مقابلات صحفية
توكل كرمان لـ القدس العربي: لا أسعى لمنصب سياسي والثورة اليمنية نقلت قضية المرأة من الصالونات الفخمة إلى الفضاء المجتمعي
القدس العربي - حاورها: حسن سلمان: اتهمت الناشطة الحقوقية اليمنية، توكّل كرمان، الحائزة جائزة نوبل للسلام، السعودية والإمارات بتسليم اليمن لجماعة الحوثيين الانفصالية، مشيرة إلى أن التحالف العسكري الذي تقوده السعودية يهدف أساساً إلى تقسيم اليمن ومصادرة قراره السيادي واحتلال جزره والسيطرة على ثرواته الطبيعية.
كما اعتبرت أن اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي رفع الغطاء الدولي عن السعودية ووضع توجهاتها في اليمن فوق الطاولة.
ونفت أيضاً سعيها لشغل أي منصب سياسي في اليمن. واعتبرت – من جهة أخرى- أن الثورة نقلت النقاش حول قضية المرأة اليمنية من الصالونات الفخة داخل فنادق الخمس نجوم إلى فضاء المجتمع بمختلف أطيافه الشعبية.
وقالت توكّل كرمان، في حوار خاص مع "القدس العربي": "في أواخر عام 2015 بعد أشهر قليلة من بداية الحرب، كانت المحافظات الجنوبية ومدينة تعز ومحافظة مأرب في الشمال كلها قد تحررت من الانقلاب الحوثي. وقد مضت منذ ذلك الحين 4 سنوات من الحرب دون أن يسمح التحالف للرئيس الشرعي بالعودة إلى اليمن، أو يسمح للحكومة الشرعية بالقيام بوظائفها كاملة وفرض سيادتها على كل المناطق المحررة. هدف التحالف هو السيطرة على القرار اليمني والسيطرة المباشرة على السواحل والجزر اليمنية ومنابع النفط والغاز ومنشآته، ولأجل ذلك شكل التحالف ميليشات الأحزمة الأمنية في الجنوب، وهي أدوات للإمارات تحديداً، ولا تخضع للحكومة اليمنية".
وأضافت: "تَرَكُوا الحوثيين يسيطرون على أغلب محافظات الشمال ذات الكثافة السكانية، وسلموا المناطق المحررة لميليشيات انفصالية وسلفية تتبعهم وتأتمر بأمرهم، وتركوا اليمنيين في حالة من اللادولة تحت رحمة الميليشيات المتعددة، لكنهم بهذه التوجهات الصبيانية يحفرون قبورهم بأيديهم. هؤلاء لم يستوعبوا تاريخ اليمن، فاليمن بلد كبير وأساسي وذو تاريخ عريق، وتفكيكه وتقسيمه سيحوله إلى شظايا متطايرة في وجه الخليج المجاور له. تقسيم اليمن وإبقاؤه رهينة صراع طويل يعني ذلك أن السعودية والخليج لن يكونوا خارج هذا التدمير والتقسيم".
كما اعتبرت أن الحرب في اليمن كانت مناسبة لجني مزيد من الأموال للدول الغربية، حيث "ضرب دونالد ترامب رقماً قياسياً في جلب الأموال من السعودية عبر صفقات أشبه بالرشوات الدولية، رشوات بمئات المليارات، وإن استمرار ملف الحرب مفتوحاً وما ينتج عنه من تورط السعودية بجرائم الحرب وإخفاقها في حسم الصراع لا يقلق أمريكا ولا الغرب عموماً". وأضافت: "اغتيال جمال خاشقجي بالوحشية التي صدمت العالم رفع الغطاء عن السعودية ووضع توجهاتها في اليمن فوق الطاولة، وأدى ذلك إلى فقدان السعودية لوضعية المساندة الدولية المطلقة، وبدأت تعاني منذ ذلك الحين. لم يحرك العالم استخدامها لغطاء الشرعية من أجل تدمير اليمن وتشريد سكانه وتمكين المليشيات من تقاسم النفوذ على أرضه؛ لأن صوت اليمن خافت، وساهم في ذلك التواطؤ انقلاب الميليشيات الحوثية الذي وفر بيئة مناسبة للتدخلات العسكرية الخارجية".
وفيما يتعلق بتدخل إيران المستمر في اليمن عبر دعمها لجماعة الحوثيين الانفصالية، قالت كرمان: "الحوثييون ورقة مهمة من أوراق إيران في المنطقة ولن تفرط بها. وظهر ذلك واضحاً في توقيت الضربة الأخيرة لأنابيب النفط في ينبع، لكن ذلك حصاد طبيعي للسياسة السعودية العابثة. ومقابل ضرب أنابيب شركة آرامكو السعودية ردت المملكة بجريمة قصف مدنيين في شارع الرقاص بصنعاء قتل فيها العشرات. لقد دمروا اليمن خلال 4 سنوات من الحرب، وهم الذين عملوا مع الإمارات على إسقاط الدولة اليمنية في قبضة انقلاب الحوثي والرئيس المخلوع في سبتمبر 2014. ذلك واضح للجميع، وجاء متوافقاً مع سياستهم في قيادة الثورة المضادة للربيع العربي".
وأضافت: "لإيران استراتيجية واضحة، والجماعات الشيعية المسلحة تدور في منظومتها وتعمل ضمن استراتيجيتها؛ من حزب الله في لبنان إلى الحوثيين في اليمن، وبينهما الجماعات الشيعية العراقية والحشد الشعبي ونظام الأسد حليفهم. وفِي اليمن وجدت فراغاً تاماً، وهي لم تبذل جهداً كبيراً، إذ تبرعت السعودية والإمارات والرئيس الانتقالي والرئيس المخلوع ومكونات حزبية أخرى، كلها تواطأت لجلب الحوثيين إلى صنعاء وتسليمهم الدولة بحسابات صغيرة، والنتيجة أن العاصمة العربية الرابعة أصبحت تدور ضمن استراتيجية إيران ومصالحها. بالمقابل، ماذا فعل التحالف لحلفائه في اليمن؟ لقد شتتهم وأضعفهم واحتجزهم في الرياض والفنادق وأحل ميليشات وأحزمة عميلة محلهم، وعلق اليمن بين المليشيات الحوثية والميليشيات الإماراتية".
وتلخّص توكل كرمان الحل في اليمن بعدة نقاط تبدأ بانسحاب التحالف من الجزر والسواحل التي يحتلها، وعودة القرار لليمنيين في المناطق المحررة، فضلاً عن "تسليم الحوثيين بسلطة الدولة الشرعية والدخول في حوار جاد للعودة إلى استكمال العملية الانتقالية وفق المرجعيات الثلاث: المرجعية الوطنية المتمثلة بمخرجات الحوار الوطني ومسودة الدستور الجديد، واتفاقية نقل السلطة (المبادرة الخليجية)، والقرارات الأممية ومرجعيتها الدولية. وأي حل لا يضمن عودة الدولة اليمنية الموحدة كاملة السيادة على أرضها وصاحبة سلطة حصرية لا ينازعها فيها احتلال خارجي ولا تنازعها المليشيات أياً كانت مسمياتها ، فهو ترحيل للصراع ويهيئ لجولات حرب متوالية".
وتضيف: "تقسيم اليمن ليس حلاً. التقسيم الذي عملت من أجله الرياض وأبوظبي فشل قبل أن يتحقق. لا حل بدون يمن موحد ودولة شرعية اتحادية مدنية حديثة لكل مواطنيها المتساوين في الحقوق والواجبات. السعودية والإمارات تتحملان مسؤولية تاريخية عن إعادة الإعمار وبناء ما دمرته الحرب وتعويض اليمن واليمنيين عن ما ارتكبه التحالف من جرائم وعبث وتدمير في اليمن".
الثورة المضادة
من جانب آخر، اعتبرت توكّل كرمان أن الثورات الشعبية في كل من الجزائر والسودان قامت ضد الشلل والاستبداد والفشل، مشيدة بالتفاعل الإيجابي للمؤسسة العسكرية في البلدين مع الحراك الشعبي والذي أدى إلى إسقاط نظامي بوتفليقة والبشير.
لكنها تتحدث عن فرق كبير بين ثورتي الجزائر والسودان؛ فـ"الجزائر دولة كبيرة وراسخة واقتصادها مستقر، وسبق لها أن مرت بتجربة عصيبة ودامية بعد وأد تجربتها الديمقراطية المبكرة بداية التسعينيات من القرن الماضي، وأتوقع أن تمر عملية الانتقال الديمقراطي بمخاطر أقل من السودان. والجزائر نأت بنفسها-على الأقل حتى الآن-عن تأثيرات محور الثورة المضادة في الرياض وأبوظبي، وعن صراع المحاور عموماً، وهذا عمل مهم وإيجابي للجزائريين وللجزائر وشعبها الثائر ومكوناتها السياسية ودولتها".
وتضيف: "في السودان وقعت قيادة الجيش إلى حد ما تحت التأثير المدمّر لمحور الرياض- أبوظبي. من الواضح ارتباك الجيش وغموض موقفه من الثورة الشعبية، والمراوغة التي اتبعها حتى الآن تطورت إلى مغامرة استخدام العنف والقوة ضد الساحات السلمية للثورة. الثورة مستمرة والعنف لن يكون قادراً على مواجهتها".
ربيع العرب والسعودية
وترى كرمان أن الموجة الثانية من الربيع العربي لن تتوقف عند الجزائر والسودان، بل ستمتد إلى بلدان عربية أخرى كالسعودية وغيرها، مشيرة إلى أن "الأسرة الحاكمة في السعودية رأت في أول هتاف للشارع العربي في 2011 تهديداً لها. هذه المملكة كانت في تاريخ العرب المعاصر منذ الاستقلال عن الاستعمار في منتصف القرن الماضي أداة لمواجهة التغيير في البلدان العربية وأداة لنشر التطرف والإرهاب ومحاربة كل جديد".
وتضيف: "لم تنتظر الرياض وصول الثورة إليها، ورأت في كل ثورة تهديداً لها، واندفعت لقيادة ثورة مضادة، دعمت الانقلابات وغذّت الحروب الأهلية وشاركت فيها بضراوة. حشدت الجماعات الإرهابية لتشوه وجه ثوراتنا، فتحت خزائنها للساقطين ومخلفاتهم. لكنها – بكل أعمالها- تحفر قبرها بيدها. اليوم تقف السعودية دون حليف موثوق لا من الدول ولا الشعوب ولا التيارات السياسية والحزبية. أصدقاؤها يبتزونها بمئات المليارات، والمتضررون من سياساتها العدوانية يتضاعفون. وربما تكون ساعة سقوط المملكة قد آن أوانها. لم تعرف السعودية طوال تاريخها بهذا الارتباك والانكشاف كما هي عليه الآن. كل عوامل السقوط بدأت تظهر تباعاً من داخلها قبل أن يكون ذلك من خارجها. فالسعودية عدو نفسها".
على صعيد آخر، كشفت توكل كرمان عن الدور الكبير الذي قامت به المرأة في الثورة اليمنية، فـ»المرأة في مقدمة الصفوف في توحد شمل كل فئات المجتمع، رجالاً ونساء وشباباً وكهولاً، تحت هدف واحد هو التغيير. والتغيير السلمي كان منهج ثورة 11 فبراير في اليمن وثورات الربيع العربي عموماً، وكانت سلمية الثورة باباً واسعاً اجتذب كتلة سكانية نسوية واسعة من كافة أرجاء اليمن، للإسهام في صناعة التغيير وللمشاركة في أهم حدث في تاريخ مجتمعها".
وأضافت: "قبل ثورتنا السلمية الشعبية في اليمن، كان النظام الحاكم يستخدم تعيينات محدودة للمرأة لا تتجاوز وجود وزيرة في تشكيل حكومي، أو امرأة في المجلس النيابي ليقول للمنظمات المانحة والعالم إنه يقوم بخطوات تحديثية ويتيح المجال للمرأة، وهي حالات معزولة دعائية لا تعبر عن نهجه الإلغائي للمرأة، وتبنيه لكل فكر متطرف ينتقص منها ويصادر حقوقها".
وترى كرمان أن ثورة التغيير اليمنية "أطلقت قضية المرأة اليمنية من الصالونات المعزولة للندوات التي تقيمها منظمات المرأة والمجتمع المدني في فنادق الخمس نجوم إلى فضاء المجتمع وساحاته، وخاطبت كل نساء اليمن اللواتي شاركن في الصفوف الأولى للثورة في فعل جسور يتحدى الموت والرصاص، وهتفن بالآلاف لتحرر المجتمع والمطالبة بالتغيير ودولة المساواة والقانون".
وتقول عن تجربتها في الحراك الثوري: "لم أكن سوى نموذج لهذا الحراك الشعبي المجتمعي الذي عبر عنا جميعاً، رجالاً ونساء، وعندما أُعلن فوزي بجائزة نوبل للسلام، رأت كل امرأة يمنية في ذلك تكريماً رمزياً لها، ورأى كل من شاركوا في ثورة 11 فبراير 2011 ذلك التكريم العالمي اعترافاً بإرادتهم الحرة وتكريماً لها قبل أن يكون تكريماً للمرأة اليمنية، وتكريماً لي كأحد أبناء هذا الشعب الساعي إلى الانعتاق من قيود التخلف والاستبداد".
وتضيف: "في مصر وسوريا كان حال المرأة أفضل قبل الثورات الشعبية مقارنةً باليمن، لكن مشاركة المرأة اليمنية وارتفاع مستوى الحس السياسي في أوساطها، بالإضافة إلى الحيوية السياسية التي شهدها اليمن في تجربة تحالف "اللقاء المشترك" سنوات ما قبل الثورة، كل ذلك ارتفع بدور المرأة ومستوى مشاركتها في الثورة الشعبية، وربما فاق دور نظيراتها في بقية ثورات الربيع العربي".
وحول إمكانية لترشحها لرئاسة اليمن مستقبلاً، تقول كرمان: "كل ما أفكر فيه حالياً هو العمل من أجل دولة لكل اليمنيين، تضمن أمنهم واستقرارهم وتصون كرامتهم وحقوقهم. أهدافي الآن هي طرد الاحتلال السعودي الإماراتي من اليمن وإسقاط الانقلاب الحوثي وعودة الدولة اليمنية الشرعية لاستكمال مهام العملية الانتقالية وفق المرجعيات الثلاث المتفق عليها، ووفق مرحلة انتقالية جديدة تتفق عليها كل المكونات على قاعدة عودة الدولة وإقرار الجميع بشرعيتها. والشرعية هي للمبادئ وليست محصورة في الأشخاص، ومن يخرج عن المبادئ والأسس المُحدّدة لشرعية الدولة، ويفرّط بسيادتها وأرضها للمحتل، يضع نفسه في مربع الخيانة".
لقراءة الحوار على موقع صحيفة "القدس العربي" اضغط (هنـــــــــــــــــا)