اصداء
نوبل المرأة العربية..
بقلم : ساطع نور الدين
ما قبل الإسلام وما بعده، كان تاريخ اليمن حافلا بأسماء نساء حكمن ذلك البلد المتهم بسعادة لم يدركها إلا نادرا، والمشتبه بأنه كان وسيبقى خارج العصر... وخارج الكوكب الذي تعيش فيها لجنة نوبل للسلام بسجلها المثير للجدل حول العلاقة مع الهويات والثقافات الأخرى.
هذه المرة يبدو اللقاء بين اليمن وبين ذلك المحفل النروجي الذي غالبا ما كرّم المنشقّين عن مجتمعاتهم وبلدانهم، وكأنه تصويب يمني لمسار طويل، وتصحيح لخطأ قديم من قبل لجنة نوبل للسلام في التعامل مع الآخر، أو حتى في التعاطي مع الجائزة نفسها التي سبق أن امتهنت بشكل دعائي مثير للسخرية، كما جرى مع الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي دهش لفوزه بها في العام 2009 قبل أن يدفئ مقعده في البيت الأبيض، أو كما حصل مع الإيرانية شيرين عبادي التي فازت بالجائزة في العام 2003، عندما كانت إيران تعلن بلسان رئيسها السابق والإصلاحي البارز محمد خاتمي عن برنامجها الطموح حول حوار الحضارات بين الشرق والغرب.
هي من المرات النادرة التي تتسم فيها لجنة نوبل النروجية للسلام بقدر من النزاهة والموضوعية التي تعوض سقطاتها السياسية العديدة السابقة، وإن كان اختيارها المناضلة اليمنية توكل كرمان لجائزة هذا العام، يظل مشوبا بأكثر من علامة استفهام حول سبب تقسيم الجائزة بينها وبين سيدتين ليبيريتين متميزتين فعلا، لكن نضالهما من أجل إنهاء الحرب الأهلية في ليبيريا يبدو تفصيليا أو حتى هامشيا، بالمقارنة مع كفاح تلك السيدة اليمنية الجريئة من أجل الحرية والديموقراطية، الذي جعل منها شمعة أضاءت الليل اليمني الطويل وشعلة سبقت الربيع العربي، وأسهمت في انتشاره من اليمن إلى مصر وتونس وليبيا وسوريا والبحرين...
فوزها بالجائزة أعاد إلى الأذهان شريط الذاكرة عن المرأة اليمنية التي كان يعتقد أنها خرجت من التاريخ، واختفت خلف البرقع الأسود، فإذا هي في الشارع تشارك في التظاهرات والاعتصامات وتتمتع بحرية لا تقل عما تتمتع به المرأة المصرية أو الليبية أو السورية، (وإن كان لا يعادل حرية المرأة التونسية الفريدة، والضامنة الفعلية لمدنية الثورة، ولا إسلاميتها في تونس)... وإذا هي تقدم نموذجا عصريا استثنائيا في المناضلة التي توكلت على الله، وافتتحت التظاهرات في صنعاء فسار خلفها الرجال يرددون هتافاتها وشعاراتها، ونصبت خيمة متواضعة للاعتصام في وسط العاصمة اليمنية سرعان ما تحولت إلى مخيم، ثم إلى قاعدة للثورة على الرئيس علي عبد الله صالح.
سبق لرجال اليمن البعيد أن ساروا خلف ملكات أو أميرات أو سيدات فاطميات، استمدين السلطة من الإرث أو الصدف. لكن توكل كرمان استحقت الجائزة بجدارة وشجاعة نادرة، وبشخصية قيادية متميزة أثارت بعض النكات حول أسلوبها الاستبدادي! تمردها على سلطة العائلة المحافظة ثم على سلطة حركة الإصلاح الإسلامية ثم على سلطة الرئيس صالح وأجهزته الاستخباراتية والأمنية، استدعى أول اعتراف عالمي بدورها المتقدم في صنع الثورة اليمنية، وبدور المرأة العربية عامة في تفتح زهور الحرية في العالم العربي.
لقراءة المقال في صحيفة السفير اللبنانية اضغط (هنــــــــــا)
https://assafir.com/Article/253660/Archive