كلمات
نلتقي اليوم في مؤتمر برلين للعمل معاً في مواجهة تحديات عالمية غير مسبوقة في ظل ما تعيشه أوروبا في مواجهة الحرب الروسية على أوكرانيا وأزمات الطاقة والغذاء الناتجة عنها وما تنذر به من إضطرابات عالمية وتوترات في العلاقات الدولية.
نلتقي اليوم لنناقش وسائل عملنا المشترك لمواجهة الارتداد عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في عالم تتزايد فيه مخاطر الفاشيات وتتسع فيه رقعة الحروب والإضطرابات السياسية.
نلتقي اليوم بينما تشهد أوروبا حرب غزو لم تكن تخطر على بال احد، وهو حدث يكمل قوس الارتداد عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وقيم الدولة الحديثة الذي بدأ بتواطؤ الديمقراطيات الغربية مع الحروب المضادة لثورات الربيع العربي في العشرية الماضية، وعودة حركة طالبان في أفغانستان من جديد، والميليشيات الحوثية في اليمن، وهما حركتان عادتا من القرون الوسطى لتأخذا مكانا في عالم الرقميات والإنترنت، عالم القرن الحادي والعشرين.
ان عودة الفاشية لتهديد أوروبا ليس منقطع الصلة عما سبقه من احداث في الشرق الأوسط.
عندما يصمت العالم على الحروب الفاشية في مناطق بعيدة لا ترى الدول الكبرى انها تهدد أمنها، فإن عليه ان يتوقع انتشارها ووصولها إلى البلدان البعيدة التي اعتبرت في مأمن من حروب في الشرق الاوسط والعالم الثالث.
لقد وجدت الانظمة الانقلابية المستبدة والميليشات الطائفية والجماعات المتطرفة من يعترف بها ويتصالح مع جرائمها ؛ في الوقت نفسه أعلنت الحروب على الثورات الشعبية السلمية والمجتمعات التي رفعت شعارات التغيير والحرية والديمقراطية، وتجرأت على الخروج في وجه الانظمة القمعية الفاشلة.
ان التهديدات التي تواجه أوروبا والعالم تتطلب تغييراً هيكليا وإعادة نظر في السياسات العالمية.
ان التغيير والمرونة لمواجهة التحديات الجديدة يبدأ من تغيير التوجهات العالمية امام كل المخاطر المهددة للديمقراطية وحقوق الإنسان وقيم الحرية والسلام والإستقرار العالمي.
دعونا نكون صريحين ونقول إن التغيير يحتاج نظرة عالمية واسعة ترى صعود الفاشية خطرا أينما كانت، في الشرق الاوسط وافريقيا او في أوروبا والغرب.
ان عالم اليوم، واقصد النطام العالمي والدول الغربية الكبرى، قد التزم الصمت أمام أنظمة فاشية لأنها هناك في الجهات البعيدة التي لا تهدد أوروبا، وأعني ايران والسعودية، وكلاهما شن حروبا عدائية، وتدخلات تنشر الحروب الأهلية والإضطرابات وانهيار الدول وإحلال الميليشات كفاعل أساسي بديلاً عنها.
ان قضايا الديمقراطية والعدالة والمجتمع المدني وحقوق الإنسان تؤخذ حزمة واحدة ولا تجزأ بين عالم متحضر وآخر ينظر اليه خارج الحضارة والإنسانية.
في مواجهة الحرب والغزو الذي يهدد أوروبا وينذر باحتمالات تطور الحرب الى حرب عالمية وانهيار الاقتصاد العالمي، وفي مواجهة الانقلابات وحروب الثورات المضادة للربيع العربي والمستبدين والجماعات الطائفية والمتطرفة، نجتمع اليوم لنؤكد تمسكنا بقيم الحرية والديمقراطية والسلام والمساواة، ولنؤكد على دور المجتمع المدني العالمي في العمل من اجل انتصار القيم الانسانية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولنعيد التأكيد على تطلعاتنا لبناء عالم جديد تسود فيه القيم المدنية وحقوق الانسان والمساواة، ويعمه السلام والأمن وروح المسؤولية والحرية.
لقد تحدثت في اهم المنابر العالمية قبل سنوات من غزو بوتين لأوكرانيا، اننا جميعا في عالم واحد، وان لا أحد يستطيع أن يبني أسوار العزلة في حدوده ليأمن سقوط أجزاء من هذا العالم في الحروب والفوضى والإضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية والمعيشية.
وأرى ان الأزمة في أوروبا الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا مناسبة مهمة لكي نعمل معا من أجل احداث تحولات وتغييرات هيكلية توحدنا كمجتمع مدني عالمي أمام صعود الفاشيات وانتشار الحروب وسلاسل الأزمات التي تتسبب بها.
انه التوقيت المناسب لكي نذكر الديمقراطيات الغربية انها لقد تخلت عنا، تخلت عن ثورات الحرية والديمقراطية العربية، وتركت الأحلاف الإقليمية للمحاور المعادية للديمقراطية في ايران والسعودية وروسيا تعلن الحرب الانتقامية على مجتمعاتنا لا لشيء الا لأننا أردنا ان نكون بشرا مثل بقية البشر، وثرنا سلميا من اجل الكرامة ودولة القانون والمجتمع المدني والمساواة وحقوق الانسان.
الاستمرار في شيطنة الربيع العربي هو تأييد للفاشية البوتينية وحروب الغزو والاخضاع التي تنفذها في اوكرانيا وتؤثر على اوروبا. الصمت عن ما يحدث لشعوبنا وبلداننا من حروب انتقامية - اليمن أنموذجا- تقودها السعودية وايران يضع أوروبا في موقف المساند للفاشية. جرائم السعودية وإيران في اليمن وبلدان الربيع العربي يضعها في مرتبة واحدة مع الفاشية البوتينية. شيطنة الربيع العربي هو عنوان الإرتداد العالمي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ان توجهاً عالمياً يعيد الإعتبار للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، سيكون عليه أولاً أن يقول كلمته في هذه المنطقة من العالم التي تواجه عقاباً جماعياً وحروباً إنتقامية بسبب ثوراتها الشعبية السلمية عام 2011.
أعزائي عزيزاتي..
الدعاية والمعلومات المضللة مشكلة عالمية، ولكن الجملة ستبقى ناقصة اذا لم نكملها ونقول ان خلف التضليل ونشر المعلومات الكاذبة يقف عالم بلا ضمير صمت عن الاستبداد وتخاذل عن دعم الشعوب العربية الحرة في ثورات الربيع العربي.
لذلك ارى اننا بقدر ما نحتاج الى البحث في التدابير الملائمة لتشكيل بيئة معلومات قوية تتسم بالمصداقية، فإننا نحتاج لتشكيل بيئة سياسية عالمية تكون معايير الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان هي مرجعياتها الاساسية، بدون تمييز بين البشر والشعوب على أساس العرق والدين والموقع الجغرافي.
في تاريخ البشرية والدول والصراعات والحروب كانت حرب تزييف الحقائق والتضليل والأكاذيب دائماً موجودة، والجديد اليوم هو استخدام التكنولوجيا الحديثة والتطور في وسائل الاتصال والإعلام، ساحات لحروب الأكاذيب والتضليل. الجديد هو سرعة انتشار الخبر الكاذب والمعلومة المضللة في عالم الصورة وعصر المعلومات والإنترنت ومنصات التواصل الإجتماعي.
المعلومات المضللة والأكاذيب تنتجها شبكات منظمة تعمل لخدمة مصالح أنظمة ودول لا تأبه بالحقيقة وتستخف بقيم حرية الصحافة وحقوق الإنسان. المواقف السياسية للانظمة والدول توفر في احيان كثيرة بيئة ملائمة لانتشار المعلومات المضللة ولأكاذيب واستخدام الميليشات الإلكترونية في حملات دعائية تستخدم الفبركات والكذب والتدليس بهدف التشويش على الحقيقة وإرباك الرأي العام.
لن نحصل على صورة كاملة عن أسباب انتشار المعلومات المضللة لو اكتفينا بالنظر لوسائل ترويجها في الصحافة والإنترنت ومنصات التواصل الإجتماعي. الإعلام بكل فروعه بما في ذلك الاعلام الالكتروني ومنصات التواصل، ليس إلا ساحة من ساحات حرب تغذيها أنظمة مارقة وميليشيات مسلحة، وللأسف تشارك فيها دول كبرى عندما تتطلب مصالحها تعميم توجه واحد يتوافق مع روايتها للأحداث والقضايا المطروحة أمام الرأي العام.
الأنظمة الديكتاتورية والأيديولوجية المتورطة في حروب ضد مجتمعاتها وضد جيرانها، هي اكثر الفاعلين في رعاية بيئة الأكاذيب ونشر المعلومات الزائفة.
سأركز حديثي عن الدعاية والمعلومات المضللة التي تستخدم لنشر صورة زائفة عن حقيقة ما يحدث في بلدي اليمن.
في واجهة الدعاية الزائفة والمعلومات المضللة تأتي كذبتان كبيرتان؛ الأولى هي إدعاء الميليشات الإنقلابية الحوثية أنها تواجه عدوان السعودية والإمارات على اليمن. والكذبة الثانبة هي إدعاء التحالف السعودي الإماراتي أنه يدعم الشرعية اليمنية لإستعادة الدولة.
وبين هاتين الدعايتين سلسلة من المعلومات المضللة، يأتي بينها حديث المبعوثين الدوليين لليمن عن هدنة وأن الحرب توقفت، فيما هي لا زالت مستمرة.
وسأعرض أمامكم حقيقة ما يحدث في اليمن:
أطماع السعودية وإيران لتقاسم النفوذ على أنقاض المدن اليمنية، سبب أساسي في إستمرار الحرب في اليمن والمأساة الانسانية الأكبر في العالم اليوم.
التحالف السعودي الإماراتي يسعى لتقسيم اليمن ويضلل العالم أنه يدعم الشرعية اليمنية.
كانت حرب السنوات السبع إضعاف متواصل للشرعية انتهى بالانقلاب عليها واستبدالها بمجلس من ثمانية أعضاء اختارتهم الرياض. تحكمت الرياض بقرار الشرعية من البداية وحالت دون تمكنها من الحضور على الأرض كمنظومة دولة متماسكة في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها. استبدلت الشرعية بميليشيات موالية للإمارات هي ميليشا الانتقالي الانفصالية، وألوية العمالقة السلفية، وميليشيات طارق صالح في باب المندب والمخا. استبعدوا الرئيس عبدربه منصور هادي بعد سبع سنوات من ابقاءه رهينة في الرياض واستخدامه غطاء لفرض قوى اخرى في محافظات جنوب اليمن والساحل تدين بالولاء الكامل لدولتي التحالف. شكل في أبريل الماضي مجلس رئاسي انتقالي بطريقة قسرية فرضتها السعودية، وهو مجلس عينته الرياض ويضم قادة ميليشات أنشأتها الإمارات والسعودية ، ورئيس صوري لا يوجد لديه ما يسنده خارج ارادة دولتي التحالف اللتان تمسكا بكل القوى والقرار السيادي اليمني.
كان واضحا في الاسابيع الاخيرة ان مهمة المجلس الرئاسي تشكيل غطاء لميليشيات الانتقالي الانفصالية في حروبها للتمدد جنوبا وإخضاع السكان في المحافطات الجنوبية بالقوة والعنف والارهاب والطائرات السعودية الاماراتية.
من باب الانقلاب الحوثي وسيطرته على مؤسسات الدولة والعاصمة صنعاء والمحافظات مر التحالف السعودي الإماراتي بأجندته المدمرة لليمن والتي توضحت ملامحها كاملة في سنوات الحرب الماضية.
الحرب طالت لأن أهداف التحالف كانت مختلفة عن ما أعلنوه من أنهم " تحالف دعم الشرعية " في اليمن.
أقامت المملكة السعودية علاقتها مع الشرعية ومكوناتها على الرضوخ وتسليم القرار السيادي اليمني للرياض.
الحقيقة انه منذ اليوم الأول لحربها في اليمن اختطفت السعودية والإمارات عنوان الشرعية اليمنية واستخدمته لتحقيق أهدافها في احتلال الجزر والسيطرة على ثروات اليمن ومحاولة تقسيمه وفرض نفوذها على أجزاءه الحيوية في البحار والسواحل.
ميليشيات الحوثيين نسخة أكثر دموية وتخلفاً من حركة طالبان التي يعرفها العالم وحظيت بتركيز إعلامي واهتمام مراكز الدراسات والصحافة، وعرف العالم تركيبتها وطرائقها وما تفعله بحاضر الأفغان ومستقبلهم، فيما الحركة الحوثية في اليمن استفادت من خدمات متبادلة بينها وتحالف السعودية والإمارات بالتخفي تحت ادعاء مواجهة عدوان خارجي، فيما الحقيقة ان كلاهما يتذرع بالاخر ويتقاسمون النفوذ والجغرافيا اليمنية ولا غنى لأحدهما عن الآخر. تسيطر الميليشيات على المؤسسات التعليمية وتقوم بتغيير المناهج وفرض افكارها المتطرفة على المجتمع. تم إغلاق كل الصحف والمنابر الاعلامية غير التابعة لجماعة الحوثيين. يتم ارهاب النساء ومنعهن من السفر دون محرم حسب الإجراء الذي فرضوه في مناطق سيطرتهم.
جماعة الحوثي تستثمر عبث التحالف السعودي الإماراتي باليمن، وهذا مصدر قوة لها أكثر حتى من داعمها وراعيها الإيراني. التحالف لم يكن جادا في دعم الشرعية اليمنية، ولم يكن هدفه ازاحة الانقلاب الحوثي بقدر ماكان هدفه استخدام جماعة الحوثيين كواحدة من أدواته لتمزيق اليمن ومحاولته المستمرة لاعادة رسم خارطته الممزقة وفق أهدافه ومصالحه.
اليمن لن تستقر بدون عودة الدولة اليمنية كاملة السيادة على ارضها، دولة تفرض سلطتها وتطوي مرحلة تعدد الميليشيات وتضع حداً للأطراف الخارجية الطامعة في تقاسم النفوذ في اليمن. وحدة اليمن وأمنه واستقراره هو الضمانة الوحيدة لاستقرار اليمن وجواره الخليجي. أي صفقات اقليمية بين الأطراف الخارجية المتورطة في حرب اليمن تبنى على تقاسم النفوذ وتلبية مصالح الاطراف الخارجية وتقاسم اليمن بين النفوذ الخارجي والميليشيات التابعة له، وبالتحديد السعودية وايران، لن تعنينا في اليمن ولن يكتب لها النجاح.
الحرب تنتهي بعودة اليمن لا بتمزيقها. الحرب تنتهي بعودة دولة الجمهورية اليمنية صاحبة سلطة كاملة وشاملة على كل الأرض اليمنية ، لا باضفاء المشروعية على الدويلات المليشياوية وتقسيم اليمن.
اليمن ليست حالة طارئة ولن ترضخ لحروب التمزيق والتجويع الخارجية وأدواتها الميليشياوية الداخلية. هذه حقائق التاريخ وسنعيدها بإرادتنا وتمسكنا بقضيتنا العادلة وإنتماءنا لليمن وتضحياتنا من أجلها.
لا خيار لنا سوى التمسك بحقنا في استعادة الدولة اليمنية وفق المرجعيات الثلاث، وهزيمة المشاريع الطائفية والتمزيقية. لن يقبل شعبنا مسخرة هزلية كهذه التي تهدف الى تمزيق اليمن بين الميليشات الطائفية والإنفصالية وداعميهم الخارجيين في السعودية وإيران.