كلمات
لقد ذَكّرتنا جائحة كوفيد-19 بأننا عالم واحد، ذكرتنا بمصيرنا المشترك، وبأهمية أن نعمل معاً لمواجهة التحديات التي تواجه البشرية والعمل معاً من أجل محاربة الجوع والفقر
ووقف الحروب، وتعزيز الحق في الحياة والأمن والعمل وتوفير فرص الحياة والعيش الكريم لجميع البشر، وهي الحقيقة التي تتعرض لاختبارات مؤلمة في عالم اليوم مع صعود الانعزالية والعنصرية وكراهية الأجانب والمهاجرين وانتشار الإرهاب وتوسع رقعة النزاعات والحروب وما تخلفه مآس إنسانية وفقر وجوع وأزمات غدائية.
كل جائحة تمر على البشرية يتعلم منها الإنسان ما يعزز خبراته وتجاربه في مواجهة تحديات الحياة. ومن جائحة كوفيد-19 تم تحفيز العالم على رفع وتيرة تشابكاته وإعداد البرامج والخطط لمواجهة بيئة جديدة من التهديدات تبدأ من الصحة وتتحول إلى أزمة عالمية واسعة لعل أهمها أزمة الغذاء والصعوبات التي تواجه أعدادا متزايدة من البشر في الحصول على الغذاء ونظام التغذية الصحية.
إن عوائق تدفق الغذاء مع قرار الإغلاق ليست سوى واحدة من وجوه الأزمة التي تطال الفقراء وعموم السكان في مناطق الحروب والنزاعات. وان ذلك يحفزنا للمشاركة في كل جهد عالمي يمثل استجابة لهذا التحديد ويعمل من أجل اعداد الخطط والبرامج لمواجهته.
أعزائي عزيزاتي؛
اذا كانت منظمة الغذاء والزراعة العالمية، قد تأسست بعد جائحة الحرب العالمية الثانية من أجل وضع حد للجوع وإطعام العالم، فإن الجائحة الوبائية لكوفيد 19 قد وضعت من جديد هذه المنظمة الرائدة في مركز الإستجابة لهذا التحدي في عالمنا اليوم لمواجهة تأثيرات كوفيد 19 ولتجنب تحول هذه الأزمة الصحية إلى أزمة غذائية عالمية.
انني هنا لأكون معكم من أجل تنسيق الجهود، وللعمل معاً من أجل انشاء تحالف غذائي عالمي، يتم بناؤه عبر شبكة طوعية من المنظمات، لمواجهة تحديات أزمة صحية تنذر بالتحول إلى أزمة غذائية عالمية.
نقترب من مرور عام كامل على بداية جائحة كوفيد19، وبالتزامن مع انتشار موجة جديدة من الفيروس تختلف استجابتنا اليوم عن تلك التي عمت العالم في بداية اكتشاف كوفيد 19 والهلع الذي رافق انتشاره عبر العالم.
هذه الخبرة العالمية في مواجهة الجائحة الوبائية تدفعنا اليوم إلى العمل معاً من أجل استمرار الحياة، وتأمين تدفق الغذاء لكل سكان العالم، وبالأخص في مناطق النزاعات والحروب.
أعزائي عزيزاتي ؛
إذا تحدثنا عن تأثيرات جائحة كوفيد 19 على الحالة المعيشية واحتياجات السكان إلى الغذاء في مناطق النزاع والحروب في العالم فستكون اليمن هي الحالة الأكثر مأساوية التي تحتاج إلى إهتمام العالم.
للعام السادس يعيش ثلاثين مليون يمني تحت وطأة الحرب والحصار الشامل من قبل التحالف السعودي الإماراتي. لقد واجه اليمنيون جائحة كورونا وهم يفتقدون الدولة وفِي ظل انهيار النظام الصحي ونظام الخدمات وانقطاع المرتبات.
هذا الحال يضاعف من تأثيرات أزمة كوفيد19 الصحية، ويحول الحياة إلى صراع يومي من أجل البقاء.
ضاعف قرار الإغلاق الذي اتخذه العالم من تأثير الجائحة الوبائية. الأزمة الصحية ليست إلا الوجه الأول في سلسلة تأثيرات كورونا على العالم.
في اليمن كان ذلك التأثير مضاعفا. البلد المحاصر منذ ست سنوات لم يجد ما يواجه به مضاعفات الجائحة الوبائية. انعدمت الكمامات والمهدئات البسيطة، إلى جانب انعدام الغذاء والسلع والبترول والمحروقات.
من المهم النظر بإهتمام إلى حالة مواجهة الموجة الأولى للجائحة الوبائية في بلد يعيش حالة حرب في الاعتبار، والعالم يبحث في تجديد طرائقه في مواجهة الفيروس الذي يعاود الهجوم في موجته الثانية.
ست سنوات لم يلتفت العالم إلى معاناتنا في اليمن. ومع الحرب والحصار والجوع وانقطاع المرتبات تحولت الحياة إلى عذاب يومي لملايين البشر.
برامج المساعدات الغذائية التي تنفذها المنظمات الدولية مهمة لكن الميليشيات المسيطرة على الأرض تحاصرها وتبتزها وتستفيد منها في تمويل حروبها. لا تصل هذه المساعدات إلى المحتاجين لها ، وما يصل منها ليس كافيا لسد احتياجات الفئات المستهدفة من الغذاء.
إن أي تطورات جديدة لأزمة كورونا العالمية ستضاعف من ضيق العيش امام ملايين السكان في مناطق النزاع ، إضافةً الى سلاسل الأزمات التي يعيشون تحت رحمتها.
تحاصر اليمن من الخارج والداخل. التحالف السعودي الإماراتي يضرب حصارا قاسيا حول اليمن منذ بداية الحرب قبل ستة أعوام، وميليشيات الحوثي الانقلابية تحاصر المدن وسكانها في مدن تعز ومأرب وتفرض رسوما جمركية مضاعفة حول المدن التي تفرض سيطرتها عليها ، وميليشيات الانتقالي في عدن تعيق التنقل الآمن للمواطنين والسلع وتنصب نقاط التفتيش على طول الخط الرابط بين المحافظات الشمالية والمحافظات الجنوبية.
إن الحرف الأول في محاربة الجوع في اليمن يبدأ بوقف الحرب وتمكين اليمنيين من العيش في ظل دولة توفر لهم الأمن والإستقرار وتقوم بمسؤولياتها الأساسية تجاه السكان.
وان جائحة كوفيد-19 التي تعاود الهجوم في موجة جديدة، مناسبة لتأكيد الحاجة لوقف الحرب، وتوسيع دور شبكات الغذاء العالمي في تعزيز برامج الدعم الغذائي للسكان ودعم المزارعين في الأرياف اليمنية لتطوير نظم زراعية تستجيب لبيئة التحديات الجديدة التي تفرضها الأزمات ومنها أزمة كورونا العالمية.
وبهذه المناسبة هنا، وعبر هذا الحضور المتنوع والواسع الذي يجتمع اليوم لإنشاء "التحالف العالمي من أجل الغذاء" أوجه نداء مفتوحا إلى مجموعة العشرين ومنظمة الأغذية والزراعة ومعهما الشبكات العالمية المهتمة بالغذاء والحد من الجوع للتدخل على الفور لإعادة بناء سلاسل القيمة الغذائية عبر العالم، وبالأخص في مناطق الحروب والنزاعات.
ان الحروب والأزمات تلقي بثقلها فوق عشرات الملايين من البشر الذين لا يمتلكون تكاليف شراء الغذاء لهم ولأسرهم. وان من واجب مجموعة العشرين ومنظمة الأغذية والزراعة أن تتقدم لقيادة التوجهات العالمية لمواجهة الأزمات في حقل الغذاء.
إن إتساع هوة الفقر والجوع وافتقار المزيد من سكان العالم لنظم التغذية الصحية ، يصم عالمنا بالوحشية.
اذا كانت الأمم السابقة قد عاشت ظروفا مشابهة، فإن البشرية اليوم لديها القدرات الكافية لوضع لهذه الأزمة الإنسانية. وسيكون استمرار هذا التشبيك العالمي لمنع وقوع أزمة غذاء عالمية بتأثير جائحة كورونا العالمية، توقيتا ملائما لإحراز تقدم حاسم في تضييق مساحات الأزمات الغذائية وتمكين فئات السكان في مناطق النزاعات والحروب من تأمين احتياجاتهم الغذائية اليومية بمعايير التغذية الصحية الملائمة.
ختاماً لكلمتي هذه، أحيي جهود منضمة الأغذية والزراعة ، والحكومة الإيطالية التي تستضيف المنظمة وتحتضن هذا المؤتمر العالمي، وكل المشاركين أفرادا ومنظمات وشبكات عالمية، أحييكم وأشد على أياديكم، ولنمضي معاً في من أجل بناء عالم أفضل يستطيع فيه كل إنسان العيش بكرامة والحصول على متطلبات الحياة الأساسية.