كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في قمة وارويك الاقتصادية العالمية 2018 في برمنغهام - بريطانيا
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان كلمة، اليوم، أمام قمة "وارويك" الاقتصادية العالمية 2018 في مدينة برمنغهام البريطانية بعنوان "ناشطو حقوق الانسان في بيئات معادية"...فيما يلي نصها :
في البداية، أود أن اعبر عن سعادتي بوجودي بينكم، أدرك اني في جامعة لندن العريقة، وهذا يضاعف من سعادتي بالتأكيد، شكرا للدعوة، شكرا للقائمين على الكلية، شكرا لكم جميعا.
اعزائي عزيزاتي:
إذا كان العالم كله يشهد موجةً غير مسبوقة تهدد نشطاء حقوق الإنسان في كل مكان، فإن الحال في بلدي اليمن يعد مثالا على انتهاك حقوق الإنسان بطريقة مفزعة. كما تعلمون، فقد قامت ميليشيا طائفية بإسقاط الدولة، وقد نتج عن ذلك، تجريف المجتمع المدني والأحزاب ووسائل الإعلام والحياة السياسية وعملية انتقال السلطة، وفتح المجال لتدخل عسكري إقليمي من قبل السعودية والإمارات وهما دولتان تقودهما نزعة مغامرة طائشة. لقد خلقت هذه البيئة المتشكلة من الانقلاب والحرب والتدخل الخارجي مناخا لانتهاكات ضد حقوق الإنسان بصورة لم يسبق لها مثيل.
لقد تم إخراس الأحزاب والنقابات والمنظمات الحقوقية والمدنية، وتم الزج بالآلاف في السجون، وارتفعت اعداد النازحين بشكل كبير، وإزاء كل ذلك، تتم ملاحقة راصدي الانتهاكات والناشطين في الدفاع عن حقوق الانسان، ويتم استخدام القتل المباشر والسجون وكل أنواع التنكيل من قبل ميليشيا الحوثي، غير أن الحوثي ليس الجهة الوحيدة التي تلاحق ناشطي حقوق الإنسان، وإنما التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات، فالتحالف قام ببناء سجون سرية في المناطق المحررة، وفيها يتم التضييق والملاحقة لكل الناشطين الذين يعملون في المجتمع المحلي للدفاع عن الحقوق والحريات.
وددت الاستهلال بإعطائكم صورة عن بلد يعيش حالة الحرب وتقوض الدولة والاستهداف للمدنيين، وهو الحال الذي ينتج حالة من الانتهاكات الجماعية بالجملة ضد المدافعين عن حقوق الانسان ولا يقتصر على الاجراءات القامعة التي تعرفها ديكتاتوريات وحكومات قمعية لا زالت الدولة قائمة فيها والتي شملتها تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية للعام 2017 والتي تضمنت تفاصيل صادمة عن حالة حقوق الإنسان، وتزايدا مخيفا في اعداد القتلى من المدافعين عن حقوق الانسان في دول عديدة على مستوى العالم، بالإضافة إلى جملة انتهاكات وصفتها منضمة العفو الدولية في أحد تقاريرها بقولها "إن المدافعين عن حقوق الإنسان يواجهون هجمة عالمية ليس لها نظير، في أجواء يهيمن عليها خطاب شيطنة الآخر والانقضاض على المجتمع المدني وتفشي استخدام الرقابة".
الاصدقاء الاعزاء:
عندما قيل لي سوف تتحدثين عن التحديات التي تواجه الناشطين في مجال حقوق الانسان في بيئات معادية، سألت نفسي هذا السؤال: هل يمكنني الحديث بموضوعية عن هذا الامر، لربما كنت الشخص غير المناسب الذي يمكنه تأدية هذا الدور، فهناك من يتهمني بالتشدد والتطرف تجاه المستبدين، هناك أشخاص مهمتهم الأساسية لوم الضحية وإعطاء التبريرات للمستبدين.
باعتقادي إن أول تحدي يواجهه الناشطون في مجال حقوق الإنسان هو القدرة على الحفاظ على مبادئهم وعدم الخضوع للاغراءات من جانب، والترهيب من جانب آخر. ينبغي أن ينأى الناشط بنفسه عن الانخراط في توجهات حكومية غير عادلة.
يجب عدم الاعتداد بأي ناشط يبرر أي سياسات ضد حقوق الإنسان، إذا تمكن الناشطون من فضح تمدد الحكومات القمعية في أوساطهم، فإن هذا يعطي المعركة وضوحا ضروريا، فمن غير المعقول أن يكون هناك ناشطون ضد الاستبداد، وناشطون معه.
الجميع يعلم كيف عملت الأنظمة المستبدة على اختراق منظمات المجتمع المدني وخصوصا تلك التي تشتغل في مجال حقوق الانسان، تعتقد هذه الأنظمة القمعية أن هذا الإجراء سوف يغطي على ما ترتكبه من جرائم، وهذا الاعتقاد غير صحيح، فالمجرم سيظل مجرما مهما حاول ان يقول عكس ذلك.
علينا أن نصل أولا إلى تعريف حقيقي للناشط الحقيقي، فهذه المسألة أساسية وأخلاقية أيضا.
الاصدقاء الاعزاء:
اذا تمكنا من تعريف النشطاء من أجل حقوق الإنسان واستبعدنا الأشخاص والمنظمات الذين يؤدون دورا مشبوها لمصلحة الأنظمة القمعية، وأقصد بالاستبعاد هنا، عدم الالتفات لتقاريرهم ونصائحهم التي يتم كتابتها من قبل الأجهزة الأمنية، إذا تمكنا من فعل ذلك، فهذا يعطينا قوة لمواجهة بقية التحديات.
إن ثاني تحدي يواجهه الناشطون في مجال حقوق الإنسان يتعلق بمدى قدرتهم على إزالة سوء الفهم لدورهم ولمطالبهم، فكلنا يعلم أن الأنظمة القمعية وخصوصا في العالم العربي يقومون بدور كبير في تشويه المدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطية، مستغلين احتكارهم لوسائل الإعلام والصحافة.
غالبا ما يتم وصف المدافع عن حقوق الإنسان من قبل هذه الحكومات القمعية بأنه شخص ينفذ تعليمات خارجية غربية للتآمر على البلاد.
إن تعريف المواطن العادي بأهمية وجود حقوق الإنسان وثقافة حقوق الإنسان وناشطي حقوق الانسان، وأن هذه العناصر تساعده في عدم إقصاءه أو تهميشه، وفي مواجهة أي ظلم قد يلحق به، ليست مسؤولية ناشطي حقوق الإنسان وحسب، هي مسؤولية كل شخص في المجتمع يريد الخير لبلاده بلا شك.
لكن في ظل احتكار وسائل الإعلام والتعبير، وتغذية الجماهير بصورة مشوهة للعمل الحقوقي، سيكون على نشطاء حقوق الإنسان الاستمرار في نشاطهم وعدم اليأس، إن كل يوم يمر، وهم يمارسون عملهم هو انتصار كبير، ففي النهاية وبمرور الوقت سوف يكتشف الناس كذب تلك الأنظمة وقبحها.
وإلى حين يحدث ذلك، وإلى أن تصل الناس لتلك القناعة، فإن على نشطاء حقوق الإنسان أن لا يفقدوا الأمل في توضيح الحقيقة للناس، فالمعركة مع الاستبداد مريرة وتتطلب قدرا هائلا من الصبر والأمل معا.
في اليمن، كان يقال لي لا فائدة، ماذا سوف تفعلين لوحدك، ماذا سيفعل هؤلاء الذين لا يتجاوز عددهم احيانا عدد أصابع اليدين، لكن الاستمرار في مناهضة الاستبداد وعدم اليأس يهز صورة الطغاة، ويعطي الجماهير أملا في التغيير.
الاصدقاء الاعزاء:
الأنظمة الديكتاتورية لا تعيش على الخداع والقمع وحسب، ولكن تعيش على تزييف وعي الناس، وهو ما يجب مقاومته بكل الطرق المتاحة.
وسط مثل هذه البيئات المملوءة بالشك والكراهية يعمل نشطاء حقوق الإنسان، وهو ما يعرض حياتهم للخطر.
التشويه واختلاق الأكاذيب والشائعات تجاه نشطاء حقوق الإنسان وربط عملهم الحقوقي بالعمالة لدول خارجية ليس الشيء الوحيد الذي تتم ممارسته ضدهم، ففي كثير من الحالات يتم حبسهم أو قتلهم.
إن أول ما تفكر به الأنظمة الديكتاتورية هو حماية نفسها من خلال تزييف وعي الناس ومن خلال إصدار مجموعة من القوانين السالبة للحريات والتي تتيح لها حق مصادرة المجال العام وإرهاب أي أصوات قد تفكر بالتغيير.
الاصدقاء الاعزاء:
لطالما قلت في مناسبات كثيرة إن الاستبداد والارهاب يغذي كل منهما الآخر، وأن من الضروري أن نعتبر الاستبداد مثله مثل الإرهاب خطر يهدد الإنسانية، فليس من العدالة افلات المستبدين من العقاب.
إن المستبد والارهابي يساهمان بنفس القدر بخلق بيئات معادية للعمل الحقوقي بشكل عام، ويمارسان عدائية مفرطة تجاه نشطاء حقوق الإنسان والمدافعين عن الحريات العامة.
إن مواجهة الاستبداد والارهاب معا يعد أحد التحديات الكبيرة التي تواجه تيار حقوق الإنسان، فهناك من النشطاء من يقوم بالدفاع عن المستبد، وهناك من يدافع عن الارهابي، فيما يجب أن يستميت النشطاء في الدفاع عن الضحايا والذين تم انتهاك حرياتهم وحقهم في الحياة، وأن يكون مطلب النشطاء هو تطبيق العدالة، العدالة وحسب.
نستطيع جميعا أن نرى كيف يصنع المستبدين والإرهابيين بيئات معادية ليس لحقوق الإنسان وحسب، ولكن للحياة.
لكن ما يثير السخط، أن الحكومات الغربية تدعم المستبدين الذين ينتهكون الحريات وحقوق الإنسان، مخالفة بذلك، ما تدعيه من دعمها للديمقراطية وحقوق الإنسان.
إن هذا التناقض بين شعارات الغرب وتصرفاته لم تعد تخفى على احد، وما يهمنا الآن، هو تأثير هذا التواطؤ والخذلان في بناء بيئات معادية لحقوق الإنسان في الدول التي تحكم بواسطة أنظمة استبدادية.
استطيع القول إن هذا التواطؤ أو التآمر ساهم في وصول الاوضاع في بعض الدول ومنها دول عربية لطريق مسدود.
الاصدقاء الأعزاء:
دعونا نتساءل: ما هو دور الديمقراطيات المتقدمة، وقد تراجع اهتمامها بحقوق الانسان وأصبحت بندا يقع في آخر قائمة مباحثاتها مع حلفاءها في مختلف دول العالم؟!، كيف يمكن للمنظمات الحقوقية الدولية أن تؤثر في قرارات الدول الكبرى والرأي العام العالمي لمواجهة هذا الموجة المتزايدة من اهدار حقوق الانسان ؟!
في العالم الغربي اليوم، من أوربا إلى خلف المحيط الأطلسي، موجة مخيفة من الانعزالية والمناخ العدائي ضد المهاجرين والجماعات من ذوي الأصول والهويات المختلفة، في انتكاسة يستغلها القادة العنصريون والتيارات الشوفينية الجديدة.
لقد نسيت أوربا على ما يبدو الحرب العالمية الثانية، لذلك، فإن توجهات هدم منظومة حقوق الإنسان بالكامل تلوح مؤشراتها الآن على مستوى كل العالم، وليس السجل المشين الذي يتعرض له المدافعون عن حقوق الانسان على مستوى العالم سوى أحد أوجه الارتدادات السيئة التي تشمل حقوق الإنسان كلها كمفهوم ومنظومة وإرث تاريخي ومكسب انساني.
لقد جاء دونالد ترامب إلى قمة أكبر دولة في العالم ليفتتح حقبة سوداء من العودة للشوفينية والتحريض على الكراهية والانعزال والتضحية بحقوق الإنسان في الغرب الذي لطالما فاخر بها واحترمتها دوله التي اتخذت منها معيارا لسياساتها الخارجية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
غير أن الردة الغربية المتجهة لهدم منظومة حقوق الإنسان وإرثها وقوانينها ومنظوماتها ليست وليدة القادة الشعوبيين الانعزاليين مثل ترامب، وإنما بدأت بنظام عالمي أسس نفسه على مقولة مكافحة الإرهاب، متخذا من هذه الحرب ستارا لتجاوز عابر للقارات لحقوق الإنسان.
الاصدقاء الاعزاء:
من التحديات التي تواجه نشطاء حقوق الإنسان في بيئات معادية الخوف من أن يساء فهم توحيد الجهود الرافضة لانتهاك حقوق الإنسان، خوفا من اتهامات الأنظمة القمعية لهم بالاتصال بجهات خارجية.
إن إقامة تحالفات دولية لمناهضة انتهاكات حقوق الإنسان ومطاردة منتهكي حقوق الإنسان والحريات العامة مسألة يجب أن تشغل كل المهتمين بالحريات بشكل عام.
في هذا السياق، ربما يتوجب العمل على تحديد القضايا التي ينبغي ان تحظى بالأولوية والاهتمام عالميا، ولا شك أن مواجهة الاستبداد السياسي والديني والجريمة المنظمة قضايا تستحق أن تكون في الصدارة.
فالبيئات المعادية لحقوق الإنسان لا تشمل الدول التي تتحكم فيها أنظمة ديكتاتورية وحسب، ولكن قد تشمل بعض الدول الديمقراطية التي قد تشهد تضييقا على الحريات واعتداء على حقوق الانسان، وأن يقاوموا تصدير مشاعر الكراهية والإقصاء على نحو ما يحدث من إدارة ترمب التي تعتقد أن إجراءاتها التعسفية تجاه شعوب بعينها هو عمل صائب، وهو بالتأكيد أمر غير صحيح.
الاصدقاء الاعزاء:
التحديات التي تواجه نشطاء حقوق الإنسان كثيرة وتشمل نواح متعددة، مثل توفير شبكة تضامن معقولة في بيئة معادية، لكن لا مهرب من مواجهة هذه التحديات وتجاوزها.
إن التغلب على هذه التحديات سوف يفتح أبواب الأمل للشعوب والمجتمعات المختلفة للعيش بحرية وكرامة ورفاهية، وهذا ما تحاول الأنظمة القمعية عدم حصوله بالتضييق على كل دعوة أو فكرة يمكنها إحداث تغيير ايجابي.
علينا مواجهة الذين ينتهكون حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم، يجب أن نبدأ في هذا العمل العظيم، فمن المعيب أن يظل المجرمين دون محاسبة أو عقاب. أما نشطاء حقوق الإنسان فانهم يستحقون الاحترام لأنهم يواجهون الطغاة اخلاقيا، لا مجال لسحق الإنسان واستلاب حريته تحت أي شعار.
اعزائي عزيزاتي:
ما الذي نستطع فعله حتى لا نصحو غدا وقد أصبحت فكرة حقوق الانسان من الماضي؟!
الدفاع عن حالة حقوق الانسان ككل لا تتحقق بتناول مخرجات القمع والانتهاكات المستمرة وحدها نحتاج جميعا كشبكة عالمية للدفاع عن حقوق الانسان أن نعمل سويا مع مكونات المجتمع المدني العالمي من أحزاب ووسائل إعلام وتكوينات محلية وشبكات حقوقية تدافع عن حقوق الانسان في كل بلدان العالم.
نحن أبناء الانسانية والإيمان المشترك بالكرامة الانسانية لكل البشر والحقوق المتساوية للجميع معنيون بوضع قضية حماية حقوق الإنسان بندا أولا في أولوياتنا. نحن بشر قبل أي انتماءات وهويات تحاول الآن فرض ألوانها المتنافرة في بلدان العالم من الشرق الى الغرب ومن الجنوب الى الشمال كمحدد للعلاقات بين الدول وداخل الشعوب وعلى كل مستوى.
لنرفع أصواتنا معا متشابكين لنقول لكل البشر في هذا العالم أن كل هذه الحواجز التي يعاد بناؤها بين البشر لتعزلهم عن بعض وتحولهم الى أعداء يقيمون داخل الطوائف والاعراق والمذاهب ويهتفون باسم المخلصين العرقيين والعنصريين والدينيين لن تقوى على الوقوف أمام نداءات وأشواق الحرية والكرامة والمساواة والحقوق التي يستحقها كل إنسان على هذه الأرض.
يمكنني التأكيد أنه مهما كانت التحديات التي نواجهها، نحن أقوى، نحن أقوى، وسوف نعبر في نهاية المطاف.