حوار الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان مع مجلة ذا بوليتيك

نشأت في تعز والتي – إن كنت قد فهمت بشكل صحيح- تعرف بأنها بيئة تعليمية بخلاف ما هو سائد في بلد هو في الأصل تقليدي. 

هل التحاق المرأة بالجامعة أو دخول مجال كالصحافة في تلك المدينة أكثر شيوعا من غيرها؟ هل باعتقادك لو عشت في مدينة أخرى من اليمن لما تسنى لك الالتحاق بالجامعة؟

لا شك أن تعز مدينة الثقافة والتعليم وابناها متشبعين بالروح المدنية، لقد ولدت في تعز، وعشت جزءا من طفولتي هناك، لكن العائلة انتقلت للعيش في العاصمة صنعاء التي درست فيها معظم المراحل التعليمية بما في ذلك المرحلة الجامعية.

عدن وتعز مدينتان شعت منهما الثقافة والمدنية إلى جميع ارجاء البلاد سرعان ما شاركت الكثير من المحافظات عدن وتعز التوق نحو المدنية والعلم والثقافة والكفاح في سبيلها، واليوم لم يعد الأمر مقتصر على مدينة دون أخرى.

الحقيقة أن هناك انطباع خاطئ لدى كثيرين خارج اليمن، بأن المرأة في اليمن مضطهدة ومهمشة بشكل كامل، صحيح ان وضع النساء في اليمن ليس كما نريد، لكنه ليس بالسوء الذي يمكن أن يخطر في بالك. المرأة اليمنية تتعلم وتدرس في الجامعات وتعمل، وتشارك بفاعلية في الحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي، وقد اثبتت ثورة 11 فبراير هذه الحقيقة.  

 

ما الذي جذبك إلى مجال الصحافة؟ هل هناك عدد لا بأس به من الصحفيات في اليمن؟ هل أثر نوعك (كونك أنثى) على حياتك المهنية، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف؟

نشأت في بيت الحديث فيه حول السياسة والقانون عادة يومية، فقد كان والدي رحمه الله قانونيا وسياسيا وعمل وزيرا ذات يوم، لقد تفتح وعيي مبكرا، والأهم من ذلك، أن والدي كان يحب أن يستمع إلى آراءنا التي لم تكن تتطابق احيانا مع رأيه، لكنه لم يكن يقمعنا، بل على العكس، كان يشجعنا على مزيد من الاستقلالية والثقافة.

لقد  كنت احلم بالحديث إلى أكبر عدد من الناس، وكانت الصحافة تحقق لي هذا الحلم، فيما بعد أدركت أن الصحافة يمكنها أن تكون رأس حربة في مواجهة الاستبداد. لا اتذكر اني اخترت هذا الطريق لأني أنثى وحسب، الحقيقة لقد احببت الصحافة كونها تمثل في جانب منها مصالح الناس وتطلعاتهم لتحقيق المعرفة وكشف أي تجاوزات للسلطة.  

لقد زاولت الصحافة من أجل الدفاع عن الحقوق والتصدي للفساد العام ومناهضة الاستبداد في البلاد، تلك كانت غايتي من مزاولة الصحافة الدفاع عن القضية وليس مجرد نقل الخبر، ولذا سرعان ما انخرطت في النشاط الحقوقي الواسع عبر فعاليات حقوقية متنوعة ومستمرة من البيانات والرصد الحقوقي والندوات والتقارير   ومزاولة الاحتجاجات السلمية.  

العمل الاعلامي والحقوقي ثنائية فاعلة مكنتني من انجاز اشياء كثيرة، وجعلتني امضي مع رفاقي بعيدا في الكفاح من أجل تحقيق الحلم. اعترف أنه كان هناك صعوبات ومعيقات، لكني استطعت التغلب عليها فاستحالت تلك العوائق إلى عناصر قوة وإلى ايجابيات وفرص، وهذا منحني مزيدا من الثقة والاصرار على مواصلة الكفاح.  

من خلال تجربتي وتجارب نساء أخريات، بإمكان أي امرأة أن تتغلب على أي قيود تعوق دون انطلاقها للعمل العام لاسيما إن حظيت بالمساندة من عائلتها،  الأمر ليس معقد، هو مرهون بها أولا، ستجد بعد ذلك من يساندها ويقف معها. 

 

هل لك ان تحدثينا عن خدمة الرسائل القصيرة الاخبارية التي دافعت عنها منظمة صحفيات بلا قيود؟ ما هي الميزة التي تقدمها، ولماذا كانت تلك الخدمة تستدعي كل الرقابة المشددة من قبل الحكومة ؟ هل لا تزال تلك الخدمة خاضعة لذلك القدر من الرقابة الشديدة ؟

كانت الصحافة في اليمن تتمتع بهامش حرية يضيق احيانا ويتسع احيانا حسب القضايا التي يتم تداولها، كان حال الصحافة في اليمن افضل حالا من دول كثيرة في العالم العربي، لكن نظام المخلوع صالح كان يعرقل منح تراخيص الرسائل القصيرة الاخبارية لأي صحفية أو جهة اعلامية غير حكومية، خوفا من تداول المعلومات، كان صالح يعتقد ان احتكار خدمة مثل الرسائل القصيرة مسألة ضرورية لجعل نظامه أكثر أمنا وتحصينا، لكن نضال منظمة "صحفيات بلا قيود" وكثير من الصحفيين اجبر الحكومة على التراجع، وصار بإمكان أي صحيفة أو موقع اليكتروني أن ينشر الرسائل الاخبارية القصيرة عبر الهاتف.        

لقد تم تأسيس منظمة "صحفيات بلا قيود" من أجل الدفاع عن حرية الصحافة  في فترة بلغت الانتهاكات بحق الصحفيين الذروة والتضيق على الصحف القليلة الموجودة، وحرمان الناس من اصدار التراخيص الخاصة بالصحف ووسائل الاعلام.  

لقد كافحت المنظمة السياسات القمعية التي كانت تتخذها السلطة تجاه الصحافة، وقد نالها نتيجة ذلك، نصيب من الانتهاكات، ومن ضمن تلك الانتهاكات اغلاق خدمة "بلا قيود موبايل"، والاعتداء على ناشطات وناشطي المنظمة بصورة متكررة.

 

أعرف أنك نظمت العديد من الاحتجاجات والاعتصامات من أجل تعزيز حرية الصحافة ومناهضة حكم الرئيس صالح في اليمن. ما سبب احتجاجاتكم؟ ما هي الآثار المترتبة عليها؟ أي نوع من ردة الفعل تعرضتم لها، سواء من الحكومة أو العامة أو من النشطاء الآخرين؟

كان واضحا أن نظام المخلوع صالح يعمل لتكريس سلطة عائلية، وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان يقوم بنهب ثروات البلاد، وتعميم قانون الفساد، لقد كانت البلاد في وضع بائس حقا، وكان يجب أن نتحرك لمواجهة هذا العبث.

استطعنا أن نكون بمثابة صداع في رأس النظام، وتمكنا من توسيع هامش الحريات، وخصوصا الحريات الصحفية، لكن ظل النظام متحكما في كل مفاصل السلطة، وهو ما أدى إلى اندلاع الثورة الشبابية الشعبية السلمية لاحقا في عام 2011.

في البداية تعامل معي النظام باستخفاف، لكنه عندما شعر بالخطر، بدأ يرسل لي رسائل تهديد واضحة، لكني اصررت على مواصلة الطريق، لقد أدركت ان خلاص أمتنا يبدأ من اسقاط  نظام صالح، هذا وحده ما كان يسيطر على تفكيري.

في البداية لم يكن تجاوب من العامة، كنت اجوب الشوارع في مسيرات احتجاجية، كان عدد الذين يخرجون في هذه المسيرات بضع أشخاص، وقد قمت وبمشاركة بعض الناشطين بتأسيس ساحة الحرية التي كنا نجتمع فيها مرة واحدة في الأسبوع للاعتراض والاحتجاج على سياسات النظام. لقد اتسعت دائرة معارضة النظام، وخلال اقل من خمس سنوات خرج اليمنيون في كل انحاء البلاد يطالبون بالتغيير.

 

كيف كان شعورك وانت أول امرأة عربية وأصغر شخص (في حينها) يحوز على جائزة نوبل؟ كما أنني قرأت بأنك تبرعت بثمن الجائزة لأسر القتلى في انتفاضة الربيع العربي. هل كان ذلك بدافع لفت الانتباه إلى المشاكل التي تواجهها الأسر اليمنية والنساء؟

الحقيقة كان شعوري لا يوصف، لقد شعرت بأن صوتنا وصل للعالم أخيرا. منذ اللحظة الأولى، اعتبرت حصولي على جائزة نوبل للسلام بمثابة اعتراف بالربيع العربي، وبسلمية الثورة اليمنية التي كان يسعى نظام صالح لجرها للعنف.

لقد قررت وقتها أن اتبرع بالمبلغ النقدي للجائزة لعمل يرتبط بشباب الثورة، ولم اجد أفضل من صندوق رعاية اسر شهداء وجرحى ثورة 2011 والحراك الجنوبي السلمي كي امنحه المبلغ، لم اشعر بأن هذا المال من حقي، طالما قلت ان جائزة نوبل هي جائزة لكل شباب الربيع العربي ايضا ولكل الحالمين في سبيل الحرية والمكافحين في سبيلها. 

 

ما هي القضايا الرئيسية التي تواجهها اليوم المرأة العربية عموما واليمنية على وجه الخصوص؟ ماذا الذي يجري الآن القيام به، إذا كان هناك من شيء يجري، لمكافحة هذه القضايا؟ هل تحسن وضع المرأة في اليمن بمجمله؟.

شهد وضع المرأة العربية، واليمنية تحسنا كبيرا بعد ثورات الربيع العربي، لكنه تراجع بسبب صعود الثورات المضادة والانقلابات العسكرية، لقد تم العصف بالحريات وحقوق الإنسان بشكل كامل، وقد نال المرأة ما نالها نتيجة ذلك. اعتقد أن قضايا المرأة ستجد الاهتمام في ظل مجتمع ديمقراطي، ما لم سيغدو الحديث عن حقوق المرأة وقضاياها مجرد حديث فولكلوري.

أما بالنسبة لوضع المرأة في اليمن بعد الانقلاب فإنه يعد سيء للغاية، فالانقلابيون ينتهجون مسارا إقصائي تجاه الجميع، وفي مقدمتهم المرأة التي تعاني بالإضافة إلى ذلك لمضاعفات الحرب والسياسات القمعية التي يمارسها الانقلاب تحت شعارات مختلفة.

قبل الانقلاب، تم تحقيق شروط وضمانات مشاركة النساء في المجال العام، ضمن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي شاركت في اعماله كل القوى السياسية والمجتمعية، وقد أكدت مسودة الدستور على ذلك. واعتقد أنه مع سقوط الانقلاب، ستكون الظروف مهيأة لانطلاقة جديدة للمرأة.  

أعتقد انك على اطلاع بالاحتجاج والمعارضة التي تشهدها الولايات المتحدة اليوم (أي مسيرة المرأة في واشنطن*) بسبب وضعنا السياسي الحالي، وخاصة حالة الإحباط السائدة بسبب رئيسنا.

 

هل لديك أي نصيحة لمن ليسوا راضين عن وضع حكومتهم وربما يميلون إلى المعارضة أو الاحتجاج؟

ليس هناك من نصيحة محددة، لكن في كل الأحوال، يجب على المعارضين وخصوصا النساء التمسك بقيم امريكا في الحرية والتسامح ما لم فلن يجدن مكانا لهن في المستقبل، التعصب والكراهية ينالان من المرأة أكثر من غيرها، وليتذكرن ان النضال من أجل الحرية والتسامح هو قضية محقة دائما، وغالبا ما تحصد النجاح.      

اثق بالشعب الاميركي أكثر من الادارة الاميركية، وأعلم أن هناك مكافحين اميركيين ومكافحات كثر عن الحرية والقيم المدنية ليس في امريكا فقط، بل وفي العالم وهؤلاء تصدوا لخطاب الكراهية الذي انتهجه ترامب واسقطوا اجراءاته التمييزية، وسوف يستمرون للدفاع عن القيم الاميركية ضد أي خطاب للكراهية أو اجراءات عنصرية.

 

للإطلاع على نص المقابلة مع موقع المجلة اضغط (هنـــــــــا)

Subscribe now to get my updates regularly in your inbox.

Copyright © Tawakkol Karman Office

Search