كلمات
حديث توكل كرمان في ندوة حول الشجاعة العالمية والعمل المحلي
شاركت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، في ندوة خاصة بعنوان "انهض وتحرك: حوار حول الشجاعة العالمية والعمل المحلي"، نظمتها منظمة "The Soul of Money Institute" الأمريكية، بتاريخ 12 نوفمبر 2025، تناولت خلالها الشجاعة، الديمقراطية، مسؤولية الجيل الجديد، ودور المال في خدمة الإنسانية.
وفيما يلي نص الحديث الذي دار في الندوة:
مقدمة إدارة الحلسة: ضيف جلستنا لهذا اليوم هي السيدة توكل كرمان.
حصلت توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام عام 2011 تقديرًا لجهودها في الدفاع عن حقوق المرأة والديمقراطية في اليمن. وقد أصبحت أول امرأة عربية، وثاني امرأة مسلمة، تفوز بجائزة نوبل للسلام، كما كانت أصغر حائزة على الجائزة حينها وهي في الثانية والثلاثين من عمرها.
توكل أمّ لأربعة أطفال رائعين، وصحفية بالمهنة، وناشطة حقوقية بالفطرة. وقد واجهت الاضطرابات السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن بتعبئة الآخرين والإبلاغ عن المظالم.
في عام 2007 بدأت تنظيم احتجاجات أسبوعية في العاصمة صنعاء، موجّهة ضد القمع المنهجي ومطالبة بالتحقيق في قضايا الفساد وأوجه الظلم الاجتماعي والقانوني. واستمرت احتجاجاتها الأسبوعية من 2007 حتى 2011، حين وجّهت المتظاهرين لدعم أحداث الربيع العربي. وقد قادت مئات الاحتجاجات ضد النظام الدكتاتوري في اليمن، مدافعة عن الديمقراطية وحرية التعبير. أسست منظمة "صحفيات بلا قيود"، ومجلس "شباب الثورة السلمية"، ومؤسستها الخاصة التي سنتحدث عنها في نهاية اللقاء.
هي شخصية جريئة وصريحة، وتعرّضت للاعتقال مرارًا بسبب مواقفها المؤيدة للديمقراطية وحقوق الإنسان. تُعرف بلقب "أم الثورة"، و"المرأة الحديدية"، و"سيدة الربيع العربي". وقد اختارتها مجلة "تايم" ضمن أكثر 17 امرأة متمرّدة في التاريخ، وكذلك ضمن أكثر النساء تأثيرًا في القرن الماضي، ووضعتها على غلاف عدد "أقوى 100 امرأة في العالم". ومنذ فوزها بالجائزة، تواصل دعم الصحفيات والوقوف ضد الفساد وانتهاكات السلطة. ومن أشهر أقوالها: "عليك أن تكون قويًا، وأن تثق بنفسك، وأن تعرف أن لديك القدرة على تحقيق حلمك."
والحديث معها، ومرافقتها في الوفود، وسماعها وهي تتحدث، كان ولا يزال من أعظم امتيازات حياتي. فشجاعتها وصلابتها وإصرارها لا توصف. شكرًا لكِ يا توكل كرمان. إنه لشرف كبير أن تكوني معنا اليوم. أهلًا بك.
توكل كرمان: بداية ارحب بكما واشكركما على دعوتي لهذه الفعالية المهمة. وأود أن أعبر عن اعجابي بعنوان الفعالية، "صحوة"، الذي ما إن رأيته قلت يا إلهي، هذا هو الشعار الأمثل لي، لأنه يُمثّل مسيرتي منذ البداية، أي دعوة أبناء بلدي إلى أن يستيقظوا، وذلك من خلال المقالات التي اكتبها، والاعتصامات التي ادعو لها، والمظاهرات التي انظمها. كنتُ أحمل مكبر الصوت (ميكروفون)، وأسير من حي إلى آخر، ومن ساحة التغيير في جامعة صنعاء إلى غيرها من الساحات في محافظات اليمن، وأنادي اليمنيين من خلال هذا الشعار: "استيقظوا، استيقظوا، استيقظوا، وتحركوا الآن" لإنقاذ بلدنا من الديكتاتورية، ومن الفساد، ومن الفشل، ومن الإرهاب.
وبالتالي شكراً جزيلاً لكما على هذا الشعار الرائع. آمل أن يُحدث هذا الشعار فرقاً كبيراً في حياة من هم معنا اليوم، فقد فعل الكثير لشعبي. استيقظ الناس وتجمعوا في لحظة تاريخية، بمشاركة ملايين الناس، بينما كنتُ وحدي مع قلة من الضحايا وقلة من نشطاء حقوق الإنسان. لم يتوقع أحد أن يستمع الشعب اليمني إلينا ويستجيب لدعوتنا. وكانت النتيجة أننا أجبرنا الدكتاتور على التنحي، وهو ما بدا وكأنه مهمة مستحيلة، وحلم لا يتحقق، لكنني لم أشك يوماً في قدرتنا على تحقيقه.
علاوة على ذلك، اسم المنظمة شد انتباهي فعلًا، ألا وهو "روح المال"، وذلك لأن المال غالبًا يرتبط بالجشع، وهنا فان المنظمة من خلال هذه الاسم تُقدم تعريفًا آخر يعطي المال روحاً، وروح المال يعني أن تمنح ثروتك غاية وضميرًا، وتتجلى روح المال عندما تُسخّر الثروة لخدمة الإنسانية. وحين تُسخَّر مواردك ونفوذك وصلاتك لخدمة الإنسان، ويقودها الضمير والرحمة، يصبح للمال روح. رجائي أن تبلغ هذه المؤسسة غايتها في أن يصبح المال ذا روح عظيمة وغاية نبيلة.
والحقيقة أننا بحاجة ماسة اليوم إلى روح المال لاسيما في هذه الأوقات العصيبة التي تواجه فيها البشرية مخاطر وتحديات جسيمة في مجالات عديدة. التحدي الأول هو تحدٍ وجودي: فالأرض تنهار بفعل الاحتباس الحراري والأنشطة الجشعة التي تمارسها الدول العظمى والشركات والأفراد، والتي تدمّر البيئة وتفاقم أزمة المناخ. والتحدي الثاني هو تراجع حقوق الإنسان والديمقراطية بشكل كبير. على الرغم من التقدم المحرز منذ إنشاء الأمم المتحدة، إلا أن حقوق الإنسان والديمقراطية شهدتا تدهورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة.
أما التحدي الثالث فهو الفجوة الهائلة بين الدول الغنية والأفراد الأثرياء من جهة، وبين الدول الفقيرة والفقراء من جهة أخرى. هذه الفجوة تُنتج الفقر وتقوض العدالة الاجتماعية والاقتصادية. وتخيّلوا أننا في القرن الحادي والعشرين، ومع ذلك هناك من ينام بلا طعام، وهناك من ينام جائعاً، وهناك من لا يجد سبيلاً إلى التعليم أو الماء النقي. هذه من أعظم التحديات التي تواجه الإنسان والإنسانية جمعاء. ورغم كثرة التحديات، فإن هذه الثلاثة هي الأهم والأكثر الحاحاً.
فلنبدأ بالناس عموماً، بالفرد، بك أنت وأنا، وبكل من يعيش معنا على هذه الأرض. علينا أن نوقظ من لا يهتم ليهتم، وأن نزرع في النفوس الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين. أؤمن أننا قادرون على الكثير، بل على المستحيل إذا اجتمعنا على هدف واحد. البداية من الأفراد، ثم منظمات المجتمع المدني، ثم الشركات، ومن بعدهم جميعاً أتحدث عن الحكومات.
في جميع سردياتي وخطاباتي، أُلفت الانتباه دائمًا إلى مسؤولية الحكومات، تلك الحكومات التي تُخفق في خدمة الإنسان وتُخفق في خدمة الإنسانية. وعلينا نحن مسؤولية أن نفعل شيئًا، لإقناع تلك الحكومات في مختلف أنحاء العالم، وخاصة حكومات الدول العظمى، بأن تتحمل مسؤولياتها، لأن ذلك أمر في غاية الأهمية. يمكننا أن نتحدث عن هذا الموضوع، وسأتحدث عنه لاحقًا.
ولكن الآن، بعد هذا الانهيار والتدهور في كل شيء، علينا نحن البشر، أنا وأنت، أن نفعل شيئًا، أن نبتكر مبادرات. علينا أن نوحّد أصواتنا، وأن نجمع قدراتنا، لنتمكن من حل المشكلات في العالم، وفي مجتمعاتنا، وفي مجتمعاتنا المحلية، وفي مناطقنا، وكذلك على المستوى العالمي.
كوني من بلد محاط بأنظمة ديكتاتورية اعتقد أن السبب الأول للفشل والفساد والظلم هو وجود الاستبداد. لذا، من جهتنا، تقدمنا الصفوف وجعلنا حياتنا على المحك، مطالبين بثورة سلمية ضد المستبدين. قبل ذلك دعونا إلى الإصلاح، لكنهم لم يستجيبوا ولم يفعلوا شيئًا. وعندما لم يبقَ خيار آخر لإنقاذ أوطاننا، أطلقنا ثورة عظيمة ضد الأنظمة الديكتاتورية في بلدي اليمن وكذلك في بلدان أخرى من بلدان الربيع العربي. وما زلنا في هذه الثورة، ننادي بالحرية والعدالة والديمقراطية والتنمية. نحن ما زلنا في هذه المعركة، لم نستسلم ولن نستسلم.
وهناك أمر آخر: إن أشخاصًا مثلكم، وخاصة في الولايات المتحدة والدول الغربية عمومًا – تلك الدول التي تزعم أنها ديمقراطية – يواجهون اليوم خطرًا كبيرًا يهدد الديمقراطية ذاتها. هذا الخطر لا يقتصر على بلداننا، حيث نعاني ونضحّي من أجل الديمقراطية والحرية، بل أصبح يحيط بكم أنتم أيضًا في بلدانكم في الغرب. فالدول التي تدّعي احترام حقوق الإنسان تواجه الآن تهديدًا جسيمًا قد يقود إلى انهيارها.
وعليه، فانتم – الأفراد، والشركات، والمنظمات غير الحكومية – يجب أن تتحلّوا بالشجاعة للدفاع عن ديمقراطيتكم. عليكم أن تقفوا في وجه أيّ ديكتاتور يظهر أو يُفرض في بلدانكم. عليكم أن ترفضوا وتُدينوا كل أشكال الكراهية والعنصرية، لأن الكراهية والعنصرية والانقسام هي أدوات الطغيان."
لذا، عليكم جميعاً – أفراداً وشركات، ومنظمات غير حكومية - التحلي بالشجاعة للدفاع عن ديمقراطيتكم. عليكم الوقوف في وجه أي ديكتاتور يصعد أو يُفرض في بلدانكم. عليكم رفض كل أشكال الكراهية والعنصرية لأن الكراهية والعنصرية والانقسام هي أدوات الاستبداد الذي يقوم يمارس سياسة "فرق تسد"
والكراهية والعنصرية في تفاقم دائم في الدول الغربية ، وهو أمر يجب أن نتحد جميعًا لإيقافه. هذه مجرد ملاحظات افتتاحية، لكن يمكننا أن نتحدث أكثر. أعلم أنه إذا واصلت الحديث فلن أتوقف، ولين أخبرتني أنك تريدين طرح الكثير من الأسئلة. عموماً، أنا سعيدة جدًا لأن المئات يستمعون إليّ اليوم، وآمل أن أنقل أصواتهم لا صوتي فقط، وأحلامهم لا حلمي فقط، وكل الأصوات والأحلام لأولئك الذين يضحّون ويناضلون من أجل الحرية والديمقراطية والمحبة والسلام والتنمية.
إدارة الجلسة: شكرًا على هذه المداخلة الافتتاحية القوية. هناك الكثير مما يمكن قوله حول ما ذكرتِ. من الواضح أن العنصرية وعدم المساواة هما من أدوات الطغيان. ونحن اليوم نعيش حالة من عدم المساواة الشديدة في بلادنا. فالأخبار الأخيرة عن شخص عُرض عليه مبلغ هائل ليبقى في شركة، بينما في اليوم نفسه تُسحب مساعدات الغذاء من الفقراء والجياع، تُظهر مدى فداحة التفاوت في مجتمعنا. وهناك أيضًا هجمات متواصلة على الفئات الأقل حظًا وعلى أصحاب البشرة الملوّنة. الوضع أصبح شديد القسوة في بلادنا، وقد أصابنا شيء من الشلل أمام سرعة وتيرة ما يحدث. أود أن أتطرق إلى بعض هذه الحقائق، ولكن هناك شيء واحد أود أن أسألك عنه. جائزة نوبل للسلام هي أسمى تكريم يمكن أن يناله إنسان على هذا الكوكب. لا يوجد شيء أعمق من جائزة نوبل للسلام للاعتراف بالإنسان. وأنتِ، كشابةٍ أمٍّ لأطفال، امرأةٍ مسلمةٍ محجبة، خرجتِ إلى الشوارع حين كان من الممكن أن تُقتلي، وتعرضتِ للاعتقال والسجن - ثم اعترف بكِ العالم أجمع كأمٍّ للثورة ومُنحتِ جائزة نوبل للسلام. أود أن أطلب منك أن تتحدثي قليلاً بشكل شخصي، لأنني أريد للناس أن يسمعوا كيف كانت لحظة تلقي تلك المكالمة عندما أخبرتك لجنة نوبل أنك قد فزت بجائزة السلام في عام 2011. هل يمكنك أن تخبرنا عن تلك التجربة؟
توكل كرمان: كانت لحظة عظيمة. في البداية، لم أكن أعلم حتى بترشيحتي. كنت منشغلة تمامًا بالثورة السلمية - تسعة أشهر من النوم والأكل والنقاش وقيادة المظاهرات في الساحات ضد الديكتاتور. فجأة، كنت في خيمتي، ورأيت بعض الشباب الثوار يرقصون حول خيمتي ويغنون أننا فزنا بجائزة نوبل للسلام. كانت تلك لحظة عظيمة حقًا.
لقد كان اعترافاً كبيرًا من العالم بعملي أنا كـ توكل، وبصفتي امرأة؛ امرأة يمنية بدأت الدعوة للمظاهرات السلمية في حين أن بلدي يمتلك أكثر من 70 مليار قطعة سلاح، أي أنه ثاني دولة في العالم يمتلك فيها المجتمع أسلحة بعد الولايات المتحدة. دعوت الناس إلى أن يضعوا أسلحتهم جانبًا، وينزلوا إلى الساحات حاملين الزهور، مردّدين الهتافات، ومفعمين بالأمل والأحلام من أجل الثورة السلمية.
لقد كان ذلك اعترافًا بي كامرأة، واعترافًا أيضاً بالثورة السلمية ذاتها. وكان اعترافاً بملايين اليمنيين – نساءً وشبابًا وثورةً سلمية – ممن خاطروا بكل شيء من أجل الحرية. لذلك، لم تكن جائزة نوبل للسلام بالنسبة لي نهاية المطاف، بل بداية مسؤولية عظيمة. لقد كان نصرًا كبيرًا، لكن لقب أم الثورة بالنسبة لي أهم من الفوز بجائزة نوبل للسلام، وأنا أحب كلا اللقبين. أنا سعيدٌ جدًا لأننا نحمل هذه القيم. إنه اعترافٌ بقيمنا، بدعوتنا للحرية والعدالة والديمقراطية. وكما قلتُ، إنها مسؤوليةٌ جسيمة.
إدارة الجلسة: من أكثر الأوصاف المفضلة عندي هو وصفك بالمرأة الأكثر تمرداً في التاريخ من بين أفضل سبع نساء. إنه الوصف المفضل عندي، وسأظل متمسكة بهذا الوصف لك. لدي سؤال شخصي بعض الشيء، في الحقيقة، أطرحه عليكِ شخصيًا. ما العوامل الرئيسية والصفات التي تمنحك القوة للاستمرار كامرأة تدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في بلدك؟ ما اعنيه هنا هو أن معرفة هذه الأمور – أياً كان ما ستقولينه – سوف نتعلم منها وهي ما نحتاجه جميعاً. إن مجرد وجودي معك جعلني ارغب أن افعل ما تفعلينه. لذا، أودُّ أن تُشاركينا على المستوى الشخصي مرةً أخرى التالي: ما الذي يُبقيكِ مستمرةً، وما الذي يُبقيكِ قويةً، ورائعةً، ومتمردةً – واحدةً من أكثر النساء تمردًا في التاريخ؟
توكل كرمان: الإيمان والأمل واليقين هم رفاقي الدائمون. والأمل أمرٌ بالغ الأهمية، لأن كل من لا يتحمل المسؤولية، ولا يضع نفسه في موقع قيادي يفكر في الآخرين، قد يفقد الأمل. الفوضى طالت كل شيء، وخاصة في بلداننا، إنها في كل مكان.
يُحاصرك الحاكم المستبد بكل أشكال الفشل والفقر والخوف. لذلك كان الأمل سلاحي، الإيمان بأنني يومًا ما سأتمكّن من أن أفعل شيئًا مختلفًا من أجل بلدي. لقد نصّبت نفسي المسؤول، ذلك الذي سيصنع الفرق، الذي سينقذ بلدي، ويطلق المبادرة. وبما أنني وضعت نفسي في هذا الموقع القيادي، قررت ألا أستسلم أبدًا، وألا أفقد الأمل، وألا أخذل شعبي. أعتقد أيضًا أن الاستبداد لا مستقبل له، وكل ديكتاتور، وكل طغيان مآله الفشل في النهاية.
ما أبقاني صامدة لم يكن غياب الخوف – الذي كان يحدث أحيانًا – بل وجود الهدف. فأنا أحمل الهدف، الهدف من أجل شعبي. وهذا ما أقوله لكم أنتم في الولايات المتحدة، ولكِ انت شخصياً سارة. أتذكر أول مرة التقينا فيها، عندما ألقيت خطابي وجئتِ إليّ باكية تقولين: نحن معكِ في نضالك. وقلتِ: آمل أن أستطيع أن أفعل شيئًا، لكنني لا أعرف ماذا يمكنني أن أفعل، ففي بلدي لا نواجه نفس التحديات. حينها قلت لكِ، وأقول لكِ الآن الشيء نفسه: عليكِ أن تكوني مع الناس.
وهذا ليس موجّهًا لكِ وحدك سارة، بل لكل من يشاركنا حضر جلستنا هذه. عليكم أن تكونوا مع الناس. عليكم أن تسألوا أنفسكم – خاصة وأنني أعلم أن معظم الحاضرين هنا يمتلكون ثروة كبيرة، وهو أمر مهم – أن هذه الثروة، هذا المال، يجب أن يكون في خدمة الإنسان.
عليك أن تسأل نفسك ليس فقط عن مقدار الأرباح التي حققتها، بل عن حجم الأثر الذي صنعته. كم من الأرواح ساعدت على النهوض؟ كم من الكرامة حميت؟ كم من المدارس، كم من المستشفيات، كم من الطرق أنشأت؟ عليك أن تسأل نفسك: إلى أي مدى ساهمت في المسؤولية الاجتماعية وفي العمل المجتمعي. هذا هو الأمر الذي يمنحك، كإنسان، معنى الحياة حتى وإن لم تكن تملك المال. أما إذا كنت تملك المال، فعليك أن تساعد الناس الذين يعانون من الفقر والجهل والحرب والصراع والطغيان. عليك أن تساعدهم وأن تستمع إليهم، وأن تدعمهم. يجب أن تؤمن بهم - أنهم ليسوا بلا قيم، وأنهم ليسوا إرهابيين.
وهذه هي النقطة الأهم: فالاستبداد يصف الذين يقاتلون من أجل الحرية بأنهم إرهابيون. لكنهم ليسوا إرهابيين. إنهم ليسوا أناسًا بلا أحلام أو بلا أهداف. كلا. إنهم أناس يحملون أعظم القيم النبيلة وأسمى الغايات، وهي إنقاذ أوطانهم من الاستبداد والظلم والفقر. وعندما يفعلون ذلك من أجل أوطانهم، فإنهم يخدمون بلدانهم من جهة، ويخدمون الإنسانية من جهة أخرى. لأن الإنسانية لا ينبغي أن يحكمها أي ديكتاتور في العالم، فالمستبدون في كل مكان يشكلون أعظم خطر على الإنسانية.
نحن، شعوب العالم، بحاجة إليكم. أمامكم الفرصة لتقفوا في وجه الطغاة، والفرصة لتقفوا بوجه الظلم، والفرصة لتقفوا ضد الفقر. وهناك الكثير من الأمور التي يمكن أن نناقشها، لكن الأهم أن تدركوا أن الناس في تلك البلدان التي تعاني من الفقر والجهل وغياب أبسط مقومات الحياة كالماء، يحتاجون إليكم. يحتاجون إليكم أنتم. لذلك، أرجوكم استيقظوا.
إدارة الجلسة: كلماتك تذكرني برسالة ليما غبوي التي قالت إنكم في الولايات المتحدة تعيشون براحة زائدة ولا تدركون ما تخسرونه، وقد كانت محقة؛ فالكثيرون يشعرون بالقلق لكنهم لا يتحركون. نحن اليوم في لحظة تاريخية غير عادية، والولايات المتحدة تقدم مثالًا خاطئًا للعالم، مما يفرض علينا أن نستيقظ ونأخذ زمام المسؤولية ونقود بقيمنا. ليس كافيًا أن نعجب بشجاعتك، بل يجب أن نتبعها، وعلينا أن نستعيد أصواتنا ونثبت إنسانيتنا. فما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لتقدم مثالًا أفضل، وما هي الخطوات العملية التي نستطيع اتخاذها الآن؟
توكل كرمان: من المهم جدًا إيقاظ الحكومات الغربية وسياساتها، لأن صعود الديكتاتورية اليوم يهددها ويهدد بلدانها. لا أريد أن أدخل في تفاصيل كثيرة، لكن لن يكون بمقدور تلك الدول حماية مصالحها الوطنية إذا استمرت في دعم الطغاة حول العالم.
بالحديث عن أمريكا وغيرها من الدول التي تغرق في خطاب الكراهية والعنصرية والهجوم على المؤسسات والاستبداد والممارسات المناهضة للديمقراطية، فإن الأمر لا يقتصر على الإدارة الحالية وحدها، بل يرتبط بالسياسة ذاتها. للأسف، لقد خانت الحكومات الغربية القيم التي أعلنتها من دعم حقوق الإنسان والحريات، بينما في الواقع تتحالف مع الطغاة في بلداننا. نحن نعيش تحت دكتاتورية حقيقية، هي الأسوأ على الإطلاق، وآمل ألا تشهدوا مثلها يومًا.
لقد كان هؤلاء الطغاة محميّين، وما زالوا محميّين، بسياسات الغرب. وأنا لا أتحدث فقط عن الإدارة الحالية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، أو عن طرف بعينه في الحكومات الغربية. بشكل عام، هذه الحكومات لم تضع سياسة حقيقية لدعم الإنسان، بل اكتفت بعقد تحالفات مع الطغاة. وهؤلاء الطغاة يقتلون شعوبهم، ويضعون المصالح فوق القيم. بينما المصالح الحقيقية تكمن في إرادة الشعوب، فهي التي تصنع الأمن، وهي التي يمكن أن تكون الشريك الأعظم لتلك الدول.
علينا أن نتحد جميعًا في معركة واحدة، في معسكر واحد، لمقاومة صعود الاستبداد. سواء كنت ليبراليًا أو محافظًا، فلا ينبغي أن تدعم الطغاة في أي مكان. أما فيما يتعلق بخطاب معاداة الهجرة، وكراهية الأجانب، والإسلاموفوبيا، وحتى معاداة السامية، فكل هذه الخطابات تقسم المجتمع. وكما قلت، إنها أدوات يستخدمها الطغاة للسيطرة على السردية، والسيطرة على الناس، والتحكم في الانتخابات. لذلك يجب أن توقفوا هذا الانقسام داخل بلادكم.
في بلادي وفي البلاد العربية عمد الطغاة في البداية الى تقسيم الناس إلى مسلم ومسيحي ويهودي، وإلى سنّي وشيعي وغير ذلك. ومن خلال هذا التقسيم، حكموا ونشروا الخوف بين الناس، وجعلوا الجميع يخافون بعضهم من بعض. والآن أرى الشيء نفسه يحدث في الولايات المتحدة: نشر الخوف والكراهية بين الناس. لا ينبغي أن يحدث ذلك، يجب أن تنهضوا بصوت واحد، كأمة واحدة، بغض النظر عما إذا كنتم جمهوريين أو ديمقراطيين أو أي حزب آخر؛ مسلمين أو مسيحيين أو يهودًا أو غير مؤمنين. أنتم ملك لبلدكم، وعليكم استعادة حريتكم الآن.
يجب أن تتحرر الدول الغربية من هذا الخطاب الهدّام. وتقع على عاتقكم مسؤولية كبيرة الآن. وإلا، أقول لكم من واقع تجربتي، أنتم في خطر كبير. لكن في الوقت نفسه، أنا واثق أنكم، أنتم الشعب والجيل الجديد، ستنقذون بلدكم. هذا ما أراه، وهذا ما أؤمن به، لأن الجيل الجديد يرفض الاستبداد. رفضوا الاستبداد الذي يرتكب الجرائم. وترى منصاتهم الاجتماعية تعجّ بدعوات الرحمة، ورفض الظلم. هذا أمرٌ رائع؛ هذا هو المعنى الحقيقي للصحوة. هذا ما أصبح عليه الجيل الجديد الآن: لقد استيقظ، ويرفض السياسات الحالية. عليكم الاستثمار في هذا - الاستثمار في الحوار، في محبة بعضكم البعض، في تقبّل بعضكم البعض، في رفض الظلم، في حماية وطنكم. أمامكم الكثير لتفعلوه. قبل ثلاثة أيام فقط، كنت في سان دييغو، وشرحتُ للجامعات هناك كيف ينبغي لهم حماية الحرية الأكاديمية.
واختتم حديثي بما أكرره دائمًا حين أقف على منصات كهذه: أقول للناس إننا، في بلداننا، نحلم بالحرية، ونحلم بالكرامة، بالديمقراطية، وبسيادة القانون. ونواصل معركتنا بلا توقف. لن نستسلم، وسننتصر في هذه المعركة. وأنا أشجعكم أن تكونوا معنا، أن تكونوا صوتنا، وأن تعملوا على منع حكوماتكم من مهاجمة إرادتنا في التغيير أو من دعم الديكتاتوريين.
الآن أقول لكم: نضالكم هو نضالنا. نحن الآن في ساحة الحرية. لكم نفس المعركة، ولنا نفس المعركة. نضالكم هو نضالنا، ونضالنا هو نضالكم، وحريتكم هي حريتنا. علينا أن نحرر الحكومات الغربية من سياسة المعايير المزدوجة هذه، من الانحدار نحو الكراهية والعنصرية والأنشطة الاستبدادية. أؤمن بأن الشباب سينتصرون في هذه المعركة.
من المهم الحديث عن الشركات. كما ذكرتُ لكم في بداية حديثي: المال قوة. لكن المال لا روح له إلا إذا منحتموها أنتم له. نعم، أنتم من يمنح هذا المال روحه. ولن تتمكنوا من بث الروح في المال إلا إذا كانت رؤيتكم مفعمة بالتعاطف والشجاعة. عليك أن تكون شجاعًا.
لا ينبغي أن يُمدّ أي نظام استبدادي أو فاسد بالعون. فالنمو ممكن بلا فساد، والنمو الحقيقي يكون بخدمة الناس ومساندتهم. ويؤسفني أن أرى هذه المرحلة التي تعاني فيها المنظمات غير الحكومية، نعم، منظمات غير حكومية داخل الولايات المتحدة وخارجها، وهي تعاني بشدة. الناس بحاجة إلى الدعم، الناس بحاجة إلى المساعدة.
المال قادر على فعل الكثير. إنه ليس مجرد وسيلة لشراء السيارات أو الطائرات أو الأحذية أو المباني، بل وُجد ليخدم الناس ويبني لك إرثاً—داخل الولايات المتحدة وخارجها. عندما تضع مالك في أيدي العظماء، تصبح واحدًا منهم. لذا، كن واحدًا منهم. هل نريد تغيير العالم أم لا؟ أوجه كلامي لمن يرغب حقًا في إحداث تغيير. إذا كان هناك من يتحلى بالجشع، فسأشجعه على أن يتحلى بالرحمة. أما إذا لم يكن جشعًا، فأقول له: كن أكثر شجاعة.
هذا ما نعانيه: يعاني نشطاء حقوق الإنسان من شحّ الموارد، وسبب شحّ الموارد هو خوف المانحين من دعم الحرية والعدالة. إنهم يخشون مواجهة ما هو أساس المعركة الحقيقية: محاربة الفقر. عليكم أن تكافحوا لمساعدة الناس، أن تكافحوا الفساد، أن تكافحوا الاستبداد. وفي الوقت نفسه، عليكم أن تساعدوا الناس على مواجهة الفقر. دعوني أعطيكم مثالاً. لديّ مؤسستي الخاصة - مؤسسة توكل كرمان. يساعدني في هذه المؤسسة أشخاصٌ طيبون، ومن خلال مواردنا، بنينا مدارس. حتى الآن، بنينا أكثر من 40 مدرسة. وأعدنا تأهيل أكثر من 50 مستشفى وجامعة. لقد أنجزنا عملاً رائعاً بموارد بسيطة للغاية.
عندما أزور قرية يمنية وأجدها خالية من المدارس، بينما في المدينة نفسها يعيش رجل ثريّ مشهور، ينتابني الغضب. لماذا لم يساعد قريته على الأقل؟ لماذا لا توجد مدرسة في مسقط رأسه، أو في المكان الذي ارتبط اسمه به؟ إنها مأساة أن نرى كثيرًا من الأغنياء لا يرغبون في مساعدة الآخرين. وهذه هي المشكلة الحقيقية: غياب المسؤولية تجاه المجتمع، وغياب الشعور بالواجب نحو الأرض التي أنجبتهم والناس الذين يحتاجون إليهم.
وهذا بالنسبة لي نوع آخر من الاستبداد - الاستبداد لا يقتصر على مهاجمة الديمقراطية نفسها، بل يشمل أيضًا الهوس بالمال، ورفض مساعدة الناس، وتوسيع الفجوة بين الأثرياء والبقية. هذه الفجوة تُولّد الحروب والصراعات والإرهاب وعدم الاستقرار، وكل ما هو مُدمّر.
لذا أدعوكم إلى النموّ بالأخلاق. إنه أمرٌ بالغ الأهمية. أي عملٍ بلا أخلاق هو دمار. دمارٌ بحت. كونوا مع الناس، وساعدوهم. نعم، في الحكومة الحالية أغلقوا، على سبيل المثال، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. لكنكم، أيها الشعب، ما زلتم هنا. عليكم خلق البديل. عندما يُغلقون الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أو غيرها من الوكالات التي تُساعد الناس، عليكم التدخل وفتح مسارات جديدة. يجب أن تكونوا أنتم البديل. قولوا: "حسنًا، نحن هنا، لا تخافوا". في الوقت الحالي، تُغلق العديد من المنظمات أبوابها بسبب نقص التمويل. إنه لأمرٌ مؤسف، مؤسفٌ حقًا.
أن اخاطب ضمير الناس - عليهم أن يفعلوا شيئًا. أؤمن أن كل شخص قادر على فعل الكثير. أنا امرأة بسيطة من بلد بسيط جدًا. بدأتُ بمفردي، لا أملك سوى حلم وأمل وإيمان بالناس. أنا أؤمن بالناس. أؤمن أن الناس قادرون على صناعة التغيير، وأنهم يستطيعون قيادة الحاضر والمستقبل معًا. ومن أجل ذلك أقول لكم: أنتم من سيغيّر هذه الفوضى. أنا أؤمن بذلك، أراه، وقد رأيته من قبل. وقد وعدت به عندما ألقيت محاضرتي في جائزة نوبل، وقبل ذلك في الساحات اليمنية، مؤكدة أنني أرى العالم يصبح أفضل. وهذا ما أراه كل يوم.
نعم، الكراهية والاستبداد موجودان. لكن في الوقت نفسه هناك وعيٌ متصاعد. هناك شباب عظماء وأنا أراهن عليهم، فهم يحملون راية التغيير. لذلك لا ينبغي أن نترك هؤلاء الشباب وحدهم. الذين يستطيعون مساعدتهم يجب أن يقفوا إلى جانبهم — لا أن يقدّموا المساعدة فقط، بل أن يكونوا معهم حقًا — في اليمن، وفي المنطقة العربية، وفي أفريقيا، وفي أمريكا اللاتينية، وفي الولايات المتحدة.
وهنا أود أن أقول أمرًا لم أذكره من قبل: أنتم أيضًا تتحمّلون مسؤولية إنقاذ الأرض من الاحتباس الحراري. وهذا أمر في غاية الأهمية. فهناك الكثير من الشركات هنا قد تكون مساهمة في التلوث. عليكم أن تتحمّلوا المسؤولية، وأن تبادروا إلى تقليل الاحتباس الحراري، والحد من تدمير النظام البيئي لكوكبنا. هذا أمر مهم جدًا. يجب أن تحفظوا هذه الأرض من أجل الأجيال القادمة، وأنتم بالتأكيد الأقدر والأوائل على القيام بذلك. إنها مسؤولية عظيمة، لأن غيابها يعني ازدياد الفقر، وازدياد الحروب، وازدياد الصراعات.
مداخلة من فتاة شابة: أولاً، كانت هذه كلمة رائعة حقاً، وأنا ممتن لوجودي هنا لطرح سؤالي. أشعر بحماس كبير تجاه هذا الحوار، خصوصاً فيما يتعلق بالتركيز على الاستثمار في الشباب. سؤالي هو: عندما نتأمل الفجوة الطبقية التي كثيراً ما تتفاقم في أوقات الظلم، كيف ترين جهود الوحدة بين الناس من طبقات اجتماعية مختلفة؟ فليس لدى الجميع نفس القوة أو المسؤولية المالية. وبالنسبة للشباب الذين قد لا يملكون دخلاً كافياً للاستثمار مادياً في المنظمات غير الحكومية أو في أشكال أخرى من بناء المجتمع، كيف ترين اختلاف الأدوار والمسؤوليات بحسب الطبقة الاجتماعية أو مستوى الدخل؟
تكل كرمان: ابدأوا من حيث أنتم، وبأي شيء صغير تملكونه. اجعلوا البداية من العائلة، ومن المجتمع، ومن المدرسة، ومن مكان العمل. عبّروا عن آرائكم، وكونوا شجعانًا في التعبير عنها.
هذه الرسالة موجهة إلى الشباب تحديدًا: كونوا شجعانًا، ولا تخشوا العواقب. لا تسمحوا لمفهوم "الطبقة" أن يُحدد طريقة مشاركتكم في مجتمعكم. المشاركة لا تقتصر على النزول إلى الشوارع أو الاعتصامات أو المظاهرات. بالنسبة لنا، كانت تلك هي آخر الخيارات عندما رفض الديكتاتور والاستبداد الاستجابة لأي دعوة للإصلاح. لكن قبل ذلك، بذلنا جهودًا عظيمة لإقناعه وإحداث التغيير.
ليس من الضروري أن تحمل لافتة في الشارع، رغم أن ذلك يصبح مهمًا جدًا عندما ينهار كل شيء. أحيانًا يبدأ التغيير بحوار، باستعادة الكرامة، وبإقناع الناس. أنا أتابع العديد من البرامج الإذاعية في أمريكا، وألاحظ تحولًا كبيرًا. أشخاص كانوا في السابق محافظين، مناهضين للهجرة، مناهضين للحرية، بل وحتى ضد فلسطين، أصبحوا اليوم يقولون الحقيقة. لماذا؟ لأن هناك من تواصل معهم، وأقنعهم.
وسائل التواصل الاجتماعي منصة فعّالة يمكن استخدامها لنشر قيم الحرية والعدالة والكرامة. لذلك، أينما كنت، ومهما كان موقعك الاجتماعي – مع أنني لا أحب كلمة "طبقة" لأنها لا تعكس المعنى الصحيح بالعربية – لا تقل: "أنا غني، أخشى على عملي"، أو "أنا فقير، لا أملك الموارد". لا. عليك أن تكون قائدًا في مجالك، في عائلتك، وفي مجتمعك. كن صوت الشعب، وكن من يحمل رسالته.
مداخلة من شاب: ما أود أن أعبّر عنه هو أنني أشعر أنكِ قد استعرضت الكثير. ليس لديّ حتى سؤال بقدر ما هي تأمّلات أُعيدها إليك. الكثير مما سمعته عندما تحدثتِ عن إنجاز جائزة السلام وكل ما يتعلق بها هو كيف تعكسين ذلك على "شعبك." هذه كلمة نادراً ما نستخدمها في الولايات المتحدة: "شعبنا". من هم شعبنا؟ من هم الذين نستعد أن نضحي براحتنا من أجلهم، وأن نغامر بكل شيء في سبيلهم؟ كما قلتِ—حلفاؤك وشركاؤك، الذين عملتِ معهم جنباً إلى جنب، والذين خاطروا بكل شيء. فمن هم شعبنا؟ هل هم الذين يعانون الآن في الصفوف الأمامية ـ من المهاجرين وغيرهم ـ أم الذين يعيشون في أحيائنا؟ أود أن أعكس مدى قوة التفكير في سؤال: من هم شعبنا؟ ليس فقط على مستوى البشر، بل أيضًا عندما ننظر إلى قضية الاحتباس الحراري ورعاية كوكبنا: كيف نفهم النباتات والأشجار والحيوانات ليس فقط كموارد، بل ككائنات تستحق حبنا وعملنا أيضًا؟ لذا، أودُّ أن أشكركم جزيل الشكر على تأملكم وتوضيحكم لي هذا الأمر. أغادر بسؤال: من هم أهلنا الذين نستعد للمخاطرة بكل شيء من أجلهم؟ شكرًا لكم.
توكل كرمان: أنا حقًا أحب الشعب الأمريكي، أحبّه بصدق. عشت في أمريكا خمس سنوات، وتعرّفت إليهم عن قرب. وبغض النظر عن كل شيء… لا أعرف كيف أقول هذا بالإنجليزية تمامًا، لكن ما يحدث الآن يشبه سحابة عابرة، عابرة تمامًا. هذا ليس أنتم. ما يحدث في أمريكا اليوم… لا يمثّلكم.
وممّن أعرفهم ديمقراطيون ومحافظون ومسيحيون. وكثير من أصدقائي—يا إلهي—أقرب أصدقائي من اليهود والمسلمين وغير المؤمنين. أعرفهم جيدًا، أعرف معظمهم. لقد ألقيت خطبًا كثيرة حول العالم، وفي أمريكا، في جامعات متعددة ومنتديات مختلفة، وتعرّفت إلى الناس هناك. لديكم شعب عظيم، حقًا عظيم. وأقسم أنكم تملكون شعبًا ذا ضمير حيّ وإرادة قوية للقيام بالشيء الصحيح. فعندما يسمعونكم—إن لم يكونوا على علم—يسعون للمعرفة. وحتى إن لم تكن لديهم القدرة على الفعل، فهم يسألون، ويريدون التغيير.
ما الذي يحدث في أمريكا؟ نعم، ما يجري أمر جلل، وفوضى حقيقية. لكن يمكن أن ننظر إليه من زاوية أخرى، زاوية تمنحه معنى مختلفًا؛ إذ قد يكون فرصة توقظ الناس وتجعلهم أكثر وعيًا بما يجري حولهم، فالناس باتوا يعرفون أكثر، ويبحثون عن الحقائق، ويتتبعون ما يجري حولهم.
وتذكّروا ما قلته لكم في البداية: حين تتعاملون مع أشخاص يناضلون من أجل الحرية والعدالة، لا تظنوا أنهم إرهابيون أو فاشلون. أنا جاد فيما أقول. لأنني الآن أرى أن الناس بدأوا يبحثون عمّا حدث في الربيع العربي.
وماذا حدث في الربيع العربي؟ كان هناك أناس عظماء، كل ما حلموا به هو الحرية والديمقراطية والازدهار. أرادوا أن يعيشوا كما يعيش غيرهم ممن ينعمون بالحرية والديمقراطية. أرادوا الكرامة. لكن الاستبداد صوّرهم على أنهم إرهابيون وفاشلون.
واليوم، ومع هذه الفوضى، حين يبدأ البعض بتذوّق مرارة التسلط، ينشأ سؤال طبيعي: “يا إلهي، ماذا عن أولئك الذين عانوا لعقود طويلة تحت أنظمة استبدادية؟”
لذلك، كونوا فخورين بشعبكم. هناك أناس يتظاهرون في كل مكان ضد العنصرية وضد الكراهية — انصتوا إليهم. لا تستسلموا لظلام اللحظة. لا، فهناك يقظة عظيمة تحدث الآن. وسأذكّركم يومًا كشعب أمريكي كيف ستنقذون بلادكم؛ ليس ذلك فحسب، بل ستضعونها في الجانب الصحيح من التاريخ.
لأن أمريكا، أمريكا كسياسة لا كشعب، لم تكن -خاصة فيما يتعلق بقضايانا- في الجانب الصحيح من التاريخ. فقد دعمت الاحتلال، وساندت الاستبداد، واحتلت بلداننا في العراق وأفغانستان، ودمّرت أوطاننا. ثم أخذت تشكو بعد ذلك من الفوضى.
واليوم أرى أن ما هو قادم ليس مجرد يقظة ديمقراطية في أمريكا، بل هو أكبر من ذلك؛ إنه تصحيح لمسار السياسات الأمريكية في الداخل والخارج.
علاوة على ذلك، ما رأيته في أمريكا صدمني. سألت نفسي: هل أنا حقًا في أمريكا؟ لا توجد رعاية صحية مناسبة، ولا حقوق تعليم مضمونة، والتشرد منتشر في كل مكان. ما هذا؟ أعتقد أن الجيل الجديد سيصحح هذه الأمور. لا شك لديّ في أن الشباب في أمريكا سيُصلحون جميع الأخطاء التي ارتكبتها أمريكا سابقًا - تجاه الدول الأخرى، وكذلك تجاه شعبها. خاصة فيما يتعلق بالرعاية الصحية والتعليم وحق الناس في العيش بكرامة.
مداخلة امرأة مسنة: يا إلهي، أنا منبهرة للغاية. إنه لشرف لي أن أكون هنا وأن أستمع إليك. حضور هذا اللقاء هدية بحد ذاته. أود أن أقول مبدئيًا إنني أعمل في حركة بناء السلام منذ حرب فيتنام، وقد تطوّرت الحركة كثيرًا منذ ذلك الحين. هناك فكرة متكررة سمعها الكثيرون منا في هذا النقاش وهي ضرورة التوحّد: إنقاذ الكوكب، بناء السلام، ممارسة اللاعنف، ووضع حدّ للحروب — كلها قضية واحدة متكاملة. أعتقد أن نقاش اليوم يُظهر أننا نُحدث تأثيرًا أكبر عندما يكون صوتنا أعلى. نحن بحاجة إلى صوت أعلى. ها نحن ذا مع امرأة الثورة - يا لكِ من مثال يُحتذى به في كيفية عملنا معًا. أشعر بالفخر والشرف لوجودي هنا ولرؤية بَدْء تجسّد هذا التجمع: كلنا نعمل معًا، نتكاتف - سواء كنا نعمل في مجال البيئة، أو العدالة التصالحية، أو العمل المناهض للحرب، أو قضايا أخرى - إنه الشيء نفسه، وأنتِ تُمثلين هذه الوحدة. لو أُتيحت لي فرصة لطرح سؤال — ويبدو أنها مُتاحة — فسأسألك: ما الذي ترينه، من قلبك، كأقوى عامل سيجعل الحركة البنائية للسلام وحماية العالم إلى الأمام؟ وبالنظر إلى بلدنا الذي، كما قلتِ، يعيش فوضى كبرى، ما هي الهدية التي يجب أن نمنحها لبعضنا البعض؟
التعليق النهائي من إدارة الجلسة: شكرًا جزيلًا. لقد فاقَ هذا توقعاتي، وكنتُ أعلمُ ذلك. شكرًا لأنك وجدت وقتًا لنا ضمن انشغالاتك وعملك حول العالم. شكرًا على الإلهام والدافع والجمال — حضورك نفسه. لقد غيّرت حياتي، وهذا اللقاء تغيّر به مجرى حياتي.
أود أن أشكركِ نيابةً عنا جميعًا على القدوة التي قدمتِها، وعلى الحب الذي تجسّدينه، وعلى الشجاعة وعدم الاستسلام. لن نستسلم أبدًا. الأمل والإمكانات والإلهام اللذين تمثلينه سيظلان مصدر قوتنا إلى الأبد. شكرًا لكِ، شكرًا لكِ، شكرًا لكِ.. والشكر موصول لكل ساهم في تنظيم هذا اللقاء

