كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في الذكرى الخامسة لثورة 11 فبراير
أيها الأحرارُ في ربوعِ يمننِا الكبير..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. نحتفي اليومَ بالذكرى الخامسةِ لثورةِ الحادي عشر من فبراير، الثورةِ الشبابيةِ الشعبيةِ السلميةِ العظيمة والكثيرُ من قياداتِها إما في المعتقلاتِ أو المنافي أو المقابر.
نحتفي اليوم.. وعاصمتُنا محتلةٌ من قِبلِ قوى الثورةِ المضادة، التي حظيت بدعمٍ ورعايةٍ من قبلِ مشروعٍ إقليميٍ استكباريٍ توسعيٍ عدوانيٍ غازٍ.
نحتفي اليوم.. وشعبُنا في كافةِ ميادينِ الكفاحِ السلميِ والمقاوم يتصدى لمشروعِ الهيمنةِ الانقلابي.
وتعز عاصمةُ الثورةِ السلميةِ تتعرضُ لحصارٍ خانقٍ وكامل، ولقصفٍ دون هوادة، يطالُ أحياءَها وشوارعَها ومنازلَ المدنيين دون تمييز.
أيها الأحبة:
لم تكنْ ثورةُ فبراير ترفا، أو فعلا فائضا عن الحاجةِ غيرَ محسوبِ النتائج!
لم تكنْ تقليدا زائفا لثورةٍ أو انتفاضةٍ حدثت هنا أو هناك،
لم تكنْ جزءاً من إرادةٍ عابرةٍ للحدود، لم تكنْ مؤامرةً أو عملا تخريبيا.
لم تكنْ حدثا ارتجاليا وغيرَ مبررٍ
لم تكنْ شيئا من ذلك.
لقد جاءت ثورةُ فبراير في سياقِ الاعتراضِ المشروعِ بل الواجبِ على دولةِ العائلةِ والمنطقةِ والجِهة، فقد استحوذ شخصٌ واحدٌ وعائلتُه وحاشيتُه على كلِ شيء، المالِ العام، ومقدراتِ الدولة، والمناصبِ، والمعسكراتِ، والموانئِ، والنفطِ والغازِ والذهب، والآثارِ، والسلطةِ، والانتخابات، ونتج عن هذه السياسةِ الحمقاءِ فشلٌ كبيرٌ على صعيدِ التنميةِ والاستقرار.
ثورةُ فبراير هي استجابةٌ حتميةٌ لرفضِ القبحِ والاستغلالِ والاستكبار، وتعبيرٌ صادقٌ عن توقِ شعبِنا للحريةِ والحياةِ الكريمة، وتجلٍ صادقٌ للشجاعةِ والالتزامِ الأخلاقيِ الذي يمتلكُه شعبُنا.
إنها كلمةُ الشعوبِ التي طال انتظارُها، والحتميةُ التاريخيةُ التي لا بد منها، إنها القدرُ الذي جاء على قدر.. إنها الردُ الحضاريُ المناسبُ والوحيدُ على دولةِ الفسادِ والمحسوبياتِ والرشاوى، وانتهاكِ الحقوقِ والحريات، وإهانةِ العدالةِ، وازدراءِ المواطنةِ وحكمِ القانون.
أيها الأحرارُ.. يا أبناءَ شعبِنا اليمنيِ العظيم و ياكلَ شبابِ الربيعِ العربيِ المناضلِ والصابرِ والمكافح
إن أيَ بحثٍ جادٍ ومنصفٍ سيؤكدُ أن الربيعَ العربيَ كان ضرورةً أخلاقيةً ووطنية، أما الأحداثُ والكوارثُ التي طفت إلى السطحِ لاحقا تزيدُ من إيمانِنا بأهميةِ الثورةِ ونبلِ مقاصدِها وعظمةِ أهدافِها.
لقد غدا العالمُ اليومَ أكثرَ قناعةً بما كان يقولُه ثوارُ الربيعِ أثناءَ الثورةِ من أن دولةَ المحسوبيةِ والرشاوى والفردِ والعائلةِ تُخفي في ثناياها كوارثَ للشعوبِ التي اُبتليت بها، وأن كلَ تأجيلٍ لمواجهتِها أو تأخيرٍ لمعالجتِها، يضاعفُ من القوةِ التدميريةِ للانفجارِ الحتميِ القادم، إننا ندفعُ ثمنا غاليا لإسقاطِ دولةِ الفسادِ والقمع، ولإقامةِ دولةٍ بلا محسوبيات، وبلا زعيمٍ يحكمُ للأبد، وبلا عائلةٍ مقدسةٍ تمتلكُ دماءً مقدسة.
يقولُ الواهمون والشامتون: إن الربيع قد انتهى، وإن أحلامَ ثوارِ الربيع العربي بدولةِ العدلِ والحريةِ والرفاهِ والقانونِ قد تلاشت وصارت شيئا من الماضي، المحبطون والمنهزمون يرددون ذاتَ الترهاتِ والخطايا !!!
إن أمتَنا العربيةَ تعبرُ نحوَ الحريةِ والكرامةِ ودولةِ المواطنةِ المتساويةِ والقانونِ مهما بدا لكم غيرَ ذلك. مهما شاهدتم كُلفةَ مواجهةِ إرثِ النظامِ من دماءٍ وأشلاءٍ وصراعٍ في أرجاءِ وطنِنا الحبيب. مهما صادفتم من مسؤولين لا يتحلَون بالنزاهةِ والمسؤوليةِ اللازمةِ لبناءِ الدولةِ الجديدة، الدولةِ الحُلمِ التي قامت من أجلِها الثورة، مهما بدت الثوراتُ المضادةُ أكثرَ تمكنا ووحشية، فإننا سنعبرُ نحوَ الخلاصِ، وذاتَ زمنٍ قريبٍ ستنعمُ شعوبُنا بثمرةِ الثورةِ وستعيشُ الحريةَ والكرامةَ والرفاهَ واقعا معاشا ما كان له أن يحدثَ أبدا لولا الثورة، ولولا إسقاطُ النظام.
طالما بقي الحلُمَ بدولةِ الحريةِ والكرامة، وطالما بقيت دولةُ الفسادِ والمحسوبيةِ والرشاوى، فسوف يعاودُ الربيعُ الكرةَ في كلِ مكانٍ وفي كلِ زمان. ستستمرُ الثورةُ وستعبرُ كلَ الكمائنِ والتحديات، لا يوقفُها شيء.
لا يكفي تخويفُنا بالمصيرِ السوريِ واليمنيِ والليبيِ والمصري لكي نتوبَ عن الثورة، لا يكفي تذكيرُنا بالجماجمِ والأشلاءِ والدماءِ المراقةِ بغزارةٍ في بلدانِ الربيعِ لكي نكفَ عن الحُلم!!!
هذه المشاهدُ تزيدُنا يقينا وإيمانا أننا كنا على الحق، وأننا كنا ولا نزالُ في الجانبِ الصحيحِ من التاريخ.
هكذا يخبرُنا التاريخ.. لا توجدُ ثورةٌ عظيمةٌ على مرِ تاريخِ البشريةِ استطاعت تحقيقَ أهدافِها دونَ دفعِ تضحياتٍ كبيرة، تفعلُ ذلك غيرَ آبهةٍ بمشاعرِ الخيبةِ والشماتةِ والتشفي والاستغلالِ السيءِ من قبلِ نخبٍ انتهازيةٍ ترى في الثورةِ خطراً على مصالحِها، تقولُ لشعوبِها: اصرفوا أنظارَكم عن ثوراتٍ ستجلبُ لكم مصيرا مشابها لما حدث في سوريا وليبيا واليمن ومصر، تقولُ لشعوبِها: اقبلوا بخيبتِكم، بل دافعوا عن فقرِكم وعن الديكتاتورِ وطغيانِه وفسادِه وفشلِه، وهو ينظرُ إليكم من أعلى بازدراء، واشكروا اللهَ على ذلك.
لكننا نفهمُ تماما ما نريدُ ونعلمُ تماما ما يحدث، مايحدثُ في بلدانِ الربيعِ على سوئِه وقتامتِه ليس هو الأسوأ، الأسوأُ على الإطلاقِ هي تلك الأنظمةُ المستبدةُ والفاسدةُ التي راكمت أسبابَ هذه الفوضى، وحاربت تحت رايةِ الحقدِ والكراهيةِ والانتقام، ما يجعلُ كُلفةَ التخلصِ منها مرتفعة.
لكن حُلمَنا عظيم، ويستحقُ هذا الثمن.
حريتُنا تستحق، كرامتُنا تستحق، المواطنةُ المتساويةُ تستحق، سيادةُ القانونِ تستحق، مستقبلُنا يستحق ،لنقلْ كلمتَنا الآن.
أيها الأحبة .. يا أبناءَ أمتِنا اليمنيةِ العظيمة:
يجبُ أن يكونَ مفهوما أن عدوَ الثورةِ اليمنيةِ ليس هينا أو سهلا. التحدياتُ التي واجهتها وتواجهُها الثورةُ ليست هينة، الألغامُ التي وُضعت في طريقِها لم تكنْ ألغاما عادية، بل ألغاما كونيةً عالميةً تزاوجت مع الكهنوتِ في صورةٍ بشعةٍ تهدفُ إلى النيلِ من حلمِ اليمنيين وتوقِهم للخلاص، والانعتاقِ نحوَ ضفافِ الحياةِ الحرةِ والكريمة.
الثورةُ المضادةُ في اليمن، الناشئةُ عن تحالفِ الشرِ بين المخلوعِ وميليشيا الحوثي الفاشيةِ والمدعومةِ بهوسٍ إيرانيٍ في التوسعِ والهيمنة، اختارت الانقلابَ على ثورةِ فبرايرَ السلمية، التي دعت لدولةٍ حديثةٍ يعيشُ فيها الجميعُ متساوين أحراراً، لا فضلَ لأحدِهم على الآخرِ إلا بالعملِ واحترامِ القانون.
كنا قد أنجزنا مؤتمرا للحوارِ الوطنيِ الشامل، حظيت مخرجاتُه بتوافقٍ وطنيٍ غيرِ مسبوق. كنا أنجزنا مسوَّدةَ مشروعِ الدستور، ولم يكنْ يفصلُنا عن الذهابِ للاستفتاءِ عليه سوى أسابيعَ قليلة.
لكن التحالفَ الانقلابيَ بين المخلوعِ صالح والحوثي وميليشياتِه قرروا السيطرةَ والاستحواذَ على اليمن، ومضوا في تقويضِ مؤسساتِ الدولةِ واحتلالِها بجحافلِهم المسلحة، وعملوا على تدميرِ مكتسباتِ ثورةِ فبراير، فقاموا بمصادرةِ الحرياتِ السياسيةِ والإعلامية، وألغوا حقَ التجمعِ والتظاهرِ والتنظيم، وتم إغلاقُ مقراتِ الأحزابِ ووسائلِ الإعلام، وزجوا بعشراتِ الآلافِ من المواطنين في السجون، دمروا المنازلَ والمساجدَ والمدارس، وتم تعيينُ ابنِ عمِ الحوثي رئيسا، وآخرَ من نفس العائلة قائماً بمهامِ رئيسِ الحكومة، وُوضع المقربون أيضاً من نفس العائلة والسلالةِ في كلِ مناصبِ الدولة.
لكن لسوءِ حظِ القوى الانقلابيةِ أنها فعلت ذلك باليمنيين وهم لا يزالون يعيشون في خضمِ روحِ ثورةٍ سلميةٍ كان الدرسُ الأولُ والأهمُ فيها أنه يجبُ التمردُ على القهرِ، والخروجُ على المعتدين مهما عظُمت التضحياتُ، فانطلقت المقاومةُ والممانعةُ دونَ هوادةٍ تتصدى للانقلابيين عبرَ الكفاحِ السلميِ العظيم، وعبرَ المقاومةِ التي أخذت على عاتقِها الدفاعَ عن المدنِ والمواطنين في المحافظاتِ التي تعرضت للغزوِ والعدوان، وعبر السلطةِ الشرعيةِ ومن يتحالفُ معها من الدولِ إقليمياً ودولياً
أيها الأحبة:
لقد استخدم المخلوعُ ميليشيا الحوثي قناعاً لانقلابِه على العمليةِ الانتقالية، استخدم الأموالَ الكبيرةَ التي قام بنهبِها والاستيلاءِ عليها خلالَ فترةِ حكمِه، والتي لم يطلْها التجميدُ والملاحقةُ والاستردادُ برغمِ القراراتِ الدوليةِ التي طالبت بذلك، وتعهدت بالقيامِ به، استخدم ورقةَ الإرهابِ للقول، إن السلطةَ الانتقاليةَ فاشلةٌ، وإن سيطرةَ الجماعاتِ الإرهابيةِ هي البديلُ لسيطرةِ الميليشيا الانقلابية، وإن الميليشيا الانقلابيةَ هي الشريكُ المؤهلُ لمحاربةِ الإرهاب.. هذه الحيلةُ البائسةُ لم تنطلِ علينا يوما، ويجبُ أن لا تنطلي على العالم.
إن إرهابا ينفذُ عملياتِه ضدَ الرئيسِ الشرعيِ والحكومةِ الشرعيةِ وضدَ مؤسساتِ الدولةِ العسكريةِ والأمنيةِ التابعةِ للسلطةِ الشرعية، ويحجمُ ويكفُ أذاهُ عن المخلوعِ وعصابتِه، هو إرهابٌ موجهٌ ومسيسٌ يخدمُ مصالحَ وأهدافَ من يمولُه ويديرُه لتحقيقِ مصالحِه في إضعافِ السلطةِ الشرعيةِ والنيلِ من مساندتِها وتأييدِها عالمياً.
الحقيقةُ الراسخةُ والواضحةُ لدينا والتي بدأت تتضحُ للعالمِ أيضا أن الإرهابَ في اليمنِ صنيعةُ المخلوع، والحوثيون أحدُ أدواتِه، وكلاهما يعملان بتناغمٍ لضربِ خصومِ المخلوعِ ومراكمةِ قوتِه وأسبابِ انتصارِه، ففي نظرِ الإرهابيين أي في نظر ماتسمى بداعش والحوثيين يُعدُ الرئيسُ هادي هو الطاغوت، ولذا تتوجهُ العملياتُ الإرهابيةُ لاستهدافِه واستهدافِ القوى المساندةِ له وللسلطةِ الشرعية.
أيها الأحرار:
الحربُ ضدَ الإرهابِ ومكافحتُه في اليمنِ هو كفاحٌ عظيمٌ، وهو مسؤوليتُنا جميعاً من أجلِ الوطن، ولإسقاطِ الثورةِ المضادة.
إن قيم ثورةَ فبراير المستلهمة من ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر وال14 من أكتوبر الخالدتين ، هي البديلُ للإرهابِ والاستبداد، ولسوف نسقطُ الانقلابَ الفاشيَ والثورةَ المضادةَ والإرهابَ في آن، تلك هي معركتُنا، وذلك هو قدرُنا، وهي غايتُنا النهائية، وهدفُنا المركزيُ الذي سنحققُه بكلِ كفاءةٍ ومهارةٍ واقتدار.
أيها الأخوةُ.. يا أبناءَ شعبِنا المكافحِ والصابرِ والمناضل:
إن أمتنا اليمنية العظيمة تواجه خطرا وجوديا يستهدفُ كِيانَها كشعبٍ وكدولة، إن الانقلابَ العنصريَ الفاشيَ يستهدفُ تقويضَ الذاتِ اليمنية، الخلافُ ليس سياسيا، بل أخلاقيا وإنسانيا، الصراعُ ليس هامشيا بل وجوديا.
وهنا تبدو أهميةُ استمرارِ الثورةِ، بصفتِها مواجهةً يمنيةً مع الفاشيةِ ومع العنصريةِ أو النازية. يمكنُنا القولُ إن الفاشيةَ ممثلةً بالمخلوعِ علي صالح وقواتِه، والعنصريةَ (النازية) ممثلةً بالميليشياتِ الحوثيةِ ، الموظفَة لخدمةِ العِرقِ والسلالة، هي أبشعُ أنواعِ العنصرية، تشكلان خطرا كبيرا على الحياة، حياةِ اليمنيين والإقليمِ والعالم.
يستهدفون بانقلابِهم كِيانَنا كشعبٍ ودولة، ونحن نستهدفُ بمقاومتِنا وبثورتِنا المستمرةِ مواجهةَ فكرِهم الفاشي، وسلوكِهم النازي، الصراعُ على هذا النحوِ سيستمر، حتى يعودوا إلى الحقِ والصوابِ كمواطنين في دولةِ جميعِ اليمنيين، مواطنين صالحين، متساوين أحرار.
لذا وفي العيدِ الخامسِ لثورتِنا السلميةِ العظيمةِ يجبُ أن يكونَ شعارُ المرحلةِ هو: معا لدحرِ العنصريةِ والفاشية، نعم لليمنِ الموحدِ وطنا لكلِ أبنائِه دونَ تمييزٍ أو إقصاء.
لا خيارَ آخرَ أمامَنا إلا أن ننتصرَ أو ننتصر، وليس أمامَ العالمِ المتمدنِ إلا أن ينظرَ بإكبارٍ واحترامٍ لكفاحِنا العظيمِ ضدَ العنصريةِ والفاشيةِ في اليمن.
أيها الأحرار:
كلُ شيءٍ في اليمنِ يقولُ إن الثورةَ باقيةٌ ومستمرة، وإنه لا خِيارَ آخرَ أمام شعبِنا سوى الاستمرارِ في هذه الثورةِ إلى أن يتحققَ التغييرُ باتجاهِ دولةٍ يمنيةٍ معاصرةٍ وحديثة.
الثورةُ مستمرةٌ بأشكالٍ شتى، و لا يزالُ خيارُنا السلميُ العظيمُ هو الأكثرُ حضورا ورسوخا، لكن من يرفضُ خِيارَ السلمِ ويستقوي عليه بالقوةِ، ومن يعافُ رائحةَ الورودِ التي ترفعُها أكفُ المتظاهرين، من يضيقُ ذرعا بهتافاتِ السلميين ويتصدى لها بالقمعِ والتنكيلِ ، ومن يستعصي على الاستجابةِ لمطالبِ الثوارِ السلميين، ويمضي لفرضِ خِياراتِه بالغلبةِ والقهرِ والعنف ، سيجد ُ من يقاومُه، من يرد عليه بنفس أدواته، هذه سننُ التغييرِ ولن تجدوا لها تبديلا.
إلى شبابِ الثورةِ السلمية..
كنتم ولا تزالون قلبَ هذه الأمةِ وعقلَها وضميرَها الأخلاقي، سيتذكرُكم العالمُ لعقودٍ طويلةٍ وأنتم تُسقطون الطاغيةَ بالورودِ وبصدورِكم العامرةِ بالحبِ والسلام.
سيتذكرُكم وأنتم تمتلكون الحلمَ بالحريةِ والكرامةِ وتمتلكون أضعافا مضاعفةً من الشجاعةِ للتضحيةِ من أجلِ الحُلم، فواجهتم الرصاصَ دونَ خوف، وسقطتم شهداءَ وجرحى بالآلافِ على دربِ الكفاحِ السلميِ حتى أسقطتم الطاغية، فعلتم ذلك عبرَ كفاحٍ سلميٍ شجاعٍ ومثابرٍ في وطنٍ يمتلكُ من الأسلحةِ عشراتِ أضعافِ سكانِه.
سيتذكرُكم التاريخُ ويفخرُ بسلميتِكم، ويهتفُ في وجوهِ الانقلابين: رفضتم الثورةَ السلميةَ فجرعتم شعبَكم الخرابَ وتجرعتموه أضعافا مضاعفة.
يا شبابَ الثورةِ السلمية:
أنتم رأسُ مالِ الوطنِ الأغلى والأنفسِ والأعظم، إن شعبا يمتلكُ مثلَ هذه الطاقاتِ الشابةِ لن يعيشَ حياةً عادية، ستعبرون بشعبِكم نحوَ آفاقٍ لا حدودَ لها من المجد، كونوا على ثقةٍ بذلك، ثقوا بأنفسِكم وراهنوا عليها.
على الرغمِ من مساحةِ هذا الخرابِ الممتد، إلا أنكم تلوحون من خلفِ الأنقاضِ أعمدةً راسخةً للبناء، وتبدون في الأفقِ روادا للتنميةِ والحضارة، أؤمنُ بكم حدَ اليقين، وأثقُة بكم حدَ الإيمان، وأراكم تحلقون بشعبِكم نحوَ كلِ مجد، وتخلقون كلَ إنجاز، فحين خرجتم صنعتم معجزةَ الثورة، وحين أُقصيتم وغُدر بكم، كان الخرابُ الشاملُ لكنكم كنتم في المبتدأِ، وستكونون في المنتهى.
أيها الأحرار:
إنه في الوقتِ الذي نقرُ فيه بأهميةِ الفعلِ السلميِ في إسقاطِ الانقلابِ وننحازُ ومعنا قطاعٌ واسعٌ من شبابِ فبرايرَ لهذا الخِيار، فإننا نُقرُ بحقِ الناسِ في الدفاعِ عن أنفسِهم، وفي مقاومةِ الغزاة، وندعوهم إلى عدمِ الانتقامِ، وإلى عدمِ ممارسةِ سلوكِ الفاشيين، وأن لا تُنازعَ الدولةُ مستقبلا في حقِها الحصريِ بامتلاكِ السلاحِ أو السيطرةِ على جزءٍ من الأرض.
نُقرُ أيضا بحقِ السلطةِ الشرعيةِ في بسطِ نفوذِها وحمايةِ مواطنيها وحشدِ العالمِ لمساندتِها، وندعو إلى تجنيبِ المدنيين ويلاتِ النزاع، وإلى إغاثةِ الناسِ وتحسينِ معيشتِهم، والاهتمامِ بملفِ الجرحى وعدمِ إهمالِه، والتحركِ في مسارٍ سياسيٍ يُبقي البابَ مفتوحا للعودةِ لما توافق عليه اليمنيون.
كما نطالبُ ببرنامجٍ تنمويٍ واسعٍ، يكفلُ معالجةَ كلِ آثارِ الدمارِ والخراب، ويضمنُ تنميةً اقتصاديةً مستدامةً في اليمن، مع أهميةِ أن يُسفرَ التدخلُ أو التحالفُ في إنجازِ العمليةِ الانتقاليةِ وفقَ مخرجاتِ الحوارِ الوطنيِ ومشروعِ الدستورِ الذي تم صياغتُه بناءً على تلك المخرجات، وبناءً على هذه النتيجةِ سيتمُ الحكمُ على التحالفِ سلبا أو إيجابا، وسيتحملُ أيضا الآثارَ والنتائجَ الكبيرة المترتبةَ سلبا أو إيجابا كذلك.
وأخيراً .. يا أبناءِ أمتِنا اليمنيةِ العظيمة :
أعرفُ أن مساحاتِ الأملِ تتضاءلُ لدى بعضِكم، ما مر بنا من أحداثٍ عصيبةٍ تؤكدُ مثلَ هذا الشعور، لكن الأممَ العظيمةَ، ونحن ننتمي لواحدةٍ منها، دائما ما تجترحُ الحلولَ، وتصنعُ المجد، وتعودُ من تحتِ الرمادِ أقوى من ذي قبل.
نحن نملكُ حاضرَنا.. ومستقبلُنا سوف نصنعُه كما نريد، والجمهوريةُ الجديدةُ ستكونُ مبنيةً على أسسِ المواطنةِ المتساويةِ وسيادةِ القانونِ، واحترامِ الحقوقِ والحرياتِ والعلومِ والفنون، شاء من شاء وأبى من أبى، والعاقبةُ لليمنيين المؤمنين بتاريخِهم الكبير، وثوراتِهم العظيمة.
الخلود للشهداء ، الشفاء للجرحى ، المجد لليمن
وإنها لثورةٌ عظيمةٌ حتى النصر