كلمات
كلمة توكل كرمان في مؤتمر استوريل التاسع - البرتغال
شكرًا لكم. إنني ممتنٌة جدًا لدعوتي للمشاركة في هذا المؤتمر الهام في البرتغال، وهي دولة شهدت تحولات عميقة وأصبحت رمزًا للمقاومة ضد الاستبداد. إن ثورة القرنفل في البرتغال تقف شاهدًا على قوة الشعوب في النهوض واستعادة مستقبلها، في إسقاط الديكتاتورية بدون عنف، وفي إعادة بناء الوطن على أسس الحرية والديمقراطية والعدالة.
البرتغال تذكرنا أنه بغض النظر عن مدى تجذُّر أو استبداد النظام، فإن التغيير ممكن.
سنتحدث اليوم عن كيفية إعادة التفكير في حاضرنا لخلق مستقبل أفضل.
العنوان الذي طُلب مني الحديث عنه هو "كيف نحارب الاستبداد والحروب والإرهاب". وعندما تأملت في هذا الموضوع، أدركت أننا بحاجة أولاً إلى إعادة صياغة النقاش. فالحروب والإرهاب لا يظهران من فراغ؛ بل هما نتائج حتمية للظلم والفقر والجشع والفساد والجهل وغياب المساءلة. وفي قلب هذه المشكلات يوجد الاستبداد، وهو الأساس الذي تُبنى عليه الحروب والإرهاب. إذا كنا جادين بشأن تحقيق السلام الدائم، فهذه هي النقطة التي يجب أن نبدأ منها.
الاستبداد، في جوهره، هو التهديد الأكبر للسلام والأمن العالميين. فالأنظمة الاستبدادية تنتهك حقوق الإنسان الأساسية، وتقمع الحريات، وتُنكر العدالة. هذا القمع يسبب معاناة واسعة، والتي بدورها تغذي السخط والتمرد، وفي نهاية المطاف الصراع. عندما يُحرم الناس من حقوقهم الأساسية، يلجأ البعض إلى العنف كوسيلة للمقاومة. ويمكن لهذا العنف أن يتصاعد إلى حروب أهلية أو صراعات إقليمية، مما يزعزع استقرار مناطق بأكملها. أثر الاستبداد لا يتوقف عند حدود الأمة التي يحكمها الطاغية، بل يمتد إلى ما وراء الحدود، مسببًا توترات وصراعات مع الدول المجاورة، ومساهمًا في عدم الاستقرار العالمي.
عندما يخلق المستبدون ظروفًا معيشية لا تُحتمل، يُجبر الملايين على الفرار، مما يؤدي إلى أزمة لاجئين عالمية. وهذه الأزمات تسبب ضغوطًا على البلدان المضيفة، وغالبًا ما تؤدي إلى تصاعد الكراهية للأجانب وعدم الاستقرار السياسي.
الاستبداد هو السبب الجذري للإرهاب. لقد كنت دائمًا أؤمن بأن الإرهاب هو "الطفل المدلل" للاستبداد. الأنظمة الاستبدادية لا تخلق الإرهاب فحسب، بل تدعمه وتحميه أيضًا، وتستخدمه كأداة للسيطرة والبقاء. تستخدم هذه الأنظمة الإرهاب كأداة للقمع، لمعاقبة أولئك الذين يجرؤون على النضال من أجل الديمقراطية والحرية. إنهم يستغلون تهديد الإرهاب لبث الخوف في المجتمع الدولي، ويضعون أنفسهم كبديل وحيد للفوضى. وبذلك، يبررون حكمهم الوحشي بادعائهم أنهم يحافظون على الحماية من تهديد الإرهاب الأكبر.
ينمو الإرهاب في البيئات التي يشعر فيها الناس أنه لا يوجد مسار سلمي للتغيير. كما أن الفقر وعدم المساواة والجهل يوفرون أرضًا خصبة لنمو الإرهاب، حيث تخلق هذه الظروف إحباطًا ويأسًا، مما يجعل الأفراد عرضة للأيديولوجيات المتطرفة.
الإرهاب ليس مقصورًا على المتطرفين الدينيين مثل القاعدة وداعش. يجب علينا أيضًا الاعتراف بالتصاعد المقلق للإرهاب اليميني المتطرف، والذي يشكل تهديدًا خطيرًا متزايدًا في العديد من أنحاء العالم، وخاصة في الغرب. هذا النوع من الإرهاب تغذيه أيديولوجيات متطرفة متجذرة في تفوق العرق الأبيض وكراهية الأجانب والقومية.
وتسعى هذه الأيديولوجيات إلى بث الخوف، وزرع الفرقة، واستهداف الأقليات والجماعات الأخرى، وتقويض المؤسسات الديمقراطية، مستعينة على ذلك بخطاب الكراهية، والتضليل المعلوماتي، والاستقطاب السياسي. وفي هذا استهداف مباشر للديمقراطية من أساسها، مثلما حدث من اقتحام لمبنى الكابيتول بواشنطن عام 2021. وإزاء هذا التهديد الآخذ في التفاقم، يتعين على المجتمع الدولي مواجهته بنفس الحسم والعزم الذي يواجه به أشكال أخرى من الإرهاب.
هناك نوع آخر من الإرهاب يجب علينا وعلى العاملين في مجال مكافحة الإرهاب والمجتمع الدولي أن نعترف به: ألا وهو إرهاب الدولة. وهو نمط من الإرهاب تلجأ اليه الحكومات لقمع المعارضة تشبثاً بالسلطة. وفي أحيان كثيرة يندرج تحت هذا النوع من الإرهاب عمليات القتل الجماعي، والقمع العنيف ضد عموم السكان، وشن الحروب، والاحتلال. وأنصع مثال على ذلك نظام بشار الأسد، حيث ارتكب أعمالاً مروعة ضد الشعب السوري، ومن ذلك استهداف المدنيين باستخدام الأسلحة الكيميائية والقصف الجوي، مما أدى إلى تشريد الملايين - بدعم من روسيا.
روسيا هي الأخرى مارست إرهاب الدولة، فاحتلالها لشبه جزيرة القرم، وقمع الشعب السوري والتنكيل به مؤازرة لدكتاتور بشار الأسد، والحرب الدائرة في أوكرانيا، كلها أمثلة واضحة على ذلك. كما تسببت الولايات المتحدة، من خلال غزوها للعراق، في دمار هائل، وسقوط ضحايا من المدنيين، وزعزعة الاستقرار في المنطقة. وبالمثل إسرائيل، التي تستمر في ممارسة إرهاب الدولة من خلال احتلالها لفلسطين، والإبادة الجماعية في غزة، وجرائم الحرب في لبنان.
ومن أمثلة ذلك أيضا الإمارات العربية المتحدة المسؤولة عن تأجيج الحرب الأهلية في السودان من خلال دعم قوات الدعم السريع، وهو من يعد شكلا من اشكال إرهاب الدولة. وقد مارست إرهاب الدولة أيضاً في اليمن، ومعها المملكة العربية السعودية، وفجرا هناك حرباً وسعيا الى تفتيته. ناهيك عن ضلوعهما في إطالة أمد الصراع وتعميق الأزمة الإنسانية، مما أدى إلى استمرار العنف وعدم الاستقرار في اليمن. كما أن إيران هي الأخرى مارست إرهاب ارهاب الدولة بدعمها للميليشيات مثل حزب الله في لبنان وميليشيا الحوثي في اليمن، وأسهمت بذلك في تأجيج الصراع، الانقلابات، والعنصرية، والكراهية، وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
ومن العوامل الأساسية وراء تسعير الحروب أيضاً الفقر والتغير المناخي، والأخير ليس مجرد قضية بيئية، بل أحد محفزات الحروب والصراعات. إذ مع ندرة الموارد - مثل المياه، والغذاء، والأراضي الصالحة للزراعة - تنشأ المنافسة، مما يغذي الحروب والتطرف في المناطق الهشة، وهو ما نراه على امتداد أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. لقد أدت القضايا المتعلقة بالمناخ، بما في ذلك الجفاف والطقس القاسي، إلى النزوح والفقر والعنف.
علاوة عن ذلك، يعد الفقر وغياب المساواة في كثير أحيان كثيرة من الأسباب الجذرية للحروب، فالنظام الاقتصادي العالمي يعزز استدامة عدم المساواة، مما يخلف الفقراء بالملايين، ويخلق ظروفاً مواتية للصراع. وفي حين تحتكر نخبة صغيرة ما لا يتصور من الثروات، يكافح المليارات من أجل البقاء على قيد الحياة.
لكن هناك سؤال كبير يطرح نفسه: ما السبيل الى إنهاء الاستبداد والإرهاب والحرب؟ وهذا يتطلب منا الشروع أولاً بتمكين ودعم أولئك الذين يكافحون على امتداد العالم من سبيل الحرية، والعدالة، والديمقراطية، وسيادة القانون، ثم العمل على إنهاء الدكتاتوريات، وضمان أن تتمسك كل دولة بالديمقراطية، والمساءلة، والحرية، والعدالة وسيادة القانون. ومن الضروري أيضاً مساعدة الناس على تقرير مصائرهم، ودعم جهودهم من أجل مستقبل أفضل.
وفي هذا السياق، فإن الدول الديمقراطية قادرة على الاضطلاع بدور حاسم من خلال وقف دعمها للأنظمة الاستبدادية. ولا ينبغي لهذه الأنظمة أن تتلقى بعد الآن أي مساعدات مالية أو أسلحة أو تحضى بأي شرعية من الدول الديمقراطية. ويتعين على المجتمع الدولي، وخاصة الدول الغربية والديمقراطية، منع الأنظمة الدكتاتورية من شن الحروب وتدمير الدول، على غرار ما فعلت هي حين غزت واحتلت العراق وأفغانستان. وها هي اليوم تواصل دعمها إسرائيل دون أن تبذل جهداً يذكر لوقف ما تقوم به من إبادة جماعية في غزة.
إن القيام بذلك سيكون له أيضًا دورًا مركزياً في مكافحة الحروب والإرهاب. وكما أسلفت القول، فإن المستبدين هم أساس الحروب والإرهاب، وعلينا دعم الشعوب. ثانياً، علينا أن نواجه الإرهاب بكل أشكاله. وإذا أردنا أن نوقف الإرهاب، فلا مناص من التصدي لقضية الاستبداد. فضلاً عن ذلك، يتعين علينا أن تقديم الدعم والمساندة للأفراد المعتدلين الذين يعملون على خلق إصلاحات دينية ترفض أي تفسير خاطئ للدين، وهو أمر بالغ الأهمية لمكافحة الإرهاب والإسهام في إنهاء الصراعات.
أقول، مرة أخرى، عندما نتحدث عن الإرهاب، علينا الأخذ في الاعتبار أشكاله العديدة، اذ لا بد من مواجهة الإرهاب بكل أشكاله، بما في ذلك التهديد المتزايد المتمثل التطرف اليميني الذي غدى أحد أشكال موجة الإرهاب الجديدة على مستوى العالم. وكما ذكرت، فهو يتغذى على كره الأجانب وعلى الكراهية والعنصرية. ويتحتم علينا التعامل مع هذا النوع من الإرهاب بنفس القدر من الجدية التي نتعامل بها مع أي شكل آخر من أشكال الإرهاب. ولإلحاق الهزيمة به، علينا وبكل فاعلية مكافحة الإيديولوجيات الخطيرة التي تنتشر وتتغذى على خطاب الكراهية والمعلومات المضللة والعنف.
علينا مواجهة كراهية الأجانب، وأنا هنا أخاطب الحكومات في المقام الأول. ويتعين على الناس تعزيز الاندماج، واحتضان التنوع، وضمان عدم تحويل اللاجئين والمهاجرين إلى كبش فداء، بل الترحيب بهم باعتبارهم مساهمين قيمين في المجتمع. ولابد من محاسبة الساسة الذين يستخدمون المهاجرين واللاجئين كأدوات لنشر الكراهية والعنصرية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
لا بد على الحكومات والمؤسسات من تبنى سياسات تعزز المساواة والإدماج، وأن يركز النظام التعليمي في الآن ذاته على تكريس مبدأ التسامح والتعاطف والإنسانية المشتركة التي تربطنا جميعا. أعود فأقول بان صعود التطرف اليميني والإرهاب يشكل تهديداً مباشراً للديمقراطية والتعايش، ولا بد من مجابهته بنفس العزيمة التي يجابه بها أي نظام استبدادي أو منظمة إرهابية. كما لا مناص من إنهاء سباق التسلح والحروب من خلال التحول من العسكرة إلى التنمية المستدامة، وهذه مسؤولية الحكومات.
أمام الدول مهمة وضع حد لتغذية آلة الحرب في بلدانها، وللأنظمة الديكتاتورية والقوى العسكرية. وبدلاً من ذلك، يتعين عليها أن تستثمر في التعليم العالمي، والرعاية الصحية، والمبادرات البيئية، فضلاً عن التحرك الجماعي للحد من الانبعاثات الغازية، وتنفيذ التنمية المستدامة، وحماية الكوكب من أجل الأجيال الحالية والمستقبلية.
على بلدان الشمال، المسؤولة عن معظم انبعاثات الكربون في العالم، أن تقود الجهود بهذا الشأن مع مساندة بلدان الجنوب الذي تتجلى في تأثيرات التغير المناخي على نحو حاد. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على العالم أن يعطي الأولوية لتوزيع الثروة بشكل أكثر عدالة، والضرائب التصاعدية، وإنشاء شبكة أمان اجتماعي عالمية لضمان وصول التعليم للجميع.