مقابلات صحفية
حوار الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان مع صحيفة هافينغتون بوست عربي
حاورها: سفيان جبران- كنت أؤمن ولا زلت بأن إدارة الفترة الانتقالية يجب أن تقوم على أساس الشراكة، وتبعا للشرعية الثورية وليس بناءً على الانتخابات. أثناء الفترة الانتقالية يجب أن يتم اولاً انجاز الدستور والتشريعات اللازمة للدولة المدنية بالتوافق، ثم يتم تداول السلطة لاحقا عبر الانتخابات التي يتم اجراؤها وفقا للدستور الجديد.
تسافرين كثيراً لحضور فعاليات في عدة دول، هل يؤثر ذلك على أسرتك ويجعلك ناشطة أكثر من كونك أُماً أيضاً؟
اعتقد أنني نجحت في المواءمة بين كوني أما وناشطة، ولا أعتبر نفسي استثناءً، فهناك الكثير من المشتغلات في المجال العام نجحن على الصعيدين العائلي والعملي.
من يرعى أولادك حين تسافرين؟
عائلتي الكبيرة تهتم بهم، لاسيما أختي وأمي، كما أني أتواصل مع أولادي الثلاثة ولاء وعلياء وابراهيم أثناء سفري بشكل يومي، وبالإضافة إلى ذلك، فإن سلوك أولادي على قدر كبير من الانضباط والاتزان، وهذا يجعلني أطمئن كثيرا إلى أنهم لن يشكلوا عبئا أو مشكلة لأحد.
هل أنت متمكنة من طبخ كافة الوجبات اليمنية، بما فيها السلتة والحنيذ والمندي؟
بصراحة المندي والحنيذ لا.
عادةً ما يعيش الأولاد حالة تمرد على الأم المشغولة؟ هل تمردوا عليك يوماً؟
لا أدرى ماذا تقصد بالتمرد، لكني أعطيهم فسحة كبيرة ليختاروا ما يريدون، وأهتم بتربيتهم على قيم الاستقلالية والحرية والاختيار الحر.
ما أبرز انتقاداتهم؟
أنا وأولادي أصدقاء جداً، لست منشغلة عنهم،أتابع تفاصيل احتياجاتهم النفسية والعاطفية والتربوية وغيرها.
كيف ترضين أولادك عندما يغضبون؟
أناقش اهتماماتهم أولا بأول، ولا أدعها تتراكم، وأشركهم في الحوار حول شؤونهم وحول شؤون البيت.
هل ترين دورك مقبولا في السياق الاجتماعي اليمني؟
إن كنت تقصد ما هو مدى القبول الاجتماعي لأنشطتي الحقوقية والثورية، فقد حظيت بمساندة شعبية واجتماعية كبيرة كان لها الفضل في كل ما أنا عليه. ربما من المناسب أن أشير إلى نقطة على قدر كبير من الأهمية، وهي أن البعض لديه معتقدات وتصورات سلبية تجاه وضع ومكانة المرأة في المجتمع اليمني، وهي المعتقدات والتصورات التي آن الأوان لمراجعتها بعد مشاركة النساء اليمنيات بكثافة في ثورة فبراير ضد نظام علي عبدالله صالح.
هل لك اهتمامات رياضية؟ هل تتابعين مثلاً مباريات كرة القدم العالمية؟ هل تشجعين فريقاً معيناً؟
نعم كرة القدم، وأنا من مشجعي نادي برشلونة الإسباني.
إذا أتيح لك يوماً أن تصبحي رئيسة لليمن .. هل تقبلين؟
ليس لديّ إجابة جاهزة لهذا السؤال، قبولي أو رفضي في حينه سيكون بناء على تقديري لإمكانية المشاركة في إحداث التغيير نحو الأفضل من داخل السلطة أو من خارجها.
من اعلامية إلى ناشطة الى نوبل.. ما الذي تغير في توكل؟
بقيت أهدافي ثابتة وتطورت مواقعي وأدواتي، أجد نفسي ناشطة مدنية، هكذا كنت وسأبقى في جل اهتماماتي وانشطتي.
وهل خلعك للنقاب تمرد؟
خلع النقاب خيار شخصي و لا يعد تمردا على شيء.
التناقض
هل تعتبرين مواقفك متناقضة؟
لا، بل أراها متناغمة تماما مع ما أؤمن به من قيم ومبادئ تنتصر للحقوق والحريات وتناهض الفساد العام وتكافح إساءة استغلال السلطة، ومواقفي من الجهات والمكونات والأشخاص مرهونة بمدى قربهم أو بعدهم من القيم والمبادئ التي اعتنقها، هذا ما يجعلني أبدو ظاهريا متناقضة. لكنني في الجوهر لست كذلك. يريد البعض منك أن تنتقد ذلك الحاكم وذلك الحزب على طول الخط أو تمنحه الرضا دائما، وحين تشيد بموقف جيد يقوم به حينا وتدين موقفا سلبيا يرتكبه حينا آخر يعدونك متناقضا، كأنك منحتهم صكا دائما بالنزاهة حين اشدت بهم على موقف يستحق الإشادة. يحدث أن نراهن على جهات وكيانات لكن نصاب بخيبة أمل لاحقاً، وفي بعض الأحيان تأتي النتائج بما يخالف توقعاتنا، لا نتحمل المسؤولية عن ذلك، ولا ندعي أننا نعلم الغيب، لكن يجب أن لا نصر على مواقفنا إذا اكتشفنا خطأها.
يلاحظ عليك سرعان ما تنتقدين من كانوا محل اشادتك، كثيرون يعدون ذلك تناقضا أليس لديهم حق في ذلك؟
أنا ناشطة حقوقية سأكون متناقضة حين أساند الحقوق والحريات حينا، وأدعو إلى مصادرتها حينا آخر، أما حين أبقى على موقفي الثابت المساند للحقوق المدنية والسياسية للناس، فأنا لست متناقضة، بل منسجمة ومتناغمة مع نفسي، الجهات أو الأشخاص الذين يبدون مواقف متناقضة هم من يجعلونني أتخذ مواقف متقلبة تجاههم، تارةً بالإشادة وتارةً بالنقد والادانة. سأمنحك سرا يتعلق بالطريقة التي أتخذ بها مواقفي، ليس لديّ خصوم إلا أولئك الذين يعادون القيم الإنسانية، والذين يهدرون كرامات الناس.
كانت السعودية خصما فأصبحت حليفا؟
حين تغير موقف السعودية من المخلوع علي صالح ومن الثورة المضادة في اليمن تغير موقفي منها.
ودعمت 30 يونيو في مصر ثم هاجميتها؟
لازلت أرى أن هناك فرقا بين 30 يونيو وانقلاب 3يوليو، ليس كل من خرج في 30 يونيو ثورة مضادة، كثيرون خرجوا للمطالبة بالشراكة وانتخابات مبكرة في حين قوض انقلاب 3 يوليو كل فرص الشراكة ونسف مكتسبات ثورة يناير، وقضى على الشراكة والانتخابات معا، استغلال الانقلابين لجماهير 30 يونيو لا يعني أن جماهير30 يونيو جماهير انقلابية أو أنها كانت تدرك بأنها جزء من ثورة مضادة سيكون من أبرزها عودة حكم الفرد، والدولة البوليسية.
وهاجمت مرسي طوال حكمه ثم اعتبرته مانديلا العرب؟ كيف تفسرين ذلك؟
موقفي من الرئيس مرسي قبل وبعد 30 يونيو ومن معارضيه قبل وبعد الانقلاب يقدم دليلا على أنني أتخذ مواقفي تبعا لما أعتنقه من مبادئ، أدور معها حيث دارت، وليس تبعا للجهات والاشخاص، طالما مرسي رئيس فليس من العيب أن يتم انتقاده، ننتقد الحكام ليس فقط على إساءاتهم، بل أيضا على تعثرهم وفشلهم في تحقيق الأهداف بسرعة أكبر وبكفاءة أعلى وإن كانت الامكانيات أقل. حين ينجز الحاكم شيئا يجب أن يقال له كان بإمكانك أن تنجزه بصورة أفضل، لكن حين لا يفعل، وحين لا ينجز يقال له: أنت فشلت في تحقيق الانجازات، يجب أن يقال له ذلك، وليسقط حين يرتكب فسادا، أو حين يسيء استغلال السلطة.
هل لا زلت ترين أن انتقادك الحاد للرئيس مرسي كان مبرراً؟
انتقادي للرئيس مرسي ومعارضتي له كان محكوما بعدة اعتبارات كوني من ثوار الربيع وكوني اعتبر ضمن تيار الإسلام السياسي، طالبته بتقديم تنازلات أكثر لأنني كنت أتوقع فشله بسبب تلك الحملة التي وجهت ضده سواء كانت بالحق أوالباطل، وأرى انعدام مشاركة بقية الأطراف في الحكم سيساهم في فشل الحياة الانتقالية بشكل عام، وسيكون لذلك عواقب كبيرة على مصر العروبة ومصر أكبر دولة عربية، وعلى الربيع العربي على تجربة تيارات الإسلام السياسي في المنطقة.
كأحد رموز الثورة ما الذي كان يجب ان يتم عقب الثورات؟
كواحدة من ثوار الربيع العربي لديّ فلسفتي الخاصة في المشاركة في الحكم أثناء الفترات الانتقالية، كنت أؤمن ولا زلت بأن إدارة الفترة الانتقالية يجب أن تقوم على أساس الشراكة، وتبعا للشرعية الثورية وليس بناءً على الانتخابات. أثناء الفترة الانتقالية يجب أن يتم اولاً انجاز الدستور والتشريعات اللازمة للدولة المدنية بالتوافق، ثم يتم تداول السلطة لاحقا عبر الانتخابات التي يتم اجراؤها وفقا للدستور الجديد.
وما الذي تأخذينه على التجربة المصرية بناء على فلسفتك هذه؟
في مصر تم الذهاب للانتخابات وإلى الشرعية الانتخابية قبل انجاز الدستور والمؤسسات الديمقراطية الضرورية بطريقة توافقية، وهو الأمر الذي أحدث تصدعات في صفوف الثوار. ولذلك طالبت مرسي بكفالة الشراكة الوطنية في الحكم وحمّلته وحركة الاخوان مسؤولية الفشل والانقسام في الشارع المصري، وهو انقسام كان سيكون طبيعيا بعد الفترة الانتقالية،. وعندما تم تقويض الشرعية الانتخابية والثورية معا، وتم الانقلاب على الشراكة والمشاركة بكافة أنواعها كان من الطبيعي أن أرفض ما حدث، وأرفض الإطاحة بمكتسبات ثورة يناير وما حققته من هامش حقوق وحريات كانت مكفولة بشكل واسع أثناء حكم مرسي ولم يتبق منها شيء الآن.
ألا ترين أن معارضتك لمرسي ثم وصفه منديلا العرب تناقض؟
المتناقضون ومن لا يمتلكون مشروعا مدنيا واضحا، هم من عارضوا الإخوان ومحمد مرسي على طول الخط وهم في السلطة، واستمروا في معارضة الإخوان حتى حين أصبحوا في المعتقلات والمقابر وما ثمة شيء تحقق مما كانوا ينتقدون الاخوان عليها. وهم أيضاً من يساندون الإخوان على طول الخط حتى وهم يفشلون في بناء شراكة وطنية لحكم مصر، واتخاذ الإجراءات السياسية واقامة التحالفات الكفيلة بإزالة الانقسام الحاد في الشارع المصري. لقد انتقدت الإخوان عندما كانوا في السلطة، وأجدني الآن أدافع عنهم، لأنهم مظلومون ودون حريات وحقوق أساسية.
أنت أيضا تؤيدين يوماً موقف الجيش المصري وتهاجمينه يوماً آخر.. ما ردك؟
أؤيد وأعارض تبعا لعدالة المواقف من وجهة نظري، فحين يكون الموقف عادلا وصحيحا أؤيده، وحين يجانب العدالة والصواب والإنصاف أرفضه، لا أعطي أي فرد أو حزب أو حاكم أو أية جهة صكاً دائماً بالرضا، كما أنني لا أحبذ دور الساخط على كل شيء طوال الوقت.
الجيش المصري ليس السيسي، وأنا أفرّق بين الجيش وقادة الجيش، وما يحدث من انحراف فيما يتعلق بوظيفة الجيش لجهة تحوله من حماية الدستور والسيادة وحريات الناس إلى منتهك للدستور وللحريات العامة والخاصة، يتحمل المسؤولية عنها القادة، وليس أفراد الجيش وضباطه.
أنت أكثر من يتعرض للهجوم من حاملي نوبل، هل أنت مرتاحة بكونك مثيرة للجدل؟
الحائزون على نوبل دائما مثار جدل. ولا اعتقد انني اكثرهم، الانتقاد أراه أمرا طبيعيا، ولا يزعجني الهجوم ولا ينال مني، ودائما ما أضعه في سياقه الطبيعي، أدرك أن بعض الانتقادات التي توجه لي ممنهج، وبعضه يأتي في إطار النقد والتقييم المطلوبين في كل الأحوال.
هل تتابعين من يهاجمونك على الشبكات الاجتماعية؟ كيف تردين عليهم؟
أتابع ما يصلني من ذلك، ولا أرد إلا حين يكون الرد ضروريا، غير ذلك فلا أرد لا بطريقة مباشرة ولاغير مباشرة، ليس لديّ غرف الكترونية للرد والدفاع عني، في المقابل هناك غرف الكترونية متعددة تتولى عمل الحملات الإلكترونية ضدي، ويسعدني أن من يقف وراء هذه الحملات أنظمة وجهات لها موقف مضاد لثورات الربيع.
أحيانا يشتعل الخلاف بينك وبين ضاحي خلفان في وسائل التواصل الاجتماعي.. لم ذلك؟
هو خلاف من طرف واحد، لا تستهويني مثل هذه المبارزات. وهو ليس في موقع رسمي يمنحه الحق في التعبير عن موقف دولة الامارات أو يجعلنا نقول إن تغريداته تمثل الموقف الرسمي لحكومة الامارات، لكنه يخلق تصورا مشوشا لدى البعض حيال موقف الامارات، وهو انطباع غير صحيح حسب اعتقادي لا سيما فيما يتعلق بالانقلاب على الثورة اليمنية.
رسالتي إلى صالح والحوثي
دعينا نعود لليمن إذن، تصفين الرئيس السابق علي عبد الله صالح بالمخلوع، والواقع يقول إنه هو من يعيش في اليمن ويتحكم في المشهد بينما خصومه في الخارج.. كيف تفسرين ذلك؟
حسنا، لقد استحق علي عبدالله صالح لقب الرئيس المخلوع عندما تم إرغامه على التخلي عن الحكم، إثر ثورة شبابية سلمية عظيمة أفقدته الشرعية والمشروعية، لكنه بقي يمارس دوره في تقويض الدولة اليمنية والانتقام على طريقة اللصوص والعصابات، نعم هو لص قوي وقائد عصابات يمتلك الكثير من أدوات البطش والشر، هذا لا يعني أن الثورة لم تكن عادلة، أو أنه لم يكن يستحق الخلع، الحقيقة أن ما يرتكبه من جرائم يقدم دلائل متزايدة على أن الثورة كانت ضرورية ومبررة تماما.
إخراجنا من ديارنا وتهجيرنا والانقلاب على دولتنا واحتلال مدننا، لا يعني أن ثورتنا ليست عادلة، أو أن علينا أن نندم عليها أو أن نلعنها.
كيف ترين تصرفات علي عبد الله صالح الأخيرة، وما رسالتك له؟
أقول للمخلوع صالح اترك الانتقام بحق هذا الشعب، اليمن بلد كبير وشعب عظيم، وهو ليس من مقتنياتك الشخصية، أنت تسلك سلوكا شيطانيا بحق هذا الشعب الذي بالغت في امتصاص خيراته، وحولته إلى ملكية خاصة لك ولعائلتك خلال حكمك الذي دام 3 عقود من حكمك العبوس، ولا زلت تواصل تدميره، والانتقام منه ومن ثورته عليك التي خلعتك، وتحولت بفضل هذه النفسية المدمرة الانتقامية إلى بيدق صغير حقير في مشروع غزو يقوض بلدك يحتلها، ويحتل عاصمتها ويحتل محافظاتها الواحدة تلو الأخرى، بل مشروع استكباري يقوض المنطقة والعالم، للأسف الشديد هذه نهاية مأساوية لك لن يغفر لك الشعب اليمني كل جرائمك بحقه ومن يزرع الشر يجد بالتأكيد عواقبه الوخيمة.
ما الذي دفع صالح للتحالف مع الحوثيين أعداء الأمس من وجهة نظرك؟
علي صالح يستخدم الحوثيين كأداة لتقويض الدولة اليمنية ووسيلة لتحقيق الرغبة في الانتقام، أرى أن العلاقة بين صالح والحوثي كالعلاقة بين الأداة ومالك الأداة. وبعيدا عن ما إذا كان هذا التوصيف صائبا أم لا، فإن الحقيقة المؤكدة أن تحالف صالح والحوثي تسبب في الموت والحرب وكل الموبقات التي تجتاح مدن اليمن.
رسالتك لزعيم جماعة الحوثي عبد الملك؟
سلم كافة الأسلحة التي لديك للسلطة الانتقالية التي توافقنا عليها وانسحب من كافة المناطق التي تستولي عليها لتغدو الدولة وحدها ممثلة بالسلطة الانتقالية صاحبة الحق الوحيد لامتلاك السلاح وفرض السيطرة والسيادة، تحول انت واتباعك إلى جماعة سياسية لا تزوال القوة والعنف لتحقيق أهدافها، افعل ذلك من أجلك ومن أجل الوطن، تنفيذا لمخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ومعا نحن يمنيين بامكاننا أن نذهب مع بعض للاستفتاء على الدستور وللانتخابات المختلفة ولنكن شركاء في الحياة السياسية والعامة، وعليك أن تعرف أن شعبنا لن يقبل أن يحكم بالقوة، شعبنا شعب عظيم لن يقبل أن يحكم بالقوة أو الغلبة لا هو ولا لا دول الإقليم ولا العالم، فاختر السلامة.
من تخلى عن الآخر السعودية أم علي صالح؟
كلاهما، صالح خان السعودية وغدر بها، وحين اكتشفت السعودية ذلك في وقت متأخر جدا بادلته التخلي.
وهل تعتقدين أن السعودية قادرة على حلحلة مشكلة اليمن؟ كيف؟
دعنا نتحدث بصراحة، لحلحلة مشاكل اليمن وهي كثيرة ومعقدة، يتحمل اليمنيون الجزء الأكبر من المسؤولية، لكن مما لا شك فيه، أن مستقبل اليمن واستقراره مرهون بمستقبل واستقرارالسعودية، والعكس صحيح. تستطيع السعودية أن تقدم الكثير لليمن على الصعيد التنموي والاستقرار السياسي.
وهل تعتقدين أن السياسة السعودية في اليمن تغيرت كلياً؟
تغيرت تجاه صالح وميليشيات الحوثي، كما أصبح لديها شعور أكبر بأهمية دعم التنمية في اليمن وعدم تركها عرضة للفشل، هذا ما أعتقده.
انتقدك البعض لتأييد "عاصفة الحزم"، على اعتبار أنك حائزة على جائزة نوبل للسلام وكان يجب أن يكون موقفك البحث عن حل سلمي، إلى أي مدى يمكن أن يكون انتقادهم وجيهاً؟
لم أؤيد عاصفة الحزم، كما لن تجد تصريحا واحدا لي أؤيد فيه عاصفة الحزم والسبب في ذلك هو أني انتمي للكفاح السلمي. انتقدت الانقلاب وعارضته ولا أزال، البعض يعتبر معارضتي للانقلاب تأييدا للعاصفة، وأنني جزء من الحرب التي يقودها الخليج لإسقاط الانقلاب وإعادة الشرعية، وهذا تقييم خاطئ لموقفي، أنا كما قلت لك: أنتمي للكفاح السلمي ولا يمكنني أن أكون جزءا من أي كفاح مسلح مهما كانت مبرراته عادلة ومشروعة.
البعض يطالبني أن أقف ضد العاصفة، وأغض الطرف عن التدمير الممنهج الذي تقوم به الميليشيات ضد الدولة اليمنية، وما ترتكبه من مجازر ومصادرة كاملة لحرية الشعب وحقوقه الأساسية.
لم أكن سببا في العاصفة، بل الانقلاب هو السبب، ولم أدع الدول العربية للتدخل في اليمن، بل السلطة الشرعية هي من دعتها، ولم أنضم أو أدع إلى المقاومة الشعبية المسلحة لإسقاط الانقلاب، بل الناس لجؤوا إلى حمل السلاح بعد أن فرضت الحرب عليهم للدفاع عن أنفسهم وعن دولتهم وعن حقوقهم وعن حرياتهم. لا يمكنني أن أطالب الناس الذين تهجرهم الميليشيا وتحتل مدنهم وتصادر حقوقهم وحرياتهم بعدم الدفاع عن أنفسهم، هم يمتلكون هذا الحق ويزاولونه دون استئذان مني أو من غيري، مقاومة الظلم لا تحتاج استئذاناً من أحد.
أنا هنا أصف ما يحدث ولست جزءاً منه، أنا جزء فقط من الكفاح السلمي والثورة السلمية المغدور بها، لكن من انقلبوا عليها يلاقون نتائج انقلابهم.
القضية شائكة لكنني أتحرك وسط حقل الأشواك المعقد هذا بناءً على ما أؤمن به من قيم وما أجيده من كفاح سلمي وأنتمي إليه، أطرح حزمة من المطالب وليس مواقف جزئية تحمل رؤيتي لتحقيق عملية سلام مستدامة في اليمن وتحقيق الديمقراطية، تستند هذه الحزمة على ما توافق عليه اليمنيون وما تضمنته وثيقة نقل السلطة وقرارات مجلس الأمن.
ودائما، ما أدعو الاطراف المتحاربة إلى تجنيب المدنيين ويلات الحرب، وإلى الالتزام بالقانون الإنساني في حماية المدنيين ولاسيما النساء والأطفال أثناء النزاعات، وأدين عدم الالتزام بذلك في الوقت الذي أستمر فيه برفض الانقلاب والمطالبة بعودة الدولة اليمنية التي قوضها الانقلاب.
ما هي رؤيتك لتحقيق السلام في اليمن؟
وقف إطلاق النار خلال فترة محددة يتم خلالها سحب الأسلحة من الميليشيا وانسحابها من المدن وعودة الدولة لتبسط نفوذها على كامل التراب الوطني وتمتلك حق امتلاك السلاح حصريا، ثم الذهاب للاستفتاء على الدستور وإقامة الانتخابات المختلفة بناء عليها يشترك فيها الجميع بمن فيهم المليشيا، لكن بعد أن تكون قد تخلت عن العنف وعن السلاح وعن منازعة الدولة السيادة والسيطرة، وتحولت إلى حزب سياسي يمارس أهدافه دون عنف.
بخلاف الموقف السعودي، كيف تقيمين مواقف الدول الخليجية الأخرى كالكويت والإمارات وعمان بخصوص الأزمة في اليمن؟
الخليج بشكل علم يرى أن أمن اليمن جزء من أمنه، وأن تقويض الاستقرار في اليمن تقويض لاستقراره بالضرورة، من هنا يأتي رفض الخليج للانقلاب واعتباره مؤامرة ايرانية تستهدف وجوده وأمنه واستقراره، وأرجو أن لا يتخلى الخليجيون عن اليمن في المستقبل.
هناك من يرى أن الأمم المتحدة التي تدافعين عنها، غالباً تتهاون مع الرئيس صالح ونجله وأقاربه ونراها لا تطبق قرارات مجلس الأمن بحقهم، أو هكذا يبدو الوضع، لم برأيك؟
ضعف الأمم المتحدة وما تشهده أروقتها من انقسام المتحكمين في قراراتها يجعلها تبدوكذلك، وكأنها مجرد ميسر لمساعي حميدة مرهون تحقيقها بموافقة جميع الاطراف وليس تبعاً للحق والقيم والمبادئ التي قامت عليها المنظمة الأممية.
الأمم المتحدة أصدرت أكثر من قرار ضد المخلوع والحوثي وسمتهم كمعرقلين ومقوضين للعملية الانتقالية في اليمن وتوعدتهم بعقوبات وفق الفصل السابع من الميثاق، هذا يقطع بأن المنظمة الأممية ليست متواطئة مع المخلوع والحوثي، لكن من ناحية أخرى ظلت تلك القرارات حبرا على ورق، وبقى المخلوع والحوثي يزاولون عملهم في تقويض العملية الانتقالية حتى تسنى لهم ذلك، هذا يقدم دليلا حسب وجهة نظري أن أدوات الأمم المتحدة عاجزة عن تنفيذ قراراتها لأسباب لها علاقة بآلية اتخاذ القراروتنفيذه، لكنها ليست متآمرة بالتأكيد.
هل تؤيدين إقامة دولة فيدرالية؟
أطالب بذلك وأناضل من أجلها من قبل ثورة فبراير. لقد تصدر إقامة الدولة الفدرالية الأهداف التي كتبناها عشية الثورة ورفعناها في أيام الثورة، وقد نصت مخرجات مؤتمرالحوار الوطني الشامل الذي شاركت فيه على هذا المطلب الذي صار مطلبا شعبيا. اليوم تؤيد غالبية اليمنيين فكرة إقامة دولة اتحادية، وترى فيها الطريق الأمثل لبناء دولة عادلة وقوية.
ربيع داعش
كيف تقيمين سكوت كثير من الدول الغربية عن الثورات المضادة في الدول العربية بل ودعمها وشرعنتها أحياناً؟
حدث ذلك للأسف، وهو أمر لا أستطيع تفسيره، إلا أن الحكومات الغربية تفتقر إلى استراتيجية بناءة في التعامل مع الشعوب العربية والشراكة معها، وليس مع أنظمتها الفاسدة والمستبدة.
كما أنها تفتقر أيضا إلى الالتزام بمساندة قيم حقوق الإنسان والوقوف أمام منتهكيها، فيتم غض الطرف عن كل ذلك لصالح المصالح الآنية مع الأنظمة أو بسبب الوهم والخوف من التغيير ومن القادم بعد التغيير. طبعا هناك أسباب ذاتية خاصة بقوى الربيع التي اشتركت في الثورة جعلت الغرب يقف هذا الموقف، الاخفاق في تحقيق الطموحات بالسرعة التي توقعتها الشعوب الثائرة، والصراع والانقسام في الصف الثوري، وتحالف بعضها مع قوى الثورات المضادة ، لكن ما لا يفهمه الغرب، أن كل ذلك أمر طبيعي تشهده أية ثورة، هذا ما حدث للثورات الغربية التي لم تعبر إلى ضفاف الحياة الحرة الكريمة بمجرد الثورة ودون منغصات وتعثر واخفاقات.
هل تراجع الأمريكيون عن خيارات الديمقراطية في الوطن العربي؟ وأي مرشح رئاسي أمريكي ترينه أكثر رغبة في المساعدة في حل مشاكل المنطقة؟
نعم حدث هذا التراجع الكبير من قبل الحكومات الغربية وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية. في البداية وقفت هذه الحكومات مع خيارات الشعوب، لكنها خذلتها حين حدثت الانقلابات والثورات المضادة.
في تقديري أن الخوف من تيارات الإسلام السياسي التي بات واضحا أنها ستتسلم السلطة عقب ثورات الربيع هو السبب لكنه سبب واهٍ للغاية. كان عليهم أن يتعاملوا مع تيارات الاسلام السياسي كحالة بديلة حضارية لكافة أشكال الحركات الدينية القائمة أو التي ستأتي كرد فعل لتعثر التغيير واقصاء التيارات المعتدلة.
يمكنني القول إن ربيع "داعش" الطارئ بشقيه السني والشيعي جاء نتيجة طبيعية لتعثر الربيع العربي. اختفى صوت الإرهاب تماما عام 2011 والأشهر اللاحقة حين شعر الجميع أن هناك إمكانية للتغيير بالسلم والثورات السلمية دون الحاجة للمفخخات والأحزمة الناسفة، وقف الغرب حينها مع الثورات، وقدم درسا كبيرا مفاده أن الغرب ليس عدوا للإسلام ولا مانع لديه من أن تتولى تيارات الإسلام السياسي الحكم بإرادة شعبية وعبر الانتخابات.
ما حدث لاحقا من خذلان، رفع من أسهم مايطرحه المتشددون ودعاة الصراع مع الغرب، لقد جاءت "داعش" حين حدث الانقلاب والاقصاء بالقوة والتآمر والخذلان المسنود بالرضا والمباركة والصمت الغربي. يبدو أن الموقف الغربي من الثورات العربية لم يكن مبدئيا، بل كان انتهازيا، وهو الأمر الذي يعني فقدان الحكومات الغربية لمصداقيتها في ما يتعلق بالدفاع عن الحريات والديمقراطية.
هل هذا يعني أنه كان “ربيعا إسلاميا” لا عربيا؟ وأن الثورات الربيعية كان محتوما أن تجلب تيارات الإسلام السياسي إلى الحكم؟
ليس ربيعا إسلاميا، لكن الإجابة على الشطر الثاني من السؤال هي بالإيجاب نعم كان الربيع سيأخذ تيارات الاسلام السياسي بصورة مؤقتة إلى الحكم، وهذه إحدى جوانب الربيع الايجابية، إذا تم النظر إليها من زاوية أهمية الشراكة والتعايش وفتح الباب أمام التيارات ذات الخلفية الدينية للتعبير عن نفسها والمشاركة في السلطة والمعارضة سلميا وعبر الصندوق وعبر مزاولة حرية التعبير والاجتماع والتنظيم.
لأسباب كثيرة، الحركات ذات الخلفية الدينية أكثر حظا في الصعود للسلطة بعد ثورات الربيع، لكن ذلك لم يكن ليستمر حسب تقديري، فهذه الحركات كانت ستتعرض، وتعرضت بالفعل، لنقد كثيف، وستكون تحت المجهر خلال فترة حكمها، وستتصاعد تيارات معارضة جديدة تستوعب كل المعترضين على طريقة الإسلاميين في إدارة الحكم، وباعتقادي أن هذه التيارات الإسلامية في الدورات الانتخابية اللاحقة كانت ستتراجع إلى مقاعد المعارضة. ما حدث في تونس وما شاهدناه في مصر قبل الانقلاب حين حاز المرشحون للرئاسة أصواتا متقاربة مع أصوات الإخوان، وشهدنا بعد صعود مرسي معارضة حقيقية كانت تكبر يوماً بعد يوم مع حيوية كبيرة للإعلام الحر وحتى الموجّه، كل ذلك كان يكبر بالسرعة ذاتها التي يقل فيها استحواذ الإخوان على الشارع .
لقد أطاح الانقلاب -في مصر- ليس بمرسي فقط، بل وبخصومه السياسيين الذين كان يمكن لأحدهم أن يكون هو الرئيس، كما أطاح بفكرة التنافس السياسي بين الأحزاب، فحين تم حل حزب الحرية والعدالة، تم بالتزامن عمليا حل الأحزاب الأخرى، لم يعد هناك ذات الحيوية السياسية التي كانت موجودة قبل الانقلاب، ولم يعد صوت الأحزاب ذا بال.
في أية خانة يمكن أن نضع الربيع العربي.. هل هو على مشارف الأفول أم أن الاحتقان الحالي يُنبئُ بثورات مكملة؟
الربيع لا يموت، يمكن القول أنه في حالة صراع طبيعية مع التحديات والمعيقات، ما يحدث الآن امتداد للربيع وليس في معزل عنه، هذا لا يعني أن الربيع مسؤول عن الآثار السلبية للصراع الدائر في الوقت الراهن، فالمسؤول عنها دولة الفساد والرشاوى التي استهدفها الربيع ولاتزال تمتلك أساليب المقاومة والاستعصاء على التغييرحتى بعد سقوط الدكتاتور، الدولة ليست دكتاتورا فحسب، بل دولة عميقة تحركها شبكات محسوبية ومراكز نفوذ وقوة متضررة من التغيير وهي تعمل بشكل مثابر للدفاع عن مصالحها أو من أجل استردادها أو من أجل بقائها.
الربيع العربي حالة ثورية أخلاقية لها مبرراتها الأخلاقية والحضارية، وطالما بقيت تلك المبررات سيبقى الربيع وسيعاود الكرة بأشكال ومسميات وصور تتعدد وتبقى الغاية.
وهل تعتبرينه حيّا رغم كل تلك الاضطرابات وخيبة الأمل الناشئة عن الشعور بأن الثورات لم تحقق اهدافها؟
نعم هو حيّ وسيستمر. الربيع العربي هو تعبير عن توق الشعوب العربية للحرية والكرامة والثقة بالنفس في امكانية صناعة التغير والشجاعة الكافية لتقديم التضحيات لصناعة التغييروالانفلات نحو المستقبل الحر والكريم، كل هذا بلغ ذروته في 2011، كحصيلة لنضالات خاضتها القوى الوطنية باختلاف انتماءاتها ومشاربها السياسية والفكرية، والنخب الاعلامية والفكرية ونشطاء المجتمع المدني استمرت لعقود، هذا هو جوهر الربيع العربي.
صحيح أن هناك نكوصاً عن الأهداف التي رفعتها ثورات الربيع العربي، لكن الثورات مراحل تطول وتقصرحسب ظروف كل بلد وظروف كل ثورة وحجم ما تتعرض لها من مؤامرات ومعيقات وثورات مضادة، لكن بقاء الحلم واستدامة الضيق بدولة الفساد والاستبداد، والتوق للحياة الحرة والكريمة، والثقة بالقدرة على إحداث التغيير، والشجاعة في تقديم التضحيات، سيجعل من الصعب دفن الربيع العربي.
ما يجب أن يرسخ في الاذهان أن بوصلة الربيع تعمل بشكل تلقائي لحشد إمكاناتها وبث روحها لتستمر وتنتقل من طور إلى طور، ومن مرحلة إلى أخرى.
والخلاصة أن جموع الشباب العربي التي واجهت الرصاص بصدورها العارية وسقطوا شهداء وجرحى بالآلاف في شجاعة أسطورية قل أن يكون لها نظير في التاريخ الانساني لن تقبل أن تكون ضمن حدث عابر، أو طفرة عشوائية سرعان ما تتلاشى، أو شيئا على الهامش، وهذا مطمئن للغاية. لنتذكر أن الشباب العربي لم يفقد المبادرة، وهو قادر على المفاجأة في أي وقت. على الصعيد الشخصي، أستطيع رؤية الأخبار السارة الآن، نعم، برغم كل شيء.