كلمات
الحديث عن حرية التعبير وحقوق الإنسان في اليمن يثير أوجاعا لا نهاية لها، فلانقلاب الدموي الذي قامت به ميليشيات الحوثي بدعم ومساندة من المخلوع سعت منذ البداية الى مصادرة المجال العام وانتهاك حقوق الانسان وتدمير الصحافة من خلال اقتحام وسائل الإعلام المختلفة ونهب محتوياتها،
وتعقب الصحفيين الذين يعتقد بأنهم غير موالين لهم، والزج بهم في معتقلاتهم الخاصة.
في أحد خطاباته، اعتبر زعيم مليشيا الحوثي عبدالملك الحوثي الصحفيين مجرد مرتزقة أشد خطرا على البلاد من المقاتلين الذين يقاومونه بالسلاح، كان هذا بمثابة تهديد لما تبقى من الصحفيين بالتزام الصمت إزاء ما يجري، بما في ذلك الصمت إزاء السرقات التي يقوم بها رجال الحوثي في طول البلاد وعرضها.
بعد نحو ثلاث سنوات من سيطرة الانقلاب الحوثي الصالحي على البلاد يمكننا أن نقول أن اليمن الذي شهد ذات يوم ازدهار للصحافة ولحرية التعبير أصبح بلا صحافة ولم يعد هناك حرية من أي نوع.
في عام 2015 صنفت منظمة "مراسلون بلا حدود" ميليشيا الحوثي كثاني أكبر جماعة تحتجز الصحفيين في العالم بعد تنظيم داعش، مضيفة إن اختطاف الصحفيين أمرا شائعا منذ أن تمكنت الميليشيات الحوثية من السيطرة على العاصمة صنعاء منذ 2014.
الذين يسألون عن حرية التعبير أو حقوق الانسان في اليمن، لا يدركون مدى كراهية الانقلابيين لهذين الامرين، فهما يشكلان حسب سلطة الانقلاب عناصر المؤامرة الأمريكية الصهيونية على البلاد.
لست معنية بإثبات ماذا كان الحوثيون يدركون معنى مثل هذا الكلام أو الهراء لا فرق، ولكن انا معنية بتوضيح كيف تنظر ميليشيا الحوثي إلى حرية التعبير وإلى حقوق الإنسان، حتى يمكن فهم طريقة الحوثيين العدائية للحقوق والحريات بشكل عام.
منذ ثلاث سنوات والحوثيون يقومون بالاعتداء على حقوق الانسان الأساسية دونما شعور بالذنب،؛ مثل حق الحياة، فالحوثيون يقومون بقتل معارضيهم المسالمين، ويقوم مسلحوهم بقتل أي شخص لأي سبب، في اليمن يمكنك التفكير في الف سبب يدعو لاستهدافك بالقتل مثل أن تكون في مؤسسة ما وتقوم من الكرسي الذي تجلس فوقه للسؤال لماذا لم يأت المسؤول في موعده، ومثل أن تقبض عليك نقطة عسكرية حوثية وانت تستمع لاغنية أو تستمع لإذاعة خارجية.
لدى ميليشيات الحوثي أسباب كثيرة لقتل أي شخص سواءا كانت له علاقة بالسياسة أم لا، أبسط شيء يقوم به الحوثي هو القتل.
ينتهك الحوثيون حقوق الإنسان بلا هوادة، يخاصم الحوثي من يريد، ويعتقل من يريد ويحاكمه وفق قوانينه الخاصة في أي وقت يريد، يعتبر الحوثيون انفسهم الخصم والحكم، الحقيقة أنه تجري مذبحة لحقوق الإنسان في اليمن بشكل علني، فالسؤال عن الرواتب المقطوعة منذ عام مثلا، يعد خيانة يستحق من يقوم بها السجن واحيانا القتل.
أصدقائي الأعزاء:
شهد اليمن في الفترة الانتقالية التي تلت ثورة 2011 تحسن كبير في حقوق الإنسان وحرية صحافة مطلقة، مارس الجميع حريتهم في التعبير دون قيود، ثم ما لبثت منذ اليوم التالي للانقلاب إن اغلقت كل الصحف والقنوات الفضائية والاذاعات ووكالات الانباء، اغلقت مقرات الاحزاب والمنظمات الحقوقية، وتم الزج بآلاف الناشطين الشباب والمعارضين في المعتقلات وتعذيبهم والاخفاء القسري لهم، بعد حريات سياسية مطلقة مارسها الجميع اثناء الفترة الانتقالية.
التظاهرات والاعتصامات وكافة اشكال الاحتجاج السلمي هي الاخرى كانت مكفولة اثناء الفترة الانتقالية، بعد الانقلاب تم حظر هذه الحريات وتجريمها ومن يزاولها مصيره السجن والاخفاء القسري في أحسن أحواله، أو القتل في كثير من الاحيان.
في هذه اللحظات التي اتحدث فيها معكم يتعرض نحو 18 صحفيا في سجون الحوثي غير القانونية للتعذيب، فضلا عن انتهاكات لا حصر لها يتم ارتكابها بحق الصحفيين والمدنيين بشكل عام. يحاول الحوثيون تحسين صورتهم امام منظمات المجتمع الدولي المعنية بحقوق الإنسان من خلال اتخاذ قرارات إفراج هنا أو هناك، إن الإفراج عن صحفي يمني تم الحكم عليه بالإعدام امس الأول، لن يغير من صورة الانقلاب القبيحة.
التهديدات الصارخة التي توجه للصحفيين حتى أولئك الذين يدعمونهم دليل أننا أمام سلطة غاشمة حقا، لا تهتم بحقوق الإنسان وفي مقدمتها حق التعبير.
وبالمثل، أدى غياب السلطة الشرعية في المناطق المحررة خصوصا في الجنوب، ونشوء جماعات مسلحة خارج إطار الشرعية بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة إلى ازدياد موجة انتهاكات حقوق الإنسان، وفي هذا الإطار تم قتل ناشطين شباب بعد تعذيبهم في معسكرات تابعة للامارات بتهمة الالحاد أو العلمانية.
لقد باتت حقوق الإنسان وحرية التعبير في وضع لا يحسدان عليه في عدن والجنوب نتيجة السيطرة الاماراتية، فأي شخص يعبر عن رأيه يتم اعتقاله وتعذيبه وقتله، لذا يجب أن نتعاون معا في فتح تحقيق دولي شفاف لكشف ملابسات هذه الانتهاكات البشعة التي تشيع الخوف والرعب في أوساط المجتمع.
الأصدقاء الاعزاء:
كان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر يقول إن امريكا لم تخترع حقوق الإنسان، بل حقوق الإنسان هي من اخترعت أمريكا، لست بصدد مناقشة هذه المقولة، وما إذا كانت صحيحة أم خاطئة، لكن تبدو مقولة تثير الاهتمام والاعجاب معا، لكن إلا يبدو غريبا أن تصدر اشارات وتصرفات من هذه الدولة الكبيرة تظهرها وكأنها الداعم الأول للقمع في الدول العربية.
المؤسف إن الغرب الديمقراطي شارك في الغدر بالربيع العربي، اقول كان بإمكان الغرب الديمقراطي الذي راهنا عليه، كان بإمكانه ان يجعل من الربيع العربي ملهما، وفيما يتعلق بالوضع في اليمن، كان بإمكان هذا الغرب الذي يدعي دعمه للديمقراطية أن يقف مع اليمن، البلد المؤهل اكثر من غيره لصنع نموذج ديمقراطي، تعلمون جيدا أن لليمن تراث ديمقراطي وأنه كان يسير نحو بناء تجربة جديرة بالاحترام، لولا انقلاب 21 سبتمبر المدعوم من ملالي إيران.
إن مساعدة اليمنيين وملاحقة الذين ينتهكون حقوقهم، سوف يساعد كثيرا في تحجيم القتلة الذين يقومون بجرائهم دونما خوف من أي عقاب أو مساءلة.
الاصدقاء الاعزاء:
أود أن أكد لكم إن معركتنا وكفاحنا من أجل المجتمع الديمقراطي الذي يحترم الحقوق ويتمتع بالحريات، هي معركة إنسانية مقدسة، سنظل نخوض فصولها ومعنا كل الاحرار في العالم، من أجل انجاز الدولة الوطنية الكافلة للحقوق الضامنة للحريات، ومن أجل مؤسسات أممية قادرة على حماية المواثيق الدولية والزام من يخترقها، ان لا يفلت من العقاب والملاحقة.
سأقولها مرة أخرى بصراحة: إن الشعوب العربية مصممة على نيل حقوقها وحرياتها، وهي في سبيل هذه الغاية النبيلة، سوف تواصل نضالها دون ملل أو كلل.
إن فكرة حقوق الإنسان جديرة بأن نضحي من أجلها بأرواحنا وكل ما نملك، فنحن ندرك جيدا عظمة هذه الفكرة، ولذا لن نقبل العودة لدولة الخوف والاستبداد مهما كانت التضحيات ومهما كان الثمن.
في اليمن، هناك مشاعر ايجابية تجاه حقوق الإنسان وحرية التعبير، اليمني لا يحب الضيم، ولا يقبل بأن يكمم فمه أحد، ولم تستطع الحروب المطبقة عليه أن تزعزع ايمانه بذلك، لديّ حلم أن يلتفت العالم إلى اليمنيين وأن يبادلهم هذا الايمان بالحرية.