مقابلات صحفية
أجرى الحوار منصف السليمي: تتقدم الناشطة الحقوقية اليمنية توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، المعتصمين أمام القنصلية السعودية في اسطنبول وهي ترفع صورة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي تثير قضية إختفائه قلقا كبيرا في العالم.
الكشف عن مصير خاشقجي تطالب به كرمان مثل كثيرين آخرين من نشطاء حقوق الإنسان وصحفيين ومؤسسات إعلامية من ضمنها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية التي كان يكتب فيها الصحفي السعودي مقالات رأي.
وفي حوارها مع DW عربية تقول كرمان إن "جمال خاشقجي تحول إلى أيقونة عالمية لحرية الرأي والتعبير" وترد على أسئلة حول ما إذا كانت تساورها مخاوف من إحتمال حدوث صفقة بين السعوديين والأتراك على حساب قضية خاشقجي. وتكشف ماذا قال لها وزير الخارجية التركي.
لكن الناشطة اليمنية التي تعاني بلادها من حرب طاحنة منذ تدخل التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية، ولأنها تنشط وتقيم في تركيا الحليف الكبير لقطر، فان اتهامات توجهها لها وسائل إعلام سعودية وإماراتية بأن تحركاتها تخدم أجندة سياسية وليست لاعتبارات إنسانية أو مهنية.. وهي اتهامات ترد عليها أيضا كرمان، كما تتحدث في الحوار التالي عن آخر المستجدات والمعلومات التي لديها حول قضية إختفاء خاشقجي وعن رأيها في دور السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان وأيضا عن مسؤولية تركيا.
مخاوف من حدوث صفقة أو ابتزاز على حساب قضية اختفاء خاشقجي، وماذا قال لها الصحفي السعودي في آخر اتصال معه؟ أسئلة تجيب عليها الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، في حوار مع "DW عربية" جددت فيه الطلب بتحقيق دولي في القضية.
* أستاذة توكل بداية ماهو تعليقك على تأخر إعلان السلطات التركية عن نتائج التحقيقات التي تجريها حول اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي؟
- تركيا مطالبة بتوضيح كل التفاصيل، هذه مسؤوليتها وهذا واجبها. هذه جريمة بشعة حدثت داخل أراضيها، حدثت لزائر دخل تركيا بطريقة شرعية، زائر بحجم الأستاذ جمال خاشقجي. نحن في اعتصاماتنا دعونا تركيا لاتخاذ اللازم ولاطلاع الرأي العام العالمي على حقيقة ما حدث وعدم الرضوخ لأي ضغوطات تحت أي مبرر. حتى الآن قدمت تركيا الكثير من المعلومات عبر التسريبات الأمنية، لكن المطلوب أن تظهر المعلومات بشكل رسمي، العالم في انتظار كافة التفاصيل.. وهذا ما سيحدث.
* ماهي آخر المعطيات التي توصلتم بها حول القضية الآن؟
- آخر المعطيات هي أن هناك احتمال كبير بأنه تم قتل الزميل جمال خاشقجي في القنصلية، من قبل فريق أمني سعودي مكون من 15 فردا قدموا من خارج تركيا وكان متواجدا في القنصلية أثناء زيارة جمال لها ثم غادر في نفس اليوم.
تقول المصادر الأمنية التركية إن سيارة مظللة غادرت القنصلية بها صناديق، تعتقد الأجهزة الأمنية أن جمال خاشقجي ثم قتله وتعذيبه داخل القنصلية ثم نقلت جثته بعد تقطيعها في تلك الصناديق. على كل حال القنصلية حتى الآن لم تقدم أي دليل على أنه خرج منها. المعلومة الأهم التي نتمسك بها هو أنه دخل إلى القنصلية السعودية ولم يخرج منها.
والقضية الجوهرية: كيف هي صحته النفسية والجسدية والعقلية، هل تعرض للتعذيب، هل يتعرض للتعذيب؟ هل تمت تصفيته وتقطيع جثته فعلا كما تقول أجهزة أمن تركية؟ كل ذلك وغيرها من التفاصيل يريد العالم أن يطلع عليها.
* هل جرت من جانبكم أي محاولة للسؤال أو الاستفسار أو حتى التواصل مع الجهات السعودية؟
- لا، السلطات التركية هي من تتواصل معهم، نحن نمارس الضغط ونطالب بالمعلومات والتفاصيل عبر وقفاتنا الاحتجاجية ومؤتمراتنا الصحفية، لكن لا نتواصل مع القنصلية السعودية.
* هل الحملة التي يقوم بها إعلاميون ونشطاء للتضامن مع قضية خاشقجي كافية برأيك للضغط على الأطراف المعنية بهذه القضية؟
- هذه حملة عالمية وليست حملة محصورة على إعلاميين في تركيا أو نشطاء في تركيا. هذه حملة إعلامية قضيتها اختفاء الأستاذ جمال خاشقجي، وهي قضية رأي عام عالمي، والعالم كله لم ولن يسكت. وأنا أتحدث بإمكاني أن أقول ذلك نيابة عن الضمير الإنساني وعن العالم الحر وعن منظمات المجتمع المدني جميعهم يشعرون بالفاجعة وجميعهم غاضبون وحزينون للغاية. ونيابة عن الأسرة الصحفية في العالم كله، التي تعتبر أن اختطاف واخفاء الأستاذ جمال خاشقجي هو اخفاء لكل منتسبيها. هذا الانتهاك يطالنا جميعاً كصحفيين وكنشطاء، وبالتالي لا أحد يستطيع أن يسكت الصوت الغاضب من هذه الجريمة، التي لم يسبق للتاريخ الإنساني أن شهد مثلها. أن يدخل صحفي إلى مقر قنصليته آمناً ولا يخرج حتى اليوم، فما بالك إن كانت التسريبات، التي تحدثت عن عملية قتله وتعذيبه وتقطيعه بتلك الطريقة، صحيحة!.
نحن أمام إرهاب دولة تمارسه المملكة العربية السعودية، وهو جزء من إرهاب الدولة الذي تمارسه على مواطنيها سواء داخل السعودية أو خارجها.
* أنت كحائزة على جائزة نوبل تُعتبرين من أبرز الوجوه التي تتصدر حملة التضامن في قضية خاشقجي، ماذا تنتظرين من هذه الحملة وما هو المدى الذي يمكن أن تصل إليه؟
- هذه الحملة هي انتصار للأستاذ جمال خاشقجي ودعوة لإطلاق سراحه. لا نزل نأمل بأنه حي طالما لم يتم الإعلان عن مقتله حتى اليوم. نحن نريده حياً الآن، ويجب أن يطال العقاب أولئك الذين قاموا باختطافه واخفائه قسرياً وبالتأكيد تعذيبه وعلى رأسهم محمد بن سلمان، الذي نتهمه بأنه أشرف على هذه العملية منذ البداية وهو من أمر بها وهو من أشرف عليها، وكانت مقابلته في موقع "بلومبيرغ" الأمريكي توحي بذلك، وبمعرفته بكل التفاصيل!
نحن نطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية. هذا واجبنا نحن كمدافعين عن حقوق الإنسان وواجبنا كصحفيين وواجب كل من يريد أن يعرف الحقيقة، لابد أن نعمل جميعاً من أجل الضغط في سبيل تشكيل لجنة تحقيق دولية تكشف الحقيقة وأن تعمل كذلك على محاسبة مرتكبي هذه الجريمة.
* لكن باستثناء قراءتك لتصريحات ولي العهد السعودي في حواره الصحفي، هل لديك مؤشرات أخرى حتى تتهمينه شخصياً بأنه يشرف على هذه العملية؟
- الإخفاء القسري لجمال خاشقجي والقتل والتصفية إن كانت قد تمت حسب ما تؤكده المصادر الأمنية التركية، فإن كل ذلك حدث في القنصلية السعودية وهي تمثل الدولة السعودية ولا يمكن أن تتم مثل هذه الأمور دون توجيه مباشر من محمد بن سلمان.
يحدث اعتقال ممنهج وسياسة قمع حقيقية تجاه معارضي نظام محمد بن سلمان، اعتقال المئات من النشطاء والصحفيين واخفائهم واختطافهم والزج بهم في السجون وعدم إعطائهم أي حق في الدفاع عن أنفسهم أو توكيل محامين لهم.
* هل جرى بينك وبين حائزين آخرين على جائزة نوبل الاتصال بشأن هذه القضية؟
- نعم أنا متواصلة معهم ونحن بصدد إصدار بيان من مجموعة من حاملي جائزة نوبل تدين ما حدث لجمال خاشقجي، وقد أصدرنا من قبل بيانات داعمة لأولئك المعتقلين داخل السجون السعودية والمناهضة كذلك لحرب السعودية في اليمن، وبيانات أخرى في مواجهة سياسة الصلف والعدوان التي يقوم بها محمد بن سلمان.
* هل من أسماء محددة يمكن ذكرها في هذا الصدد؟
- سنعلن عنها في حينها، عند نشر البيانات (الصحفية).
* هل كان لديك أي اتصال أو حديث مباشر مع الصحفي جمال خاشقجي قبل إختفائه؟
- جمال خاشقجي صحفي كبير وعلاقاته واسعة جداً، وأنا تربطني به صداقة عميقة جداً وبيننا اتصالات ونقاشات ولقاءات في مؤتمرات سواء في تركيا أو في غيرها. صحفي كبير محترم، لديه علاقات معي ومع كثير من النشطاء والصحفيين.
* متى كانت آخر مرة يجري فيها حديث بينكما وماذا قال لك بشأن أوضاع المملكة؟
- إلتقيته قبل حوالي شهرين وكان بيننا ايضا تواصل عبر الرسائل، كان مستاء جدا من الاعتقالات التي تطال أصحاب الرأي في السعودية. لكنه لم يكن يتوقع أن ثورة سوف تندلع في السعودية ضد بن سلمان ولم يكن ايضا يريدها، كان منحازا للاصلاح بحدوده الدنيا فحسب، هكذا بدا لي خاشقجي من خلال حديثي معه.
* ما هو ردك على الاتهامات الصادرة من بعض وسائل الإعلام السعودية والإماراتية بأن حملة التضامن مع خاشقجي هي حملة قطرية، وهنالك حتى اتهامات لك شخصياً بأنك تقومين بحملة سياسة لجهة سياسية معينة، أكثر من كونها حملة من منطلقات إنسانية أو مهنية إعلامية؟
- هذه قضية رأي عام عالمي تتم قيادتها من قبل أصغر صحفيي العالم وصولا إلى "الواشنطن بوست". جمال صحفي من "الواشنطن بوست" تم استدراجه إلى تركيا وإلى القنصلية السعودية في تركيا وإخفاؤه وربما قتله وتقطيعه إرباً. إنها قضية رأي عالمي جعلت من جمال خاشقجي أيقونة عالمية لحرية الرأي والتعبير، لقد أصبح الآن أيقونة عالمية لحرية الرأي والتعبير، وكل معني ومهتم بحرية الرأي والتعبير، سيرفع صورة جمال وسيقود حملة من أجل معرفة الحقيقة، ومن أجل أن ينال من ارتكب بحقه الجريمة جزاءه.
لقد ظنوا أنه باستطاعتهم إسكات صوت جمال خاشقجي، لكنهم جعلوا صوته أقوى وأشد وأوسع انتشاراً وجعلوا منه أيقونة عالمية لحرية الرأي والتعبير.
* ألا تساورك أي شكوك أو مخاوف من أن تتم صفقة على حساب هذه الأيقونة وعلى حساب هذا الصحفي، ربما حتى بين الأتراك والسعوديين؟
- لا أتوقع ذلك ولن يسمح زملاء المهنة ولا نشطاء حقوق الإنسان بذلك، لن يسمح العالم ببساطة، لقد غدت قضية رأي عام عالمي. قضية جمال خاشقجي أصبحت قضية كل مدافع عن حقوق الإنسان وكل مدافع عن حرية الرأي والتعبير، ولا أعتقد أن تركيا ممكن أن تتورط في أي صفقة.
والموضوع يٌفترض أنه يمثل انتهاكاً لسيادتها وكرامتها. أتمنى أن لا تقع في أي صفقة، أتمنى ذلك وأنا واثقة أن مثل هذه الصفقة لن تحدث، فكما قلت ليس من مصلحة تركيا أن تشارك في تغييب الحقيقة.
* هل وصلتكم تطمينات بذلك من الجانب التركي؟
- نعم أكد لي وزير الخارجية التركي أن حكومته لن تفرط بقضية خاشقجي، وأنا أدعوها (تركيا) هنا مرة أخرى بأن لا تخضع لأي ابتزاز ولا لأي صفقة وأن لا تُغلب أي مصالح اقتصادية على قيمها وعلى القيم الإنسانية التي يجب أن تحملها وأن تحميها. هذه دعوة مني لتركيا بأن لا تخضع لأي ابتزاز ولا تقبل بأن تكون جزءاً من أي صفقة تُميّع هذه الجريمة.
لقراءة نص المقابلة على موقع دويتشه فيلله اضغط (هنـــــــــــــا)