كلمات
كل شيء يبدأ من التعليم. لطالما اعتقدت أن التعليم بوابة لكل تطور ولكل نجاح ولكل تغيير. واتساقا مع هذا المعنى، فإن التعليم عنصر أساسي في التنمية، إذ لا يمكن الحديث عن التنمية بمعزل عن التعليم، إذا كان لديك تعليم جيد، فإنك ستحقق تنمية وتطور وحياة كريمة للناس، أما إذا اعتبرت أن هناك انفصالا بين الأمرين، فغالبا ما تكون النتائج سيئة للغاية.
عام 2012 شكلت الأمم المتحدة لجنة مكونة من 26 شخصية مرموقة لتحديد أهداف جديدة للتنمية المستدامة كنت أحد أعضائها. وقد ضمت اللجنة دافيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الذي كان رئيس للجنة التي ضمت شخصيات مهمة مثل رئيس ألمانيا السابق كولر، ورئيس اندونيسيا بامبانغ، ورئيسة ليبيريا جونسون سيرليف، والملكة الأردنية رانيا ورئيس الحكومة الياباني السابق ناوتو كان، وغراسيا ماشيل زوجة نلسون مانديلا، ووزير خارجية كوريا الجنوبية كيم سونغ-هوان، ووزيرة الخارجية المكسيكية باتريسيا اسبينوزا، وغيرهم من الشخصيات المهمة والناجحة.
توصلنا بعد نقاشات مستفيضة إلى تحديد 17 هدف للتنمية المستدامة، واعتبرنا الهدف الرابع هو التعليم الجيد. لاحظنا أنه منذ العام 2000، تم إحراز تقدم هائل في تحقيق هدف تعميم التعليم الابتدائي. إذ بلغ معدل الالتحاق الإجمالي في المناطق النامية 91 في المائة في عام 2015، وقد صاحب ذلك، انخفاض في عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في العالم بنسبة النصف تقريبا، لكن تزايد الصراعات المسلحة وحالات الطوارئ الأخرى في عدة بلدان في المنطقة، وما صاحبها من زيادة كبيرة في معدلات الفقر، أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد الأطفال خارج المدارس. خرجنا بنتيجة مفادها أن تحقيق التعليم الجيد والشامل للجميع يؤكد على القناعة بأن التعليم هو أحد أكثر الوسائل قوة وثباتا لتحقيق التنمية المستدامة.
التعليم يوفر المعرفة اللازمة لصنع أي تغيير وتقدم، كما يوفر إمكانات مهمة للأفراد لعمل إنجازات شخصية أو جماعية ويساعدهم على التدريب والتعلم، من هنا يمكننا القول، إن هناك علاقة وثيقة بين التعليم والتنمية. يرى أنطونيو غوتيريش أمين العام التاسع للأمم المتحدة، إنّ التعليم هو السبيل إلى التنمية الذاتية وهو طريق المستقبل للمجتمعات، فهو يطلق العنان لشتى الفرص ويحدّ من أوجه اللامساواة. وهو حجر الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات المستنيرة والمتسامِحة والمحرك الرئيسي للتنمية المستدامة.
لكي نستطيع أن ننجز تنمية اقتصادية ونقلل من مستويات الفقر وصولا للقضاء عليه، يجب أن يكون لدينا قدرا كبيرا من الكفاءات في مجالات الطب والتمريض والصحافة والهندسة وغيرها من التخصصات والمهن التي تحتاج لتدريب. كما يساعدنا التعليم في تدريب الأفراد على مهارات مهمة يتطلبها سوق العمل، والحياة بشكل هادئ. ومن هنا، تعمل العديد من الحكومات على الاهتمام على الاستثمار في التعليم، والتدريب على سوق العمل.
أود أن أشير إلى جانب مهم عادةً لا يأخذ حقه من النقاش، وهو أن التعليم يمكن استثماره في توطيد السلام الداخلي للبلدان التي تعاني من صراعات متعددة. إن الحروب والصراعات صنعت دمارا في كل مناحي الحياة. لا شك أن التنمية تأثرت بسبب الحرب، وبمستوى التعليم، لذلك سيكون من الضروري إذا أردنا البدء في إحداث تنمية، علينا أن نهتم كيف يحصل الناس على التعليم وكيف يمكن استغلال ذلك في إحداث تطور اقتصادي وحضاري كبيرين.
لقد فرض وباء كورونا تحديات كبيرة أمام التعليم، الأمر الذي سينعكس على التنمية، ولذا يجب بذل المزيد من الجهود والعمل على تذليل الصعاب أمام جودة التعليم، فهذه البداية لصنع تنمية. لقد واجهت العملية التعليمية أوقاتا صعبة خلال العامين الآخرين، لذلك يجب التفكير جديا في كيفية سد تلك الفجوة حتى لا يتأثر الاقتصاد والتنمية في نهاية المطاف.
في هذا السياق أشار أنطونيو غوتيريش الأمين العام التاسع للأمم المتحدة إلى دور التعليم المتعدد الأوجه لا ينحصر في مجال الاستدامة في جانبه الإيجابي، إذ يمكن أن يعزز ممارسات غير مستدامة، ومن ذلك الاستهلاك المفرط للموارد، والإسراع في تآكل معارف السكان الأصليين وطرق عيشهم ذات الاستدامة النسبية. لذلك قد يتطلب الأمر تكييف التعليم وتحويله لضمان تأثيره الإيجابي.
وباعتقادي أن تأثير التعليم لا يكون كبيرا على التنمية إذا أهمل النساء. للأسف الشديد فإنه على الرغم من التطور الكبير فيما يتعلق بتعليم المرأة في كثير من الدول الفقيرة، فإن الحروب والصراعات التي حدثت هنا وهناك قد سلبتها أبسط حقوقها وهو التعليم. إن إخراج النساء من العملية التعليمية سوف يؤثر بشكل مباشر في التنمية، إذ لا يستطيع مجتمع من المجتمعات أن يحقق نهضة دون أن تكون المرأة عنصرا فاعلا.
الشعب المتعلم والذي يهتم بجودة التعليم هو شعب لديه الإمكانات المختلفة لصنع شيء مهم، أما الشعب الذي لا يهتم بالتعليم، فإنه يعاني اقتصاديا، ويكاد يصبح فريسة للجوع والفقر.
لنقم بدورنا في هذا الشأن، علينا أن نسعى لتحقيق جودة التعليم، كمدخل مهم للتنمية والتطور السياسي والاقتصادي، وكذا لإحداث تغييرات إيجابية على الصعيد الاجتماعي. علينا أن ندرك صعوبة إحداث تغيير في مستوى حياتنا دون تعليم جيد، سواء كان تعليما عاديا أو مهني يتطلب التدريب والتجريب.
أخيرا، ربما يتوجب عليّ القول إن العديد من الدول الفقيرة تنفق جزء كبير من أموالها ودخلها القومي لشراء سلاح، مهملة التعليم والتنمية، وهذا الأمر له نتائج كارثية.
أدعوها للتراجع عن هذه السياسات السيئة، التعليم والتنمية جنبا إلى جنب، أما الحرب فيجب أن تظل بعيدا.