كلمات
الاصدقاء والصديقات الحضور الكرام..نلتقي اليوم مجددا لتبادل الاّراء والنقاش حول قضايا المجتمع المدني والقيادة النسائية في العالم العربي، ولنعيد التأكيد على تطلعاتنا لبناء عالم جديد تسود فيه القيم المدنية وحقوق الانسان والمساواة، ويعمه السلام والأمن وروح المسؤلية والحرية. عالم تتوفر فيه فرص الحياة لكل إنسان وتزال فيه الحواجز وتبنى جسور التواصل مع الآخر.
نلتقي اليوم لاعادة استشراف المستقبل في ظل ما يشهده العالم من إرتداد عن الديمقراطية وانتكاسة في التوجهات العالمية المساندة لمنظومة القيم الحديثة التي سادت في التوجهات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الحرب الباردة بداية التسعينات من القرن الماضي.
نلتقي اليوم للحديث عن المجتمع المدني ومشاركة المرأة في قيادة مجتمعاتها بينما تصعد من جديد حركات شوفينية الى الواجهة ، حركة طالبان في أفغانستان ، والميليشيات الحوثية في اليمن ، وهما حركتان عادتا من القرون الوسطى لتأخذ مكانا في عالم الرقميات والإنترنت ، عالم القرن الواحد والعشرين.
عالم لديه الإستعداد للاعتراف بميلشيات متطرفة تستخدم العنف ، وتعلن الحرب على مجتمعاتها ، وتحكم بالحديد والنار ، وترى وجود المرأة عورة وتستعبد الناس ، وتجرم الفن وتعادي الحريات وتصادر الحقوق ، بينما هذا العالم ونظامه العالمي ودوله الكبرى تعادي الربيع العربي وتطلعات شعوب ثارت من اجل الحربة والكرامة وحقوق الانسان والديمقراطية.
عالم اليوم يرى في طالبان أمرا واقعا ينبغي التعاطي معه بينما رأى في ثوراتنا السلمية الحضارية جرما لا يُغتفر!.
عالم اليوم لديه الاستعداد للتفاوض مع دولة كهنوتية ارهابية مثل ايران واغماص عينيه عن ميليشات طائفية مذهبية مدعومة منها دمرت العراق واليمن وسوريا ولبنان ، بينما رأى قبلها في التحولات الديمقراطية التي بشر بها الربيع العربي خطرا كبيرا على المصالح الدولية المرتبطة بانظمة الاستبداد.
تخلى عنا العالم وترك الأحلاف الإقليمية للمحاور المعادية للديمقراطية في ايران والسعودية تعلن الحرب الانتقامية على مجتمعاتنا لا لشيء الا لأننا أردنا ان نكون بشرا مثل بقية البشر، وثرنا سلميا من اجل الكرامة ودولة القانون والمجتمع المدني والمساواة وحقوق الانسان.
دعونا نقول ان عالمنا يسوده نظام عالمي مأزوم وغير قابل للبقاء وقد آن اوان تغييره. وعندما اتحدث عن نظام عالمي فانا اقصد هذا الإرتداد الصريح عن القيم الديمقراطية وحقوق الانسان.
كيف يرى عالم اليوم ودوله الكبرى نظام مثل نظام الأسد في سوريا؟كيف يقبل العالم الديمقراطي الغربي المتحضر اعادة دمج نظام قاتل مثل نظام الأسد ، نظام طائفي قتل مليون سوري وشرد خمسة ملايين واستدعى ايران وميليشياتها وبجانبها روسيا لكي يشاركونه حربه ضد شعبه؟
ما الفرق بين ميلوسوفيتش وبشار الأسد، وما الفرق بين مذابح الإبادة والنظم الاجرامية وهي في منطقتنا أقسى وأوسع وأمر؟!
ما الذي يتبقى اليوم من شعارات الدول الديمقراطية الكبرى في أوروبا وأمريكا والغرب عموما الذي شكلت الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان عناوين سياساته وشعاراته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟
عالمنا اليوم أقل حرية وأقل ديمقراطية، والمجتمع المدني في تقلص مستمر، وما حققته النساء من مكاسب خلال الثلاثين عاما الماضية وضع مجددا في طريق العد التنازلي مع احتدام الثورات المضادة للربيع العربي.
المجتمع المدني والقيادة النسائية ومشاركة المرأة والمساواة والديمقراطية كانت جزء أساسياً من اجندة التغيير في البلدان العربية لكنها خُذِلت وواجهت حروب داخلية واقليمية.
العودة مجددا للتركيز على المجتمع المدني ومشاركة المرأة يأخذ اليوم معاني جديدة. ان ذلك يؤدي الى اعادة الاعتبار لثورات التغيير العربية، لا العودة الى الهوامش الميتة لما قبل 2011 حين كانت الانطمة قد احتوت الجهود الدولية لدعم المجتمع المدني وحولتها الى فعاليات تجميلية لانظمة مستبدة.
هل نقبل ان تكون قضايا المجتمع المدني وحقوق المرأة رتوشا على وجوه أنظمة ضربت أرقاما قياسية في حروبها ضد الشعوب الثائرة في الربيع العربي!!
هل يصمت العالم عن وأد الثورات السلمية في مصر وتونس وسوريا واليمن ونعود الى نفس الاليات لما قبل الربيع العربي؟ في تلك السنوات كانت موجة الحديث عن المجتمع المدني ومشاركة النساء عملا روتينيا وظيفيا لمنظمات دولية ومحلية تعقد الندوات في الفنادق وينتهي الامر بالتقاط الصور.
بقيت هذه الفعاليات معزولة في سياجات محدودة ولم تصل لتلامس فئات وآسعة في مجتمعاتنا التي تتوق للتغيير والديمقراطية ومكاسب الدولة الحديثة في الحقوق والحريات والمساواة بين الرجال والنساء.
لقد كان الحلم بالمجتمع المدني وحقوق الانسان ودولة القانون والمساواة بين الرجال والنساء دوافع ثورات الربيع العربي بداية العقد الماضي.
اذا أردنا ان نكون صادقين مع انفسنا فان كل عنوان يطرح اليوم عالميا حول هذه القضايا يعيدنا الى قضية الربيع العربي.
القفز فوق الربيع العربي هو تطبيع مع الايادي الملطخة بدماء شباب وشابات مثلوا رموزا للتطلعات نحو المجتمع المدني والمساواة وحقوق الانسان.
سنفقد ثقتنا بانفسنا وايماننا بقضيتنا لو مضينا في افراغ مفاهيم المجتمع المدني ومشاركة المرأة من مضامينها وقبلنا باعادتها الى طقس احتفالي في صالات فندقية معزولة عما شهدته مجتمعاتنا من ثورات وحراك مجتمعي، وما تلى ذلك من صراعات وحروب ومواجهات بين قوى التغيير وقوى الاستبداد وحلفاءها من الميليشات المتطرفة والمحاور الإقليمية المعادية للحرية والديمقراطية.
ان تجربتنا خلال العقد الماضي تلهمنا القول أن لا تحرر للمرأة من دون تحرر المجتمع بكامله. وان دور النساء في المجتمع يتأثر سلبا وايجابا بما يحققه المجتمع من مكتسبات وما يواجهه من انتكاسات.
هذا ما تثبته الأحداث والتاريخ بكل ما يحفل به من ثورات وتغيرات ومحطات. من هنا يمثل دور المرأة في التغيير طليعة جهودها للانعتاق من الضيم والإلغاء والقهر والتمييز الذي تعاني منه.
ان العمل من أجل تعزيز المجتمع المدني ومشاركة المرأة وحضور القيادات النسائية في العالم العربي يتم في مستويين ؛ الأول مناهضة حروب الثورات المضادة والانقلابات التي واجهت موجة التغيير في العقد الماضي.
والمستوى الاخر هو العمل من أجل نشر القيم المدنية ومساندة الحركات والمنظمات المدافعة عن قضايا المرأة وحقوقها ومناهضة الانتهاكات التي تطال النساء في مناطق الحروب وداخل الدول الاستبدادية.
تمر بلداننا بحالة ارتداد مع عودة الانقلابات وصعود ميليشات متطرفة في بؤر الحروب ، وكلاهما ، السلطات الانقلابية والميليشيات ، يتبنون مواقف معادية للديمقراطية وللحقوق والحريات ومشاركة المرأة في المجال العام.
ان مساندة التحولات الديمقراطية هو الطريق الآمن لإرساء استقرار حقيقي يجسد مضامين السلم الاجتماعي داخل الدول.
لن يكون للمرأة مكانتها القيادية اللائقة في محتمعاتنا بدون ان تكون قضيتها جزءا من قضية المجتمع كله للانعتاق من الانظمة المستبدة والميليشيات الدينية المتطرفة.
من هذا البعد الواسع لمفهوم دور المرأة وقضايا المجتمع المدني تنطلق الحركات النسوية المكافحة من اجل المشاركة والمساواة وتعزيز قيم المجتمع المدني في بلداننا .
وقد اصبح للمرأة سجل حافل وشبكات واسعة من منظمات نسوية ومدنية وشخصيات عالمية مثلتها نساء من كافة البلدان برزن في حقول عديدة ومجالات متنوعة وأصبح حضورهن ملموسا ومؤثرا في بلدانهن وعلى مستوى العالم.
الأصدقاء والصديقات..
اليمن جزء من هذا العالم الذي نعيش فيه ولكنها تواجه مآسي الحرب الفاشية وأزمة إنسانية هي الأسوء في العالم ، وحيدة وعزلاء من أي مساندة حقيقية.
فشلت الامم المتحدة والدول الكبرى في مساعدة اليمن لوقف الحرب واستعادة دولته. لم يفعل العالم شيئا لوقف ابادة اليمنيين.
الدول الكبرى تغمض عيونها عن إيران ودعمها للميليشات الحوثية، وفي الجهة المقابلة تغلب مصالحها مع السعودية والإمارات، وتتغاضى عن عبثها وجرائمها في اليمن.
هذا الخذلان الأممي والدولي في اليمن يقدم مساندة ضمنية لأمراء الحرب في الداخل والعابثون بالدم اليمني في ايران والرياض وابوظبي.
ان إخفاق وعجز النظام الدولي عن تفعيل آلياته الجماعية لإيقاف الحرب والانهيار الاقتصادي ومساعدة اليمنيين في استعادت دولتهم الوطنية ساهم في توطين الحرب والفوضى وفاقم الأزمة الانسانية.
للعام السابع وشعبنا يواجه حربا انتقامية شاملة. حربا شرسة تمثل نمطا جديدا من تقويض اسس الحياة لكل السكان. انهارت الدولة واجتاحت ميليشيات الحوثيين الطائفية العاصمة والمدن. قطعت المرتبات وانهار النظام الصحي ونظام الخدمات وتحكمت الميليشيات بالمساعدات الدولية. هذه المليشيات سيطرت على المدارس وغيرت مناهجها وفرضت ملازمها المذهبية المتطرفة بدلا عنها ، وتجرم الفن وتعادي النساء وتفرض عليهن الانصياع لرؤية متزمتة ومتطرفة لا تختلف عما تفعله حركة طالبان في افغانستان.
قصفت السعودية والامارات مدننا وبنيتنا التحتية وأنشأت ميليشيات اخرى موالية لها في مدينة عدن. منعت الحكومة الشرعية من العمل من داخل البلاد وسيطرت الامارات على الموانئ والمنشآت النفطية والغازية وتسيطر على جزيرة سقطرى بواسطة ميليشيات تتبعها.
يعاني ملايين اليمنيين من المجاعة وسوء المعيشة والحرب والفوضى وانقطاع المرتبات والاجور وانهيار نظام الخدمات والعملة الوطنية.
نطالب العالم بايقاف هذه الحرب الوحشية ضد شعبنا اليمني. نطالب العالم بمساندة شعبنا لاستعادة دولته واستكمال المرحلة الانتقالية وفق المرجعيات الثلاث المتمثلة بقرارات الشرعية الدولية ممثلة بمجلس الأمن الدولي، والشرعية الوطنية متمثلة باتفاقية نقل السلطة ومخرجات الحوار الوطني. نطالب العالم بفرص القيود على أمراء الحرب وقادة الميليشات لا التعامل معهم كأطراف سياسية. نطالب العالم بإحترام حق شعبنا في الحياة ووضع حد لحرب فاشية اجتمعت فيها إيران والسعودية والإمارات وميليشيات مدعومة منهم وشريكة لهم في حربهم ضد شعبنا وبلدنا.
ختاماً ؛ أحييكم ، وعبركم أحيي كل المكافحين من أجل الإنسانية ومن أجل عالم أفضل تسوده قيم العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.