كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في القمة السنوية للحائزين على جائزة نوبل للسلام - بوغوتا/كولومبيا
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان كلمة في القمة السنوية للحائزين على جائزة نوبل للسلام التي انطلقت، الخميس 2 فبراير في العاصمة في العاصمة الكولومبية - بوغوتا، فيما يلي نصها:
السادة الحضور:
يطيب لي في البداية التعبير عن سعادتي الغامرة بوجودي بينكم، انتم افراد شجعان لأنكم تدافعون عن قيم السلام والحرية والتعايش بين الشعوب، دون كلل أو ملل. ومما يزيد من سعادتي أني هنا في كولومبيا، البلد الذي يكتشف نفسه من جديد، ويعيد رسم مستقبله بعيدا عن الحرب وخيباتها.
منذ ثمانينيات القرن الماضي والكولومبيون يبذلون جهودا كبيرة لوقف حرب طال أمدها، لكن كل تلك الجهود كانت تبوء بالفشل، اليوم يصنع الشعب الكولومبي تاريخا جديدا، ويقدم صورة مختلفة للعالم، وما فوز الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس بجائزة نوبل للعام الماضي إلا اعترافا من العالم بتوجه الشعب الكولومبي نحو السلام. لا شك أن الرئيس خوان يستحق تقدير العالم، كما يستحق كل شخص في كولومبيا يعمل من أجل السلام تقدير العالم، وقبل ذلك تقدير الشعب الذي يتوق لحياة جديدة خالية من الحرب والصراعات.
أود أن أقول للعديد من ضحايا الصراع في كولومبيا الذين استمعنا لهم الآن وهم يعبرون عن تجربتهم في مقطوعه فنية فريدة، أقول لهم: أنتم لستم مجرد ضحايا، أنتم ابطال استثنائيين، تضحياتكم من أجل السلام وليس من أجل الانتقام.
إن ما يجب فعله الآن هو تكريمكم والاعتراف بكم كأبطال عبروا وسيعبروا بكولومبيا نحو مستقبل جديد لا مكان فيه للصراعات أو الانتقام والحرب.
اقول لكم وللشعب الكولومبي؛ إن أفضل شيء يمكن أن تقدموه للعالم هو أن تنجحوا في بناء عملية سلام مستدامة، سلام قائم على نزع السلاح من الجماعات المسلحة، بحيث تكون الدولة وحدها صاحبة الحق الحصري في امتلاك السلاح واستخدامه، وفي بسط السيطرة والنفوذ على جميع التراب الوطني، وبحيث تتحول هذه الجماعات المسلحة إلى أحزاب سياسيه تمارس السياسة دون اللجوء للعنف والقوة، وبحيث تكون هناك عدالة انتقالية تكفل حق الضحايا في جبر ضررهم والتعويض، وتضع كل الاجراءات اللازمة لضمان عدم التكرار، لأنكم لو نجحتم وسوف تنجحون سوف تشكلون نموذجا والهام لشعوب أخرى تعاني من ويلات الحروب والصراعات المسلحة ومنها بلدي اليمن.
اصدقائي الاعزاء:
كما تعلمون، فقد ازدادت موجات الكراهية والميل للتعصب والعنف في الفترة الأخيرة، فلا يزال هناك أشخاص يعتقدون إن اكتساب الهيبة لا يكون إلا من خلال القوة، وإرهاب الآخرين. لقد صار بإمكاننا أن نلحظ أوجه التشابه بين المتعصبين على اختلاف مواقعهم ودياناتهم وقومياتهم، المتعصبون يفكرون بطريقة واحدة، ولديهم هوس بصناعة الأعداء، أما الأشخاص الأسوياء فهم يفكرون بطريقة ايجابية، يشعرون بأهمية أن يكون العالم خاليا من العنف والتعصب والاستغلال.
وانا هنا ابدي حزني واسفي بشأن قرار الإدارة الامريكية حظر سفر مواطني سبع دول مسلمة إلى أمريكا، بمن فيهم حملة البطائق الخضراء، إن هذه الإجراءات عنصرية وتمييزية، فرز الناس حسب اديانهم والتعامل معهم بشكل تمييزي، سلوك عنصري يتصادم مع القيم المدنية ومع كافة المواثيق والعهود التي تفاخر بها الانسانية ويقوم عليها العالم المتمدن.
إن هذه الاجراءات تعد تحريضا مكثفا ضد ملايين المسلمين من المواطنين الأمريكيين وليس فقط ضد مليار ونصف مسلم يتوزعون على قارات العالم.
تولد قرارات ترامب وخطابه الطافح بالتعصب والكراهية انطباعا شاملا لدى المسلمين بأنهم مستهدفون كدين وكأمة، وان ترامب يفعل ذلك بدافع التعصب والكراهية وليس لحماية امريكا من الارهاب كما يزعم .
انه يقدم خدمة جليلة للإرهاب ويكرس نفس خطاب الارهابين الذين يسوقون انفسهم لدى الناس ببث العزلة والقول بان الغرب حكومات وشعوب اعداءنا ويكرهوننا لأننا مسلمون ولن يقبلوا بالتعايش معنا.
لا مفر أمام النشطاء الأمريكيين والنخب والمفكرين والساسة والاعلاميين من ان يتذكروا كفاح أبطالهم الملهمين من اجل الحقوق المدنية ويعيدوا ذات الكفاح الآن، لإسقاط خطاب ترامب وبرامجه العدوانية الطافحة بالعنصرية والتعصب والكراهية!، عليهم ان يفعلوا ذلك باعتبار ظاهرة ترامب تمثل خطر بالغ على الأمة الأمريكية أكثر من غيرها.
جميعنا سنخوض معهم هذه المعركة وسنناهض هذا الخطاب وهذه السياسات في اطار كفاح عالمي ينتصر للتعايش والمحبة والسلام ويقطع الطريق امام اي صراع بين المسلمين والغرب لأسباب دينية على النحو الذي تكرسه ادارة ترامب.
أصدقائي الأعزاء:
كنت ولا أزال أومن أن الاستبداد والإرهاب وجهان لعملة واحدة، الاستبداد يصنع الارهاب، والارهاب يحمي الاستبداد، وكلا الأمرين يهدد السلام على الصعيد المحلي، وعلى صعيد العالم، علينا الانحياز لحريات الشعوب، فهذا السبيل الأكثر نجاعة لترسيخ السلام، والقضاء على الارهاب والتعصب.
لا يجب الاعتقاد أن الاستبداد يمكنه أن يكون شريكا نزيها في محاربة الإرهاب، فكل منهما يستفيد من وجود الأخر.
أقول ذلك في وجه الذين يحاولون خداعنا مرة أخرى، لن نقبل بالاستبداد لأن هناك إرهاب، لقد تعلمنا الدرس جيدا، عدونا هو عدو الحرية، والاستبداد والارهاب لديهم نفس الموقف من الحرية.
اصدقائي الاعزاء:
في الختام، أود ونحن أجواء الذكرى السادسة لثورات الربيع العربي أن أحيي الجماهير الكبيرة التي رفعت راية التغيير بكل تحضر وشموخ، واسقطت رؤساء ظلوا في مناصبهم لعقود من الزمن يمارسون العنف وسرقة الثروات وتدمير القيم.
نعم، هناك ثورات مضادة وحروب، لكن في النهاية سوف نحصل على حريتنا، وعلى دولنا التي سرقوها طويلا.
اثق بأن السلام سوف يعم أوطاننا، وأن العدالة سوف تأخذ طريقها دون مساومات.