كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في المؤتمر الدولي العاشر للطاقة -انقرة
في البداية، أود ان اعبر عن سعادتي بوجودي في مؤتمر هام مثل مؤتمركم الذي يهتم بجانب مهم في حياتنا، إن الطاقة تعد من المجالات الهامة التي يمتد تأثيرها إلى الاقتصاد والتنمية والأمن والسلام في العالم.
الاصدقاء الاعزاء:
لا أكون مبالغة عندما أعتبر الطاقة هي السر الذي غيّر العالم، وشكّل العنصر الأكبر في نقل البشرية لعصر مختلف تماما عن العصور السابقة، لقد اكتشف الإنسان الحيوية والقدرة الرهيبة التي تتمتع بها الطاقة في تغيير الواقع نحو الأفضل، هذا الجانب الايجابي للطاقة، لا يمنعنا من القول ان هناك جانب سلبي، يتمثل في كون الطاقة تحولت إلى مجال للصراع والحروب، وإلى الإضرار بالبيئة على نحو يهدد الحياة بشكل مباشر.
السياسيون الديمقراطيون في العالم يسألون كل صباح عن الأمن والطاقة، أما السياسيون غير الديمقراطيين فيسألون كل صباح عن الأمن والطاقة والمعتقلين، كما ترون فالعالم منقسم حول ما إذا كان من الضروري أن يكون هناك معتقلين وسجون للمطالبين بالحريات وحقوق الإنسان، لكنه متفق حول أهمية الطاقة، الجميع يعرف ماذا تعني الطاقة، وهذا وإن كان سببا في تنمية مصادرها، والاستفادة منها في تطوير وتحديث مناحي الحياة المختلفة، إلا أن ذلك، كان سببا رئيسا في اندلاع كثير من الحروب والصراعات المسلحة.
لست راغبة في تعداد الحروب التي قامت في سبيل الاستحواذ على مصادر الطاقة، جميعكم يعرف كيف تم استخدام مبدأ نشر الديمقراطية ومكافحة الإرهاب مثلا في شن حروب اتضح فيما بعد انها كانت من أجل وضع اليد على منابع النفط والغاز، وهذا الأمر تسبب في فقدان مصداقية تلك الدول، لكن هذا الانكشاف الاخلاقي والسياسي الذي لحق بموقف تلك الدول لم يغير كثيرا من الواقع، نتيجة تحكم منظومات الفساد في كثير من سياسات حكومات العالم الثالث.
لقد عدت للتو من امريكا اللاتينية وتحديدا هندوراس وجواتيمالا، حيث كنت ضمن وفد اختارته مبادرة "نساء نوبل"، لقد أطلعنا على حجم معاناة المواطنين من الفساد، فساد الحكومات وفساد الشركات متعددة الجنسية، ومدى اعتداءها على البيئة، المناخ، الانهار الارض، حقوق السكان الاصليين، وكيف أن المدافعين من أجل البيئة والأرض والماء يواجهون انتهاكات لا حصر لها ابتداءا بالقتل وانتهاء بتشوية السمعة، ما يحدث لا ينبغي السكوت عليه، إن التعامل مع الناس والأرض بهذه الصورة الوحشية لا يجب النظر إليه باعتباره موضوعا عاديا لا يستحق الاهتمام.
إن كل عملية قتل تطال أحد مدافعي حقوق الانسان، أو مكافحي الفساد، أو المدافعين عن البيئة، هو تهديد للأمن والسلام الدوليين، لا يجب النظر إلى مثل هذه الجرائم على أنها جرائم محلية ومحدودة، ففي النهاية تخريب البيئة في بلد ما لا يضره بمفرده، علينا أن نغير من هذا الاعتقاد الساذج، إن القضايا المناخية ليست موضوعا محليا ليتم غض البصر عن الانتهاكات التي تطالها.
لذا يجب توسيع التحقيقات بشأن هذه الانتهاكات، لكي يتم الكشف عن كل المستفيدين من عمليات القتل التي تطال الناشطين من أجل مكافحة الفساد، خصوصا اولئك الذين يرتبط نضالهم وكفاحهم بمواجهة عمليات تجريف البيئة لمنافع أنانية. والا تقتصر المحاكمات للمنفذ المباشر أو الأداة، فالتحقيقات في حال اتخذت مسارا جديا فإنها ستطال مافيا الفساد، وأجهزة الأمن القمعية وجميع المستبدين، والشركات التجارية المتورطة في تدمير البيئة واستغلالها على نحو سيء.
أدعو أن يكون هناك محكمة دولية خاصة بمكافحه الفساد وغسيل الأموال وجميع المتورطين في تدمير البيئة والإضرار بالمناخ على نحو يهدد الحياة على هذه الأرض.
الأصدقاء الأعزاء:
إن تحقيق أكبر قدر استفادة من الطاقة لجعل حياتنا أفضل هو ما يجب أن نعمل من أجله، وباعتقادي أن أهم ما يجب القيام به هو البعد عن نزوات الهيمنة التي تحول هذه النعمة إلى نقمة، يجب أن تساهم الطاقة في رفد حياتنا بكل ما هو إيجابي ومفيد.
أحلم أن تكون هناك مشروعات عملاقة في مجالات الكهرباء وتوليد الطاقة المتجددة في الدول الفقيرة، وبين الدول بعضها البعض، إن أي جهد سوف يبذل في هذا الاتجاه سوف يقلل من نسب معاناة الناس، وسوف تسهم في تطوير المجتمعات المحلية، ودعم أسس أمن واستقرار المجتمع الواحد، وكذا تقوية الروابط والعلاقات الثنائية بين الدول المتجاورة، يمكننا أن نجعل من الطاقة محفزا للسلام، ويمكن إذا تصرفنا بأنانية أن نجعل منها سببا في مزيد من النزاعات المسلحة والحروب، علينا أن نختار المكان الذي نريد الذهاب إليه، أتصور أننا جميعا، نريد أن نكون في مكان لائق بنا، مكان ليس مليئا بتلوث الهواء وتلوث الضمير.
الأصدقاء الأعزاء:
كل يوم نسمع عن أموال تضخ لتوليد الطاقة الخضراء لما لها من فوائد لا تحصى على البيئة وصحة الإنسان وسلامة الكوكب الذي نعيش فيه، لكننا نفاجأ بحجم انتشار هذا النوع من الطاقة، إنه ضئيل جدا، بحيث لا يشكل مصدرا للتفاؤل بأن هناك تغيير يساعد الأرض على التعافي، ويساعدنا ويساعد الأجيال القادمة على العيش دون منغصات.
أدرك الصعوبات التي تعترض هذه المسيرة، لكن ازدياد عدد السكان بشكل مهول من جهة، وازدياد معدلات التلوث وتنامي ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة انبعاث الغازات، جراء احتراق الوقود بأنواعه كالفحم والنفط والغاز الطبيعي يحتم علينا بذل مزيد من العمل لكي تصبح الأرض أقل تلوثا.
إن الاتجاه نحو الطاقة المتجددة أو البديلة لن يساهم في جعل الأرض أكثر صحة وحسب، بل أنه يعد مؤشرا مهما على رغبة صادقة بتوطيد دعائم السلام، وهو ما نسعى إليه.
في مناسبة سابقة قلت: إن استخدام الطاقة الخضراء في الدول النامية والأقل نموا، سيحقق التنمية المستدامة بكافة ابعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، سوف يؤدي ذلك الحد من الفقر لا سيما في أوساط النساء والفئات المهمشة، كما أنه سيكفل اشراك المرأة في التنمية، وسوف يعود بفوائد ضخمة على صعيد الحد من الفقر فهو يخلق فرص عمل جديدة لقطاع واسع من سكان العالم الذين يعيشون ظروفا غير ملائمة اليوم، وهذا يساعد في تقوية منطق السلام وأضعفاف منطق الحرب.
الاصدقاء الاعزاء:
لدينا طموحات كبيرة، وعلينا مهام جسام، أكثرها إلحاحا اليوم أن نعمل جنبا إلى جنب من أجل أرض مليئة بالحيوية والصحة، ومن أجل انسان يعيش في أجواء غير مشحونة بالسموم.
لنعمل بكل إخلاص من أجل عصر الطاقة النظيفة، هناك عقبات كثيرة تقف حائلا أمام تحقيق هذا الهدف، لكن لا يجب أن نتخلى عن هذا الحلم النبيل، تستحق الأرض ونستحق نحن حياة بلا سموم أو حروب أو دخان.
نستحق طاقة خضراء وسلام مستدام.