كلمات
الحرب، هذه الكلمة تعني لنا الكثير في اليمن. كلمة عشنا مآسيها ، آلامها ، وكل ما أصاب حياتنا من نتائجها وآثارها يجعل لها وقع الكابوس. وإن يكون الحديث متعلقا بالأطفال والمستقبل ، فلا يمكنني ان اتحدث خارج الحرب التي عاشتها بلادي اليمن وما تزال. الحرب آلة تحطيم للمجتمع كله ، رجاله ونساءه وحاضره ومستقبله، لكن الأطفال هم أكثر من يعاني منها ومن آثارها.
قبل أسابيع توفي عشرة أطفال في مستشفى بمدينة صنعاء بعد أن اعطيت لهم علاجات منتهية ، فيما آخرين يعانون من آثار هذه العلاجات بعد نجاتهم من الموت. هؤلاء الاطفال مصابون بالسرطان، ويتلقون العلاج منه في ظل أوضاع صحية سيئة بعد ثمان سنوات من الحرب. هذا مثال لما يعانيه الأطفال في اليمن. الميليشات الحوثية تتحمل مسؤولية الإهمال، ولا يكفي القاء التهمة على الحصار المفروض على اليمن وعدم السماح بدخول الأدوية.
في المدن اليمنية عانى الأطفال خلال سنوات الحرب من سلسلة من الاثار طالت حياتهم، وأثرت على حياتهم. تعرضت التجمعات السكانية المدنية داخل المدن لقصف طيران التحالف من الجو، وقذائف المدفعية التي تطلقها الميليشيات من الأرض. قتل آلاف الأطفال بقذائف الحرب المباشرة، ونزح عشرات الآلاف مع أسرهم هرباً من الحرب وبحثاً عن مكان آمن يجنبهم الموت.
في مدينة تعز المحاصرة منذ ثمان سنوات لم تتوقف عمليات القنص واطلاق القذائف داخل الأحياء السكنية، وقضى عشرات الأطفال نتيجة عمليات القنص، فيما قتل المئات اثناء عمليات التصعيد الحربي والمواجهات.
ليس بمقدورنا ان نعرض كل ما يعانيه الاطفال في اليمن جراء الحرب. لا تتوقف آثار الحرب على الاصابات المباشرة، ذلك ان كل مناحي الحياة قد تأثرت وأنهارت او دمرت.
الحرب تدمير للحاضر، وتضع الأطفال امام مستقبل مجهول.
رعب الحرب والصدمة بعالم العنف يجعل الاطفال اكثر تضررا من الحرب والنزاعات الأهلية المسلحة.
القصف والقنص وضرب المناطق السكنية، النزوح، وانعدام الغذاء، انهيار المؤسسات التعليمية والصحية، هذه عينة من العناوين لحياة الأطفال في المدن الواقعة في مناطق الحرب والنزاعات العنفية.
انهيار التعليم في اليمن جراء الحرب يتخذ مظاهر عديدة مادية ومعنوية.
توقف التعليم لسنوات وتسرب اكثر من مليوني طفل من المدارس، وعجزت آلاف الأسر عن ارسال ابناءنا لتلقي التعليم في مناطق اخرى لم تصلها نيران الحرب. دمرت مؤسسات التعليم، واستأنفت الدراسة في ظل سيطرة ميليشيات تستخدم المدارس أماكن للتعبئة وتجنيد الأطفال، ومنصات لفرض افكارها المتطرفة. تم تغيير المناهج وأصبحت المدارس مراكزاً لنشر ثقافة العنف والكراهية والتعبئة ضد كل من هو خارج دائرة الميليشيات وثقافتها.
استخدت المراكز الصيفية لنشر الفكر المتطرف وتجنيد الاطفال والزج بهم في جبهات الحرب، وتتضمن تقارير المنظمات الدولية معلومات عن آلاف الاطفال قتلوا في الجبهات، والمئات منهم وقعوا في الأسر وخضعت اعدادا قليلة منهم لدورات اعادة تأهيل قبل اطلاق سراحهم في عمليات تبادل الأسرى.
الاطفال هم اكثر شريحة مجتمعية تحتاج لاعادة تاهيل بعد انتهاء الحرب، لا أولئك الذين جندوا وشاركوا في الحرب فحسب بل كل الاطفال الذين عاشوا سنوات الحرب وطالتهم اثارها المادية والمعيشية والنفسية.
ملايين الأطفال في اليمن يعيشون في مناطق تشهد مواجهات مسلحة، ومئات الالاف من الأطفال نزحوا من منازلهم، واجمالا يعيش اطفال اليمن في مدن انهارت فيها الدولة وانهارت فيها خدمات الصحة والتعليم، وانقطعت مرتبات الموظفين مما ضاعف من أزمة الأطفال وعائلاتهم وحرمهم من الحصول على الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية والمعيشية.
تمنع الميليشات وصول المساعدات الى المدن وتتحكم بتوزيعها على الموالين لها.
أزمة الحياة والمعيشة في اليمن تعتبر اليوم الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، وأثرها على الأطفال هو بدوره الأسوأ. الإحساس بصعوبة الحياة قبل النضج والتسلح بالمعرفة والمهنة لمواجهتها يضاعف من معاناة الأطفال في اليمن ، وهذا يتيح لنا القول ان الأزمة الانسانية في اليمن هي بتعبير اخر أزمة تطال الاطفال اكثر من غيرهم.
ان الحرب وانهيار الدولة يقذف بملايين الأطفال في اليمن الى العراء ليواجهوا مصيرهم مجردين من كل حماية. الأطفال هم اكثر فئات المجتمع تضررا من الحرب وانهيار الدولة.
المبادرات الاممية والدولية لحماية الأطفال من أثار الحرب والنزاعات المسلحة وتقديم العون والتغذية والرعاية الصحية للأطفال وتحديدا النازحين منهم ليست حلا مستداما ولكنها في حالات سقوط الدول والحرب وانتشار المجاعة تمثل واجبا انسانيا دوليا. والعمل على إنهاء النزاعات وعودة الاستقرار وحكم القانون اتجاه أساسي لحماية الأطفال ومجتمعاتهم على حد سواء ويتطلب الى أن يتكامل مع الجانب الإنساني جنبا الى جنبا وأن لا يكون حضور احدهما مغيّبا للاخر.
ان تفعيل دعم فعال لبرامج الاغاثة الانسانية والصحية في اليمن وتوفير الغذاء والدواء لفئات واسعة من السكان المحتاجين للمساعدة، وفي مقدمتهم الاطفال، سيبقى بحاجة الى ضغوط واسعة على الجماعات المسلحة لضمان أستقلالية عمل المنظمات الدولية العاملة باليمن. تجربتنا في اليمن تكشف الكثير عن هذه التحديات. لقد ساهم العالم في التخفيف من معاناة اليمنيين من نتائج الحرب وانهيار الدولة، لكن سيطرة الميليشيات على مخرجات نشاط المنظمات الدولية في مناطق النزاع التي تخضع لسيطرتها، حد كثيراً من عمل هذه المنظمات واستخدم جزءا كبيرا منه في اجندة هذه الميليشيات المسيطرة، وأصبح جزءا من مواردها.
ان الانسداد في إيجاد حل لإنهاء الحرب وعودة الدولة في اليمن لا يمنع من ممارسة المجتمع الدولي لضغوط حقيقية على الميليشيات للسماح لجهود الاغاثة الدولية بممارسة عملها باستقلالية تمكنها من الوصل للمتضررين والمحتاجين والفئات السكانية التي تعاني من الحرب والصراع.
ان ممارسة المنظمات الانسانية الدولية لنشاطها الإغاثي والخدمي في مجالات الغذاء والصحة والتعليم في اليمن تحت شروط الميليشيات المسيطرة على الارض يؤدي الى تحويل جزء كبير من الدعم الدولي الى اداة بيد الميليشيات التي تفرض قبضتها القمعية على مساحة مكتظة بالسكان يقطنها ملايين الأطفال الذين يعانون من اثار الحرب.
ان القيود الممنهجة والمتزايدة التي تفرضها هذه الميليشيات على عمل المنظمات الدولية يحرم قطاعات واسعة من السكان من الاستفادة من المعونات الغذائية والدوائية والإنسانية.
جذر التحديات كلها هو الحرب وانهيار الدولة وحلول الميليشيات بديلا عنها.
نريد العالم ان يساعدنا لاستعادة الدولة والاستقرار؛ بدون هذا سوف تستمر معاناة الأطفال وعائلاتهم ومجتمعاتهم مع انعدام الأمن وأزمات الغذاء والتعليم والصحة، وسيزداد عدد الأطفال المتاثرين بالحرب في اليمن.
ان حماية الأطفال في زمن الحرب وتخفيف اثارها عليهم هي أولوية بالنسبة لنا وليست امرا هامشيا. الأطفال هم مستقبل مجتمعاتنا، وسيكون هذا المستقبل مجهولاً وشيئا يشبه الحطام الذي تعيشه الدول الواقعة تحت نير الحروب والنزاعات المسلحة إذا لم نضع حماية الأطفال ورعايتهم وتقديم العون لهم لتجاوز اثار الحرب هدفا اساسيا لنا داخل مجتمعاتنا وفي العالم ككل الذي وقعت معظم دولة على اتفاقية حماية حقوق الطفل والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الاطفال.