حوار توكل كرمان مع صحيفة "القدس العربي"

حاورها: خالد الحمادي- الناشطة اليمنية توكل كرمان، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، نسخة 2011 يعدها الكثير من اليمنيين أيقونة الثورة الشعبية اليمنية، لدورها المبكر في تحريك الشارع ضد قضايا المظالم الاجتماعية والسياسية وإشعال جذوة الثورة ضد نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وكانت جائزة نوبل تتويجا لنضالها السلمي ضد القمع السلطوي.

بمناسبة الذكرى العاشرة لثورة 11 فبراير اليمنية تلتقي «القدس العربي» توكل كرمان والحديث يتناول بواعث وتبعات ومآلات الثورة اليمنية، وماذا حققته وماذا أخفقت فيه، وإلى أين تسير وما هو مصيرها المستقبلي في ظل الثورة المضادة التي واجهتها من قبل الأنظمة السلطوية في المنطقة، التي لم توقف مسار الثورة فحسب بل دمرت اليمن دولة ومجتمعا.

في هذا اللقاء الذي لا ينقصه الشفافية وضعت كرمان النقاط على الحروف في العديد من القضايا المثارة بشأن الثورة اليمنية والواقع الراهن الذي آلت اليه الأمور في البلاد من انهيار للدولة وتسيّد ميليشيات للمشهد، والتي يرجع الكثير من الناس أسبابها إلى الثورة الشعبية، فيما دافعت عنها بشدة، وأرجعت أسباب هذا الوضع إلى الأنظمة القمعية والسلطوية في المنطقة التي اقتنصت الفرصة للتآمر على اليمن وتدمير حاضره ومستقبله.

هنا نص اللقاء:

 

بداية هل تعتقدين أن الثورة الشعبية في اليمن، التي تعد ضمن ثورة الربيع العربي، نجحت أم فشلت؟ وما هي في رأيك دلائل فشلها أو نجاحها؟

نحن معنيون بتطلعات شعبنا وطموحاته وكفاحه من أجل دولة النظام والقانون والمواطنة والعدالة والديمقراطية. لو أن كل ثورة عملت حسابها لانتقامات النظام السائد والفئات المستفيدة منه لما حدث تغيير عبر التاريخ. عندما اندلعت الثورات الشعبية لم تكن هناك ضمانة لتغيير آمن أو لنتائج مضمونة. لقد آمنا بحقنا في الحياة بكرامة، بحقنا في العدالة، بحقنا في الديمقراطية، بحقنا في المساواة، بحقنا في دولة قانون. خرجنا معززين بسلميتنا وانتماءنا للإنسانية، وليحدث ما يحدث. الوحشية ليست القانون الذي ينبغي ان نرضخ له. سيبقى الكفاح من أجل وطن آمن يحكم بالقانون والمواطنة والديمقراطية هو هدفنا الأسمى. لقد تضافرت قوى عديدة ضد شعوبنا الثائرة، لكن الكلمة الأخيرة لم تقل بعد. لقد استهدفت الثورة المضادة وحلفائها في الخارج بلدنا ودولته ووحدته ووجوده ومعركتنا معها معركة وجود. انها المواجهة التي لا خيار سوى ان نخوضها. الثورة المضادة لا تعدنا بشيء سوى بالخراب والتقسيم والميليشيات والوصاية الخارجية. سيهزمون لأن شعبنا ويمننا حقيقتان غير قابلتان للإلغاء والمحو.

 

المواطن اليمني العادي، يرى أن شباب الثورة أضاعوا البلد بثورتهم، لما يرونه اليوم من اقتتال واحتراب وتقسيم للبلد بل وضياع للدولة، ما هو تفسيرك لذلك؟

المواطن العادي لم يوكل أحدا ليتحدث ليتحدث باسمه، هذا ما تقوله الثورة المضادة. من انتقم من اليمن وجلب لها الحوثيون هو النظام الساقط (نظام علي عبدالله صالح). من فتح الباب للعدوان السعودي الإماراتي هو انقلاب الحوثي والمخلوع. من أعلن الحرب على اليمن من الخارج هو مركز الثورة المضادة السعودية والإمارات. التغيير كان مطلب الشعب، وهو مطلب حق ومشروع. لا يمكنك ان تحتكر السلطة وتستخدمها لتدمير بلدك ثم تقول للناس: يا إما انا أو الطوفان. لقد عمل نظام المخلوع الساقط على إفراغ الدولة من داخلها، والنتيجة هي ما نشاهده اليوم، لقد تأخرت ثورة 2011 كثيرا ولم تكن سابقة لأوانها.

 

ربما نجح الثوار في الإطاحة بالرئيس الراحل علي صالح، لكنهم لم يطيحوا بنظامه، وآلت السلطة إلى يد عفاريت، كيف تبررين ذلك؟

هذا يحتاج إلى تفسير وليس إلى تبرير. أحيانا الأسئلة تكون مفتاح الإجابة وأحيانا تحاول توجيهها، هذا إذا لم يكن الصحافي قد خانته ذاكرته على اختيار الألفاظ. عموما، العفاريت التي تتحدث عنها هي ميراث علي عبدالله صالح الذي تركه لنا. لقد استخدم الدولة كأداة ثلاثين عاما لتفريخ هذه العفاريت حتى أصبحت البلاد كلها قنبلة موقوتة انفجرت فوق الكل. هذا هو حصاد الاستبداد وليس نتيجة الثورة عليه. لو كان بنى دولة في حدها الأدنى كان الحال سيختلف حتى لو حدث انقلاب على الثورة من داخل هذه الدولة، كما هو الحال مثلاً في انقلاب العسكر على الرئيس المنتخب في مصر. هو أسوأ نظام ديكتاتوري عسكري نعم، لكن ما أحدثه نظام المخلوع علي صالح من تدمير لبلادنا كان عميقا جدا لم يقتصر هذا التدمير على ما قبل الثورة بل امتد بعد ذلك إلى انتقام من كل شيء، لكن الثورة مستمرة وستستمر في كرات وجولات حتى تحقق أحلام وطموحات شعبها هذا قدر الثورات وسنتها.

 

ما هي في اعتقادك أسباب الاستعداء الإقليمي والتحول الدولي لنتائج الثورة اليمنية خصوصا والعربية عموما، رغم التشجيع والدعم المعنوي الذي صاحب تلك الثورات؟

لقد عصف انقلاب طائفي بالدولة بمساندة المخلوع وبمساندة من الثورة المضادة في السعودية والإمارات. لقد واجهنا محورين إقليميين تقودهما إيران والسعودية، كلاهما معاديان للثورة الشعبية في اليمن، كلا من موقعه. مع ذلك كما قلت لك الكلمة الأخيرة لم تقل بعد. لقد استهدف بلدنا ووجوده ووحدته، ومعركتنا مع الثورة المضادة هي معركة وجود للشعب اليمني. لن يقبل اليمنيون بالإنقلاب الطائفي الحوثي، ولن يرضخوا للوصاية السعودية، ولن يقبلوا بأن تقسم بلدهم وتستولي الرياض وأبو ظبي على جزرهم وسواحلهم. الانقلاب الطائفي الحوثي والعدوان السعودي الإماراتي يخدما بعضهما، لكن الحرب الشاملة ضد شعبنا منذ ست سنوات لم تنجح في تحقيق أهدافها.

 

إلى أين يتجه اليمن المنهار حاليا في ظل بلد يدار بواسطة ثلاثة رؤوس: رئيس شرعي منفي، وزعيم انقلابي مخفي، وقائد انفصالي مطفي؟

التحالف السعودي الإماراتي هو من هندس الخراب في اليمن وهو من يديره وكل هذه أدوات يستخدمها مباشرةً أو ضمنياً. الشرعية قرارها مستلب ومختطفة في الرياض، والانتقالي أنشأته الإمارات لتستخدمه من أجل أهدافها وأطماعها في اليمن، والميليشيات الحوثية تواطأ التحالف مع انقلابها ليستخدمه فيما بعد لشن حربه لتدمير البنية التحتية والتدخل المباشر تحت غطاء دعم الشرعية. وبالطبع إيران داعمة للميليشات الحوثية وتستخدمها، ولكن دعمها وحده لم يكن كافيا لنجاح الانقلاب الحوثي. تواطأ تحالف الثورة المضادة مع الميليشات الحوثية كان عاملا حاسما في تمكينها من الانقلاب والاستيلاء على العاصمة والمدن اليمنية ومؤسسات الدولة. وان مواجهة التحالف ورفع الوصاية عن اليمن هو بوابة الخروج من نفق الميليشات والانقلابات في صنعاء وعدن واستعادة الدولة.

 

هل يمكن التوصل إلى حل مرضي للجميع في ظل هذه الأوضاع التي لا يقبل أحد بالآخر، والكل يدعي أحقيته بالحكم في البلاد؟

لا حل إلا باستعادة الدولة اليمنية لتقوم بدورها والالتزام بالمرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات الشرعية الدولية المؤكدة على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، واستكمال المرحلة الانتقالية والاستفتاء على الدستور الجديد. عودة الدولة هو الحل وغير ذلك سوف تستمر الحرب، لأن سلطة الميليشيات والوصاية الخارجية هي حالة حرب دائمة. سيكون مطلوبا من أي حوار واتفاق حول السلام ان ينهي الوصاية الخارجية والانقلابات ويعيد الدولة وإلا فهو ليس حلا وانما مباركة لاستمرار الحرب.

 

ما هي أكثر العوامل تعقيدا للأزمة اليمنية، الداخلية أم الخارجية؟ ولماذا؟

عاملان، أحدهما داخلي وهو الانقلاب الطائفي الحوثي، والآخر خارجي وهو تدخل التحالف السعودي الإماراتي وعدوانه المتغول على اليمن، وكلاهما على نفس القدر من السوء ويكملا بعضهما ويخدما بعضهما. انهما العدوانان الداخلي والخارجي وقد جاءا معا وسيرحلان معا.

 

هل تعتقدين أن بالامكان أن تتصالح الحكومة الشرعية مع قيادة الانقلابيين الحوثيين، كما تماهت مع الانفصاليين الجنوبيين؟

الحكومة الشرعية لا تمتلك قرارها، وهي رضخت لضغط السعودية من أجل شرعنة انقلاب المجلس الانتقالي الموالي للإمارات. الانقلاب الحوثي لا يقبل المصالحة أو الحوار من أجل إيجاد حل ينهي الحرب ويعيد الدولة لاستكمال المرحلة الانتقالية، وهم يسعون لإقامة سلطة إمامية موالية لإيران على شمال اليمن.

 

وإذا حصلت مصالحة أين سيكون محل الحكومة الشرعية في الاعراب، إذا كان الطرفان الانقلابي والانفصالي يسيطران واقعا على أغلب المناطق اليمنية؟

كما سبق وقلت لك، ان الحكومة الشرعية ينبغي عليها أولا ان تمتلك قرارها المختطف من قبل السعودية لكي تكون قادرة على قيادة اليمن من الداخل في مواجهة مشاريع الميليشيات في صنعاء وعدن، أو الدخول في أي حوارات لإيجاد حل سلمي يعيد الدولة ويستكمل المرحلة الانتقالية من موقع القوة والحضور على الأرض.

 

على الصعيد العربي، إلى أي مدى تعتقدين أن ثورات الربيع العربي كانت الوسيلة الوحيدة للتغيير والخلاص من الأنظمة القمعية التي كانت تهيمن على المنطقة العربية؟

قبل 2011 كانت الانتخابات والديمقراطية قد تحولت إلى كلمات مفرغة من معانيها. تم اختراق الإعلام وتفريخ الأحزاب واحتواءها وتشكيل منظمات حقوقية موازية تعمل تحت عنوان المدنية بينما تخدم الاستبداد وسياساته لاحتواء الديمقراطية الشكلية واستمرار التحكم بالسلطة واستخدامها لإعاقة بناء الدولة الوطنية دولة القانون والعدالة. كانت هذه المسميات مفرغة من مضامينها ووصلت الأنظمة المستبدة ومعها مجتمعاتها إلى طريق مسدود، ولقد كانت الثورات نتيجة طبيعية لفشل الانتقال المرن والمتدرج نحو الديمقراطية. ان الديمقراطيات الناشئة كانت شكلا لا يتطور ولم يحدث أي تراكم وبقيت غطاء لاستبداد مقنّع يورث الجمهوريات ولا يحقق تنمية ولم يبن تعليما حديثا ولا بنى تحتية للاقتصاد، ولم ينتج سوى افقار الغالبية العظمى من الشعوب ورميها في قاع الفقر ومدن الصفيح ومستويات ما دون الفقر والجوع والافتقار للمأوى والسكن وكل متطلبات العيش الكريم. لقد فشلت الأنظمة في مواجهة العدو الإسرائيلي ولم تنجح في التنمية ولم تنتقل إلى الديمقراطية وورثت الحكم في الجمهوريات. لقد تأخرت الثورات العربية وكان ينبغي ان تحدث في نهاية الثمانينات، وان ما نحصده اليوم هو نتيجة السكوت على الاستبداد وتركه يدمر مجتمعاتنا من داخلها ويهيء بلداننا للانهيار، وليس بسبب الربيع العربي.

 

البعض يرى ان هذه الثورات لم تحقق الأهداف المتوخاة والمتوقعة منها، ويستدلون بالوضع السيئ في الوقت الراهن الذي أنتجته هذه الثورات؟

منحت ثورات الربيع العربي، وثورتنا واحدة من أهم تلك الثورات، الحاكم المستبد الفاسد عدم الثقة بالبقاء ومنحت الشعوب الثقة بالقدرة على الثورة واسقاط المستبدين، هاتان المنحتان العظيمتان سيكون لهما ما بعدهما، لن تبقيان لعروش المستبدين حجرا على حجر. ان الربيع العربي ثورة مستمرة ستحدد اتجاه القرن الواحد والعشرين كله. اسئلتك كلها دون قصد طبعا تبدو ضمن نفس التيئيس الذي تلوكه الماكينات الإعلامية للأنظمة المعادية للثورات والتغيير والمعادية لشعوبها. نظام الإبادة الجماعية في سوريا والميليشيات في اليمن ليس نجاحا للثورة المضادة ولا حلا لشعوبنا. في سوريا اليوم وكيل للاحتلال الروسي الإيراني. لقد جلب العالم لقتل شعبه، هل هذا هو النجاح؟! وفي اليمن تعاملت الثورة بتسامح مع المخلوع صالح وأعطته الحصانة ونصف الحكومة، لكنه اختار الانتقام من شعبه وبلده وجلب الميليشيات الحوثية الطائفية وشاركها الانقلاب على الدولة وغزو المدن واحتلال المؤسسات. لقد أثبتت الأحداث ان من كان يحكمنا عصابات إجرامية طائفية كان من الخطأ السكوت على بقائها كل تلك المدد التأبيدية التي ضربت رقما قياسيا في سوريا وورثت الحكم من الأب للابن في دولة جمهورية.

 

ما هو النموذج العربي الأمثل والناجح الذي ترينه حتى الآن لثورة الربيع العربي؟

أريد ان أقول تونس، ولكن أرفض ان تكون الحالة السائدة اليوم هي نهاية المطاف. ان شعوبنا تواجه حربا عالمية ضد ثوراتها الشعبية في اليمن وليبيا وسوريا وفي كل بلدان الربيع العربي، ولقد قامت ثورتا الجزائر والسودان بعد سنوات من الموجة الأولى. وانتفاضات العراقيين واللبنانيين كانت محطة في رفض العرب لأنظمة فاشلة لم يعد لديها ما تقدمه لمستقبل شعوبنا. لقد واجهنا حرب الأنظمة الساقطة وحلفائها الإقليميين والدوليين، وأرادت هذه الحرب ان تقول للعرب ان الربيع العربي قد فشل، وأرادوا عبر مجازر الإبادة الجماعية وهدم المدن فوق ساكنيها وقتل مئات الآلاف ان يذلوا شعوبنا وينتقموا منها ومن ربيعها الثوري السلمي، لكنهم سيفشلون. المجازر والوحشية والميليشيات والوصايات الخارجية والانقلابات ليست نجاحا وليست مشروع المستقبل، المستقبل لنا. حقنا في العيش بكرامة في أوطاننا حق مقدس. حقنا في المواطنة والعدالة وتطلعنا لدولة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان ليس جريمة. كل هذه الممانعة من قبل الأنظمة الساقطة ومخلفاتها من الميليشيات الطائفية والجماعات الإرهابية لن تكون قادرة على تقديم الاستبداد مرة أخرى كمشروع للمستقبل، المستقبل لنا. المستقبل لدولة القانون والمواطنة والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

لقراءة الحوار على موقع صحيفة القدس العربي اضغط (هنــــــــــــــا)

Subscribe now to get my updates regularly in your inbox.

Copyright © Tawakkol Karman Office

Search