كلمات
محاضرة توكل كرمان في جامعة كويريتارو المستقلة - المكسيك
أيها الأعزاء طلاب جامعة QUERETARO سعيدة جدا باللقاء بكم والحديث إليكم وسعيدة اكثر ان انقل إليكم صورة عما يدور في بلدي اليمن والمنطقة وعن كفاح النساء من أجل مستقبل أفضل.
أثرت الحرب في اليمن بدرجة كبيرة على النساء والأطفال في اليمن أكثر من غيرهم. غير ان الأهم هو انها طالت المجتمع كله.
مثل غيرها من البلدان العربية ، المرأة اليمنية أكثر تضررا من الحرب حيث انهارت الدولة ووقع السكان في قبضة ميليشات تعادي المرأة وتفرض على النساء المزيد من القيود.
ان العمل من اجل تحسين اوضاع النساء في بلدي اليمن مرتبط بايجاد حل شامل ينقذ اليمن من قبضة الميليشيات وامراء الحرب. حل يعيد الدولة اليمنية وينهي الحرب ويؤسس لمرحلة جديدة لنقل البلاد من الفوضى والاحتراب والاضطرابات السياسية الى وضع جديد يعيد الأمن والاستقرار لليمن ويمكن جميع الاطراف والقوى السياسية من المشاركة في انجاز عملية الانتقال السياسي واعادة بناء ما دمرته الحرب.
ان الحرب المستمرة للعام الثامن لم تميز بين رجل وإمرأة ولا بين طفل وشيخ مسن. الحرب جاءت انتقاما من الشعب اليمني الذي انحاز للتغيير والثورة السلمية وأراد ان يكون مثل شعوب العالم الحرة التي تقرر مصيرها بنفسها.
الحرب في اليمن هي الحرب الأسوأ في العالم.
أمريكا ومعها المجتمع الدولي يتفرجون على حرب ابادة يتعرض لها شعبنا. لم يتبق من المجتمع الدولي سوى مبعوثين يملأون مقاعد وظيفية اعتيادية، ولا يفعلون شيئا يذكر لمنع الجرائم ضد الانسانية ووقف الحرب. ان الهدنة التي اعلنت قبل اربعة اشهر وتم تجديدها لمدة شهرين لم توقف المأساة في اليمن، وجاءت الهدنة لتلبي حاجة السعودية والميليشات الحوثية الانقلابية لوقف القصف المتبادل بين الطرفين، فيما الحرب مستمرة بكل صورها ويعاني منها السكان كل يوم عبر حصار المدن وقنص المدنيين في محافظة تعز، واستمرار الحوثيين في الحرب على كل الجبهات الداخلية، ومواصلة التحالف السعودي الاماراتي الدفع بميليشيات الانتقالي الانفصالية قي عدن لمواصلة حربها ضد الجيش الوطني والقوى الشرعية قي المحافظات الجنوبية.
تتحرك الميليشيات والدول الاقليمية المارقة عن القيم الانسانية وتخوض حروبها ضد شعبنا اليمني بأريحية وسقف مفتوح أمام العالم وبدون قيود أو خشية من عقاب أو عقوبات من أي نوع.
لقد حاولوا سد أفقنا بالحرب والموت ولكن ارادة الحرية اقوى من الموت والدمار والمستقبل لنا لا للطغاة والقتلة.
اعزاءي عزيزاتي ؛؛
لم تكن قضايا المرأة منفصلة عن الوضع العام الذي يعيشه المجتمع، سواء في اليمن وبلدان الربيع العربي، أو في أي بلد عبر التاريخ. ان كفاحنا من أجل دولة القانون والمساواة والعدالة والديمقراطية، هو في جوهره الإطار الذي يحتوي قضايا المرأة وحقوقها وتطلعاتها في المشاركة والمساواة والمواطنة المتساوية. هذه هي الأساس، أن تكون النساء جزءا من حركة ديمقراطية وطنية تكافح من أجل دولة حديثة تكون المرأة فيها عضواً فاعلاً ومشاركاً في السياسة والإقتصاد والتنمية والتعليم وكل مؤسسات المجتمع.
المستبدون بكافة خلفياتهم الأيديولوجية، أكانت أنظمة طائفية، أو ديكتاتوريات عصبوية عائلية وفردية ، يصادرون حق المجتمع كله ، رجاله ونساءه ، في المشاركة وتقرير مصير البلاد وتوجهاتها وسياساتها ومناهجها التعليمية وإقتصادها وكل شؤونها. ولا يمكننا الحديث عن فرص تمنح المرأة حقوقها بدون ان تكون قضايا المرأة جزءا أساسيا من نضال المجتمع من أجل دولة القانون والديمقراطية والمساواة والعدالة.
ربما توجد حالات إستثنائية كانت فيها ديكتاتوريات لا تتبنى نظرة معادية للمرأة ، لكن ذلك كان نتيجة لتطورمجتمعي حققت فيه المرأة بعض المكانة، وكانت هذه الديكتاتوريات نكسة عامة للحقوق والحريات في بلدانها، عانى منها الرجال والنساء معا، ومن تواجد في مؤسسات السلطة الديكتاتورية كانوا أدوات للإستبداد ، أكانوا رجالاً أو نساءً.
تحرر المرأة مرتبط بتحرر المجتمع، وحقوقها مرتبطة بحقوق المجتمع ، ومشاركتها ومواطنتها هي جزء من مناخ عام ينال فيه كل الناس حقوقهم ومواطنتهم ، كرجال ونساء يقفون على قدم المساواة في بناء بلدهم ومواجهة تحدياته الاقتصادية والتنموية والسياسية.
ان العمل من أجل قضايا المرأة لا ينفصل عن العمل من أجل حقوق الإنسان وبناء السلام العالمي، والعمل من أجل قيم وعلاقات تؤسس لاستقرار حقيقي وترسي مضامين السلم الاجتماعي داخل الدول ، والسلام العالمي في العلاقات الدولية.
ان المناخات العالمية السائدة قي العالم مؤخرا والتوترات التي تلفي بظلالها مع الحرب الروسية قي اوكرانيا والحروب الدامية في بعض البلدان في الشرق الاوسط وافريقيا ، هذا المناخ لا يساعد الحركات النسوية بل ويهدد النساء بمزيد من الانتهاكات والظلم والمعاناة.
ان كفاح النساء من اجل المساواة والغاء انظمة العبودية ووضع حد للانتهاكات الني تطال المرأة في الشرق الأوسط ، يتطلب مشاركة النساء في النضال المحتمعي الشامل من اجل انهاء الحروب واقامة حكم القانون وبناء الدولة الحديثة ونشر وترسيخ قيم حقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق المرأة والعدالة ومحاربة الفقر وتوفير فرص متكافئة للناس في بلدانهم وبناء تعاون دولي مثمر لاحتواء النزاعات والحروب ومكافحة الإرهاب والديكتاتوريات والفقر.
من هذا البعد الشامل تستمد الحركة النسوية العالمية القيم المرجعية لنضالات المرأة من أجل نيل حقوقها.
وقد اصبح لهذا الكفاح العالمي للمرأة سجل حافل وشبكات واسعة من منظمات نسوية ومدنية وشخصيات عالمية مثلتها نساء من كافة البلدان برزن في حقول عديدة ومجالات متنوعة وأصبح حضورهن ملموسا ومؤثرا على مستوى العالم.
ان اندماج النساء في حركات النضال المجتمعي الشاملة لا يلغي كفاح المراة من اجل نيل حقوقها بل يقويها ويعزز من فرص نجاحها.
ان المرأة والرجل جناحي النوع الإنساني ، مثلما هما جناحي المجتمع. وان اقصاء المرأة، أو الانتقاص من حقوقها ، لهو انتقاص من المجتمع. مجتمع مريض هو ذاك الذي يقوم على الاستعلاء على النساء ، ووضعهن في مرتبة أدنى من الرجال.
النساء عموما لديهن الإستعداد للمشاركة في كل مجال، لكن عوائق كثيرة تواجههن اهمها انظمة الاستبداد والحركات الفاشية الدينية التي تتبنى ثقافة تنتقص من المرأة.
ان القمع والظلم عندما يحل في مجتمع ، فهو لا يفرق بين الرجال والنساء من حيث الإقصاء، وان كان هناك من تفاوت هنا فهو التفاوت في " مراتب العبودية والاضطهاد" ، لا التفاوت في درجات الحرية.
من هنا احب ان أؤكد على فكرة اساسية، لطالما طرقتها في كثير من محاضراتي وكلماتي. ما أعنيه هنا هو أن الكفاح من أجل حقوق المرأة ومشاركتها لا يتحقق بطريقة مثلى إلا عندما يكون جزءا من كفاح المجتمع للتحرر من الإستبداد والظلم والفاشيات الدينية المتطرفة.
ان تجارب المجتمعات تقول ذلك. ان المرأة أخذت مكانها كقائدة عندما وضعت نفسها في قلب قضايا مجتمعها. ان المرأة أخذت دورها الريادي عندما أصبحت جزءا من الحركات السياسية والمجتمعية والثقافية، التي تتبنى رؤية شاملة للتغيير والنهوض بالمجتمع ككل ، وضمن ذلك وضع المرأة وحقوقها.
ان الإستبداد ، انظمة التمييز واللامساواة ، عندما تتحكم بالمجتمع ، فإن اثارها تطال الجميع، الرجال والنساء ولا تستثني أحدا. وعندما يتحرر المجتمع من الاستبداد والقمع والنظام الشمولي، فإن جميع أفراده تصلهم نسمات الحرية وتنفتح أمامهم فرص المشاركة.
عندما ننظر الى تاريخ المجتمعات نجد ان النساء اللاتي برزت كقائدات لمجتمعاتهن وتبوأت مراتب قيادية في الهياكل المؤسسية لبلدانهن، كن نتاج لحركات سياسية واجتماعية شاركت فيها النساء بفاعلية. لقد اتين تحت رايات قضايا عامة تهم كل فئات المجتمع ، وبضمنها قضية المرأة وحقوقها، وقضية المساواة بين الرجال والنساء.
ان سياسة التمييز الايجابي لصالح النساء ، التي يتم تشجيعها عالميا، بهدف اتاحة الفرصة امام المرأة للمشاركة في المجال العام ، هي اجراءات مهمة، ولكنها تبقى محدودة، ولا تؤدي الى تغيير جوهري في اوضاع المرأة ونسبة مشاركتها في المجال العام.
التغيير يحدث بصعود حركات سياسية واجتماعية تقيم نظاما جديدا على انقاض النظام القديم. التغيير يحدث بكفاح متلاحم لكل فئات المجتمع.
في اليمن كنّا وحدنا نواجه الاستبداد والديكتاتورية والميليشيات الطائفية ومعهم الثورة المضادة في الرياض وأبوظبي.
تواطأت امريكا والغرب مع هذا الخليط من الاعداء ضد ثوراتنا السلمية. خرجت النساء في اليمن بعشرات الالاف في الساحات العامة من اجل التغيير واللحاق بالعصر. وقف الرجال والنساء جنبا الى جنب ليقولوا للعالم ان مجتمعنا يتطلع للانعتاق من النخب المستبدة الفاسدة ، ومن وجهها الاخر الجماعات المتطرفة. لكن المجتمع الدولي خذلنا. لقد اعلنوا الحرب في مواجهتنا. اعلنوا الحرب على الفرصة التاريخية للتغيير في البلدان العربية. اعلنوا حرب عالمية ضد شعوب ثارت من اجل العدالة ودولة القانون والديمقراطية وحقوق الانسان والمساواة بين الرجال والنساء وتمكين المرأة من كسر القيود المتخلفة والانطلاق والمشاركة في بناء مجتمعها.
أعزاءي عزيزاتي؛
قبل 11 عاماً فزت بجائزة نوبل للسلام. لدي فعاليتي الشخصية والمؤسسات التي أسستها بمشاركة رفاق وزملاء صحفيين وناشطين في قضايا حقوق الإنسان والعمل الإعلامي والصحفي.
انا جزء من وطني وشعبي. كنت موجودة بينهم، وصنعت اسمي، الذي نال اعترافا دولياً بتكريمي بجائزة نوبل للسلام، معهم وبينهم، ومن خلال الكفاح والنضال من أجل الكرامة وتحرر المجتمع برجاله ونساءه من الإستبداد والقهر.
لم اكن سوى نموذجا لذلك الحراك الشعبي والمجتمعي الهائل الذي فجرته ثورة 11 فبراير الشعبية السلمية. وعندما اعلن فوزي بجائزة نوبل رأت كل امرأة يمنيك في ذلك تكريما رمزيا لها، ورأى من شاركوا في الثورة الشعبية ذلك التكريم العالمي اعترافا بارادتهم الحرة وتكريما لهم ، وكان ذلك تكريما لليمن وجائزة لها بإسم إبنتها توكل كرمان.
لم تمهلنا الثورة المضادة ، ونحن اليوم نخوض الحرب في مواجهتها. واجهنا نظام صالح العتيد ، والميليشيا الحوثية التي بعثها من مرقدها. واجهنا حربا ضروسا من السعودية وإيران، وكلاهما اعلن الحرب ضد ثورات الربيع العربي ، من محورين مختلفين ولكنهما يتفقان في تصنيف الثورات الشعبية خطرا يهدد الكهنوتية الدينية الحاكمة في البلدين باسم الشيعة والسنة. لقد رأت السعودية في ثورة اليمن تهديدا لركودها المديد ، والقت بثقلها واموالها وتحالفاتها الدولية ضدنا وضد بلدنا وثورتنا.
انا اليوم أحمل معي صوت بلدي وناسي في كل الفعاليات والمؤتمرات الدولية التي اشارك فيها ، وفي كل لقاءاتي ومحاضراتي في الجامعات ، وحواراتي مع الحكومات ، ومشاركاتي مع منظمات وشبكات المجتمع المدني العالمية .
الى جانب ذلك لدي مؤسسات عديدة أسستها وأديرها، بمشاركة رفاق ورفيقات نتشارك معا في الهم الوطني والحقوقي والانساني ، وأمارس فعاليتي من خلالها ، ومنها مؤسسة توكل كرمان الدولية، ومنظمة صحفيات بلا قيود ، وقناة بلقيس. نشاطاتنا وفعالياتنا تشمل الحقوق والحريات، والعمل الاعلامي والصحفي، والاعمال الانسانية والخيرية لقطاعات وفئات مجتمعية تضررت من الحرب وتحتاج المساندة، الى جانب النشاط السياسي والكفاح الوطني في تبني قضايا شعبنا ووطننا والنضال من أجلها وفي سبيلها.
لقد تعرضنا لحرب شاملة داخلية وخارجية. السلام اليوم هو مطلب الشعب اليمني، وأعداء السلام هم الميليشات الانقلابية الحوثية وإيران والسعودية والامارات. الحرب هي مشروع هذه القوى الداخلية والخارجية، وهي اكثر من حرب، فهي حرب جماعة طائفية تحاول اعادة الماضي الإمامي. وحرب خارجية تسعى من خلالها إيران والسعودية والامارات الى تقسيم اليمن وتقاسم النفوذ على ثرواته وسواحله.
هذه الحرب ضد شعبنا وبلادنا لا تهدد السلام في اليمن فحسب، وانما هي تهديد للسلام في الخليج وتهديد للسلام العالمي. لن تبقى النيران في اليمن. هؤلاء الذين يخوضون الحروب المدمرة ضد شعبنا وبلادنا سيحصدون نتائجها في بلدانهم. استمرار الحرب والفوضى في اليمن سيكون له تكلفة باهضة، ستدفعها المملكة السعودية، البلد المجاور لليمن، التي لم تستوعب خطر العبث في اليمن ومحاولات تجزئته الى دويلات.
ختاماً؛
لقد عانت بلادي وما تزال من الحرب الداخلية والخارجية وما صنعته من مآس وما تخلفه من آلام ومعاناة. لكن الكلمة الاخيرة لم تقل بعد.
لقد آمنا بحقنا في الحياة بكرامة، بحقنا في العدالة ، بحقنا في الديمقراطية، بحقنا في المساواة ، بحقنا في دولة قانون ، وهذه مطالب عادلة ولن يحيد عنها شعبنا مهما كانت التضحيات.
اننا نواجه معركة مصيرية امام اعداء يحاولون تدمير بلادنا اليمن وتقسيمها. الوحشية ليست القانون الذي ينبغي ان نرضخ له.