كلمات
السلام عليكم جميعا..في حياتنا أشياء كثيرة لا يجب أن نتخلى عنها، وفي مقدمة هذه الأشياء هو رفض الظلم ومناهضة الاستبداد. لقد عاش العالم مراحل منحطة عندما سمح بممارسات فاشية وغير عادلة. وكما تعلمون، فقد كانت الإعدامات السياسية إحدى الوسائل لبث الرعب في أوساط المجتمع، وتأسيس دول استبدادية تقوم بانتهاك حقوق الإنسان ومصادرة حرياته على نحو مبالغ فيه في أحيان كثيرة.
إن واجبنا اليوم هو بذل كل الجهود لوقف هذا العبث بالحياة الذي تمارسه أنظمة سلطوية مستهترة بقيم الحياة والحرية والعدالة. ندرك صعوبة هذه المهمة، خصوصا وأن هناك تواطؤ دولي مع المستبدين، خصوصا أولئك الذين يحكمون منطقتنا العربية، لكن هذا لا يجب أن يكون مبررا للانسحاب من هذه المعركة المهمة، بل على العكس، يجب أن نؤمن بأنه سيأتي وتثمر جهودنا ونوقف الإعدامات السياسية.
أيها الأصدقاء الأعزاء..
تدرك الأنظمة الديكتاتورية التأثير السلبي الذي تتركه أحكام الإعدام على سمعتها، خصوصا في وجود منظمات حقوقية عالمية لا تتوقف عن توجيه الانتقادات لمثل هذه التوجهات، ولذا أود أن أشير إلى النوع الجديد من (الاعدامات) الذي باتت تمارسه تلك السلطات الفاشية ضد معارضيها السياسيين أو حتى ضد من تعتقد أنهم معارضيها السياسيين، وهو الإهمال. إن ترك السجناء السياسيين بلا رعاية صحية وتركهم يعيشون في ظروف بالغة السوء، هو بمثابة قتل خارج القانون، ويمكن أن يندرج تحت بند (الاعدامات السياسية) التي نسعى اليوم لوقفها.
الأصدقاء الأعزاء..
لقد وافقت دون تردد في المشاركة في حملة أوقفوا الإعدامات في مصر، ومستعدة أن أشارك في أي حملة لوقف الإعدامات في أي بلد وفي أي مكان، ذلك أن وقف الاستخدام السيء للإعدامات من قبل الأنظمة الديكتاتورية من أشرف ما يقوم به المرء في حياته. إن الحياة هبة من الله لا يجب أن يتصور إنسان ما بأنه قادر على سلبها. أعرف أن هذا الموضوع شائك ويحتاج نقاشا مستفيضا، لكن على الأقل يجب أن تكون الإعدامات بشكل عام محل مراجعة ومراقبة دائمة بحيث لا يتم الانحراف في هذا الموضوع، أما موضوع (الاعدامات السياسية) فيجب أن تحظى برفض دولي، بل يجب أن يكون هذا الأمر محل اهتمام من قبل الأمم المتحدة، بوصف ذلك اعتداء على قيمة الحياة، وسلوك يهدف لإخضاع المجتمع بالبطش والإرهاب.
الأصدقاء الأعزاء..
ما يحدث من اعدامات في مصر ليست سوى امتداد للمؤامرة التي تعرضت لها ثورة 25 يناير، التي تتعرض للتقويض الكبير لمكتسباتها على صعيد صون كرامة الإنسان وصون حرياته. فالثورة المصرية لم تكن مجرد ثورة عابرة، فمصر قلب الأمة ومركز هذه المنطقة، وثورة يناير كانت قلب الربيع العربي، لذلك تم توجيه طعنة كبيرة وغادرة إلى ذلك القلب. إن القتلة والمجرمون كثر، فالسيسي ليس وحده من يقوم بارتكاب هذه الجريمة، بل يعاونه في ذلك عواصم خليجية وتحديدا أبوظبي والرياض، وحكومات غربية تعتبر أن وجود ديمقراطية في مصر سوف يؤدي لإخراج هذه المنطقة العربية من حالة التبعية للغرب والشرق.
يعتمد السيسي ودعايته على وصم المعارضين السياسيين والذين ينتمون لأفكار سياسية مختلفة ويحمل معظمهم شهادات عليا في تخصصات علمية مرموقة بالإرهاب، وهو أمر يجب توضيح كذبه ومخالفته للحقيقة. إن المنقلب على الديمقراطية والذي صادر الحياة السياسية وحرية التعبير، ليس من حقه من الناحية الأخلاقية أن يوصم أحد بالإرهاب، فضلا أن يفعل ذلك مع خصومه السياسيين الذين يطالبون بمطالب واضحة، في مقدمتها عودة الحية السياسية، رفع القبضة الأمنية على الصحافة، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة يفوز بها من يحظى بثقة الشعب، وأظن أن هذه المطالب هي مطالب محقة وليست إرهابية.
إن استهداف ثورة يناير بالمؤامرات والشائعات والاكاذيب المتواصلة والتشويه المستمر في العشر السنوات الماضية لن يؤدي لكتابة تاريخ مزور، سوف يفشلون في هذا الأمر مهما اعتقدوا أنهم نجحوا. ولنتذكر أن الطغاة غالبا ما يتم لعنهم ولعن إرثهم السياسي بعد موتهم. نحن مكافحون في سبيل الحرية وأنتم قتلة قامعون لحريات الشعوب واحلامها، نحن ابطال وأنتم مجرمون، هكذا سيسجلنا التاريخ.
الأصدقاء الأعزاء..
يستعين نظام السيسي بمنظمات دعاية دولية لتحسين سمعته، وينفق في سبيل ذلك ملايين الدولارات، اعتقادا منه أن هذا كفيل بخداع العالم، والحقيقة أن أي دعاية لا تستطيع أن تنجح في جعل الديكتاتور يبدو ديمقراطيا إلا في إعلامه وبين مؤيديه الذين غالبا ما يبدون مواقف مستهترة بحقوق الإنسان والحرية. نتفهم أن هناك جزء من مجتمعاتنا يريد العبودية ولا يرى في ذلك أي مشكلة، لكن هذا لا يعطيهم الحق في أن ينكروا على الغالبية من شعوبنا السعي للحرية والعيش الكريم.
إن من المهم في هذه اللحظات، التي يرى العالم كيف يتم تزييف القضايا ضد المعارضين السياسيين في مصر، وكيف يتم إصدار أحكام قاسية بالسجن مع تعمد حرمانهم من أبسط حقوقهم في الحصول على رعاية صحية ومنع الأدوية عنهم، وكذلك، إصدار أحكام بالإعدام بالجملة وبصورة تنم عن استهتار بالغ بالحياة والحقيقة والحق، من المهم أن تتسع هذه الحملة الدولية، لإحداث ضغط حقيقي ضد السيسي للتخلي عن سياسة إعدام خصومه السياسيين.
على الصعيد الشخصي أرى أن إذلال الخصوم السياسيين وإصدار إعدام بحقهم هو سلوك اجرامي له عواقب وخيمة على استقرار المجتمعات وعلى سلامها الداخلي. أن تحتفي بالإعدامات فهذا يعني أنك فشلت، ولم تعد قادرا إلا على القتل.
الأصدقاء الأعزاء..
أحيي هذه الجهود الداعمة لحملة وقف الاعدامات في مصر، ولديّ اعتقاد بأنها سوف تنجح في نهاية المطاف، فالقاتل المغرور لن يستطيع خداع الناس والعالم لفترة أطول، وكما يخبرنا التاريخ الديكتاتور مهما بلغت سطوته يدرك أكثر من غيره، بأن ما أنجره قد يذهب في لحظة. هذه اللحظة قادمة، لا محالة.
أود قبل أن اختم كلمتي أن أشير للوضع في بلدي اليمن. هناك حكومة مرتهنة للسعودية، وهناك مليشيا عنصرية فاشية تنتهج العنف والإرهاب سياسة دائمة لها تتحكم في معظم الشمال، وهناك مليشيا مصنوعة في ابوظبي تنتهج سلوك مناطقي معادي للدولة اليمنية، وهناك السعودية والامارات وإيران، دول إقليمية تلعب أدوارا سلبية في اليمن وحان الوقت لوقفها. اليمن يعيش فترة سيئة ليس بسبب الثورة أو مطالبها، ولكن بسبب التسلط والتبعية للخارج. في الواقع مثلما تم التآمر على ثورة 25 يناير حتى لا تؤسس لنهج سياسي ناجح في المنطقة، تم التآمر على الثورة اليمنية والتغيير في اليمن. لدى المتآمرين قدرة كبيرة على الكذب والتدمير وعلى الحصول على عملاء محليين ودوليين يدافعون عن سياساتهم القذرة بحق شعوبنا، لكن هذه القدرة ليست أكبر وأقوى من إيماننا بقوتنا وبقيم الحرية والكرامة التي نعتنقها ومستعدون للموت من أجلها.
قد لا يكون هناك أخبار سارة، لكنها حتما ستأتي.
شكرا لكم...