كلمات
خطاب توكل كرمان في مؤتمر الصراع والمناخ والمجتمع المدني - كلية كينغ لندن
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، الكلمة الافتتاحية الرئيسية في مؤتمر "الصراع والمناخ والمجتمع المدني: مواكبة الاستقرار والتحديات والتغييرات من إيران إلى الخليج" الذي نظمه معهد دراسات الشرق الاوسط (King's Middle East) التابع لكلية كينغ لندن، ومقره العاصمة البريطانية لندن، فيما يلي نصها:
أعزائي عزيزاتي:
دعونا نبدأ حديثنا عن الصراع والمناخ والمجتمع المدني واالنظام الأيكولوجي للطبيعة وعلاقة ذلك بالتغيير وما هو المطلوب منا كبشر نعيش معا على هذا الكوكب من هذه الجزئية:
كثيرون في هذا العالم ، وبالذات في دول العالم الثالث، وتحديدا في منطقة الخليج العربي وإيران حيث الطائفية التي بعثتها ايران وانتشرت في الشرق الاوسط مدمرةً البلدان والمجتمعات، حيث ثقل الحياة والإفتقار للمتطلبات الأساسية للعيش اليومي والإفتقار للأمن وحكم القانون وانتشار الحروب في بعض هذه الدول، كثيرون هناك يعتقدون أن الحديث حول مشاكل المناخ وارتفاع درجة الحرارة والبيئة، وتدمير المنظومة الأيكولوجية الطبيعية، تعتبر قضية أقل أهمية من معاناتهم اليومية، وربما يعتبره بعضهم قضايا خاصة بالعالم المتقدم الذي توصلت دوله ومجتمعاته لحل إشكالياتها الأساسية في بناء دولة القانون والمواطنة وأقامت أنظمة ديمقراطية تمكن هذه الشعوب من إختيار حكامها ومحاسبتهم وتغييرهم بناءا على معايير التزامهم بالمصلحة العامة للمجتمع وتحقيق أولوياته وطموحاته.
ربما ينبغي علينا إدراك الحقائق كما هي؛ في ايران نظام مذهبي سلالي يفرض قبضة شمولية وآخر ما يخطر على البال ان تهتم دولة كهذه بالمناخ والاستقرار البيئي والاقتصادي. في دول الخليج دويلات استهلاكية استقرارها الاقتصادي قائم على طفرة النفط ولا يدخل قاموسها إيجاد تنمية متوازنة تأخذ في اعتبارها البيئة المحيطة والمناخ.
مع ذلك، أرى ان النظرة التي تتجاهل ارتباط الاقتصاد والنمو بالمناخ والبيئة، هي نظرة قاصرة وتحكمها الانفعالات. سواء صدرت عن فئات مجتمعية ترزح تحت الاستبداد والفقر والقهر، او عن حكومات استهلاكية او ايديولوجية كما هو الحال في الخليج وإيران.
مشكلات المناخ وارتفاع درجة حرارة الارض وما يتعرض له النظام الأيكولوجي الطبيعي بسبب نمط الصناعة والاقتصاد وطرق الحياة التي يتبعها البشر في العصر الحديث، هذا موضع أهمية قصوى.
إن الاهتمام بالمناخ والطبيعة يمثل معيارا بين طريقتين للتفكير ومنهجين للحياة. الأول آلي قائم على ايديولوجيات لا تعير اهتماما بالبيئة والمناخ، ويقوم على التناقض مع الطبيعة والنظام البيئي ولا يعيرها أي إهتمام. والثاني منهج حيوي يهدف إلى الإنسجام مع النظام الأيكولوجي الطبيعي والتكامل معه والحفاظ عليه وليس تدميره.
لقد تشكلت روابط شبكية عبر العالم ضمت شبكات متنوعة عبر العالم تضم منظمات مدنية وشبكات حقوق الانسان والمدافعين عن البيئة ومئات المنظمات المدنية وتيارات سياسية تتبنى رؤى تدعو الى وقف تدمير النظام الطبيعي وتنادي بإعادة صياغة حياتنا بالإنسجام مع النظام الأيكولوجي الطبيعي وليس خصما منه وحربا عليه.
ان نضالنا اليوم من أجل حماية البيئة والنظر في المشكلات الملحة المرتبطة بالنظام البيئي والزيادات المخيفة في معدلات ارتفاع درجة حرارة الأرض وغيرها من مشكلات بيئية وايكولوجية لا يتناقض مع نضالاتنا وسط مجتمعاتنا من أجل العدالة وتوفير فرص العيش الكريم للبشر ومن أجل نظم سياسية حيوية تضمن قيام حكم القانون والمشاركة الشعبية في صناعة القرار وقدرة السكان في كل مجتمع على الرقابة على حكامهم وفرض أولوياتهم على الإدارات السياسية المتعاقبة.
انه توجه واحد سنبني تحالفاته العابرة للقارات والجنسيات، توجه ينطوي على رؤى مشتركة حول المناخ والنظام الأيكولوجي ومنظوراتنا لإعادة صياغة حياتنا بالتكامل مع البيئة من حولنا لا ضدا عليها وتدميرا لها.
توجه عالمي يمتد من النضال من أجل حقوق الانسان والديمقراطية وحقوق المرأة إلى موقف يعطي أهمية أكبر للتكامل بين المنظومات البشرية والمنظومة الايكولوجية الطبيعية.
ان الاستقرار البيئي والاقتصادي ينبغي ان يكون توأم المنظور الأيكولوجي للطبيعة والمناخ.
كانت الحياة في انبثاقها الأول قائمة على هذا التكامل بين حياة البشر والشجر والحيوانات والنباتات، ونضالنا اليوم يتجه في أهدافه التكاملية في طريق تقربنا ولو خطوة بعد الأخرى من هذا الإنسجام المفقود والبعيد عن نمط حياتنا اليوم.
فرض المنظور الأيكولوجي القائم على ضرورة التكامل بين نشاطاتنا البشرية والطبيعة، رؤية ليس بإمكان عالم اليوم تجاوزها إذا أراد البقاء والإستدامة.
ان المجتمعات البشرية في عالم اليوم بحاجة اكثر من أي وقت مضى إلى تصميم أشكال حياتنا من الأعمال والأقتصاد والعلاقات الدولية والتجارة والصناعة بطريقة تضمن التكامل مع الطبيعة وتحد من التدخل والإضرار بقدرات الطبيعة المتأصلة فيها على إبقاء الحياة وضمان إستدامتها.
إن هذا التكامل الذي نسعى إليه يتبلور في عالم اليوم بإعتباره ضرورة حياتية لا ترفاً فائضاً عن الحاجة.
إننا نتطلع إلى إرساء قواعد جديدة للعلاقات الدولية وتنظيم التجارة العالمية والإقتصاد بطريقة منظومية جديدة تمنع قيام الحروب التجارية وتحمي مصالح الدول الفقيرة وتصون الطبيعة وتمنع الإضرار بها وتجرمه.
الأصدقاء والصديقات:
ان ما حدث في بلداننا قبل عشر سنوات قد حدد أولويات مجتمعاتنا وقضاياها وأولوياتها.
لقد تعلمنا من ثورات الربيع العربي اننا يجب ان نبني تحالفات عالمية عابرة للقارات في أوساط المجتمع المدني العالمي وفي أوساط المجتمعات في بلدان الغرب وفي كل العالم. لقد ثرنا في 2011 ضد الديكتاتوريات المحلية في بلداننا، فوجدنا ان الانطمة الديكتاتورية في الإقليم وخلفها النظام العالمي يقفان في مواجهتنا.
لقد شنوا حربا ضروس ضد ثوراتنا السلمية وتداعت المصالح من قلب الديمقراطيات الكبرى الى الأنظمة الكهنوتية في السعودية وإيران لتواجه ثوراتنا السلمية بوسائل متنوعة ومتعددة المسميات.
نضال واحد وعالم واحد. وبدون ادراك هذه الحقيقة سنبقى جزرا متفرقة امام غول عالمي توحده براميل النفط وأنابيب الغاز والشركات الواقفة خلفها والإدارات السياسية المنتظمة حولها والأنظمة المتخلفة القائمة عند اطرافها.
قبل 2011 كانت الانتخابات والديمقراطية قد تحولت الى كلمات مفرغة من معانيها. تم اختراق الإعلام وتفريخ الأحزاب واحتواءها وتشكيل منظمات حقوقية موازية تعمل تحت عنوان المدنية بينما تخدم الإستبداد وسياساته لإحتواء الديمقراطية الشكلية وإستمرار التحكم بالسلطة واستخدامها لإعاقة بناء الدولة الوطنية دولة القانون والعدالة. كانت هذه المسميات مفرغة من مضامينها ووصلت الأنظمة المستبدة ومعها مجتمعاتها الى طريق مسدود. لقد كانت الثورات نتيجة طبيعية لفشل الإنتقال المرن والمتدرج نحو الديمقراطية. الديمقراطيات الناشئة كانت كانت شكلا لا يتطور ولم يحدث أي تراكم وبقيت غطاءً لإستبداد مقنع يورث الجمهوريات ولا يحقق تنمية ولم يبني تعليما حديثا ولا بنى تحتية للاقتصاد، ولم ينتج سوى افقار الغالبية العظمى من الشعوب ورميها في قاع الفقر ومدن الصفيح ومستويات ما دون الفقر والجوع والافتقار للمأوى والسكن وكل متطلبات العيش الكرام. لقد فشلت هذه الانطمة ولم تنجح في التنمية ولم تنتقل الى الديمقراطية وورثت الحكم في الجمهوريات. لقد تأخرت الثورات وكان ينبغي ان تحدث في نهاية الثمانينات. ان ما نحصده اليوم هو نتيجة السكوت على الإستبداد وتركه يدمر مجتمعاتنا من داخلها ويهيء بلداننا للانهيار ، وليس بسبب الربيع العربي.
نلتقي اليوم لاعادة استشراف المستقبل في ظل ما يشهده العالم من إرتداد عن الديمقراطية وانتكاسة في التوجهات العالمية المساندة لمنظومة القيم الحديثة التي سادت في التوجهات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الحرب الباردة نهاية التسعينات من القرن الماضي.
نلتقي اليوم للحديث عن تأثيرات المناخ والمجتمع المدني والتغيير ومشاركة المرأة بينما تصعد من جديد حركات شوفينية الى الواجهة ، حركة طالبان في أفغانستان ، والميليشيات الحوثية في اليمن ، وهما حركتان عادتا من القرون الوسطى لتأخذا مكانا في عالم الرقميات والإنترنت ، عالم القرن الواحد والعشرين.
عالم لديه الإستعداد للاعتراف بميلشيات متطرفة ترى وجود المرأة عورة وتسعى للتسلط على مجتمعاتها واستعبادها وتجرم الفن وتعادي الحريات وتصادر الحقوق ، بينما هذا العالم ونظامه العالمي ودوله الكبرى تعادي الربيع العربي وتطلعات شعوب ثارت من اجل الحربة والكرامة وحقوق الانسان والديمقراطية.
عالم اليوم يرى في طالبان أمرا واقعا ينبغي التعاطي معه بينما رأى في ثوراتنا السلمية الحضارية جرما لا يُلتَفت ولا يستحق الاعتراف به.
عالم اليوم لديه الاستعداد للتفاوض وإيجاد التسويات مع دولة كهنوتية ارهابية مثل ايران تسعى لصنع الأسلحة النووية، واغماص عينيه عن ميليشات طائفية مذهبية مدعومة منها دمرت العراق واليمن وسوريا ولبنان ، بينما رأى قبلها في التحولات الديمقراطية التي بشر بها الربيع العربي خطرا كبيرا.
تخلى عنّا العالم وترك الأحلاف الإقليمية للمحاور المعادية للديمقراطية في ايران والسعودية تعلن الحرب الانتقامية على مجتمعاتنا لا لشيء الا لأننا أردنا ان نكون بشرا مثل بقية البشر، وثرنا سلميا من اجل الكرامة ودولة القانون والمجتمع المدني والمساواة وحقوق الانسان.
دعونا نقول ان عالمنا يسوده نظام عالمي مأزوم وغير قابل للبقاء وقد آن اوان تغييره.
وعندما أتحدث عن نظام عالمي فانا اقصد هذا الإرتداد الصريح عن القيم الديمقراطية وحقوق الانسان.
كيف يرى عالم اليوم ودوله الكبرى نظام مثل نظام الأسد في سوريا؟كيف يقبل العالم الديمقراطي الغربي المتحضر اعادة دمج نظام قاتل مثل نظام الأسد ، نظام طائفي قتل مليون سوري وشرد خمسة ملايين واستدعى ايران وميليشياتها وبجانبها روسيا لكي يشاركونه حربه ضد شعبه؟
ما الفرق بيم ميلوسوفيتش وبشار الأسد، وما الفرق بين مذابح الإبادة والنظم الاجرامية ، وهي في منطقتنا أقسى وأوسع وأمر؟!
ما الذي يتبقى اليوم من شعارات الدول الديمقراطية الكبرى في أوروبا وأمريكا والغرب عموما الذي شكلت الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان عناوين سياساته وشعاراته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟.
عالمنا اليوم أقل حرية وأقل ديمقراطية ، والمجتمع المدني في تقلص مستمر ، وما حققته النساء من مكاسب خلال الثلاثين عاما الماضية وضع مجددا في طريق العد التنازلي مع احتدام الثورات المضادة للربيع العربي.
المجتمع المدني والقيادة النسائية ومشاركة المرأة والمساواة والديمقراطية كانت جزء أساسي من اجندة التغيير قي البلدان العربية لكنها خُذِلت وواجهت حروب إبادة جماعية.
العودة مجددا الى التركيز على المجتمع المدني ومشاركة المرأة يأخذ اليوم معاني جديدة. ان ذلك يؤدي الى اعادة الاعتبار لثورات التغيير العربية ، لا العودة الى الهوامش الميتة لما قبل 2011 حين كانت الانطمة قد احتوت الجهود الدولية لدعم المجتمع المدني وحولتها الى فعاليات تجميلية لانظمة مستبدة.
هل نقبل ان تكون قضايا المجتمع المدني وحقوق المرأة والتغيير الديمقراطي رتوشا على وجوه أنظمة ضربت أرقاما قياسية في حروبها ضد الشعوب الثائرة في الربيع العربي!!
هل يصمت العالم عن وأد الثورات السلمية في مصر وتونس وسوريا واليمن ونعود الى نفس الاليات لما قبل الربيع العربي ؟ في تلك السنوات كانت موجة الحديث عن المجتمع المدني ومشاركة النساء عملا روتينيا وظيفيا لمنظمات دولية ومحلية تعقد الندوات في الفنادق وينتهي الامر بالتقاط الصور.
بقيت هذه الفعاليات معزولة قي سياجات محدودة ولم تصل لتلامس فئات وآسعة قي مجتمعاتنا التي تتوق للتغيير والديمقراطية ومكاسب الدولة الحديثة في الحقوق والحريات والمساواة بين الرجال والنساء.
لقد كان الحلم بالمجتمع المدني وحقوق الانسان ودولة القانون والمساواة بين الرجال والنساء دوافع ثورات الربيع العربي بداية العقد الماضي.
اذا أردنا ان نكون صادقين مع انفسنا فان كل عنوان يطرح اليوم عالميا حول هذه القضايا يعيدنا الى قضية الربيع العربي.
القفز فوق الربيع العربي هو تطبيع مع الايادي الملطخة بدماء شباب وشابات مثلوا رموزا للتطلعات نحو المجتمع المدني والمساواة وحقوق الانسان.
سنفقد ثقتنا بانفسنا وايماننا بقضيتنا لو مضينا في افراغ مفاهيم التغيير والديمقراطية والمجتمع المدني ومشاركة المرأة من مضامينها وقبلنا باعادتها الى طقس احتفالي في صالات فندقية معزولة عما شهدته مجتمعاتنا من ثورات وحراك مجتمعي ، وما تلى ذلك من صراعات وحروب ومواجهات بين قوى التغيير وقوى الاستبداد وحلفاءها من الميليشات المتطرفة والمحاور الإقليمية المعادية للحرية والديمقراطية.
عالمنا اليوم يعيش حالة تحول لا مثيل لها ، وما كل هذه الاختلالات والحروب وإنبعاث العنصرية وفقدان المعنى والتوازن الا دلائل على نهاية العالم القديم وتهالكه. العالم القديم ينهار والعالم الجديد لا زال غائما وبلا ملامح ، ولكنه سيأتي بإرادتنا وقوة ايماننا بالحياة التي نستحقها.
العالم الجديد لن يكون الا ما نؤمن به. وكلما كانت قوة ايماننا بحقوقنا وإنسانيتنا وآدميتنا وكرامتنا وحريتنا راسخة في ذواتنا كلما اقتربنا من الحياة التي نريد والعالم الذي نتطلع اليه ونأمل به وبقدومه.
أعزائي عزيزاتي:
أمامي مصفوفة واسعة من العناوين يمكن ان أتحدث فيها ، ولكن دعوني أتحدث عن بلدي اليمن ، كحالة إنسانية نموذجية للمأساة الإنسانية.
هنا تجدون القهر ممارساً من ميليشات طائفية أرهابية تدعمها إيران ، كما تجدون نمطاً من الإمارات النفطية الخليجية تنفرد ببلد فقير وتستفرد به وتحاول أن تحتل جزره المهمة وسواحله وثرواته.
في اليمن ميليشات تسمى ميليشات الحوثيين قادت انقلابا على الدولة وتفرض على أكثر من نصف سكانه نظام عبودية قروسطي يفوق النموذج الطالباني في أفغانستان.
في اليمن تساند إيران ميليشا طائفية إرهابية تدعي أحقيتها الإلهية بالسلطة وتستعبد عشرين مليون يمني وتمنع عنهم المرتبات والماء والكهرباء ، وتبتزهم وتذلهم باحتياجاتهم اليومية مثل الغاز والبترول. ميليشات منفلتة تهدم البيوت وتقتل من يعارضها وتعتقل الألاف وتزج بهم في السجون لمجرد الإشتباه في رفضهم لسياساتها.
وفِي اليمن تحالف تقوده السعودية والإمارات ، يغطي جرائمه بدعم الشرعية ، وتقوده أطماعه للإستيلاء على جزرنا وسواحلنا وثرواتنا ، فيما يعتقد ان بمقدوره أن يشتري صمت العالم عن إحتلاله ، ويخرس المنظمات الدولية عن جرائمه إلى مالا نهاية.
أعذروني أيها الأصدقاء أن بدوت أمامكم منهمكة في مأساة بلادي ، وأسيرة لمعاناة شعبي.
اليمن هي حالة نموذجية للشرق الأوسط كله. حالة عربية فارقة ضمن حالات شهدت مجازر جماعية وانتهاكات مريعة لحقوق الإنسان في العشر سنوات الأخيرة منذ ثورات الربيع العربي في 2011.
ولدت الحرب والميليشيات الطائفية بيئة فاقمت الأزمات الإنسانية والصحية والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان. بيئة لا توفر أي ضمانات أو حماية لملايين البشر وجدوا أنفسهم يعيشون بلا دولة وبدون أي مساندة في مواجهة انهيار النظام الصحي وفي مواجهة ميليشات تقتلهم وتنكل بهم وتستخدم احتياجاتهم اليومية في إذلالهم وإبتزازهم.
في اليمن تعتقل النساء خارج القانون وينكل بهن في جو من التحريض والإزدراء يعيد التذكير بالقرون الوسطى وجرائمها في عالم القرن الواحد والعشرين.
يعاني ثلاثين مليون يمني من الحرب وغياب الدولة وانقطاع المرتبات والجوع والفقر وسلسلة من المترتبات تختصر بحالة لا إنسانية قل نظيرها في العالم المعاصر.
لا نردد كلاما لا معنى له هنا بل نؤشر بأقل الكلمات الى أزمة إنسانية هي الاكثر مأساوية في عالم اليوم.
لا يحتاج اليمنييون إلى صدقات بقدر حاجتهم إلى وقفة جادة من العالم والمجتمع الدولي لمساعدتهم في استعادة دولتهم وأمن وإستقرار بلدهم.
المساعدات مهمة لكنها ليست غاية ولا تحل المشكلة التي يعانيها اليمنييون. كما أنها تخضع لإدارة سلطات الأمر الواقع في مناطق الحرب مما يجعل من المتعذر الوصول إلى المحتاجين للعون الإنساني من دون المرور بحواجز التوظيف السياسي للمساعدات واستخدامها هي ايضا في اخضاع المجتمعات المحلية والسيطرة عليها وضمان خضوعها للجماعات المسلحة.
يحتاج اليمنييون الى التخلص من الإنقلابين في صنعاء وعدن والتخلص من الوصاية الخارجية وانجاز تسوية سياسية تعيد لهم دولتهم وجمهوريتهم وأمن واستقرار بلدهم
لن نكل ولن نمل في رفع أصواتنا والكفاح من أجل خلاص بلدنا وشعبنا من هذه المأساة
ولا إنسانية في هذا العالم مالم نراها متجلية هنا في هذه المنطقة المنسية التي تركت لتجار الموت والسلاح والحروب والدمار في داخلها وإقليمها المجاور وخلفهما مصالح دولية لا ترحم ولا تعير اهتماما للمعايير الانسانية وآدمية البشر وإنسانيتهم
نحن جزء من هذا العالم. ثلاثين مليون يمني يعيشون بدون دولة وبدون مرتبات وبدون خدمات وتحت رحمة الميليشيات.
هذه الحقيقة تسيطر عليَّ وأنا اتحدث أمامكم وتسيطر عليَّ أينما ذهبت وأينما حللت ، وتتموضع مثل الجمرة في صدري. أنا يمنية وأنتمي لليمن الذي يحتاج صوتكم ، صوت كل آدمي على كوكب الأرض لإيقاف الحرب ورفع وصاية السعودية والإمارات ودعم ايران للانقلابيين الحوثيين.
أعزائي عزيزاتي:
الربيع العربي لم يكن جريمة العرب الحالمين بالمساواة والحياة الكريمة.
لقد كان تعبيراً عن انتماءنا للعصر وايماننا بقيم العدالة والمساواة والحرية.
لقد كان اختبارا للمجتمع الدولي والدول الديمقراطية.
وقد اكد ربيعنا العربي ازدواجية المعايير التي يمارسها النظام العالمي والدول الكبرى.
عرفنا من دروس ربيعنا العربي ان النظام العالمي يرى في التحول الديمقراطي في المنطقة العربية خطرا على مصالحه وعلى الديكتاتوريات والانظمة الملكية الفاسدة التي يرعاها.
فشلت الامم المتحدة في مساعدة اليمن لوقف الحرب واستعادة دولته. لم تفعل شيئا لوقف ابادة اليمنيين.
المجتمع الدولي لم يأبه بقرارات مجلس الامن والشرعية الدولية ، وكان ذلك لأن الدول الكبرى تفضل إغماض عيونها عن الجماعات الطائفية الشيعية المدعومة من إيران. تفضل مشاهدة العرب ، واليمن من هذا التصنيف ، في صراعات طائفية. وتفضل ان تبيع مواقفها للدول النفطية "السعودية والإمارات" وتتغاضى عن جرائمها في اليمن ، وأولى هذه الجرائم هي جريمة اسقاط الدولة والانقلاب عليها وتسليمها للميليشيا الحوثية بدعم سعودي اماراتي وبمساندة إيرانية.
وقد مثل هذا الخذلان الأممي في اليمن جزءا من إخفاق وعجز النظام الدولي عن تفعيل آلياته الجماعية لوقف صراعات داخلية وحروب دموية أزهقت أرواح أعدادا لا تحصى من البشر في اليمن وسوريا وليبيا وغيرها من المناطق الملتهبة حول العالم.
اليمن جزء من هذا العالم الذي نعيش فيه ولكنها تعيش مآسي الحرب الفاشية وأزمة إنسانية هي الأسوء في العالم وحيدة وعزلاء من أي مساندة حقيقية.
سبع سنوات وشعبنا يواجه حربا انتقامية شاملة. حربا شرسة تمثل نمطا جديدا من تقويض اسس الحياة لكل السكان. انهارت الدولة واجتاحت ميليشيات الحوثيين الطائفية العاصمة والمدن. قطعت المرتبات وانهار النظام الصحي ونظام الخدمات وتحكمت الميليشيات بالمساعدات الدولية. قصفت السعودية والامارات مدننا وبنيتنا التحتية وأنشأت ميليشيات اخرى موالية لها في مدينة عدن. منعت الحكومة الشرعية من العمل من داخل البلاد وسيطرت الامارات على الموانيء والمنشآت النفطية والغازية وتسيطر على جزيرة سقطرى بواسطة ميليشيات تتبعها.
نطالب العالم بإحترام حق شعبنا في الحياة ووضع حد لحرب فاشية اجتمعت فيها إيران والسعودية والإمارات وميليشيات مدعومة منهم وشريكة لهم في حربهم ضد شعبنا وبلدنا.
في الختام؛
أعيد مرة ثانية وثالثة ورابعة .. وعاشرة التذكير بمأساة اليمن. مأساة شعب يواجه حرباً تطال كل شيء ، حياة الناس وقوتهم اليومي ومرتباتهم. حربا يواجهونها في كل ساعة في حياتهم اليومية بألف صورة وألف لون.
لقد وجدت في جدول أعمال فعاليتكم كلمات تتعلق بالتغيير والصراع والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، ولم أجد في ذاكرتي أفضل من كفاح شعبي في مواجهة الحرب وأهوالها لأتحدث حوله وأوصل صوت ثلاثين مليون يمني إلى العالم من خلالكم.
المجد للكفاح الانساني من أجل الحرية والكرامة والعدالة والمساواة والمواطنة ودولة القانون.