كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في منتدى أفكار تازه - لاهور/باكستان
في البداية، أود أن اعبر عن سعادتي بوجودي في باكستان مجددا، أشكر جامعة البنجاب على دعوتها، اشكر رئيس الجامعة وهيئة التدريس، اشكر الطلاب أيضا، اشكركم جميعا.
الأصدقاء الاعزاء
في حياتنا هناك شخصيات ملهمة وعظيمة قدمت تضحيات كبيرة من أجل نعيش في أمن وسلام، وساهمت بدور تنويري في انتشال مجتمعاتنا من حالة الجمود والتعصب. اننا مدينون بالكثير لهؤلاء الذين يقاتلون ضد التخلف، والذين لولاهم لظلت الحياة بلا معنى حقيقي.
يعد الشاعر والفيلسوف الكبير محمد اقبال من دون مبالغة، من هؤلاء الكبار الذين اسهموا بشكل كبير في إثراء المعرفة الإنسانية بأفكار إيجابية تحض على التفكير الحر وعلى التصالح بين الأديان والعلوم الأخرى.
على الصعيد الشخصي، احتفظ بمودة خاصة تجاه محمد اقبال الذي قدم انتاجا فكريا وابداعيا محترما، والذي رغم مشاغله الكثيرة لم ينسى أن يحلم، نعم كان اقبال حالم كبير، شاعر كبير، قائد كبير، وهذا سر تفوقه حتى هذه اللحظة.
في العالم وفي مقدمته، المنطقة العربية، يعد محمد اقبال من الأسماء المقروءة، فكتبه واشعاره يتم تداولها بشكل كبير، لقد تحول اقبال إلى ملهم عظيم للباحثين عن السلام الداخلي في عقولهم ونفوسهم.
كان اقبال في قصائده واشعاره يحلم دون أي اعتبار للحدود المصطنعة: يقول اقبال عن نفسه: "إن جسمي زهرة من جنة كشمير، وقلبي من حرم الحجاز، وأنشودتي من شيراز".
الكثير منكم ربما يعلم ان هناك قصائد لإقبال تم غنائها من كبار الفنانين العرب، ومن بين هؤلاء الفنانين الذين غنوا قصائد اقبال الفنانة أم كلثوم التي تعد أهم صوت غنائي في المنطقة العربية، لقد ساهمت قصائد اقبال في نشر جانب مهم من فلسفته تجاه الحياه.
قصيدة "حديث الروح" مثلا التي غنتها أم كلثوم مليئة بالحكمة والفلسفة المفعمة بالإيمان، أنظروا إلى هذه الابيات:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان... ولا دنيا لمن لم يحيي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين.. فقد جعل الفناء لها قرينا
كان اقبال محبا للفن ومدركا لأهميته في حياتنا، يقول اقبال: "أعلى فن هو ذلك الذي يوقظ قوة الإرادة النائمة فينا، ويستحثنا على مواجهة الحياة في رجولة".
الأصدقاء الأعزاء
كان عباس محمود العقاد وهو مفكر عربي كبير يصف اقبال بأنه طراز العظمة الذي تتطلبه أمتنا في كل حين، كونه ويتمثل المبدأ القويم: لا افراط ولا تفريط، لا دنيا وحسب ولا انصراف عنها وزهد فيها وحسب.
كان اقبال واقعيا جدا، وبعيد النظر في آن، وهو يقرر إن التعليم هو الحامض الذي يذيب شخصية الكائن الحي، ثم يكونها كما يشاء.
التعليم يوسع مدارك الناس ويجعلهم قادرين على اختيار الأشياء الصحيحة، لذا فإن إهماله يعود بعواقب وخيمة، فكثير من الدول التي تعاني من ازمات وحروب وصراعات مسلحة بسبب التخلف على صعيد التعليم، لذلك يجب أن يكون لدينا اهتمام أكبر بالتعليم، أكبر وأكبر.
التعليم يمنحنا المعرفة، والمعرفة قوة. لقد كان أقبال بقول: أعطني القوة لأقول لا، وأعطني العقل لأعرف كيف أقولها، وأعطني الكفاية لأعرف متى أقولها.
الاصدقاء الأعزاء
أهمية اقبال في تاريخ باكستان لا تحتاج إلى نقاش، وإذا كانت الدولة منذ وقت مبكر قد اهتمت بإنتاجه الفكري والثقافي والسياسي، فإنه تم كتابة الالاف الرسائل الأكاديمية والمقالات بكل اللغات عنه وعن كتبه وأدبه وفلسفته وسياسته، ما يعني اعترافا بتأثيره الكبير في مجال الثقافة على مستوى العالم.
لقد استطاع اقبال أن يحجز لنفسه مكانة كبيرة بين مفكري العالم، لقد صار ملهما بحق لكثيرين، بكل فخر، أرى نفسي من الذين تأثروا بفلسفة الدين التي نادى إليها اقبال، فقد كانت قائمة على تحرير الدين من سلطة التقليد والجمود الفكري بشكل عام.
الأصدقاء الأعزاء
بعد مضي ما يقارب ثمانين عاما على وفاة محمد اقبال، لا يزال واحدا من أهم الشخصيات المهمة في العالم، وخصوصا الجزء الإسلامي منه.
لو قدر له أن يعيش بيننا اليوم، لكان واحدا من دعاة الحرية والديمقراطية في عالمنا الإسلامي، إن شخصية ايجابية مثل اقبال، لم تكن لتقبل أن تكون جزءا من جوقة السلطة أيا كانت.
إن أكبر جريمة يشهدها العالم الإسلامي هي استمرار العيش تحت أنظمة قمعية ومتخلفة، يجب أن نعلن بكل وضوح ان الاستبداد هو عدونا، كما ان الارهاب هو عدونا هو الآخر، فكل من الاستبداد والارهاب يمنعان أمتنا الإسلامية من النهوض والحياة الكريمة.
الأصدقاء الأعزاء
نعيش في عالم مضطرب يموج بالكراهية والعنف، رؤساء دول يشجعون على الكراهية، وسياسات تميل لإقصاء الآخر، أيا كان الآخر، يجب أن نعلن موقفا محددا من هذه السياسات الخاطئة.
أود أن أقول أنه لا يحق لأحد أيا كان، أن يصنف الناس وفقا لمزاجه الخاص، هذا معيب ويثير السخرية، لقد قامت الدول الكبرى وتبعتها الدول الإسلامية بارتكاب انتهاكات في هذا الموضوع.
لقد صار لزاما أن نحتكم الى المنطق والعدالة وإلى معايير واضحة تجاه هذا الملف، وإلا فان الفوضى سوف تسيطر على المشهد لفترة طويلة.
طالما كررت أن الارهاب والاستبداد وجهان لعملة واحدة، فكلاهما يغذي الآخر، لا ارهاب بدون استبداد، ولا استبداد بدون ارهاب، علينا أن نحاربهما معا، ونطرد الارهاب والاستبداد والارهاب من حياتنا، نحن لسنا عبيد للمستبدين أو الارهابيين، نحن اناس طبيعيين نريد أن نعيش بسلام.
من حقنا أن نعيش في دول تحفظ كرامتنا، وتصون حريتنا، نحن أحرار، ونرفض القبول بالعبودية تحت أي شعار.
في كل مكان حولنا، هناك رغبة في التقدم والنهوض الحضاري، ونحن لسنا اقل من كل الذين يسعون لإثبات أنفسهم ونهضة بلادهم، لدينا ماض عريق، لدينا مستقبل يجب أن نمتلكه، فمن الخطأ الاعتقاد اننا عاجزون، كان اقبال شديد الإيمان بنفسه وبشعبه، وحلم بأشياء لم يكن أحد يتخيل أن تتحقق، لقد حلم أن يكون هناك دولة جديدة، وهو ما حصل في نهاية المطاف.
نحن أيضا يجب أن نحلم. من يمتلك القدرة على الحلم، يمتلك القدرة على الفعل.