كلمات
كلمة توكل كرمان في مؤتمر منظمة الفاو
أود في البداية أن أشكر فريق الشبكات البرلمانية في منظمة الأغذية والزراعة (PSU) على الدعوة للمشاركة في هذه الفعالية الهامة. مكافحة الجوع وسوء التغذية موضوع أساسي ينبغي أن يحتل الاولوية في كل تحركات وأنشطة الدول والمنظمات والاتحادات الدولية. إنه من المؤسف حقا، أن موضوعات كهذه، لا تحصل على الاهتمام الذي تستحقه.
عندما أِبلغت بعنوان هذه الفعالية، قرّرت المشاركة دون تردد. هناك الكثير الذي ينبغي أن يُقال، لكن الشيء البارز الذي أود أن أذكره هنا، أن معظم الأسباب التي تقف وراء هذه المشكلة هي أسباب سياسية، نعم هناك أسباب مختلفة، مثل ندرة الموارد، وعدم وجود تنمية أو ادارة كفؤة لادارة القطاع الاقتصادي، لكن الفساد السياسي وما قد يجلبه من إهدار للامكانيات والموارد المختلفة، والحروب الأهلية تظل أكثر العوامل التي تغذي ظاهرة الجوع والفقر وسوء التغذية.
الحديث عن الجوع يقودنا للحديث عن التجويع، الذي غالبا ما يكون نتاج سياسة انتقامية تريد اخضاع دولة أو شعب ما. إن العقوبات الاقتصادية في الأغلب الأعم تسهم في تدمير المجتمعات وتقويه السلطات الحاكمة، لذلك ينبغي مراجعة هذا الإجراء الذي يتم اللجوء إليه هنا وهناك. أود التشديد في هذه النقطة تحديدا، على ضرورة اعتبار المنخرطين في سياسات التجويع مجرمين حرب. لطالما كان الأمن الغذائي مسألة أساسية لاستمرار الحياة، والتلاعب فيها، أمر ينبغي ادانته ورفضه أيا كانت المبررات.
الاصدقاء الاعزاء..
المساواة هي الركيزة الأساسية التي يمكن أن ينطلق منها أي مجتمع لتحقيق أمنه السياسي والأمني والغذائي بطبيعة الحال. الانتقاص من مكانة المرأة في بعض المجتمعات، واستبعاد أي دور لها في التنمية تحت مزاعم دينية أو ثقافية أو اجتماعية، يسهم في جعل المجتمع مكسور الجناح، وغير قادر على تحقيق نهضة حقيقية. باعتقادي أن التقدم في هذا الملف سوف ينعكس بشكل ايجابي على استقرار المجتمع، وعلى استثمار الموارد بما يحقق العديد من الأهداف الهامة وفي مقدمتها الأمن الغذائي وتحسين التغذية.
كما نعلم، فإن النساء اللواتي يعملن في الزراعة وفي تربية المواشي في العالم يبذلن جهودا كبيرة، ومع ذلك هناك العديد من العوائق التي تمنع مساواتهن مع الذكور، إن هذا التمييز غير المبرر في الغالب يسهم في وضع عقبات كثيرة أمام أي تحسن لظروف كثير من العائلات التي تعتمد على النساء في تحصيل قوت يومهم.
تتخذ اللامساواة مظاهر شتى، ففي بعض الدول، لا يتم معاملة الرجال والنساء على أرضية واحدة عندما يتعلق الأمر بالحصول على تمويل مشروعات أو قروض من البنوك أو مساعدات من الحكومة، وهذا الأمر يؤدي بشكل واضح إلى ارتفاع معدلات الفقر والجوع والعوز، خصوصا في الارياف.
ومن مظاهر اللامساواة التي تعرّض أمن المجتمع وليس الأمن الغذائي للخطر، التعامل مع النساء باعتبارهن غير مؤهلات للحصول على حقوقهن الأساسية، إن الحق في التعليم مثلا، من وجهة نظر البعض، يعد خروجا على العادات والتقاليد، كما يعد خضوعا لمؤامرات كونية تريد الإضرار بالمجتمع النقي الذي في الواقع، ليس نقيا وليس عادلا.
الاصدقاء الاعزاء..
إن اعتبار النساء شركاء في التنمية، شركاء حقيقيين، لا شك انه سوف ينعكس بصورة ايجابية على كثير من المشروعات، خصوصا تلك التي تتعلق بانتاج وصناعة الغذاء. إن إعادة تأهيل النساء في كثير من البلدان التي شهدت حروبا أهلية، وحتى تلك البلدان التي لم تشهد حروبا من أي نوع، هو خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. تأهليهن نفسيا باعتبارهن الأكثر استهدافا أثناء المنازعات المسلحة، وتأهيلهن اقتصاديا بمنحهن مزايا خاصة أثناء دخولهن مجال التنمية سوف يحل العديد من المشكلات الناتجة عن الفقر والجوع، فالمرأة في الاغلب الاعم هي العائلة، وبالتالي، إن أي تحسن قد يطرأ على حالة النساء فإنه قد ينعكس ايجابيا على المجتمع برمته.
إن الدور الذي ينبغي أن تقوم به البرلمانات والحكومات هو تغيير النظرة لدور النساء في التنمية، هن لسن أيدي عاملة رخيصة، بسبب حاجتهن للعمل، ولكن هن العنصر الذي من خلاله يمكن إحداث طفرة في مجال مكافحة الجوع وتحسين التغذية، وفي هذا السياق، ينبغي على البرلمانات مراجعة القوانين التمييزية التي تحرم المرأة من الاستفادة من أي امتيازات تتعلق بتمويل أو دعم مجتمعي.
الاصدقاء الاعزاء
مسألة تحسين الغذاء ومكافحة الجوع مسؤوليتنا جميعا، لا استطيع أن اقول غير ذلك، لكن هذه المعركة تحتاج النساء، وفي حال كان هناك قناعة بذلك، فينبغي إحداث تغييرات كبيرة على جميع المستويات، سياسية وقانونية ومجتمعية، والتعامل بمسؤولية مع كثير من التحديات التي تواجه النساء والرجال أيضا، لكن النساء بشكل أكبر لوجود عوائق كثيرة تقف أمام تمكينهن اقتصاديا.
ليس هذا تحيز، أرجو أن يفهم بطريقة صحيحة، دعونا نتعاون، ودعونا نمد أيدينا للفئة الأكثر تهميشا، برغم الاعباء التي تقع على كاهلها.
الاصدقاء الاعزاء..
تتزايد المخاوف العالمية بخصوص الأمن الغذائي في العالم بعد الحرب الروسية على اوكرانيا. وبحسب البنك الدولي وجهات دولية معتبرة، فقد غيّرت الحرب في أوكرانيا الأنماط العالمية للتجارة والإنتاج والاستهلاك للسلع الأولية على نحو من شأنه أن يبقي الأسعار عند مستويات مرتفعة حتى نهاية عام 2024، مما يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي والتضخم. إن هذه الحرب في حال استمرت وتصاعدت وتيرتها، سيكون لها تأثيرات بالغة الخطورة على الأمن الغذائي العالمي، ولن يكون بمقدور كثير من الدول الفقيرة تدبر أمرها، وهذا ما لا ينبغي السماح بحدوثه.
اليمن على سبيل المثال، الذي يعاني من حرب تدميرية منذ اكثر من ثمان سنوات، يواجه ظروفا قاسية، بسبب صعوبة وصول الحبوب والمواد الغذائية من جهة، وقيام الميليشيات المسلحة المنتشرة في عرض البلاد وطولها بفرض ضرائب واتاوات غير قانونية مبالغ فيها. الحرب في اليمن التي ترعاها السعودية والامارات وايران، يتم تجنيد الميليشيات المحلية لمزيد من التدمير، مهددة بلد يتعدى عدد سكانه الثلاثين مليون انسان. سبق للامم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي أن وصف ما يحدث في اليمن، بأنها أكبر انسانية في العالم.
أود في هذه المداخلة في اليمن، الاشارة لخطورة انعدام الأمن الغذائي في البلدان التي تشهد حروبا او صراعات مسلحة، وأن الحل يبدأ من اتخاذ مواقف وعقوبات واضحة ضد الجهات التي تسبب في ازدياد رقعة الجوع، أو تلك التي تنتهج سياسة تجويع الناس لاغراض سياسية. سيكون من المهم ان تنفق الدول على الغذاء أكثر مما تنفقه على السلاح، فالاولوية للحياة وليس للموت، هذا ما ينبغي أن يحدث.
شكرا لكم..