كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الفاو عن حقوق المرأة الريفية ومكافحة الفقر والجوع
كل يوم يحرز العالم تقدما في كل المجالات، يمكننا رؤية ذلك بوضوح، الاختراعات والاكتشافات العلمية، وبناء المشروعات العملاقة، وتحقيق فائدة أكبر نتيجة استغلال الموارد الطبيعية والبشرية،
لكن هذا التقدم للاسف لايوازيه تقدم حقيقي على صعيد مكافحة الفقر والجوع في العالم ويظل بسيطا بالنسبة لحجم المشكلة، والأسباب التي تؤدي لتوسع رقعة الفقر والجوع كثيرة ومعقدة في آن، ولذلك لا بد من توافر الارادة الكافية وتظافر الجهود الدولية لتحقيق الحلم الذي يداعب كل واحد منا وهو عالم بلا فقر، عالم بلا جوع.
إن تحقيق مثل هذه الغاية المثلى، يتطلب منا أن نتوسع في مجال الاستثمار في الإنسان، فهذا ما سوف يقربنا من هدفنا أكثر وأكثر. وفي هذا السياق، أشكر للفاو جهودها في هذا المضمار، والتوجه في هذه المرحلة لمساعدة المرأة الريفية للقضاء على الفقر والجوع.
كما نعلم، تتجمع في الريف خصائص تجعل من خطوة كهذه مسألة بالغة الأهمية والتأثير، فالريف في كثير من الدول يضم عدد كبير من السكان، كما يضم أكبر مساحة من الأراضي الزراعية، لكنه وهذه مفارقة كبيرة يعد من المناطق الأشد تخلفا وفقرا، نتيجة عدم توافر الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وتوافر مياه وكهرباء بالشكل الكافي، نتيجة اهمال الحكومات الوطنية التي غالبا ما تصرف جهودها لتنمية الحواضر، ومراكز المدن.
لقد ساهمت مثل هذه السياسات الاقصائية إلى جانب الفساد الذي يستوطن كثير من المؤسسات الحكومية في افقار الريف، بدلا من الاستفادة من المزايا التي يملكها، وهو الأمر الذي ساهم في زيادة عدد الفقراء واتساع رقعة الجوع.
ولا شك أن المرأة في الريف تعد الأكثر تضررا من نقص الخدمات الأساسية واتساع رقعة الفقر، كونها في احيان كثيرة تأخذ على عاتقها توفير المياه والوقود، وهذا يستهلك جزءا كبيرا من طاقتها ووقتها، دون أن يؤثر ذلك على إداء واجباتها المنزلية الأخرى، فعلى سبيل المثال تقضي المرأة في غينيا ضعف الوقت الذي يقضيه الرجل أسبوعيا في جلب الأخشاب والمياه، بينما تقضي المرأة في مالاوي ثمانية أضعاف ما يقضيه الرجل من وقت في أداء هذه المهام، أما النساء في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء فإنهن يقضين ما يقرب من 40 مليار ساعة كل عام في جمع الماء.
ولا يختلف الوضع كثيرا في العالم العربي عن ما هو قائم في دول اسيوية أو إفريقية، فالمرأة الريفية العربية تقوم بمهام متعددة إلى جانب انجاب ورعاية الاطفال، فهي مسؤولة عن توفير المياه التي غالبا ما تتواجد في أماكن بعيدة، وهي أيضا تعمل في تريبة الحيوانات وزراعة الأرض، وإذا كان الرجل يحصل غالبا على ثمن ما يمكن أن يبيعه من المحاصيل الزراعية أو من الثروة الحيوانية، فإن المرأة في الأغلب الأعم تعمل دون أجر لمساعدة الأسرة، أو مقابل أجر زهيد إذا كانت تعمل لدى الغير.
إن أهم نتيجة يمكن أن تترتب على نقص الخدمات الأساسية في الريف، وطريقة التعامل مع المرأة بوضع التزامات اضافية على كاهلها من جهة أخرى، هي الحؤول بينها وبين التعليم، وهو الأمر الذي لا يجعل من الممكن الاستفادة من قدرات المرأة في التنمية والانتاجية بشكل كفوء. وإلى جانب ذلك، فإن المرأة في ظروف غير عادلة تكون أكثر الفئات تعرضا للإصابة بالأمراض، وللحوادث التي غالبا ما تؤثر على حركتها وصحتها الجسدية والنفسية.
الأعزاء..
إن أهم ما يجب الالتفات إليه ونحن نتوجه لمساعدة المرأة في القضاء على الفقر والجوع، هو العمل على توفير الخدمات الأساسية في الارياف، كون ذلك سيخفف من معاناة السكان، وفي مقدمتهم النساء والأطفال، وسوف يسمح للمرأة بالقيام بواجباتها وحسب، وهذا سوف ينعكس ايجابا على صحتها، وعلى تعليمها، وإمكانية أن تنخرط في برامج للتدريب على مهارات تساعد في أن تكون عنصر فاعل في التنمية.
تملك المرأة القدرات التي تؤهلها لأن تكون حجر الزاوية في تنمية الريف والمجتمع بشكل عام، وكل ما يمكن فعله بتصوري، هو توفير الموارد والفرص والامكانيات التي تجعل المرأة عاملا مساعدا في القضاء على الفقر والجوع في محيطها، وفي مجتمعها بأقل كلفة ممكنة من الوقت والجهد، إن هذا سيجعلها أكثر كفاءة وقدرة على الانتاجية، وعلى تحسين وضعها ووضع أسرتها الاقتصادي.
وفقا لإحصائيات للفاو نفسها في 2011 فإن المرأة التي تمثل في المتوسط 43 % تقريبا من قوة العمل الزراعية في البلدان النامية، إذا تمتعت بنفس إمكانية الوصول للموارد الإنتاجية مثل الرجل، فسوف تزيد من عائدات أرضها الزراعية بنسبة 20 إلى 30 %، محققة نموا في إجمالي الإنتاج الزراعي بالبلدان النامية بنسبة 2٫5 إلى 4%، مما يؤدي إلى تخفيض عدد سكان العالم الذين يعانون من الجوع بنسبة 12 % إلى 17 %.
إن التوسع في جانب تدريب وتأهيل النساء الريفيات واكسابهن القدرة على تنظيم أنفسهن، ومهارات التواصل مع الآخرين، والتعامل مع موضوعات مثل الخدمات التسويقية والتخطيط، وكذلك تدريبهن على الاستفادة من التقانة الحديثة، سيؤدي إلى ثورة حقيقية، لا شك في ذلك. سوف تتضاءل رقعة الفقر والجوع حتما.
الاعزاء..
لكن يظل أي حديث عن حقوق المرأة الريفية بمعزل عن حقوق الانسان غير مجدٍ. إن انجاز الدولة الكافلة للحقوق والضامنة للحريات الأساسية للمواطنين جميعا، هي الطريق الآمن لكي تنال المرأة الريفية حقوقها، ففي المجتمعات التي يعاني المواطنون فيها من الاستبداد والفساد والفشل، يكون جميع المواطنين ضحايا تلك الأنظمة، والمرأة جزء من ذلك المجتمع بالضرورة، وإن كانت في الريف أشد تأثرا.
وعلى قدر أهمية تأهيل المرأة الريفية، وتحقيق تنمية مستدامة في الارياف من خارج الدولة، إلا أنها تظل مجرد جهود ما لم تعزز بحكم جيد ورشيد يطلق امكانات الناس ويحشدها ويراكمها.
إن التنمية المستدامة تحمل مفهوما شاملا سياسيا بيئيا اقتصاديا اجتماعيا، وما دام الأمر على هذا النحو، فينبغي علينا العمل من أجل تحقيق حياة كريمة لجميع المواطنين، والاهتمام بالمرأة الريفية كغايه للتنمية المستدامة، ووسيلة لها، ذلك أن حشد الموارد يساعد في تحقيق التنمية المستدامة، ويمنع أن تتحول المرأة لعالة على المجتمع.
في الطريق الى تنمية المرأة الريفية وكفالة حقوقها، يغدو هذا الهدف بعيد المنال في المجتمعات التي تعاني من نزاعات مسلحة، لذا فإن فض النزاعات والحروب وعمل التسويات الوطنية وانجاز السلام في تلك المجتمعات، يعد إجراء بالغ الأهمية من أجل كفالة مجتمع الحقوق والحريات بشكل عام وضمان حقوق المرأة والمرأة الريفية بشكل خاص، التي تتعرض لانتهاكات واسعة النطاق.
ايها الاعزاء..
ونحن نساعد المرأة الريفية للقضاء على الجوع والفقر، يجب أن نبذل جهودا مضاعفة من أجل ارساء السلام في تلك المناطق من خلال توجيه أنشطة أغراض وأهداف منظمة الفاو وتكثيفها في تلك المناطق لتكون جزء من عملية السلام، وهي تملك هذه القوة لتكون كذلك.
أود التأكيد هنا انني نيابة عن تحالف الحائزين على نوبل مع منظمة الفاو نبارك هذه الانشطة والجهود التي تبذلها المنظمة في هذا السياق، ونسعى معها لتحقيق هذا الهدف الانساني النبيل.
الأعزاء..
ختاما، أود التأكيد على إن تمكين المرأة صحيا وتعليما واقتصاديا هو أفضل السبل للقضاء على الفقر والجوع، فالمرأة غالبا ما تنفق ما تحصل عليه على المحيطين بها على عكس الرجل الذي يفضل الالتفات إلى متطلباته الشخصية أولا.
بالتأكيد لا أنوي عقد مقارنة بين الرجل والمرأة في هذا الشأن، فأنا أعرف إن الموضوع أعقد من ذلك بكثير، ومن غير الممكن إطلاق احكام نهائية في موضوع كهذا، لكن ما أردت قوله إن المرأة تملك شعورا بالمسؤولية، وقدرة أكبر على التضحية.
إن تغيير حياة النساء والفتيات الريفيات للأفضل، وفتح افاق كثيرة أمامهن، يعني أننا قررنا تغيير وجه العالم أخيرا. الريف والمرأة الريفية يمكن الثقة بهما في هزيمة الفقر والجوع. هذا ما اعتقده، وارجو أن يكون هذا اعتقادكم أيضا.