كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في المهرجان العالمي للثقافة والقادة في ميدان الاستقلال - المكسيك
أيها الأعزاء..في عام ٢٠١١ خاض شعبنا اليمني العظيم كفاحا سلميا عظيما .. وخلال ٩ اشهر من الثورة السلمية العظيمة سقط نظام علي صالح الفاشل والفاسد والمستبد ..
أيها الاعزاء .. في مثل هذا اليوم ١٨ مارس ٢٠١١.. سقط مئات الشهداء والجرحى المعتصمين في ساحة التغيير بصنعاء المطالبين بالحرية والعدالة والكرامة.
في ذلك اليوم سقط المخلوع صالح من الناخية الاخلاقية وفقد مشروعيته .. تضحيات ذلك اليوم افقدته توازنه واظهرته كرئيس عصابة لا رئيس دولة.
لاحقا واجهت ثورتنا السلمية ثورة مضادة مسنودة بتآمر إقليمي وخذلان عالمي ، جرّت معها حرب إقليمية وحصار على البلاد وقصف متواصل منذ ثلاثة أعوام .
يمكنني القول بثقة إن شعبنا ماض في كفاحه لإسقاط الانقلاب الفاشي والهيمنة والاحتلال والوصاية الخارجية لاجزاء حيوية من أرضه
يمكنني القول بثقة اكبر ثورتنا ماضية وغلابة ومستمرة ومتجددة .. الشهداء لايموتون .. الثوار لاينسون الثورة .. العدالة تجد طريقها في نهاية المطاف إلى القتلة.
أيها الأعزاء:
العالم يبدأ بالتغيير من داخلنا وليس من خارجنا كأفراد فاعلون ونمتلك مصيرنا وإرادتنا. كل أحداث التاريخ ووقائعه دروس متكررة تؤكد هذه الحقيقة: أن إرادة الإنسان ورغبته في التغيير وقدرته على الاختيار هي ما يصنع عالمه. نوع العالم وشكل الحياة التي نرغب بها وتمتلئ إرادتنا بتحقيقها هي ما نلقاه أمامنا، من المهم إدراك هذه الحقيقة وإعادة التأكيد عليها إذا كنا نريد تغيير واقعنا وعالمنا. لطالما كانت النظم والمؤسسات والدول والنخب السياسية والاجتماعية المسيطرة والمصالح المتحكمة بدُولنا ومجتمعاتنا قائمة على ثقافة سحق الفرد أو اختراع الوسائل والاساليب المتجددة للسيطرة على التفكير ومخرجاته في محاولة للسيطرة على مسار التاريخ بالإمساك بعقول الناس واستلاب ارادتهم.
وكل جهد للتحرر وتغيير واقعنا وعالمنا نحو الأفضل ونحو مايريد غالبية المجتمع وما يحقق مصالحهم ويطلق قدراتهم المكبوتة، لابد أن يبدأ بتحرير ارادة الأفراد من الاستلاب والتشوهات واستعادة الذات المكبوتة الكامنة في كل فرد فينا ، الارادة التي تصنع المعجزات وتجعل المستحيل ممكنا، هنا تكمن كل الحلول التي نبحث عنها غالبا خارج ارادتنا وبعيدا عن المكان الأقرب ذاك الذي في متناولنا : إرادتنا، الكون كله داخلنا. ماهو في الأعلى موجود فينا نحن. وكل مايقيدنا ويحجب عنا سر عظمتنا وقوتنا فهو غريب عنا وسجننا المظلم.
"إرحل يا سفاح" كانت عيني أم يمنية قتل صالح إبنها تختزل كل قوة هذا العالم وهي تكتب هذه الجملة الارادة التي لا تهزم بدم إبنها الشهيد وتنظر في عدسات الكاميرا في 2011 وكأنها هي السلطة لا تلك التي أختطفت روح إبنها وأطفأت روحه برصاص غدرها.
ومثلها كثير من الضحايا الذين قتل أقاربهم وأحبائهم بيد المستبدون في اليمن واكثر من دولة عربية شهدت ثورات شعبية سلمية عظيمة قبل سبع سنوات وسوف تؤسس لعالم افضل في هذه البلدان مهما كان الواقع الان فائضا بالموت والحزن والألم.
تذكرت هذه الواقعة القريبة وهي جزء من تجربتنا الحية لأدلل بها على تجلي الارادة في مجال معين من الحياة: الثورة.
وهي تقول ان الألم والحزن هما صفحة تتجلى فيها الارادة الحرة من اجل التغيير مثلما تتجلى في وقائع لا حدود لها تبدأ من تفاصيل حياتنا اليومية ولا تقف عند أبعادنا وعلاقاتنا المجتمعية والعامة ومواقفنا ازاء كل مايجري حولنا في هذا العالم.
وإرادة تمتلئ بالايمان بالحرية والعدل وكرامة الانسان لهي جديرة بالانتصار والبقاء والديمومة. الاشرار عندما يمتلكون ارادة يهلكون الحرث والنسل وينشرون المآسي والاحزان والموت والخراب والدمار. هتلر ليس ببعيد وربما هذه الايام يلوح اكثر من نموذج يذكرنا به.
وهذه القوة الذاتية التي توظف في غير مكانها وضد البشرية ولفنائها يمكن أن تستخدم ايضا من اجل عالم افضل. هذه القوة موجودة داخل كل فرد فينا.
والعمل من أجل السلام والأمن والكرامة لكل إنسان يحتاج لإرادة وقوة أكبر من تلك التي تحتاجها الحرب والعنف والخراب والسيطرة والمصالح العمياء التي يضج بها هذا العالم ومجتمعاتنا ودولنا.
أيها الاصدقاء:
إن الغايات الحقيقية للأديان والفلسفات والمعرفة الانسانية والفكر الذي أنتجه الانسان في مراحل تاريخه الطويل كلها تهدف الى عالم افضل من خلال جعل الانسان حرا وفاعلا وقادرا على الاختيار والتمييز بين ما يجلب له الهلاك والفناء وما يجعل حياته آمنة ومستقرة وخلاقة وغنية بفرص تحقيق الذات وانطلاقها وتفجير طاقاتها الخلاقة.
الواقع السيء والحروب والانتقاص من الانسان وحريته وكرامته والنظم القامعة لشعوبها كل ذلك لم يأت فجأة بالسلاسل والجدران والسجون والأسلحة وإنما بدأت التهيئة له بواسطة التصورات السلبية والتعليم المعيق لمدارك الانسان والانحراف بوظائف الأديان والمذاهب والنظريات الفكرية لتصبح في خدمة مستبدين ونخب وجماعات مصالح ومسيطرين لايرون في مجتمعاتهم سوى عبيد لابد ان يخضعوا لهم ويدينون لهم بالولاء.
وتحرر الانسان يبدأ من ذاته وارادته والقوة الكامنة فيه. تغيير العالم يبدأ بالوعي بحياتنا وواقعنا والوعي بما نستحقه كبشر وإيقاظ ارادتنا النائمة ، لتكون قوتنا الدافعة لتغيير حياتنا وعالمنا نحو الأفضل، عندما يعي الانسان حجم القوة الهائلة فيه لا يعود ضحية حتى وإن هزمته الاحداث وتغلبت عليه.
هذا الإصرار على الحياة وتغييرها كما نريد نحن نجده يوميا في عيون تلمع بالقوة في كل بقاع الأرض.
هناك وسط الحروب والدمار بشر أقوياء يتألمون ويموتون ويجرحون ولكن اعداد غفيرة منهم تعي ذاتها وسوف يأتي اليوم الذي يتحول فيه الإصرار المحتدم في العيون والمشتعلة جذوته في الصدور الى واقع أفضل وحياة خالية من القتلة والمجرمين.
وهناك في مجتمعاتنا وسط المدن السكانية المزدحمة بالصراع والانسحاق والإفقار بشر يمتلكون ارادة يكافحون بها من أجل الحياة الكريمة وتتقوى وتتعاظم ارادتهم كلما رأو القوى الباطشة والمصالح المتغولة تقف أمامهم ، وهذا الوعي وهذه القوة في نفوس الناس ستتحول يوما الى قوانين عادلة تحاصر الظلم والوحشية والقهر
الاصدقاء والصديقات الحضور جميعا:
عالمنا اليوم يعيش حالة تحول لا مثيل لها ، وما كل هذه الاختلالات والحروب وفقدان المعنى والتوازن الا دلائل على نهاية العالم القديم وتهالكه.
العالم القديم ينهار والعالم الجديد لا زال غائبا وبلا ملامح ولكنه سيأتي بإرادتنا وقوة ايماننا بالحياة التي نستحقها.
العالم الجديد لن يكون الا ما نؤمن به. وكلما كانت قوة ايماننا بحقوقنا وإنسانيتها وآدميتنا وكرامتنا وحريتنا راسخة في ذواتنا كلما اقتربنا من الحياة التي نريد والعالم الذي نتطلع اليه ونأمل به وبقدومه.
لقد انهك القتلة والجشعون والطغاة والنخب المسيطرة العمياء والبشر الآلات هذا العالم. فاض الكيل من الظلم والموت والحروب وآن أوان الانتفاضة العظمى التي تبدأ من تحرر الذات وإيمانها الذي لا يتزعزع بحريتها وكرامتها وقدرتها على الفعل والتغيير رغم كل ما ينتصب امامها من قيود ومصاعب.
تاريخ البشرية هو تاريخ الارادة الحرة للإنسان الفرد.
هذه القوة العظمى هي التي صنعت التاريخ والفلسفات والمعرفة والعلوم والحضارات والمدن والتطور والقفزات الكبرى في تاريخ البشرية.
الانسان الفرد بارادته الحرة ووعيه وقوته الكامنة فيه هو الذي غير مسار التاريخ وصنع التحولات وأسس النظريات والاتجاهات الكبرى وفتح الطريق للتطورات العلمية والصعود الى القمر والطيران في الفضاء واختراع الكهرباء وكل ما نعيشه ونحياه بسلبياته بدأ كفكرة التمعت في ذهن متوقد وارادة في داخل إنسان فرد حولها الى واقع.
إن كل كلمة نقولها وكل جهد نقوم به يبني ارادة التغيير نحو عالم افضل.
فلنلتقي وتتشابك أيادينا كأخوة في الانسانية من كل البلدان والأديان والأمم لنعلن بصوت واحد عن ايماننا بعالم افضل يسوده السلام والمحبة والأخوة والتآزر والتضامن والتكافل والعدالة والأمان.
هذه هي القيم التي تبني حياة مشتركة لكل البشر أما الظلم والقتل والابادة والإخضاع والتدمير فمداها محدود وطريقها مسدود.
المجد للإنسان الحر الذي لا تهزمه المحن والآلام ولا يكسره الجوع والظلم والموت والطغيان.