مقابلات صحفية
حوار الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان مع موقع ميدل إيست آي
توكل كرمان، ذائعة الصيت بـ"أم الثورة " في اليمن، كما كانوا يسموها آنذاك، تعززت شهرتها في انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح. وبالتزامها على رأس واحدة من أكثر الحركات الشبابية فاعلية خلال الربيع العربي في اليمن، حصلت على جائزة نوبل للسلام للعام 2011.
تغير المشهد السياسي في اليمن بعد أربع سنوات: أُجبر الرئيس المنتخب في نهاية الثورة من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من صالح على الخروج من بلده. وأما بالنسبة لتوكل كرمان، ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها تهديدها بالقتل، فهذه المرة تقلت تهديدات لمبادراتها بدعم الضربات الجوية من قبل السعوديين، الذين قصفوا الحوثيين منذ أكثر من ستة أسابيع. اليوم تعيش خرج بلدها، تتحدث إلى "ميدل إيست آي" عن مصير الانتفاضة في اليمن والأنماط التي يمكن أن تعمل على إعادة إعمار بلدها.
عندما كُنتِ في ساحة التغيير في عام 2011 هل كنت تتخيلين أن مثل هذه الأحداث ستحدث ؟
- كنت أتوقع الكثير من المتاعب بسبب طبيعة النظام القبلي القائم على القبيلة، والذي تسببنا في سقوطه بنزولنا إلى الشارع. ومع ذلك لم يكن أحد يتصور الوضع الحالي.
فالمطالب التي قدمناها قبل أربع سنوات كانت واضحة وبسيطة، ونحن لم نخسرها: طالبنا بالديمقراطية والسلام. أردنا أن نعيش في اليمن الديمقراطي حيث لا يمكن إقصاء أحد؛ والذي من شأنه إعادة إرساء سيادة القانون بحيث تكون الدولة محتكرة الحق في امتلاك الأسلحة وتكون هي السلطة السيادية الوحيدة في البلاد.
لقد حققنا هذا الهدف تقريبًا من خلال حوار وطني شامل، دام لفترة شاركت فيه جميع القوى اليمنية الفاعلة، بما في ذلك الحوثيون. تمكنا من الاتفاق على وثيقة ترسم خُطط الدولة الجديدة، وكُنا على وشك إجراء استفتاء حول مسودة الدستور، والذي يضمن الحقوق والحريات للجميع، ويضع كل الطموحات للدولة الحديثة. وتعتبر مسودة الدستور هي نتاج هذا الحوار الوطني، الذي ترك المجال لكل الأطراف في المشاركة بالحديث وفي صياغة هذه المسودة، بمن فيهم الحوثيون. وللأسف، فإن الميليشيات الحوثية والرئيس المخلوع صالح وبدعم غير مشروط من إيران، أثارت انقلابا وألغت كل شيء اتفقنا عليه. وقد فرضوا الإقامة الجبرية على الرئيس الشرعي ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة الوزارية. ثم بدأوا في احتلال المدن وصادروا جميع حقوقنا المدنية وحرياتنا، في انتهاك صارخ لمكتسبات ثورة فبراير السلمية، وكل ما اتفقنا عليه.
أنتِ الحائزة على جائزة نوبل للسلام، ما هو شعورك حول العنف الذي أطلق له العنان في بلدك؟
- أشعر بحزن عميق وألم كبير. ومع ذلك فأنا مقتنع بأن شعبنا سيتمكن قريبا من وضع حد لهذا العنف غير المبرر وأنه سيفرض السلام والديمقراطية؛ سينجح شيئًا فشيئًا رغم كل العقبات. هذا هو حلمنا. إن حلمنا وتطلعاتنا وآمالنا والتزامنا الأخلاقي قوي للغاية بحيث سيمكننا من تحقيق هذا الهدف، ولا شك في ذلك.
أطالب بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه أثناء مؤتمر الحوار الوطني، دون استخدام القوة وبعيدا عن أي شعور بالانتصار وأي قمع أو قيود.
إن الدولة التي ننادي بها سوف تحتكر حق امتلاك واستخدام الأسلحة، ولن تلجأ الجماعات السياسية المختلفة إلى العنف أو القوة لتحقيق أهدافها. هذا هو بالضبط ما اتفقنا عليه أثناء الحوار الوطني، الذي نجح في الانعقاد لمدة عام واحد وتم الترحيب به من قبل العالم أجمع.
أين أنتِ الآن؟ متى ستعودين إلى اليمن؟ وأليسَ من الخطر بالنسبة لك أن تعودين؟
- في هذه اللحظة، أعيش خارج اليمن. أنا في مرمى المليشيات الحوثية والرئيس المخلوع صالح الذين يمنعونني من الدخول إلى اليمن أو الخروج منها، منذ أن استولوا على جميع المؤسسات العامة. لكنني أناضل إلى جانب شعبنا لاستعادة الديمقراطية والسلام. أنا على اتصال دائم بالمكونات السياسية والشباب، الذين أعمل معهم لتحقيق هذا الهدف النبيل.
أما عن عودتي إلى اليمن وما إذا كان من الحكمة بالنسبة لي أن أواجهها، فأستطيع أن أقول لك إن عودتي إلى اليمن تنطوي على مخاطرة. فقد زرعت مليشيات الحوثي ومليشيات الرئيس المخلوع صالح الموت في كل مكان في اليمن. لقد جعلوا من البلاد سجنا ضخما حيث يقومون بارتكاب جرائم القتل والتعذيب، وكل من يعارضهم يقومون بمعاقبته. لكننا لا نفقد الأمل: فالسلام والديمقراطية والحرية والعدالة سيسودان في نهاية المطاف. على العكس، أود أن أقول إن الشدائد تعزز دائما من عزيمتنا على إنجاز هذه المهمة.
في عام 2012 كنتِ تجلسين على طاولة المفاوضات مع الحوثيين كجزء من الحوار الوطني. هل ندمت على ذلك؟ هل من الممكن استئناف الحوار مع الحوثيين؟
- لا أندم على أي شيء! كيف يمكن أن أندم على مثل هذا الشيء؟ لقد دعوناهم للانضمام إلى الثورة السلمية عام 2011. لقد بدأنا الحوار وجلسنا معهم حول طاولة مع المكونات المختلفة للشعب اليمني. ترأست أعلى هيئة، التي نظمت التحضيرات للحوار الوطني، ثم اللجنة العليا المسؤولة عن التوفيق بين الخصوم للانخراط في الحوار، بما في ذلك الحوثيون. هذه ثورتنا السلمية. فقد شملت جميع طبقات المجتمع، وشارك الجميع في تحديد خصائص اليمن الجديد. اتفقنا على نتائج المؤتمر للحوار الوطني وكنا على وشك قلب صفحة الماضي. ولسوء الحظ، منعنا انقلاب مليشيا الحوثي والرئيس المخلوع صالح، وتعطل كل شيء.
أما بالنسبة للحوثيين، فلا يمكنني توقع أي شيء عنهم إذا استمروا في القيام بعكس ما وعدوا به. نطالب بأن تترك المليشيات المدن وتسلم الأسلحة وتتحول إلى حزب سياسي. هذه خطوات مهمة وهي جزء من الاتفاق الذي وقعناه مع الحوثيين. إذا تم تبني هذه الإجراءات، ستعزز الثقة بين الحوثيين وبقية اليمنيين.
وعندما يقررون ذلك في النهاية، سنعمل بأن يكون لهم الحق في المشاركة في الحياة السياسية ولن نقبل أبدًا استبعادهم.
ارتكب الحوثيون فظائع في جميع أنحاء البلاد. وقتلت الغارات الجوية العديد من الناس، وأصيبت البنية التحتية الرئيسية في اليمن بأضرار. هل هذا يقلقك؟
- أنا بالأحرى قلقة وأدعو جميع الأطراف المعنية إلى احترام القانون الإنساني الدولي وتجنيب المدنيين والنساء والأطفال على وجه الخصوص ويلات الحرب. أصر على نقطة مهمة: أي فشل في تلبية هذه المتطلبات لن يتم إغفاله من قبل القانون الإنسانين بل يعتبر أيضًا جريمة ضد الإنسانية، لا تسقط بالتقادم نتيجة لذلك.
هذا هو الوضع الحالي في اليمن: مليشيات الحوثي المتحالفة مع الرئيس المخلوع علي صالح بدعم من إيران احتلت العاصمة والعديد من المحافظات اليمنية. وطردوا الرئيس ومجلس الوزراء والسلطة المؤقتة المختارة لقيادة العملية الانتقالية. لقد انتهكوا جميع الحقوق المدنية والحريات الأساسية للمواطنين. وهم متورطون في جميع أنواع عمليات القتل والاختطاف، ويضطهدون كل من يعترض طريقهم. دمروا المنازل، هجروا مئات الآلاف من المواطنين. وبناء على دعوة من الرئيس هادي والحكومة وافقت المملكة العربية السعودية على التدخل. وهناك مقاومة شعبية ضد المليشيات، وكذلك القوات الموالية للرئيس هادي. هذا ما يحدث الآن في اليمن. لذا ماذا أفعل؟
عرفنا ما يكفي من الحروب والعنف. وأدعو دائمًا إلى حل شامل يستند إلى وقف لإطلاق النار ويضع حداً للعنف مع تطبيق نتائج مؤتمر الحوار الوطني، وفي مقدمتها ما يلي:
تنسحب ميليشيا الحوثي من المدن التي تحتلها وتسلم أسلحتها إلى السلطة المؤقتة التي انتخبها الشعب ويمثلها الرئيس هادي وحكومة رئيس الوزراء خالد بحاح كما كان متفقا عليه من قبل مع الحوثيين.
تصبح المليشيات حزبا سياسيا.
يتم إجراء استفتاء لتقرير الدستور الذي تم صياغته وفقاً لنتائج الحوار الوطني والذي تم اعتماده بالفعل.
تجرى الانتخابات وفقا للدستور الجديد.
يتم تنقيح مذكرة وطنية جماعية من خلال المصالحة الوطنية الحقيقية، استنادا إلى مبادئ العدالة الانتقالية الحقيقية، بما يتماشى مع المعايير الدولية.
كل هذا مهم جدا إذا أردنا استعادة الديمقراطية والانخراط في عملية سلام دائم في اليمن. في نهاية المطاف، سيكون علينا الاختيار بين البقاء في حالة حرب دائمة أو إنهاء العنف لإحلال السلام. وأنا على ثقة بأن شعبنا سيصوت لوقف العنف ودعم السلام والديمقراطية.
الكثير من الشخصيات في حزبكم، حزب الإصلاح، هم إما في المنفى أو في السجن أو مخفيون. كيف يمكن للإصلاح استعادة مكانته؟
- فعلا، التجمع اليمني للإصلاح تعرض لاضطهاد الحوثيين، بل هذا أيضا مصير الشباب الذين شاركوا في الثورة السلمية سواء كانوا من أحزاب أو أي توجه هم أيضا يعانون من عمليات الخطف والاغتيالات. ومع ذلك، كيف يمكن لهذا الاضطهاد والقمع أن يدمر حزبا سياسيا كبيرا وقويا، ولديه الخبرة الكبيرة والدعم الشعبي الهائل؟ ما ينطبق على الإصلاح ينطبق على الآخرين أيضًا. ليس اضطهاد مليشيا الحوثي هو الذي سيقتلهم. سوف تعود العملية الديمقراطية إلى طبيعتها قريباً، وسيكون الجميع قادرا على العودة إلى البلد، بما في ذلك حزب الإصلاح. لذلك لن نسمع مجددا عن الاحتجاز التعسفي أو الاختطافات السياسية.
هل يمكن لهذا الصراع إيجاد مخرج عسكري؟ ولماذا لا يوجد حل سياسي للصراع؟
- كما قلت لك من قبل، لا نريد الحرب أو العنف. نحن نحلم بالديمقراطية والسلام، ونحن عازمون على تحقيقها.
سوف نسعى جاهدين لحل ينهي الحرب. كما قلت سابقا، أنا واثقة من أن هذا الحل يجب أن يستوفي عددا من المتطلبات إذا أردنا أن يكون مستداما وناجحا. يجب إعادة تأسيس السلطة الشرعية، التي تم تحديدها بالفعل على هذا النحو، وأن تتحمل مسؤولية العملية الانتقالية. حكومة الرئيس هادي وخالد بحاح هي الممثل الشرعي لهذه السلطة. يجب منحهم الوسائل لممارسة سلطاتهم للوفاء بمهمتهم في جميع المؤسسات والخدمات العامة والمحافظات اليمنية. يجب السماح لهم بتنفيذ قرارات الحوار. يجب تسليم المليشيات جميع أسلحتها إلى الدولة، لتصبح المالك الحصري للأسلحة، وبذل كل جهد ممكن لمنع وصول الأسلحة إلى أي شخص في اليمن، باستثناء الدولة نفسها. يجب أن يكون الدستور موضع استفتاء. وسيكون من الضروري إجراء انتخابات بعد ذلك، وهو ما يعني تحول المليشيات إلى أحزاب سياسية، وهو شرط أساسي لمشاركتهم في العملية الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، فإنه من الضروري تنفيذ مشروع كبير لإعادة الأعمار والتنمية، على غرار خطة مارشال التي استفادت منها ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون أولويتنا القصوى هي التعليم. في رأيي المتواضع، وحده التعليم القادر على القضاء على الجهل والتطرف والعنف.
هل تعتقدين أن الوضع قد يتغير في اليمن؟ هل يمكن أن يعود إلى ما كان عليه من قبل؟
- بالتأكيد. سوف تصبح البلد مثل ما كانت من قبل. إنه أملنا وحلمنا، ونفعل كل شيء لإنجازه. وعلى الرغم من كل أعمال القتل والعنف هذه، فأنا متأكدة من أن شعبنا سيحقق السلام ويقيم الديمقراطية. أراهن على ذلك وهذا ما سيحدث، إليك كلمتي. خذي بعض الوقت لدراسة تاريخنا: سوف تكتشفين أن الشعب اليمني يكره التطرف؛ ويحب الحياة ويحب التغلب على التحديات والصعاب.. سينتصر الشعب اليمني ولن يتم تدميره أبدا.
لقراءة المقابلة من موقع ميدل إيست آي اضغط (هنـــــــــا)