يعرف العالم لها مثيلًا في العصور الحديثة.
القضية الفلسطينية قضية عادلة تواجه حرب تصفية نهائية شرسة تحشد كل قدراتها ضد شعب أعزل لا يملك شيئًا سوى إيمانه بقضيته في مواجهة الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي، وإيمانه بحقه في الحياة الكريمة على أرضه وحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
إننا نؤكد وقوفنا مع شعبنا الفلسطيني الحر الأبي في مواجهة حرب الإبادة، ومساندتنا المطلقة لكفاحه العظيم من أجل التحرر والاستقلال.
إن استغلال القضية الفلسطينية من قبل جماعات مسلحة طائفية فيما يُعرف بمحور المقاومة الإيراني كان وبالًا على الدولة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان الجماعات الطائفية كانت خدمة لإسرائيل التي تدعي مقاومتها.
انهاء الاحتلال ، وإعادة اللاجئين، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير، وهو وحده ما يستحقه الشعب الفلسطيني العظيم الذي لم يرضخ للاحتلال الغاشم، ولم تتمكن كل مجازر الاحتلال وحروبه الوحشية من تطويع الشعب الفلسطيني وكسر إرادته. وتضامننا ومؤازرتنا لقضية شعبنا الفلسطيني يحتم علينا أن نميز بين من يستغل قضيته لخدمة نفوذ إيران ومن يناضل من أجل تمكين أهلنا في فلسطين من التحرر من الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
أيها اليمنيون الأحرار نساءً ورجالًا في كل ربوع وطننا الحبيب،
أنتم من تصنعون التاريخ، وتحددون اتجاهاته. وأنتم من تصنعون النصر، وترفضون الهزيمة.
أنتم من يقرر مصير اليمن لا الميليشيات الأجيرة، ولا داعموها من أعداء اليمن خارج الحدود.
عندما انهزم العرب في 1967، كانت اليمن ترد بالتحرر من الاستعمار البريطاني.
وعندما كان العرب يفتقدون للفعل الحر والمبادرة الحقيقية، أعلن اليمنيون وحدتهم في الثاني والعشرين من مايو مطلع تسعينيات القرن الماضي.
إرادة اليمنيين لا تعرف الانكسار، وإيمانهم بيمنهم العظيم لا تهزمه المحن والمآسي مهما عظمت.
اليمن لا تموت.
وبإيماننا بوطننا وشعبنا سنتجاوز كل التحديات ونصنع مستقبلنا المشرق مهما كانت الصعاب.
"إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا."
واجبنا اليوم هو التأكيد على ما يجمع اليمنيين لا ما يفرقهم. واجبنا هو الثبات على المبادئ التي رسمها لنا جيل المؤسسين الكبار في ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
عاشت اليمن حرة أبيّة وعصية على المؤامرات والمحن ما ظهر منها وما بطن.
والمجد لشعبنا اليمني العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.