كلمات
كلمة توكل كرمان بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لثورة 11 فبراير
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، كلمة بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لثورة الحادي عشر من فبراير، فيما يلي نصها:
باسم الثورة والجمهورية واليمن الكبير..
باسم كفاح الحركة الوطنية اليمنية التي ناضلت جيلاً وراء جيل من أجل كرامة اليمنيين وحريتهم وحقهم في الحياة والأمن والاستقرار، وحقهم في إقامة دولة قانون يستظلون بظلها كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات..
باسم ثورة الشعب اليمني العظيم، ثورة الـ11 من فبراير الشعيبة السلمية التي كانت تعبيرا عن نضالات شعبنا خلال قرن كامل من أجل بناء دولة حديثة تقوم على مبادئ الحرية والديمقراطية والمواطنة واحترام حقوق الإنسان واحترام سيادة القانون..
أحييكم جميعاً أبناء شعبنا اليمني الأبي في ربوع الوطن؛ جباله وسهوله، شماله وجنوبه وشرقه وغربه، أحييكم جميعا في الداخل والخارج.
تحية الثورة والحرية والكرامة لكم جميعنا شعبنا اليمني العظيم في الذكرى الحادية عشرة لثورة الحادي عشر من فبراير الشبابية الشعبية السلمية.
الاخوة والاخوات..
إن إحياءنا لذكرى ثورة فبراير هو تأكيد للقيم التي مثلت مرجعية الثورة الشبابية الشعبية السلمية، ومن أجلها خرجنا نساءً ورجالاً في ساحات وميادين اليمن وأريافها في عام الحرية والكرامة عام ثورات الربيع العربي2011.
لم نخرج انتصاراً لمستبد، ولا تأييداً لعائلة تستأثر بالسلطة وتفرط بثروات البلاد وتنشر الفساد وتستخدم الدولة وثروات اليمن لإدامة تسلطها وفسادها.
لقد خرجنا لأن سنة الحياة هي التغيير. لقد ثرنا لأن من حق الشعب بجميع أفراده وفئاته ومناطقه وجهاته أن يكون صاحب القرار وأن يختار من يحكمه ومن يحاسبه ويعزله عندما يخطئ ويستبد ويستخدم مؤسسات الدولة لفرض نفسه حاكماً أبدياً يورث السلطة من بعده لعائلته.
إن الصراع كان بين اتجاهين؛ الأول اتجاه يمثل من يكافحون من أجل الدولة الحديثة والقيم التي أنجزت عبر تاريخ المجتمعات الطويل من أجل ان يكون الناس هم من يقررون من يحكمهم، والاتجاه الاخر يمثله من يعملون لمصادرة هذا الحق والوقوف ضده ووضع العراقيل أمامه، وهو صراع طويل ومستمر عبر تاريخ البشرية، وما يزال، وسوف يستمر.
لا ضمانة لنا سوى التمسك بحقوقنا في المواطنة والشراكة والعدالة.
الخلاصة طالما وُجد من يسعى لاستعباد الناس وحكمهم بالغصب والادعاء بالتميز عن الآخرين، فسوف يُوجد ثورات ومكافحون من أجل الحرية والكرامة والمواطنة والمساواة.
ليسوا سادةً ولسنا عبيداً. لم نقبل استبداد الفرد وعصبيته القبلية، ولن نرضخ لاستبداد الكهنوت الإمامي وادعاءاته بالاصطفاء الإلهي.
الاخوة والاخوات..أبناء شعبنا اليمني العظيم..
للاسف السلطة في اليمن استخدمت لإهدار ثرواتها ومستقبل اجيالنا وما يعانيه شعبنا اليوم هو حصاد نظام المخلوع علي صالح، حصاد التدمير الممهج لنظامه للدولة ومؤسساتها، حصاد اضعاف المجتمع وزرع الانقسامات وتغذية العصبويات والتطرف والطائفية والارهاب.
إن هذا الارتداد المظلم وتكالب الأعداء على بلادنا وشعبنا، هو في جوهره امتداد لحرب الثورة المضادة ضد ثورة 11 فبراير، لا نتيجة لها. هذه الحرب المستمرة على اليمن هي حرب قامت لمواجهة يقظة شعبنا العظيم التي جسدتها ثورة 11 فبراير. هي حرب واحدة بدأت بانقلاب الحوثيين وحليفهم المخلوع علي صالح على الدولة ومخرجات الحوار الوطني، وأكملها من بعد ذلك، الخارج وأعني هنا تحالف السعودية والإمارات المعادي لليمن والمعادي لثورات الربيع العربي.
إن هؤلاء المعادين لثورة 11 فبراير يريدون شعبنا أن يندم على ثورات كرامته وحريته وانعتاقه. انهم يحاولون اجبار شعبنا على الندم على قيامه بثورة 11 فبراير، وعلى قيامه بثورتي السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر، ويوم وحدة وطنهم المجيد في الثاني والعشرين من مايو.
ما الذي يقدمه أعداء شعبنا لكي نندم عن ثوراتنا وكفاحنا من أجل الكرامة والمواطنة والدولة العادلة؟ لم يقدم أعداء ثورة 11 فبراير لليمن إلا الدمار والميليشيات والتجويع والإفقار والحصار والألغام والصواريخ وقصف المدنيين بالدبابات والطائرات.
على ماذا نندم؟
إن كل ما يواجهه شعبنا وبلادنا من مأساة مستمرة ستدخل عامها الثامن، يجعلنا أكثر تمسكاً بما خرجنا من أجله في ثورة 11 فبراير.
إن كفاح الشعوب من أجل دولة حديثة، دولة القانون والمواطنة، سيادة الشعب وحقه في المواطنة والكرامة واحترام حقوقه الأساسية، لم ينتهِ رغم ما حفل به التاريخ من مراحل مظلمة ومستبدين وديكتاتوريات وكهنوت ديني ومذهبي.
مرت على شعبنا اليمني الكثير من الفترات المظلمة، وذهب الأئمة والمستعمرون والطغاة إلى مزبلة التاريخ وبقيت اليمن شامخة لا تهزمها عاديات الزمن، وبقي الشعب اليمني يقود الثورة تلو الأخرى ليقول إن الشعوب لا تُهزم ولا تقبل الاستكانة للظلم والاستعلاء والتجبر والكهنوت.
الأعزاء والعزيزات ابناء شعبنا اليمني العظيم..
إن ثورة 11 فبراير صفحة ناصعة من وثبات الشعب اليمني التاريخية، وهي ثورة مستمرة حتى اليوم بتمسكنا بالأهداف والمبادئ التي شكّلت روح فبرابر، وتمسكنا بانتمائنا لبلادنا اليمن التي تقاوم حربا داخلية وخارجية، حرب تستهدف اليمن؛ الدولة والجمهورية والسيادة والاستقلال.
إن الهزيمة هي أن نستسلم لمنطق العدو وآلته التبريرية، وذلك لم يحدث ولن يحدث. إنهم على الباطل ونحن على الحق.
من يستحق المحاكمة اليوم ليس شباب 11 فبراير السلميون الذين رفعوا شعارات الحرية والتقدم والانعتاق من الظلم والاستبداد والتخلف. من يستحق المحاكمة هم المجرمون الذين تآمروا وانقلبوا على الدولة والاجماع الوطني.
من يستحق المحاكمة هم من قصفوا المدن وزرعوا الألغام وارتكبوا أبشع الجرائم بحق شعبهم وبلادهم.
من يستحق المحاكمة هم من يقصفون اليمن بطائراتهم ويقتلون الأبرياء ويروعوا الآمنين في المدن اليمنية.
من يستحق المحاكمة هم أولئك الذين يعملون في خدمة السعودية والإمارات وإيران، ويجندون أنفسهم لخدمة المصالح الخارجية وأطماعها في اليمن.
لذلك، أجدد دعوة المجتمع الدولي إلى محاكمة مجرمي الحرب في اليمن امام محكمة الجنايات الدولية أو إنشاء محكمة دولية تختص بالتحقيق في الانتهاكات التي تم ارتكابها بحق الشعب اليمني خلال هذه الحرب. من المهم تأسيس مبدأ عدم الإفلات من العقاب، من ارتكب جريمة حرب يجب أن تتم محاسبته، وعلى رؤوس الأشهاد، هذا حق الناس، وحق الضحايا، وحق اليمن.
الأعزاء والعزيزات، اليمنيون الأحرار
في الذكرى الحادية عشرة لثورة 11 فبراير أوجه الرسالتين التاليتين:
الرسالة الأولى إلى شعبنا اليمني العظيم، وأخص بالذكر كل من آمن من أبناء شعبنا بثورة 11 فبراير وشارك فيها وخفق لها قلبه ووجدانه.. أقول لكم جميعا إن الثورة لا تقاس بالأهداف السريعة التي تحققت والتي لم تتحقق. الثورة حركة تغيير مستمرة، ومن يخرج من أجل النضال من أجل هذه الاهداف لا يرهن نجاحه أو فشله بما يواجهه من تحديات. كل ثورة تواجه حربا من قوى النظام القديم الذي ثارت عليه، أما نحن في ثورة 11 فبراير اليمنية فقد واجهنا النظام القديم، وبجانبه السعودية والإمارات حيث مركز الثورة المضادة للربيع العربي، وواجهنا في نفس الوقت إيران والمليشيات الحوثية المدعومة منها. لقد رأوا في ثورتنا خطرا يهدد ممالكهم ودويلاتهم، ورأوا فيها منعطفا تاريخيا سيدفع المنطقة كلها نحو التغيير الديمقراطي وهذا مالا يريدونه.
الثورات المضادة في كل دول الربيع العربي هي من تحكم الآن، طبعاً ليس في هذا الاقرار أي انهزام أو ارتداد عن الثورة أو خيانة لحلمها العظيم، ما نعيشه حالياً من كوارث وحروب هو بفعل الثورات المضادة، وما سنشهده لاحقاً من كوارث وانحطاط بالطبع هو من انجازاتها ليس فقط على صعيد الامن والاستقرار وعلى صعيد غياب الحريات لكن ايضاً على صعيد المستوى الاقتصادي والتنموي.
والسؤال؛ لماذا نحتفي إذا؟ لماذا الاحتفال بذكرى الثورات المغدور بها؟ نحتفي بفخر كبير بالكفاح العظيم في سبيل الحرية الذي خضناه ضد انظمة استبدادية خيل لها وللعالم أن ليس هناك من سيجرؤ للثورة عليها وليس هناك من يمتلك القدرة على التضحية لمواجهة قمعها. لقد كانت ثورتنا سفراً خالداً عظيماً للكفاح في سبيل الحرية سيخلذه التاريخ على هذا النحو وستحتفي به امتنا حتى بعد ألف عام بعيداً عن كل ضجيج الثورات المضادة وادواتها وذبابها ولجانها. من قال ان الثورات التي لا تنتصر وصمة خزي وأنه يجب ان يجري ازدراء تضحياتها او التقليل منها. الثورات التي تقدم التضحيات والتي يبدو ان انظمة القمع والثورات المضادة أقوى منها هذه الثورات جديرة بالاحتفاء اكثر من غيرها وهي تستحق التمجيد والفخر على قدر المخاطر والتضحيات التي دفت من قبل ومن بعد.
عبور الشعوب الى ضفاف الحرية والرفاه والاستقلال والرخاء يمر عبر جولات كثيرة من الثورات هذا العبور حتمي والنصر فيه قادم لامحالة.
رسالتي الثانية حول السلام في اليمن والمساعي لتحقيقه، وهي رسالة موجهة إلى من يسعون من أجل السلام في اليمن من دول العالم وفي مجلس الأمن والأمم المتحدة، وكل من يهتم بتحقيق السلام في اليمن:
السلام مطلب الشعب اليمني، وأعداء السلام هم الميليشيات الانقلابية الحوثية وإيران والسعودية والامارات. الحوثي جماعة طائفية تحاول اعادة الماضي الإمامي البائس. أما إيران والسعودية والامارات، هدفها تقسيم اليمن، وتقاسم النفوذ على ثرواته وسواحله. إن العالم كله اليوم مطالب بالضغط على إيران والسعودية والإمارات لإيقاف عبثها باليمن. من المهم أن يكون هناك حشد، ضغط دولي على التحالف السعودي الإماراتي وعلى ميليشيا الانقلاب الحوثي وداعمها الايراني، هذا واحد من أهم مفاتيح انهاء الحرب في اليمن.
السلام يحتاج الى وضع حد للتدخلات الإيرانية والسعودية والاماراتية التي تستخدم أدواتها لإدامة الحرب.
ولكي يصبح السلام حقيقيا وليس مجرد هدنة، ينبغي أن يكون الهدف النهائي هو عودة الدولة اليمنية، وطي صفحة الميليشيات، ورفع الوصاية السعودية الإماراتية عن القرار اليمني، وعن سواحل اليمن وجزرها وموانئها البرية والبحرية ومناطق ثرواتها النفطية.
هنا نعيد التأكيد على أن اتفاقية نقل السلطة ممثلة ب "المبادرة الخليجية"، ومخرجات الحوار الوطني، كانتا نتيجة للثورة الشعبية في 2011. وأصبحتا مرجعيتين اساسيتين لاستعادة الدولة الشرعية في اليمن، إضافةً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، التي أكدت على انهاء الانقلاب واحترام أمن اليمن واستقراره ووحدته.
وبعد هذه الحرب الفاشية ضد شعبنا، فإن استكمال عملية نقل السلطة والاستفتاء على الدستور الجديد وإجراء الانتخابات هو خارطة الطريق الوحيدة لإنهاء الحرب وارساء السلام والأمن والاستقرار في اليمن.
إنهاء الحرب يعني بالنسبة لنا عودة اليمن والدولة اليمنية الاتحادية الموحدة. ما رفضنا قبوله بالحرب لن نقبله بسلام زائف يضفي الشرعية على الوصاية السعودية الإماراتية والانقلاب الحوثي ونفوذ إيران، ويمزق بلدنا ووطننا الكبير.
جوهر ثورة فبراير هي الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. ليس هناك مخرج الا التسليم بان حكم اليمن لا يجب ان يكون بالوراثة او بالقوة وان من يريد ان يحكم اليمن فعليه نيل موافقة غالبية اليمنيين بانتخابات حرة ونزيهة وان يكون ذلك لفترة محددة.
أحد أهم دروس فبراير ان استمرار الحاكم في منصبه سنوات طويلة يضعف هيبة المؤسسات ويقضي على نزاهة الحكم ويسهم في توريث السلطة وهذا كله بالتأكيد يقود إلى الخراب.
الاخوة والاخوات ابناء شعبنا اليمني العظيم..
في الختام أود القول إن هذه الحربة ستنتهي يوماً بعد شهر أو بعد عام لكن المهم ان تتنتهي وقد تعلمنا جميعاً انه يمكننا العيش معا وانه لا يمكن لاحد ان يفصل اليمن على مقاسه او مقاس أسرته وسلالته.
المجد لليمن الكبير والعصي على الكسر.
المجد للشعب اليمني العظيم.
المجد للإنسان حراً كريماً ومكافحاً من أجل العدالة والحرية والحياة الكريمة، والخزي للقتلة والمستبدون وأعداء الحياة ومن يبرر لهم ويتبعهم إلى يوم الدين.
الرحمة لشهداء ثورة فبراير وكل شهداء اليمن الذين رحلوا واليمن في قلوبهم، لم يغيروا أو يبدلوا تبديلا..