كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في قمة الحائزين على نوبل للسلام والقادة من أجل الاطفال - نيودلهي/الهند
في البداية، أود أن أعبر عن سعادتي بوجودي بينكم، واشكر الظروف التي جعلتنا نجتمع اليوم لمناقشة موضوع بالغ الحساسية يتعلق بالمستقبل وبالحياة نفسها، فالأطفال هم امتدادنا وهم البرهان الحقيقي على استمرار الحياة.
أصدقائي الأعزاء..
لدى كل واحد قائمة طويلة من الاهتمامات والقضايا التي يدافع عنها ويؤمن بعدالتها، لكن من وجهة نظري تظل الطفولة من القضايا القليلة التي يجب أن تدعونا للوحدة والتفاهم والتسامح بغض النظر عن اختلاف افكارنا ومذاهبنا ومناطقنا وثقافتنا.
إن الطفولة تعنينا جميعا، وعلينا نبذ سياسة التجاهل إزاءها، فأحد أكثر الأخطاء كارثية التي قمنا بارتكابها في العقود الماضية هو اعتبار الطفولة قضية فرعية، وتخص المنظمات العاملة في هذا المجال، الأمر الذي هدد أمن وسلامة المجتمعات بصورة مباشرة.
علينا ان نتساءل، ما الذي سيبقى من هذه الدولة أو تلك، ومن ذلك المجتمع أو ذاك، إذا تضرر الأطفال ماديا وجسديا؟.
أصدقائي الأعزاء..
هناك من يتحدث عن مشروعات كبيرة للمستقبل، ظنا منه أنه قد يؤدي مهمته على أكمل وجه، لكن عندما نتفحص طبيعة تلك المشروعات نكتشف أنها تنتقل بين كل المجالات عدا ما له صلة ببناء الإنسان. بالطبع، الاستثمار في قطاعات الانشاءات والصناعة والسياحة وغير ذلك، أمور مهمة، لكني اعتقد وأظنكم مثلي إن الاستثمار في المستقبل سيكون بلا أفق، إذا لم يكن هناك اهتماما خاصا ومشروعات كبيرة تتوخى تنمية الطفولة، ورعاية الأطفال وتوفير الظروف المناسبة التي تجعلهم يعيشون في أجواء صحية تساعدهم على التميز والابداع.
إن ما يثير الاحباط حقا، هو تعرض اعداد كبيرة من الأطفال في أماكن كثيرة حول العالم للموت نتيجة الصراعات المسلحة التي ازدادت خلال الفترة الماضية، ونتيجة سياسات التجاهل التي تبديها كثير من الحكومات في العالم النامي تجاه الأطفال، فوفقا لمنظمة اليونيسف فإن واحد من كل أربعة أطفال دون الخامسة من العمر في العالم يعاني من قصر القامة مقارنة بعمره، وغالبا ما توجد معدلات الفقر العالية في البلدان الصغيرة والهشة وتلك التي تعاني من الصراعات المسلحة.
ووفقا لليونيسف كذلك، فإن سوء التغذية يفضي إلى وفاة 3.1 مليون طفل سنويا، وهو رقم يعادل 45 في المائة من حالات وفيات الأطفال دون سن الخامسة، بالإضافة إلى أن كل طفل واحد من كل أربعة أطفال في العالم يعاني من توقف النمو، وفي البلدان النامية قد يرتفع المعدل إلى واحد من بين ثلاثة أطفال.
ومن الحقائق المفزعة في هذا الإطار، ازدياد نسب وفيات الأطفال في أفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب آسيا حيث يموت أربعة من كل خمسة أطفال قبل سن الخامسة، وبالطبع فاحتمالات وفاة الأطفال الذين يولدون في مجتمعات فقيرة تكون ضعفي أولئك الذين يولدون لأسر أكثر ثراء.
اصدقائي الأعزاء..
قبل حوالي سبعة وعشرين عاما وتحديدا في 20 نوفمبر 1989، تم اعتماد اتفاقية حقوق الأطفال بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد نصت هذه الاتفاقية الاعتراف بأن لكل طفل حقا أصيلا في الحياة. واتخاذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية.
بعد مرور كل هذه السنوات، علينا ان نشعر بالحزن، فلم يطرأ أي تغيير ايجابي تجاه أيا من البنود التي تضمنتها الاتفاقية، وبدلا من انخفاض معدلات العنف ضد الأطفال، زادت النسبة بحيث يمكن القول إن الحروب والنزاعات المسلحة من جهة، والسياسات والممارسات الخاطئة من جهة أخرى، تستهدفان الطفل والمرأة قبل غيرهما، الأمر الذي لا يساعدنا على التنبؤ بمستقبل جيد للعالم.
ما يضاعف من هذه النظرة التشاؤمية توسع ظاهرة عسكرة الأطفال، وتحويلهم إلى قتلة ومقتولين في خرق لجميع المواثيق والقوانين التي تحرم التجنيد للأطفال دون الخامسة عشرة سنة، فقد عمدت الجماعات والميليشيات المسلحة إلى تجنيد أكبر قدر من الأطفال، والزج بهم في معارك وصراعات داخلية، وهو ما أزهق أرواح عدد كبير منهم، وأصاب من تبقى على قيد الحياة باضطرابات نفسية حادة.
ربما حصل تقدم في التزام كثير من الدول والحكومات بضمان عدم إشراك الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم خمس عشرة سنة في الأعمال القتالية، واتخاذ التدابير الممكنة عمليا لضمان حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بالنزاعات المسلحة، لكنه تقدم هش بسبب الضعف الذي يكتنف عمل كثير من الحكومات في العالم النامي، وعدم استقرار التشريعات فيها.
أؤكد على أهمية ما جاء في اتفاقية حقوق الطفل، خصوصا بعد رفع السن للثامنة عشر، وهو السن الذي يُسمح فيه للانتخاب في كثير من دول العالم، فقد كان من المفارقة أن يتم السماح للأطفال في سن الخامسة عشر بحمل السلاح ليقتل، ولا يسمح لهم بالانتخاب إلا بعد بلوغهم سن الثامنة عشر.
اصدقائي الأعزاء..
لست هنا لأحصي كل انواع الانتهاكات والجرائم التي تطال الأطفال، فهي كثيرة ومتعددة، ولكني وانتم هنا، للبحث في السبل التي تؤدي إلى تحقيق طفولة آمنة، وللقول إن للأطفال حقوق اجتماعية واقتصادية وثقافية، وإن من ضمن هذه الحقوق حقه في العيش بكرامة وحقه في التعليم والثقافة، وحقه في اللعب واللهو، وتوفير الظروف المناسبة التي تجعله ينمو بشكل طبيعي وكريم.
إن من المؤسف حقا، أن نشهد كل يوم تراجعا على صعيد حقوق الطفل، نتيجة الحروب ونتيجة تفلت معظم الدول والحكومات من التزاماتها ومسؤولياتها، وهو الأمر الذي يجب أن يخضع للمراجعة، ففي النهاية لن يكون بمقدورنا الحديث باطمئنان عن المستقبل في ظل وجود طفولة مشوهة ومجروحة.
كان الرئيس الأميركي جون كينيدي متفائلا عندما قال إن الطفل الذي لم يتعلم هو طفل مفقود، فيما الحقيقة التي بتنا ندركها اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن الطفل الذي لم يتعلم هو مشروع تدميري لحياته اولا، ولحياة الآخرين، خصوصا إذا اقترن ذلك بالفقر أو بأي نوع من أنواع الاستغلال.
أيها الأعزاء. ..
سيكون من الصعب الحديث عن حقوق الطفولة في ظل غياب حقوق الانسان وفي ظل الفساد الكبير الناتج عن نهب الحكام لخيرات وثروات شعوبهم. إن الكفاح العالمي من أجل كفالة الحقوق وضمان الحريات، ومن أجل كفالة معايير الحكم الجيد والرشيد طريق أوحد علينا ان نخوضه كاملة لضمان تمتع الطفولة بحقوقها.
لا يمكن الحديث عن حقوق الطفل بمعزل عن حقوق الانسان. إن الطريق إلى حقوق كاملة للطفل كما هي في اتفاقيات حقوق الطفل يمر عبر ايجاد مجتمع ديمقراطي الكافل للحقوق والضامن للحريات، لا يمكن الحديث عن حقوق الطفل قبل ذلك.
إن كفاحنا يجب أن يتجه الى ايجاد مجتمع الحريات الى مجتمع الديمقراطية ومكافحة الفساد وضمان الحكم الجيد والرشيد، ذلك أن المجتمعات التي تذهب للفساد وتذهب ثرواتها وامكاناتها لصالح الفرد والعائلة تعاني فيها الطفولة من ضياع شامل ، وتجد العوائل والأسر في تلك الدول مضطرة لأن تلقي بأبنائها إلى سوق العمل عوضا عن أن تقوم بدورها بتوفير الغذاء والدواء وحماية الطفولة وكفالة ما تستحقه من رعاية.
إن مكافحة الفساد وضمان الشفافية والمساءلة وحكم القانون واحدة من أهم الوسائل الناجعة لضمان حقوق الطفولة. في عالم اليوم لا تبدو مكافحة الفساد قضية وطنية تخوضها الأوطان منفردة، بل قضية انسانيه معولمة يتعين أن تخوضها الإنسانية مجتمعة.
إن مكافحة غسيل الاموال واستردادها قضية استراتيجية بالغة الأهمية لحفظ امكانات الشعوب وحماية قدراتها من الاستيلاء عليها من قبل الحكام، وبالتالي سنكون بالضرورة قد حفظنا للطفل حقوقه بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
ايها الاعزاء..
لا يمكننا الحديث عن حقوق الطفل في ظل الحروب والنزاعات الداخلية. ان تحقيق السلام المستدام شرط اساسي لضمان نيل الطفولة حقوقها في ظل الحروب والنزاعات تكون الطفولة هي الضحية الاولى ويتم انتهاكها على نحو شامل.
إن تجنيد الأطفال، والزج بهم في الملاجئ وتهجيرهم وما يلحق أسرهم من مجاعات وحرمان من التعليم، كلها أسباب مباشرو لغياب السلام المستدام.
إن الكفاح من أجل تحقيق سلام مستدام والوقاية من الحروب اجراءات لا غنى عنها للانتصار للطفولة وضمان حقوقها.
ايها الأعزاء..
أذكركم أن لا سلام دون عدالة، وأن تحقيق العدالة طريق لتحقيق السلام، وأن الذين يضحون بالعدالة من أجل السلام يفقدون السلام والعدالة معا.
أقصد بالعدالة هنا، ايقاف حرب المستبدين على شعوبهم، وأن تطال منتهكي الحقوق والحريات من الحكام والجماعات الارهابية يد العدالة المحلية والدولية على السواء.
أيها الأعزاء
امعنت ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية والمسنودة بدعم ايراني لامحدود في تدمير الطفولة في بلادي اليمن، عشرات الآلاف من الأطفال تم الزج بهم في المخيمات وامثالهم في معسكرات التجنيد وعشرات الآلاف ضحايا الحرب التي شنها وجلبها الانقلاب الفاشي، الذي ذهب بعيدا في غزو المدن وتقويض الدولة اليمنية بالقوة.
الأمر أشد سوءا في سوريا، الحرب التي يشنها بشار الأسد ضد شعبه أصابت الطفولة وعلى نحو شامل في مقتل، الضحايا هناك يعدون بالملايين وهم يتزايدون مع هوس النظام في ارتكاب المزيد من المجازر والاجرام.
إن نظام بشار الأسد الديكتاتوري لا يزال يستخدم الأطفال في إطار معاقبة خصومه من الشعب السوري الذي يتوق للحرية والخلاص من الاستبداد، فيقوم باعتقالات وانتهاكات ضد الأطفال بغرض ابتزاز واذلال أهاليهم، الأمر الذي يجعلنا متأكدين من أن الطفولة في سوريا لن تشفى من جراحها إلا بعد سقوط نظام الأسد الاستبدادي.
أقول ذلك، دون أن أغفل ما تقوم به الجماعات المسلحة في سوريا من انتهاكات ضد الأطفال، وقيامها بتجنيدهم بشكل قسري، وانتهاكات طفولتهم، وهو ما يجب ادانته بشكل واضح، ومعاقبة من يقف خلف هذه الانتهاكات.
اصدقائي الأعزاء..
اثق أننا جميعا لدينا مشاعر تضامن مع حقوق الطفل، علينا أن نتوحد من أجل أطفالنا، من أجل أطفال العالم، نعم أطفال العالم دون تمييز.