كلمات
كلمة توكل كرمان في حفل توقيع ديوان الشاعر عامر السعيدي - اسطنبول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أود في البداية أن أرحب بكم جميعا في هذا اللقاء الذي يحتفي بالأدب والشعر والفن والجمال. نحن هنا في هذه المناسبة، لتوقيع الديوان الأول للشاعر الجميل والمختلف عامر السعيدي ديوان "أغنية راعي الريح".
لقد كنت مطلعةً على تجربة عامر الشعرية منذ بداياتها، فقد كان أحد أبرز شباب ثورة التغيير، وأحد أكثرهم تجسيدا لمبادئها. جاء عامر ساحة التغيير في جامعة صنعاء وهو لا يملك سوى احلام كبرى بالتغيير، التغيير الذي كنا ننشده ليصبح بلدنا أكثر عدلا وأكثر قوة واستقلالا، وبالإضافة إلى هذه الاحلام، كان لدى عامر موهبة الشعر، كانت كبيرة ومفعمة بالتحدي.
خلال شهور قليلة تعرف كثيرون وأنا واحدة منهم على قصائد عامر، وقاموس عامر الشعري الذي بدا غير تقليدي، لقد أشرقت شمس عامر، وصار الناس ينتظرون قصائده التي تغني الحب والوطن والثورة والجنود والبسطاء.
كان عامر شابا مغموراً، ولم يكن معه سوى الشعر، ليس مهما ان تكون مشهورا لكي تكون كبيرا، ءامن عامر بموهبته، ونحن آمنا به وصدقناه، وما كان أمامنا من خيار، فالشعر الكبير مثل القيامة لا نستطيع رده أو تجاهله.
لم يمر وقت طويل حتى صار اسم عامر واحدا من المع شعراء الشباب، واني افخر بعامر كما أفخر بجيل استثنائي يعيش بيننا اليوم، يحترف الأدب ويكتب الشعر بطريقة مثيرة للاعجاب.
لكم أنا فخورة بشعراء بلادي، بما يملكون من ثقافة وكبرياء وموهبة عالية. فكرت أن أشير لبعض تلك الأصوات الشعرية، لكني سوف أنسى، فالساحة الشعرية اليمنية برغم الحرب ما تزال تثبت أنها قادرة على الابداع برغم قسوة الظروف.
الاصدقاء الاعزاء..
بخصوص الشعر، والفن عموما، كان هناك وجهات متعددة، هناك من يرى أن المبدع يجب أن يكون منفصلا عن الواقع، حتى لا يصبح صوت الأخرين وليس صوته، وعلى العكس من ذلك، هناك من يدافع عن فكرة هذا التفاعل بين المبدع والواقع، إذ أن المبدع بدون الناس واحلامهم وتطلعاتهم ليس سوى صوت يصرخ في البرية دون تأثير.
بعيدا عن هذا النقاش الذي ما يزال مفتوحا حتى اليوم، اختار عامر أن يكون صوته وصوت الناس، فحضرت اليمن التي تكابد الحرب والمليشيات والحلفاء والخصوم، وحضرت مدن اليمن التي تعاني الحصار وظلم ذوي القربى، وهو الظلم الذي يكون أشدَ مرارةً على النفس من وقع الحسامِ المهندِ.
يقول عامر
ياليتني في الحبِّ قلتُ قصائدي..
لكنني بمصائبي مشغولُ
إنَّ الحياةَ هي البلادُ وحظُّنا
فيها قليلٌ ياحبيبُ قليلُ
الاصدقاء الأعزاء..
يعطي الاحتفاء بالمبدعين في الفنون والآداب والعلوم رسالة ايجابية للمجتمع، وخصوصا في زمن الحروب والصراعات المسلحة، هناك ابطالٌ أخرون يستحقون اهتمامنا وحبنا وتقديرنا. إنهم المعلمون والأطباء والعلماء والشعراء والفنانون وكل صاحب عمل حقيقي في خدمة الناس، وفي التعبير عن أحلامهم واوجاعهم مهما كان الثمن.
في هذا السياق، أود التذكير بالحرب الظالمة التي تُدارُ ضد الصحافة والصحفيين في اليمن، يُرادُ أن تتحول اليمن لساحة موت بلا شهود، وهو الأمر الذي يجب أن نقاومه بكل قوة.
بهذه المناسبة أدعو ومن دون تأخير إلى الإفراجِ الفوري وغير المشروط عن جميع الصحفيين في السجون والمعتقلات الحوثية وغير الحوثية، كما أدعو إلى وقف استهداف الصحفيين وارهابهم من خلال قضاء مسيس، وسياسات فاشية.
الأصدقاء الاعزاء..
يمكن لليمن أن تخرج من ورطة الحرب والكراهية، لكن الأمر يتطلب عملا حقيقيا، وتغييرا في السياسات والقناعات، وإيمان صلب بعظمة اليمن، ومعاناة الناس. ما يحدث اليوم، هو ترسيخ لثقافة الكراهية والتخاذل، وبيع الوهم تحت شعار وحدة الصف، فيما هم لم يبرهنوا في لحظة واحدة أنهم قولا وعملا مؤمنون بهذه الفكرة. إن اسوأ شيء أن يكون لديك سياسيين لا يهتمون الا بمصالحهم. اليمن هذا البلد الكبير والعريق لن يرى تحولات ايجابية إذا استمر الوضع الحالي، تغييرات شكلية وحفلة نفاق، سرعان ما سوف تنفض.
الاصدقاء الاعزاء..
هناك محاولة فجة لتزوير التاريخ، يريدون أقناعنا أن احلام الناس هي سبب هذه الحرب. لا أحد مضطر للموافقة على مثل هكذا هلوسات، من يدير المليشيات والمعسكرات ويبيع البلاد من أجله مصالحه هو المسؤول عن ما حدث ويحدث، لا يمكن لعاقل أن يقول خلاف ذلك.
يَتَربَّصُونَ بنا.. يدٌ تَغتَالُنا
ويدٌ محلّقةُ الخيانةِ .. تقصِفُ (يقول عامر)
الناس تعلم من يتسلط عليها، ومن يسرق قوتها، ومن يقتل أبنائها، ومن يساوم على قرارها.
"لولا السياسيون ما ربحَ الجوادُ الخاسرُ"(يقول عامر)
ويوجهنا عامر،
سامحْ بلادكَ فالبلادُ عزيزةٌ
حتى وأنت مُشرّدٌ مُتَخوّفُ
سامحْ بلادكَ إنّ قلبكَ مصحفُ
وحمامةٌ حمراءُ فيكَ ترفرفُ
سامح بلادكَ ما استطعتَ لعلها
يوما من الأيام باسمكَ تهتفُ
يكشف شعر عامر عن احترام وتبجيل للمرأة، في سياق الايمان باليمن الحضاري، وقيمه المدنية.
مِن قبلِ أَن يَقِفَ الأَعرابُ لِامرأَةٍ
كانت بِلادي إِلى بلقيسَ تَحتَكِمُ
ولم تَزَل أَلفُ بلقيسٍ على شَفَتي
لم يَنكَشِف بِاسمِها سَاقٌ ولا قَدَمُ
كَأَنَّ لا بِنتَ فوقَ الأَرضِ تُشبِهُها
وليسَ في النَّاسِ إِلَّاها فَمٌ ودمُ
هنا أَسَامِي اليَمَانِيَّاتِ شَاهقةٌ
كَأَنَّهنَّ سَماءُ اللهِ، أَو نُقُمُ
الاصدقاء الاعزاء..
يرى عامر اليمن كما يراها اليمني البسيط، من دون وصاية أو ولاية أو أغراب.
"نحن اشتهاءُ الاعالي نحن عفتُها
حتى رضا اللهِ لم نطلبهُ إذعانا"
فليقل عامر الشعر، وليبق الشعراء في بلادي كبارا ورسل محبة وجمال، فاليمن لا تعرف الجفاف مهما خاصمها الغيث.
عامر السعيدي..
فخورون بكَ، معجبون بما تكتب، نحن هنا للاحتفاء بديوانك الأول "أغنية راعي الليل"، ونشكرك جزيل الشكر أنك منحتني ومنحت اصدقاءك هذه الفرصة للمشاركة في هذا الحدث المهم والبهي. شكرا لك.