كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في مؤتمر المرأة والحرب من البوسنة الى ميانمار-المانيا
أود في البداية أن أعبر عن سعادتي بوجودي بينكم، لقد حرصت على أن اشارك في هذا المؤتمر كونه يلقي الضوء على مسألة رغم أنها تشغل الجميع،
لكن كما يبدو لا أحد باستطاعته ايقاف تداعياتها الخطيرة على المجتمع، وضع المرأة في زمن الحرب، دائما ما يكون مجالا لكسر حاجز الاخلاق والقوانين، ومدخلا اساسيا لإيذاء المجتمعات والأمم.
اصدقائي الأعزاء:
منذ مطلع التاريخ، تواجه المرأة نواع شتى من التمييز وصور الإقصاء والتهميش، ونتيجة لذلك، كانت دائما بمثابة الجدار المنخفض الذي يصعد فوقه الجميع، لقد عانت المرأة وما تزال من ارهاب مستمر لم نتمكن للأسف الشديد من ايقافه. فالقوانين التميزية ضد المرأة والتي تحط من كرامتها لا تزال تعمل في كثير من الدول، والممارسات العدوانية تجاه المرأة ما تزال تحظى بحمايتها، يمكنني القول ان المرأة تعاني حربا دائمة سواء كان هناك حرب أو سلام.
على الرغم من مشاركة النساء في بناء الحضارة الإنسانية، وفي الحفاظ على القيم العليا التي ساهمت في التقليل من مستويات العنف والقسوة، إلا أن سياسات السلطات المختلفة ظلت مرتابة وقاسية تجاه المرأة، وأقصد بالسلطات كل السلطات السياسية والاجتماعية والدينية.
علينا أن نذكّر دائما بخطأ هذه السياسات ومجافاتها لمبادئ العدالة والانصاف، فليس من المعقول أن تظل هذه الأوضاع قائمة ضد المرأة، لا أريد أن اعمم، هناك دول قطعت اشواطا كبيرة في تغيير النظرة السلبية تجاه المرأة، لكن ما تزال هناك دول كثيرة فيها النساء يعانين من الاقصاء والعنف.
اصدقائي الاعزاء:
طالما عبرت عن موقفي الصلب بأن حقوق المرأة هي حقوق الإنسان، لا أرى من المنطق الفصل بين حقوق الإنسان وحقوق المرأة، عندما يحصل الرجل على حقوقه، سوف تحصل المرأة على حقوقها، استطيع ادافع عن هذا الرأي بكل قوة، لكن هذا الموقف لا يمنعني من الاعتراف بأن المرأة دائما هي الحلقة الأضعف في الحروب والصراعات المسلحة، بالرغم من انها في الغالب لا تشارك فيها.
في معظم الحروب كما تعلمون، تتعرض المرأة لانتهاكات أكثر حتى من المحارب نفسه، فهي تتعرض للقتل بدون تمييز باعتبارها الجزء الأكبر من المدنيين العزل، كما أنها تكون عرضة للاعتداء الجنسي والاغتصاب بغرض إذلالها واذلال مجتمعها، كما يتم ارغام النساء في معظم المناطق اتي تشهد صراعات مسلحة على ممارسة البغاء القسري، أما إذا نجت المرأة من كل ذلك، فإنها لن تنجو من تداعيات الضغوط النفسية والاجتماعية التي تسببها الحرب.
أصدقائي الأعزاء:
تزداد معاناة المرأة في السجون والمعتقلات التي يتم فيها ممارسة كل أشكال التعذيب والإذلال، هذه الجريمة لا يجب التسامح فيها، يجب ملاحقة الأنظمة والجماعات التي تقوم بهذه الأعمال المشينة بدلا من محاولة فتح صفحة جديدة معها على غرار ما يحدث مع النظام السوري ومليشيات إيران في المنطقة العربية.
إن سياسة غض الطرف تجاه اضطهاد المرأة والمجتمعات بشكل عام يعطي رسالة مغلوطة مفادها أن القتلة يستطيعون ممارسة أنواع القتل دون أن يتعرضوا للمساءلة، وهذا الأمر معناه مزيد من الصراعات والنزاعات المسلحة.
هل هذا ما يحتاجه العالم، لا أعتقد. في الحقيقة يحتاج العالم إلى السلام أكثر من أي شيء اخر، لذا يجب وضع حد للتسامح مع المجرمين، أيا كانت الأسباب.
الاصدقاء الاعزاء:
قبل سبع سنوات من الان، قامت ثورات الربيع العربي في عدة دول في الشرق الاوسط، لقد هدفت هذه الثورات إلى إسقاط الأنظمة القمعية التي مارست كل أشكال التسلط والفساد، ومع استماتة هذه الأنظمة في الدفاع عن موروثها السيء وبتواطؤ غربي للأسف الشديد يتم التنكيل بالشعوب التي طالبت بالتغيير.
في هذا الاطار، يتم الاعتداء على النساء من خلال خطاب عدواني ومن خلال ممارسات بشعة، وهو الأمر الذي يجب أن يوحدنا جميعا، فنحن في النهاية أخوة في الإنسانية ومن العار السكوت على ما يحدث من مذبحة تجاه المرأة والطفل والرجل، الجميع يدفع ثمن الهمجية.
الاصدقاء الاعزاء:
أمامكم خريطة الصراعات المسلحة، أمامكم شهادات لا حصر لها لنساء تعرضن للاغتصاب والاعتداء الجنسي والتعذيب، أمامكم حالات كثيرة لنساء تم اعدامهن وقتلهن، أمامكم واقع المرأة الذي يزداد قسوة مع قسوة المعارك هنا وهناك.. أمامكم مذبحة كاملة بتفاصيلها المملة، بما في ذلك أسماء المجرمين والقتلة الذين يعتقدون أنهم يستطيعون ارتكاب الجرائم دون أن تطالهم يد العدالة.
ما دامت الأمور واضحة، فيجب أن تكون سياساتنا واضحة، تحتاج النساء اللائي تعرضن للاعتداءات المختلفة إلى دعم كبير سياسي وحقوقي واجتماعي واقتصادي، علينا أن نقوم بواجبنا تجاه نساء شجاعات واجهن ظروف صعبة، ويردن الخروج من هذا الواقع المؤلم.
الاصدقاء الاعزاء:
لنعمل سويا من أجل السلام، ولنبدأ بعزل المجرمين، ستكون المرأة عونا لنا في إنجاز العدالة، المرأة في كل العهود تريد العدالة، وباعتبارها الأكثر تعرضا للقمع والارهاب والاعتداءات الجسدية والنفسية فستكون مساهمتها في هذا المجال منصفة ومؤثرة.
على الصعيد الشخصي، لطالما شعرت بالفخر بكوني امرأة تكافح من أجل الحرية وحقوق الإنسان بصلابة لا تلين. كل النساء اللواتي يكافحن من أجل السلام والعدالة وعدم التمييز يعطونني الدعم النفسي والانساني كي أواصل طريقي دون تردد.
أوجه تحية صادقة لكل امرأة تقاوم الظلم والحرب بصدق وشجاعة، أشعر بأن العالم سيكون بخير ما دام هناك من يدافع عنه بكل صدق وشجاعة.