كلمات
السلام عليكم، بادئ ذي بدء، اسمحوا لي أن أتقدم بالشكر لـ "منتدى فلسطين للنشاط الرقمي" على تنظيمه لهذا المؤتمر بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في منطقة "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
كما نعلم جميعاً، فإن صعود وسائل التواصل الاجتماعي في زمن لا حدود للتواصل فيه، قد أدى الى إعادة تعريف طريقتنا في التواصل، وفي تبادل المعلومات وتشكيل مجتمعاتنا.
لقد تركت هذه الثورة الرقمية بصمة لا يمكن محوها على منطقة "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، وخلفت بذلك آثاراً إيجابية وأخرى سلبية علينا الاعتراف بها ومعالجتها مثل الدور الذي لعبته في أحداث كبرى كأحداث الربيع العربي وكصلتها بالوضع الحالي في فلسطين.
أعرف من واقع تجربتي الدور المحوري الذي لعبته منصات التواصل الاجتماعي في انتفاضات الربيع العربي، حيث عملت كمحفزات للتحشيد والتنظيم وتكثير الأصوات المطالبة بالتغيير السياسي.
لقد مكنت منصات كـ "تويتر" و"فيسبوك" المواطنين- أينما كانوا- من الاستغناء عن القنوات الإعلامية التقليدية، والتعبير عن مظالمهم وتطلعاتهم ومطالبهم الداعية إلى العدالة، وظهر خلال الربيع العربي ما لوسائل التواصل الاجتماعي من قوة كبيرة في تشكيل الخطاب العام، والتأثير على المشهد السياسي، وفي التعبئة للاحتجاجات الجماهيرية، وجسد الدور الذي يمكن ان تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في توحيد الأفراد على اختلاف مشاربهم ومناطقهم تحت قضية مشتركة من أجل الحرية والكرامة والحكم الديمقراطي.
علاوة على ذلك، مثلت وسائل التواصل الاجتماعي منبراً للتعبير عن التضامن وتعزيز مستوى الوعي بشأن الوضع الراهن في فلسطين، حيث أتاحت للناس في أرجاء المعمورة تبادل القصص والصور والتجارب الشخصية، وتسليط الضوء على محنة الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال ويسعون إلى الحرية والعدالة.
لعبت حملات وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في زيادة الوعي العالمي، وحشد الدعم، والضغط على الحكومات والمنظمات الدولية لاتخاذ الإجراءات اللازمة. لقد سهلت الحركات الشعبية، واتاحت ما يعرف بـ "صحافة المواطنين"، وعملت كأداة للمناصرة ومضاعفة الأصوات المهمشة.
ومع ذلك، فإن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الربيع العربي والقضية الفلسطينية لا يخلو من التحديات، ففي حين أن هذه المنصات لعبت دور المحفز للتغيير، فقد جرى استغلالها في المقابل لنشر معلومات مضللة، وبث روايات مثيرة للانقسام وخطاب يحض على الكراهية. في سياق الربيع العربي، ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي - بسبب ما تتمتع به من عنصر السرعة وطبيعتها التي لا تقبل الفلترة - إلى انتشار الشائعات والمعلومات الموجهة، الأمر الذي نجم عنه في بعض الأحيان حالة من الاستقطاب والعنف.
نعلم أيضًا الاستغلال السيء للتكنولوجيا من قبل الأنظمة الاستبدادية في المنطقة واستخدامها للمعلومات المضللة لاستهداف شعوبها. يتم اللجوء الى الذباب الإلكتروني التابع للأنظمة الاستبدادية، والى المؤيدين للأنظمة من أصحاب التأثير والإعلاميين، فضلاً عن الحسابات الزائفة، لنشر قصص كاذبة عن المعارضين أو المناوئين، أو لتشويه سمعة الصحفيين. والأمثلة على ذلك كثيرة مثل جمال خاشقجي، وغادة عويس، وأنا شخصياً.
ناهيكم عن استخدامهم لبرامج التجسس وزراعتها في هواتف بعض الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، لاستغلال ما بداخلها لابتزازهم ومحاولة تشويه سمعتهم أو إذلالهم أو تخويفهم. وهذا، كما نعلم، ما قامت به الإمارات العربية المتحدة والسعودية والبحرين على سبيل المثال لا الحصر.
كما أنهم يستخدمون قوانين شديدة القسوة لمعاقبة كل من ينتقد الدولة (حتى وإن كان نقداً خفيفاً) عبر الإنترنت، ويصدر بحقهم أحكاماً مغلظة كوسيلة لردع الآخرين. ونعلم أنهم يستأجرون شركات، وهي غالبًا في الغرب، للانخراط في حملات تشويه تحاول الخلط بين دول بعينها أو أشخاص مرتبطين بالإرهاب؛ وغالبًا ما تستخدم هذه الشركات حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لنشر معلوماتها المضللة.
ولأجل التصدي لهذه التحديات، فإنه من الأهمية بمكان تعزيز محو الأمية الرقمية ومهارات التفكير النقدي في صفوف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تزويد الأفراد بما يلزم من أدوات تمكنهم من التمييز بين المعلومات الموثوقة من تلك غير الموثوقة. يمكننا تعزيز بيئة افتراضية أكثر وعياً ومسؤولية.
علاوة على ذلك، يجب أن تستمر منصات التواصل الاجتماعي في الاستثمار في آليات قوية لتعديل المحتوى، ومكافحة خطاب الكراهية، وإزالة المحتوى الضار. يمكنها أيضا وضع مبادئ وأنظمة توجيهية تحمي بشكل أفضل الحق في حرية التعبير أثناء مكافحة إساءة استخدام هذه المنصات، مع ضمان مراعاة الحساسيات ووجهات النظر الإقليمية عند وضع هذه السياسات والممارسات تحاشياً لما من شأنه تعزيز التهميش والتمييز التاريخي.
من الضروري أن نتذكر دوماً أنه حتى في خضم التحديات والتعقيدات هناك دائمًا مجال للأمل والتحفيز. مع كل التحديات التي نواجهها في الشرق الأوسط، لا تزال وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية بمقدورها تمكين الأفراد من السعي وراء الحرية والعدالة والديمقراطية، وتعمل في الوقت نفسه كوسيلة لمكافحة الاستبداد والفساد والعنصرية والإرهاب.
وأود هنا التحدث عن أحد الأسباب، وهي كثيرة، التي تدعو للأمل والتفاؤل:
بصفتي أحد الأعضاء المؤسسين في مجلس الرقابة الخاصة بشركة Meta المعني بحماية حرية التعبير من خلال اتخاذ قرارات مبدئية ومستقلة حول أجزاء مهمة من سياسات معالجة المحتوى، لضمان أنها تحمي حقوق الإنسان بشكل أفضل عبر الإنترنت، فإنني عملت وما زلت أعمل على التخلص من بعض أسوأ مظاهر إساءة الاستخدام على Facebook و Instagram.
إننا نعطي الأولوية لقضايا مثل:
• النوع الاجتماعي - وكيفية جعل فضاء الإنترنت أكثر أمانًا وشمولاً.
• الانتخابات - كيفية حمايتها وحماية الفضاء المدني حول العالم.
• استخدام وإساءة استخدام منصات Meta من قبل الحكومات والجهات الحكومية.
بفضل عملنا في مجلس الرقابة، قامت Meta بأمور مثل:
• التوقف بسرعة عن حجب المنشورات التي تتضمن عبارة "الموت لخامنئي" في سياق الاحتجاجات في إيران، مما يسمح بمزيد من حرية التعبير للمتظاهرين الذين يخاطرون بحياتهم في الشوارع بشجاعة.
• تقديم إشعار مفصل للمستخدمين عندما يتم تقييد المحتوى الخاص بهم بناءً على طلب حكومي رسمي يفيد بأن المحتوى ينتهك القوانين المحلية أو سياسات المحتوى، لأن الأشخاص لديهم الحق في معرفة أنواع المحتوى التي تحاول الجهات الفاعلة إزالتها.
• تكليف كيان مستقل بإجراء فحص شامل لمعرفة ما إذا كان قد تم تطبيق الاعتدال باللغتين العربية والعبرية دون تحيز.
• تم نشر هذا التقرير ووجد أن "تصرفات Meta في مايو 2021 كان لها تأثير سلبي على المستخدمين الفلسطينيين وحقهم في حرية التعبير وحرية التجمع والمشاركة السياسية وعدم التمييز".
• التزمت الشركة بتنفيذ غالبية توصيات التقرير ومن المقرر نشر تحديث لها قريبًا.
• في هذه اللحظة، نجري أيضًا مراجعة شاملة لممارسات الاعتدال في Meta حول كلمة "شهيد" عند الإشارة إلى الأفراد الذين تصنفهم الشركة على أنهم "خطرون".
• الكلمة هي السبب عن عمليات إزالة المحتوى بموجب معايير المجتمع أكثر من أي كلمة أو عبارة مفردة أخرى على منصات Meta ، مع اعتراف الشركة بأن نهجها الحالي يؤدي إلى زيادة كبيرة في الإنفاذ، لا سيما في البلدان الناطقة باللغة العربية.
• آمل عند اكتمال هذه المراجعة أن نلهم المزيد من الاعتدال المدروس في أرجاء المنطقة. قد يبدأ التغيير صغيرًا، ولكن بمجرد أن يتجذر، فإنه يكبر، وإذا عملنا معًا، فيمكننا التراجع عن بعض أسوأ مظاهر الانتهاكات عبر الإنترنت.
• لا يمكن تحقيق مثل هذا العمل إلا بفضل دعم مجموعات المجتمع المدني والمنظمات والأفراد أمثالكم ممن أمضوا الوقت للإبلاغ عن المشكلات ومشاركة خبراتكم حول الثغرات التي يجب سدها والعمل معنا لمحاولة العثور وإيجاد حلول لمشاكل معقدة للغاية.
• لهذا السبب كان بناء الثقة وتكامل الاستشارات في صميم مهمة مجلس الإدارة. إنه أمر حيوي بالنسبة لي، وهو كذلك للمجلس بأكمله، بأن ننجح في العمل كوسيلة للتغيير الإيجابي.
إنني وبرغم كل التحديات لا أزال أعتقد في قرارة نفسي بأن التغيير ممكن، فالتاريخ أثبت لنا أنه عندما يجتمع الأفراد مع بعضهم البعض متحدون في تطلعاتهم لمستقبل أفضل فإن إرهاصات التحولات الكبرى تبدأ بالتشكل.
لا تقللوا أبدًا من تأثير أصواتكم أو صوت كل واحد منا، ولا من القوة الجمعية التي تنشأ عندما نصف جميعاً، فزيادة الأصوات وزيادة التعبير ليس سبب المشكلات كما قد يعتقد البعض، بل هو جزء مهم من الحل.
حينما تكون قادرًا على التفكير بحرية والتعبير عن نفسك بحرية فإن ذلك لشرط أساسي للتحرر وتحقيق حقنا بالكرامة الإنسانية الأساسية إن محلياً أو عالمياً.
بإمكاننا معاً تحدي الأنظمة القمعية والاحتلال وإعادة تشكيل الروايات ودفع التغيير الهادف. إننا من خلال السعي الحثيث نحو الحرية والعدالة والديمقراطية يمكننا إزالة الحواجز التي تفرق بيننا وبناء مجتمع أكثر شمولية وإنصافًا.
إننا كشعوب علينا ألا نتخلى أبدًا عن أملنا وحلمنا بالحرية والعدالة والديمقراطية، وأن نستمر في استخدام هذه المنصات لتكون صوت شعبنا وسلاحنا لمحاربة الاستبداد والفساد والعنصرية والإرهاب.
علينا ألا نتخلى عن أحلامنا، ولا عن إمكانية أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي حافزًا للتغيير الإيجابي. قد تكون الرحلة شاقة، لكن التاريخ أثبت لنا أنه بالإصرار والعزيمة يمكن تذليل الصعاب مهما كانت.
التحية لكم يا من تجشمتم عناء هذه المعركة.
شكرًا لكم،