كلمات
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان كلمة في المؤتمر الصحفي الذي أقامته منظمة دون الأمريكية بمناسبة الذكرى الثالثة لاغتيال جمال خاشقجي فيما يلي نصها:
مرت نحو ثلاث سنوات على رحيل الصديق الصحفي والكاتب جمال خاشقجي. كما نعلم جميعا، فرحيل خاشقجي تم بطريقة دموية وفي منتهى القسوة في تجسيد لما يمكن أن نطلق عليه إرهاب الدولة.
بعد ثلاث سنوات من هذه الجريمة المروعة، لم يحصل الجناة على جزاء عادل، فقد تم التغطية على ما حدث من خلال إجراء محاكمة صورية، واصدار احكام هزلية على الادوات التي قامت بتنفيذها الجريمة وحسب، لكن العالم بات يعرف من القاتل الحقيقي.
الاصدقاء الاعزاء..
في الذكرى الثالثة لاستشهاد جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا بأوامر عليا، ينبغي علينا مواصلة العمل لتقديم الجناة للعدالة الحقة وليست تلك التي تعمل وفق أجندة سياسية واضحة.
لقد عاش جمال خاشقجي لحظات صعبة قبل قتله، لا شك في ذلك، لقد رأى قاتليه بعينيه، لكنه لم يعلم بالطريقة التي سيتم فيها التخلص منه.
ستظل هذه الحادثة مثالا على وحشية النظم الديكتاتورية، وعلى جبروت الظالم، وعلى غياب العدالة. لذلك، من المهم ان يكون هناك جهود حثيثة لإظهار الحقيقة من جانب، ومعاقبة القتلة من جانب آخر.
أدرك صعوبة ذلك من الناحية الواقعية، لكن يجب أن يشار إلى القاتل بكل وضوح، وأن يستمر الضمير الانساني في محاكمة القتلة هذا أمر بالغ الأهمية، ولا يجب الاستهانة به.
الاصدقاء الاعزاء..
قد يظهر سؤال .. في عالم اليوم يموت الالاف في حالات انتهاكات شاملة لحقوق الانسان ، فلماذا نتوقف عند جمال خاشقجي بالتحديد؟!
نفعل ذلك لأن هذا التحدي للعالم كله غير مسبوق من قبل. أن تتحول الدولة إلى عصابة تختطف احد مواطنيها وتقطعه بالمنشار داخل قنصليتها!
جمال خاشقجي شخصية عالمية تم قتله وتقطيعه بالمنشار من قبل دولته المملكة العربية السعودية الدولة العضو في الأمم المتحدة والتي تقيم علاقات دبلوماسية مع دول العالم ، ولم يقتل من قبل عصابة مارقة او تنظيم ارهابي متطرف.
إذا كان هذا هو مصير من يقول رأيه من أمريكا والواشنطن بوست ويمشي أمام العالم وعلاقاته ممتدة داخل أعلى المستويات الصانعة للسياسة والقرار والتوجهات في الديمقراطيات العريقة ، الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأكبر في العالم ودوّل أوروبا ، فلكم أن تتخيلوا مصير معارضي النظام السعودي في الداخل ، وفي كل دولة لا زال حكامها يبطشون بمن يخالفهم في الرأي والتوجهات بدون اي رادع من قانون او حماية من اي نوع.
مثل اغتيال جمال خاشقجي بتلك الطريقة الوحشية تحديا صارخا للعالم كله وحالة انتهاك لحقوق الانسان ستكون بداية لسلسلة انتهاكات مماثلة ومكشوفة وصادمة اذا لم يقف العالم أمامها بمسؤولية تنطلق من الإرث العالمي الكفاحي من أجل حماية حقوق الانسان وحرياته في كل العالم.
جزء من الاستنفار الدولي الذي حدث تجاه هذه الجريمة، مرده إلى الخوف من أن يشكل قتل خاشقجي بهذه الفظاعة، شرعنة لإرهاب الدولة وجرائمها ضد أشخاص لهم وجهات نظر مختلفة وحسب، وهذا ما لا يجب السماح بحدوثه.
نعتقد إنه برغم كل هذا التضامن الانساني والاحتشاد والاستنكار العالمي غير المسبوق، فإن القاتل سوف يرتكب ما هو افظع وسيحدث نفسه بأن لا شيء يستحق الاهتمام، إذا لم يتم انجاز العدالة.
خطورة ما ارتكبته السعودية، يكمن في أنه سوف يشكل نموذجا يحتذى به في التخلص من الصحفيين والناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فهناك مستبدون كثر حول العالم سيحاكون الجريمة، وسيذهبون للقمع والتنكيل بمعارضيهم بطريقة لا تقل فظاعة وجرما عن ما حدث لصديقنا جمال خاشقجي.
إن هذا الجنوح لا تفعله الدول مهما كانت درجة توحشها وبدائية أنظمتها، هذا سلوك همجي متوحش، لا يمكن أن يمارسه نظام دولة مهما كان درجة تخلفه وبشاعته وفظاعته.
إن وقف هذا الجنون السلطوي الذي عبر عن نفسه بطريقة داعشية، يبدأ من إجلاء الحقيقة، كل الحقيقة. نريد أن نعرف أين الجثة، ما الذي حدث لها بالضبط، وما هي تفاصيل التخلص منها، بدءاً من ازهاق الروح وتقطيع الجثة ثم إذابتها، وصولا، إلى محاكمة كل المتورطين من الأعلى إلى الأدنى.
إن محاكمة المتورطين خارج السعودية مسألة يجب أن تشكل مطلبا لكل الباحثين عن العدالة، فالقضاء السعودي لا يملك أي استقلالية لكي يتولى هذه القضية، نعم، يجب ان تكون محاكمة المتورطين في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، حتى يمكن الوثوق بسير العدالة، وحتى يمكن الوثوق بنتائج هذه المحاكمات.
يجب أن يحصل جمال خاشقجي على حقه كاملا من قاتليه، أكاد اسمع روح جمال خاشقجي تصرخ فينا جميعا، أريد العدالة، أريد أن يأخذ القاتل جزاءه، فقد كان بشعا ومتكبرا ومغرورا. أريد العدالة حتى لا يتم ارتكاب مزيد من الجرائم تجاه اشخاص عاديين لكنهم يملكون وجهات نظر لا تعجب الحاكم فلان، والمستبد علان. أريد العدالة من أجلكم جميعا، من أجلكم.
أيها الاعزاء:
أريد ان اذكر ان الطريقة الوحشية التي قتل بها محمد بن سلمان مواطنه جمال خاشقجي، هي الطريقة الوحشية ذاتها التي يتعامل بها مع بلادي اليمن، بالقصف بالحصار والتجويع والتقسيم وصناعة مختلف أدوات واشكال الموت، أجدد دعوتي إلى محاكمة المجرم محمد بن سلمان على كلا جرائمه في قتل الصحفي جمال خاشقجي، وجرائمه في اليمن، وكلاهما جرائم ضد الإنسانية.
أذكر ان ادارة ترمب، تواطأت مع قتلة جمال خاشقجي بشكل واضح وعجزت الأمم المتحده عن اتخاذ اجراء فاعل في محاكمة القاتل الحقيقي ومن وجه بالقتل، ولديهم مايكفي من الادلة، كنا نتوقع أداء مغايرا من قبل ادارة بايدن، فهذا ماوعدت به في حملتها الانتخابية وهي أيضا يفترض انها اكثر انحيازا للحقوق والحريات في العالم، لكنها حتى الآن لم تتخذ إجراء مغايراً لما قامت به إدارة ترمب من صمت ومباركة، مؤسف للغاية أن يبدو ان الادراتين متطابقتين.
ادعو إدارة بايدن لاتخاذ موقف واضح يعاقب بن سلمان ونظامه على جريمة قتله الصحفي جمال خاشقجي المقيم بصفة شرعية في الولايات المتحدة الامريكية، والعامل في صحيفة واشنطن بوست.
ختاماً..
في الذكرى الثالثة لمقتل جمال خاشقجي.. أريد ان أقول شكرا جمال لأنك قلت الحقيقة، شكرا جمال لدعمك القوي للربيع العربي وايمانك بنضالها من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية.
لقد ابدى جمال في مقالاته نقدا للسياسة الخارجية السعودية في موقفها من ثورات الربيع العربي، فقد كان يرى وهو محق في ذلك أنه لا يوجد سبب واحد منطقي يدعو السعودية للوقوف ضد حركة التغيير في المنطقة، خصوصا وأن احدا لم يبادرها بعداء، فالموقف العدائي تجاه الربيع العربي أبقى المنطقة في موقع ضعف، وهذا سيكون له تداعيات سلبية فيما يتعلق بالامن العربي، والأمن القومي. لم يكن يجدر بالسعودية الوقوف ضد تطلعات الشعوب العربية في الحرية وفي اقامة انظمة ديمقراطية، هكذا كان يقول جمال.
رحل جمال خاشقجي وترك مجموعة من الدروس المهمة التي يجب أن تلهمنا في نضالاتنا وفي حياتنا، ولعل أبرز تلك الدروس، أنه يمكنك أن تختار موقعك في النهاية، وأنك يمكن أن تكون صاحب رأي حر، حتى وأنت تحت حكم مستبد. الدرس الذي لم يستوعبه جمال إلا قبيل قتله بلحظات، أن الانظمة المستبدة ليس لها أمان مهما أعطت من عهود.
رحم الله جمال، ومنح أهله ومحبيه الايمان والصلابة على هذا الرحيل الاليم.