مقابلات صحفية
حوار الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان مع مجلة الأخبار التلفزيونية الألمانية كونتكس.تي.في
أجرت مجلة الأخبار التلفزيونية الألمانية "كونتكست ت في" حواراً مع الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان على هامش المؤتمر العالمي للمكتب الدولي للسلام "نزع السلاح من أجل مناخ السلام" في جامعة برلين التقنية فيما يلي نصها:
ديفيد جوسمان: مرحبا بكم في مدينة التواصل... هنا في المؤتمر العالمي للمكتب الدولي للسلام، "نزع السلاح من أجل مناخ للسلام،" في الجامعة التقنية ببرلين. ضيفنا التالي هو توكل كرمان، وهي ناشطة يمنية حازت على جائزة نوبل للسلام في العام 2011 لكفاحها في الربيع العربي من اجل حقوق المرأة والديمقراطية والحرية.
مرحبا بك توكل كرمان، إنه لمن دواعي سروي اللقاء بك.
- شكرا لك على استضافتي وعلى هذه المقابلة... شكرا لك!
لماذا انت هنا في مؤتمر السلام؟
- أنا هنا لأتبادل وزملائي صناع السلام ما يمكن تبادله بشأن عالمنا والأنشطة التي يمكن القيام بها من أجل صناعة السلام حول العالم، من أجل خلق سلام مستدام والذي يعني تنمية مستدامة، من أجل أن نقول لكل العالم وللمجتمع الدولي ولقطاع العمل وكل القطاعات الفاعلة بأن السلام بحاجة الى تنمية، فلا سلام من دون تنمية كما لا تنمية من دون سلام. نحن هنا من أجل الدعوة لنزع السلاح والحث على بذل الكثير من الجهد لمكافحة التسلح غير المشروع بما فيه التسلح النووي ومن أجل نزع السلاح من كافة الميليشيات والجماعات المسلحة التي تتزايد حول العالم ولاسيما في الجزيرة العربية وفي اليمن على وجه الخصوص.
وهذا ما سيكون عليه الحال مع ميليشيا الحوثي أو غيرها من الميليشيات التي تكتسب السلاح وتمتلكه من أجل ان تستخدمه كأداة لقتل إرادة الشعوب، كأداة للثورة المضادة والانقلاب ضد التغيير السلمي.
كنت أحد المتحدثين في الانتفاضة التي شهدتها اليمن في العام 2011 في وجه الرئيس آنذاك علي عبد الله صالح. فهل لك ان تضعينا في الصورة لأن كثير من مشاهدينا ومستمعينا لا يعلمون ما الذي حدث في السنوات الأخيرة في اليمن، فما الذي حدث؟
- ما حدث يمكن أن نجمله في ثلاث مراحل، خاصة وأننا بدأنا في العام 2011؛المرحلة الأولى وهي مرحلة النضال السلمي والذي بدأ في عام 2011 كنتيجة لرغبة الناس في دولة تقوم على أساس الديمقراطية والحرية والمساواة وحكم القانون والسلام والتنمية، لذا قاموا بثورة سلمية عظيمة ضد الدكتاتور علي صالح واستطاعوا ان يجبروه على الاستقالة في نوفمبر 2011. كانت هذه هي المرحلة الأولى وهي مرحلة في غاية الأهمية عند الحديث عن اليمن.
المرحلة الثانية وهي المرحلة الانتقالية والتي كانت أيضا مرحلة سلمية دخلها اليمنيون جميعا وهم متسلحون بالسلمية والتسامح والقبول بالآخر حتى مع حزب الدكتاتور نفسه. أجرينا حوارا وطنيا، وكان حوارا عظيما استمر حولي تسعة شهور، وكان ذلك في العام 2013، ووقعت عليه كافة القوى السياسية في اليمن بما في ذلك ميليشيا الحوثي وتحالف علي صالح... أنجزنا مسودة الدستور الرائعة التي تعين اليمن على العبور الى المستقبل وتجعل منه بلدا ديمقراطيا ينعم بالعدالة الاجتماعية وبالديمقراطية والسلام.
المرحلة الثالثة وهي مرحلة الانقلاب الذي قاده المخلوع علي صالح وميليشيا الحوثي وانقلبوا بذلك على كل الوسائل السلمية وأطاحوا بالدستور الذي كنا على بعد خطوات من اجراء استفتاء عليه، وانقلبوا على الحوار الوطني وعلى الرئيس الشرعي والحكومة الشرعية وقادوا حربا دموية قذرة ضد اليمنيين.
اذن اليمنيون الآن يعيشون المرحلة الثالثة من مرحلة التغيير هذه، وهي مرحلة الحرب، وهي حرب بشعة قادها المخلوع علي صالح وكذلك ميليشيا الحوثي لينالوا من الجمهورية نفسها ومن قيم حقوق الانسان، قيم المساواة والديمقراطية التي ضحينا من اجلها... وهنا لم يكن امام الرئيس الشرعي هادي سوى الطلب من التحالف العربي بقيادة السعودية لمساعدته في الوقوف بوجه الانقلاب.
نحن الآن في حالة بين التحالف العربي بقيادة السعودية في صف الرئيس هادي من جهة وبين ميليشيا الحوثي والمخلوع علي صالح من جهة ثاني وبمساندة ايران. اذن هذا هو الوضع في اليمن حيث يعاني المدنيون كثيرا، لذا فنحن ندعو الى وقف هذه الحرب والشروع حالا بهدنة تتوازى مع تسليم الأسلحة من قبل الميليشيا. على الميليشيا تسليم الأسلحة للدولة والانسحاب من كافة المدن التي احتلوها... وأنا هنا أتحدث عن ميليشيا الحوثي... ثم بعد ذلك التحول الى حزب سياسي يشارك في الحياة العامة والسياسية دون استخدام العنف ودون استخدام السلاح، وبعدها سنبدأ بإجراء الاستفتاء على الدستور ومن ثم الانتخابات. كل هذا ينبغي ان يحدث في اطار قانون العدالة الانتقالية التي يجب ان ننشرها ونحققها... كما سيتعين علينا إجراء إصلاحات اقتصادية، وعلينا ان نحقق نموا اقتصاديا بجانب العملية السياسية لأنه اذا لم يكن هناك دعما اقتصاديا فهذا يعني أن كل شيء سينهار كما حدث في السابق.
كيف هو الوضع الإنساني للمدنيين على الأرض في اليمن في الوقت الراهن؟ وما الذي تقوم به المملكة العربية السعودية؟ أعني، لدينا تقارير تفيد بأن المملكة العربية السعودية تقصف عشوائيا المستشفيات وأيضا المدنيين في اليمن، ما قراءتك لهذه المسألة؟
- الوضع الانساني في اليمن سيء للغاية نتيجة للحرب. كان الوضع سيء للغاية اثناء حكم الرئيس المخلوع والدكتاتور علي عبد الله صالح، لذا قمنا بثورة سلمية ضده. واليوم ازداد الوضع سوءا جراء الحرب التي بدأها الرئيس المخلوع، والمدنيون اليوم هم الضحية لهذه الحرب. مثلما نتحدث عن استهداف المدنيين من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، وهذا صحيح وانتقادها عين الصواب، لكن علينا في المقابل تسليط الضوء ايضا على الجرائم التي ترتكبها ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح المسنودة من ايران.
اذ ليس من العدل الحديث عن دور التحالف العربي بقيادة السعودية في استهداف المدنيين دون الحديث عن دور مليشيا الحوثي وصالح... من المهم جدا الحديث عن ذلك وانا من هنا ادعو وسائل الاعلام للحديث عن ذلك والتركيز أيضا على الجرائم التي حدثت في اليمن على يد الحوثيين بمساندة إيران. لقد ساعدت ايران الانقلابين لإسقاط اليمن والجمهورية. لدينا اليوم عشرات الآلاف من المخفيين في ظل ميليشيا الحوثي والمخلوع التي احتلت اليمن واحتلت العاصمة.
نعم نحن ضحايا هذه الحرب، لكننا في المقام الأول نحن ضحايا التدخل الإيراني في اليمن ودعمهم للمخلوع ولميليشيا الحوثي انتقاما من اليمنيين... ونحن ضحايا التحالف العربي بقيادة السعودية الذي اتى لمساندة الرئيس هادي في استعادة اليمن، لكن هناك استهداف للمدنيين من قبله وهذا الاستهداف يلاقي الاستهجان والنقد من قبلنا أكثر من أي شيء آخر.
ما هو دور الولايات المتحدة الأميركية في هذا الصراع؟ اعني أن الأميركيين يرسلون بالأسلحة للمملكة العربية السعودية كما تفعل أيضا ألمانيا. الولايات المتحدة تستهدف الناس في اليمن من خلال الطائرات بلا طيار فيما يسمى بالحرب على الإرهاب. أقارب ضحايا الطائرات بلا طيار حاولوا مقاضاة ألمانيا، فألمانيا تدير القاعدة العسكرية المشغلة للملاحة الجوية لطائرات الدرونز. ما تعليقك على مسؤولية الولايات المتحدة الأميركية والى أي مدى ألمانيا مسؤولة أيضا فيما يخص الصراع وسقوط الضحايا في اليمن؟
- أنظر، اذا ما تحدثنا عن دور الولايات المتحدة الأميركية فعلينا ان نتحدث عن المجتمع الدولي ككل والذي لم يقدم أي مساعدة للشعوب في نضالها من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية. المجتمع الدولي للأسف سمح للمستبدين بقتل شعوبهم، خذ على سبيل المثال ما يجري في سورية. لم يساعدوا السوريين في معركتهم العادلة ضد الدكتاتور بشار الأسد. المجتمع الدولي حقيقة لم يفعل شيء إزاء الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الدكتاتور بشار الأسد او علي صالح ضد شعبهم، بل التزم الصمت حيال ذلك.
إنهما مجرمان ويجب على المجتمع الدولي ايقافها وايداعهما السجن، وعلى محكمة الجنايات الدولية محاكمتهما، عليها ان تجمد ارصدتهم... هذه الأموال يجب ان تعاد للناس. اننا اليوم أمام ازديد مضطرد للجرائم في العالم جراء صمت المجتمع الدولي، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فيما يتعلق بالاتفاق النووي فإننا ندعو من هذه المؤتمر الى وقف العملية النووية في الدول التي تسعى الى تطوير صواريخ نووية. لكننا نقول أيضا أنه لا يجب مكافأة الدول يتم تشجيعها على وقف التسلح النووي بالسماح لها بقتل شعبها. خذ مثال على ذلك ما يحدث في ايران التي ابرم المجتمع الدولي معها اتفاق النووي لكنه كافأها بالمقابل بإطلاق يدها في السيطرة على منطقة الجزيرة العربية.
هذا ليس عدلا، الشعوب اليوم مهددة في حريتها. والولايات المتحدة هي راعية هذا الاتفاق. انهم يبيعوننا كما العبيد بينما شعوبنا متواجدة في الشوارع تنادي بالحرية والعدالة. من ناحية أخرى، انا ضد بيع السلاح أيا كان نوعه للمستبدين، الذين لا أطالب فقط بوقف بيعهم السلاح، بل وبمحاكمتهم. أقول لهم لا تدعوهم يقتلون شعوبهم، أقول لهم لماذا هذا الصمت الرسمي من قبلكم إزاء جرائم علي صالح وميليشيا الحوثي. على الأقل تحدثوا، فقط تحدثوا! لماذا هذا الصمت على جرائم المخلوع صالح وميليشيا الحوثي؟ نعم أقول أوقفوا بيع السلاح لأي نظام مستبد وأيضا لأي نظام يقتل شعبه، يجب ان يتوقف ذلك على الفور.
بلغ عدد المهجرين في اليمن 2.8 مليون شخص جراء العنف المستمر والصراع في بلدكم. 170 الف شخص فقط اتجهوا اما الى السعودية او عمان او الصومال، والبقية عالقين على الخطوط الساحلية والصحارى حسب المتحدث الرسمي باسم المفوضية العليا للاجئين. هل لك ان تتحدثي عن اللاجئين في بلدك، اذ نكاد لا نسمع مطلقا عنهم بينما الصحافة ووسائل الاعلام تعج بالأخبار عن أزمة اللاجئين في أوروبا منذ عام.
- بسبب اللاجئين في أوروبا... أغلب اللاجئين اليمنين مهجرين داخل اليمن. هناك أكثر من عشرة ملايين مهجر داخل اليمن، ولم تتح لهم فرصة السفر وتشكيل موجات هروب جماعي كما حدث في سوريا. لكن هناك لاجئون في جيبوتي وفي عمان وفي السعودية. لكنه عدد يعتبر هنا في ألمانيا قليل. اللاجئون بحاجة الى مساعدات كبيرة، وهناك حاجة ملحة للتركيز على هذا الموضوع وتقديم المساعدات الإنسانية لهم والتعامل معهم كبشر واعطاءهم حقوقهم.
اللاجئون اليمنيون هنا في ألمانيا قليلون جدا، لم ادري ان كان هذا الرقم صحيحا او لا، لكن حسب ما أعلم انهم الف لاجئ فقط. وهم بحاجة لأن يعاملوا كبقية اللاجئين وينالوا حقهم في التعليم والصحة وفي كل شيء طالما وهم في بلد عظيم كألمانيا. ذات الشيء ينطبق على بقية الدول. علينا ان نحترم حقوق اللاجئين كبشر، فهم فروا من الاستبداد ومن الإرهاب، خصوصا أولئك القادمين من سورية. وعلينا كمجتمع دولي وكدول استضافتهم ومعاملتهم كبشر. وأنا هنا حقيقة اجدها فرصة مناسبة لأشكر ألمانيا دولة وشعبا ومجتمع مدني لجهودهم العظيمة التي بذلوها لمساعدة اللاجئين هنا.
يتمثل الحل الناجع لمشكلة اللاجئين في العدالة ووقف الحرب وإزالة السبب الذي قاد الى الحرب، ألا وهو الاستبداد. فالاستبداد هو من تسبب بكل هذا القتل، وهو من أجبر الناس على الفرار وترك بلدهم. واذا ما اردنا ان نحل أزمة اللاجئين فعلينا أولا مساعدتهم على انهاء الاستبداد ورفع الظلم. كما ان التنمية عامل مهم في محاربة الفقر. يجب بذل الجهود من اجل خلق تنمية مستدامة، فنحن بحاجة الى تنمية مستدامة من أجل سلام مستدام، وحينها نستطيع ان نجعل عالمنا آمنا وأكثر استقرارا.