كلمات
كلمة توكل كرمان في منتدى ريكيافيك العالمي للقيادات النسائية - آيسلندا
مرحبا بكم. في البداية، أود أن أعبر عن سعادتي بالمشاركة في هذه الفعالية الهامة التي تسعى لتسليط الضوء على الجوانب التي قد لا تحظى بالاهتمام من قبل وسائل الاعلام أو الحكومات المختلفة، وتؤثر على وضع النساء في مجتمعاتهن. لا شك أن موضوع كهذا عادة ما يثير نقاشات صاخبة، كونه يخضع لرغبات ووجهات نظر مختلفة.
لقد حققت النساء في السنوات الأخيرة انجازات مهمة على صعيد نيل حقوقهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن ليس بالقدر الذي يمكن القول معه أن التمييز ضد النساء قد أصبح من الماضي، فما يزال هناك العديد من السياسات والتدابير التي تنتقص من تلك الحقوق، والتي تسمح باستمرار سياسات التمييز.
وتزداد تلك الانتهاكات ضد النساء في ما يمكن وصفه بالنزاعات غير المرئية، والتي تتسبب القوانين القائمة في الاطاحة بحقوق النساء، واستقرارهن العائلي.
إن النزاعات العائلية مؤشر حقيقي على هذا الانحياز، ففي معظم الدول، لا تساعد قوانين الأحوال الشخصية على تحقيق العدالة بين النساء والرجال. في كل يوم، تحدث العشرات من حالات الانتهاك لحقوق النساء في قضايا تتصل بالطلاق وحضانة الاطفال والميراث والحقوق الاقتصادية، لكن انتهاكات لا تحظى بالاهتمام المطلوب من الحكومات التي ترى مثل تلك الانتهاكات بأنها أمور طبيعية، لا تستدعي تدخلا للاصلاح.
ومن النزاعات غير المرئية التي لا تحظى بالاهتمام، ما تتعرض له النساء في حالات النزوح أو اللجوء، ففي معظم الاوقات، تتحمل النساء مسؤولية مضاعفة، حيث تكون معنية برعاية الاطفال وحمايتهم، خصوصا إذا تغيب الأب لأي سبب كان. لذا سيكون من الضروري، أن يكون هناك تدخلات انسانية ذكية، تلاحظ مثل تلك الحالات الصعبة. في هذا السياق، لا نبالغ، إذا قلنا إن النساء هن من الفئات الأكثر استغلالا من قبل الجماعات المتطرفة والمسلحة، ومن قبل العصابات التي تنشط في الجريمة المنظمة، كالاتجار في البشر، والاستغلال الجنسي، وبيع الاعضاء، وغير ذلك.
الاصدقاء الاعزاء..
تدفع النساء أكثر من غيرهن ثمن الحروب والنزاعات المسلحة، سواء كانت تلك حروب داخلية أو خارجية. جميعنا نعرف كيف يتم ذلك، وتحتفظ كثير من الشعوب بذكريات أليمة في هذا الاطار. في الحرب الدائرة حاليا التي يشنها نظام بوتين ضد أوكرانيا، هناك تقارير مفزعة حول حدوث حالات اغتصاب وسرقة اطفال من عائلاتهم، وقتل مدنين غير مشاركين في الحرب، لإجبار الناس على الاستسلام. لست محتاجة لتذكيركم، بأن ما يحصل في أوكرانيا، حصل اضعافه في سوريا، البلد الذي اتحد فيها جيش بوتين مع جيش نظام فاشي مع ميليشيات عقائدية قادمة من إيران واذرعها في المنطقة لإحداث أكبر عملية تدمير للشعب السوري الذي تم خذلانه من الجميع.
الاصدقاء الاعزاء..
تواجه المرأة ظروفا صعبة في معظم الأوقات، ففي المجتمعات المستقرة، ما تزال الامتيازات التي تعطى للرجل أكثر من المرأة في مسائل لا تستدعي تمييزا، مثل الحصول على مساعدات أو قروض تعاونية خاصة بالمشروعات الصغيرة. هناك مبررات جاهزة لمثل هذه التوجهات، لكن كما قلت سابقا، ينبغي دراسة كل حالة بشكل متقن، وليس اعتبار الرجل الأحق بالعمل والمساعدة بغض النظر عن اي اعتبارات أخرى.
تمتد هذه الامتيازات، لتشمل شروط منح المرأة وثيقة السفر. إذ يلاحظ أن هناك العديد من الدول التي ما تزال تنظر للمرأة باعتبارها كائن غير مستقل، حتى لو كان لديها مؤهلات علمية ليست لدى الرجل، وحتى لو كان لديها مناصب أو مسؤوليات أكبر.
صحيح أن هناك العديد من الدول قد بدأت في مراجعة تلك القوانين التي تعيق حصول النساء على حقوقهن، لكن هذا الأمر لا يعد كافيا، لبناء مجتمعات صحية، تتمتع بحقوقها المختلفة. ففي بعض الدول في منطقة الشرق الاوسط، تتخذ منح النساء لبعض الحقوق، منحى دعائي، لأن النساء المشتغلات في المجال السياسي أو في المجال الحقوقي يتم سحقهن، وممارسة كل اشكال الابتزاز ضدهن.
الاصدقاء الاعزاء..
دعونا نتفق أن جزءا كبيرا من معاناة النساء التي لا تلحظها الاخبار، له صلة بالنظرة غير المنصفة للمرأة، في بعض المجتمعات. إن عدم القيام بجهود مناسبة، لتعديل تلك النظرة، ومراجعة المقولات التي تنتقص من النساء مراجعة حقيقية سوف يسهم في جعلهن هدفا مستمرا لكل أشكال الانتهاكات. أجد نفسي متضامنة مع كل الأصوات التي تطالب بمنع استهداف النساء أو استغلالهن، فالمجتمعات التي تريد النهوض لا يمكنها السماح بكسر أحد جناحيها. الرجال والنساء يستحقون حياة كريمة لا تمتهن أيا منهم. هذا ما يجب أن نناضل من أجل تحقيقه.
في هذا السياق، أجد من المهم أن تسعى الحكومات المختلفة لتبني سياسات مشتركة تمنع استغلال النساء، أو تحميلهن تبعات النزاعات السياسية أو العسكرية، كما يحدث في معظم تلك النزاعات. لا ينبغي التصرف بعقلية عديمي الاخلاق في مثل هذا الأمر، ولا أعد ذلك عملا سياسيا يستحق التبرير.
في نهاية هذه الكلمة المختصرة، أجد من المهم الاشارة إلى النساء اليمنيات، اللائي شاركن في الاحتجاجات الشعبية عام ٢٠١١، وشاركن في مؤتمر الحوار الوطني الشامل بعد ذلك، واللائي واجهن الميليشيات بكل شجاعة واصرار. نعم، هناك محاولات مستمرة لسلب مكتسبات وحقوق النساء السياسية والاقتصادية، واغلاق المجال العام أمامهن، تحت دعاوى مختلفة، الا أن ذلك لا يبدو أنه سوف ينجح في نهاية المطاف.
قبل أن اختتم هذه الكلمة، اسمحوا لي أن احيي المرأة في كل مكان، ومهما كان الواقع اليوم، فلا شك أن الغد سيكون أفضل، أثق بذلك.