مقابلات صحفية
حاورها: جوزيف هينكس
كانت الصحافية اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في بوسطن يوم 6 يناير حينما اقتحم مثيرو الشغب بتحريض من الرئيس ترامب مبنى الكابيتول بواشنطن العاصمة وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص. وقبل ذلك بأسبوع فقط، شاهدت بذهول الإرهابيين وهم يطلقون صواريخ على مطار عدن، مما أسفر عن مقتل 28 شخصًا وذلك قبيل وصول الحكومة اليمنية الجديدة قادمة من الرياض.
وفي مكالمة هاتفية مع "التايم" قالت كرمان: "ثرنا في بلادنا على دكتاتورية لنتمكن من انتخاب رئيس جديد بطريقة ديمقراطية، ولأجل الديمقراطية نضحي بأنفسنا، وها هنا في أميركا رئيس يريد محو الديمقراطية".
قبل عشر سنوات، بدت الديمقراطية في العالم العربي في صعود، ففي 14 يناير2011 فر الديكتاتور التونسي زين بن علي من بلاده إلى السعودية بعد شهر من الاحتجاجات على واقع الإذلال الناجم عن البطالة والفساد والقمع السياسي. وفي اليوم التالي احتشدت كرمان ومعها القيادات الطلابية خارج جامعة صنعاء للدعوة إلى "ثورة الياسمين" ببلادهم ضد الحاكم المستبد علي عبدالله صالح.
وتلى ذلك تسعة شهور من الاحتجاجات الدامية في الشوارع، ليستقيل صالح في 23 نوفمبر 2011، إثر تسوية بموجبها منحه مجلس التعاون الخليجي حصانة من الملاحقة القضائية. في ذلك العام منحت لجنة نوبل كرمان جائزة السلام لعام 2011 لقاء جهودها في تعزيز مشاركة المرأة في العمل لبناء السلام.
مثل معظم الشباب والشابات العرب الذين انتفضوا ضد الطغاة في عام 2011، تعرض المتظاهرون اليمنيون السلميون للخيانة، ففي السنوات التي أعقبت ذلك عانى اليمنيون على حد وصف كرمان من "ثورة مضادة ومؤامرة إقليمية وحرب سعودية إماراتية وانقلاب ممول من إيران". وها هي الأمم المتحدة اليوم تقول إن اليمن يعاني من أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، كما صرح المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيزلي، لمجلة التايم في ديسمبر توقعه لأن يشهد ظروف مجاعة هناك في الأشهر القليلة المقبلة.
قد يزداد الوضع تدهوراً، حيث صنفت إدارة ترامب المنتهية ولايتها في العاشر من يناير المتمردين الحوثيين في اليمن كمنظمة إرهابية أجنبية. وتأتي هذه الخطوة - وهي جزء من حملة "أقصى قدر من الضغط" يشنها ترامب على إيران - على الرغم من تحذيرات الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية الأخرى من أنها قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن وتعوق إيصال المساعدات الى البلاد.
بعد عشر سنوات من اتخاذ موقفها، ناقشت كرمان قوة المرأة اليمنية والتوقعات التي تنتظرها من إدارة بايدن ولماذا في ظل هذه الظروف الأليمة ما تزال تعتقد أن الحرية والديمقراطية سوف تسود في اليمن. جرى تحرير المقابلة التالية لمقتضيات الحجم والوضوح:
في 15 يناير 2011 أشعلتم ثورة الياسمين في اليمن، فما أكثر ذكرياتك تميزًا في ذلك اليوم؟
حينما سمعت أن بن علي هرب من تونس شعرت بفرح لا يوصف، فمنذ عام 2006 وأنا أدعو الشعب اليمني إلى التظاهر السلمي ضد الديكتاتورية وضد الإرهاب والفقر، وللمطالبة بحقوق الإنسان. لطالما اعتقدت أن التغيير ممكن، لكن لسوء الحظ أن معظم الناس في بلدي وفي المنطقة لم يشاركني هذا الاعتقاد. أعطتني الثورة التونسية الثقة في أنهم سيصغون وسيشاركونني ذات الحلم. في الليلة التي أعقبت هروب بن علي، اتصلت بطلاب من جامعة صنعاء ونشرنا أول بيان للثورة، ومن تلك اللحظة وحتى رحيل دكتاتور اليمن علي صالح في 21 نوفمبر لم تتوقف ثورتنا.
لماذا لعبت المرأة مثل هذا الدور البارز في انتفاضة اليمن؟ بعد عشر سنوات ، هل شهدت حقوق المرأة تقدماً أم تراجعاً؟
كانت المرأة اليمنية قائدة التغيير أثناء الثورة السلمية وكذلك أثناء الفترة الانتقالية. وبما أن الديكتاتور علي صالح – كمعظم الديكتاتوريين حول العالم حسب اعتقادي- كان يدرك مدى قوة المرأة فقد أراد تهميشها. إن الدكتاتوريين وإن أرادوا من المرأة المشاركة في الحياة العامة فما ذلك إلا لتزيين أنظمتهم. لكن المرأة اليمنية ليست كما صورها صالح، فنحن أقوياء جداً وتاريخنا حافل بالقيادات النسائية أمثال ملكة سبأ الملكة أروى التي كانت اليمن في عهدها أغنى بلد في المنطقة. وأما الأدوار التقليدية التي أراد لنا صالح أن نلعبها فليست مما يسري في دم أو روح المرأة اليمنية.
لذا حينما سنحت الفرصة رأيتم كثير من النساء في مقدمة الصفوف، حيث قمنا نحن النساء بعمل رائع في قيادة الحوار الوطني. لكن بعد ذلك وبسبب الثورة المضادة - الفوضى والحرب التي شنتها السعودية والإمارات وأيضًا من مليشيا الحوثي المدعومة من إيران- أصبح النساء والأطفال والشعب اليمني ككل ضحايا. غير أن النساء هن أول الضحايا في مثل هذه الظروف مع أنهن هن من قدن التغيير، ولا يزلن.
في مايو 2020، شرعتِ بالعمل في مجلس الإشراف على فيسبوك، ومن حينها كما سمعت وأنت تتعرضين لحملة تشهير عبر الإنترنت، فكيف كان ذلك؟
واجهت حملةً واسعةً من التنمر والتشويه من وسائل الإعلام التابعة للأنظمة الديكتاتورية. يعتقدون أن حملاتهم ستوقفني أو تنال مني، فيما أن ما يقومون به هو العكس، فهم يجعلونني قوية ويعززون إيماني بأني على الجانب الصحيح من التاريخ. بالطبع، هناك أيضًا الكثير من التهديدات من "الذباب الإلكتروني" السعودي لكنني حين اخترت طريقي كنت أعلم أنه سيكون عليا دفع ثمن باهظ. لقد عاهدت نفسي وأولادي وبلدي أن لا أخشى شيئاً سوى عدم القدرة على تحقيق الحرية والديمقراطية. إنني كما سائر الشجعان والعظماء - رجالاً ونساءً في اليمن والمنطقة - على استعداد لدفع ثمن الحرية والديمقراطية.
بدأ التدخل العسكري السعودي في اليمن في عهد الرئيس أوباما. هل تأملين أن تغير إدارة بايدن مسارها؟
نعم، إنني أعلق آمالاً كبيرة على إدارة بايدن. وأهم ما في الأمر أنهم قطعوا وعودًا بأن لا يتجاهلوا انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، وأنهم سيبذلون جهدًا كبيرًا لوقف الحرب في اليمن. أعتقد أن بايدن سيضغط على السعودية لوقف الحرب، وسيوقف كذلك بيع الأسلحة للسعودية والإمارات. إن تشجيع (ولي العهد السعودي) محمد بن سلمان و(ولي عهد أبو ظبي) محمد بن زايد على مواصلة جرائمهما في اليمن يضر بالمصلحة القومية لأميركا وبالسلام العالمي ككل، وأرى أن إدارة بايدن لن تكرر أخطاء إدارة ترامب ولا حتى إدارة أوباما.
صنف وزير الخارجية المنتهية ولايته مايك بومبيو الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، أفي ذلك خطأ؟
لا أثق بترامب ولا قرارات إدارته، رغم أن الحوثيين ومن ورائهم إيران والسعودية والإمارات وميليشياتهم يمارسون تدميرًا منهجيًا وواسعًا ضد اليمن. أي جهود غير موجهة للضغط عليهم معًا لوقف تدميرهم اليمن لن تؤدي إلى صناعة سلام. لذلك، أدعو الإدارة الأميركية القادمة إلى ممارسة هذه الجهود، فأي سياسة تقلل من احتمالية إنهاء سريع وسلمي للحرب في اليمن تضر أكثر مما تضر. يجب أن تكون الأولوية القصوى لإيجاد حل سلمي ينهي المعاناة ويسائل جميع الأطراف.
كشخص كافح لسنوات ضد القوى المعادية للديمقراطية، كيف شعرت عندما رأيت أنصار ترامب ينتشرون في مبنى الكابيتول الأسبوع الماضي؟
ما يحدث في الولايات المتحدة هو بمثابة محاولة انقلاب – وهو أمر محزن للغاية. ثرنا في بلادنا على دكتاتورية لنتمكن من انتخاب رئيس جديد بطريقة ديمقراطية، ولأجل الديمقراطية نضحي بأنفسنا، وها هنا في أميركا رئيس يريد محو الديمقراطية. آمل أن يعزل الكونجرس ترامب وأن يُحاكم عقب ترك منصبه ويعاقب. إذا مر الهجوم على الكونجرس دون عقاب فسيشجع ذلك الآخرين على الاعتقاد بقدرتهم على مهاجمة المؤسسات الأميركية، وأسوأ من ذلك أنه سيشجع الطغاة على الاعتقاد بأنه لم يعد للديمقراطية أي ضمانات. لا بد من محاسبة ترامب: ليس فقط من أجل أميركا ولكن من أجل العالم.
اليمن في قبضة أسوأ أزمة إنسانية في العالم والحرب مستمرة. أين تجدين الأمل في مثل هذه الظروف المذلة؟
أنا مؤمنة بالشعب اليمني، وبقوته وتضامنه. وللأسف يعاني الشعب اليمني من انتصار زائف للثورة المضادة ومن صمت المجتمع الدولي الذي تحالف مع قادة الثورة المضادة. ومع ذلك، فأنا أعلم أن الشعب هو من يربح المعركة دوماً. نحن الآن في الذكرى العاشرة للثورة ولم تتخل الناس في دول الربيع العربي عن الأمل في الحرية والديمقراطية. السعودية لم تنتصر في اليمن، والإمارات لم تنتصر في اليمن، وإيران والحوثيون لم ينتصروا في اليمن. إنهم جميعًا يخشون إرادة الشعب وعزيمته. انظر إلى التاريخ: كل ثورة عظيمة تعقبها ثورة مضادة، لكن ما إن تتحرك عجلة التغيير فإنها لا تتوقف حتى تصل إلى وجهتها. عشر سنوات مدة قليلة في منطقتنا، ومع ذلك أطحنا خلالها بأكثر من سبعة طغاة. لقد قمنا بعمل رائع وسنواصل عملنا لإحداث تغيير كبير في منطقتنا.
لقراءة المقابلة كاملة على موقع مجلة التايم اضغط (هنــــــــــــــــا)