كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر منتدى شباب دول العالم الاسلامي - اسطنبول/تركيا
الاخوة والاخوات اعضاء مؤتمر شباب دول العالم الاسلاميالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهفي البداية أود أن أعبر لكم عن سعادتي بوجودي بينكم، ولا شك أنها لحظات مهمة بالنسبة لي عندما أتحدث إليكم، وأنتم تمثلون نخبة الشباب الإسلامي بكل طموحاته النبيلة في استعادة نهضتنا التي أبهرت العالم وأنارت له طريق المعرفة والرقي.
لعل من المناسب أن أذكركم بأنكم تمثلون أمة كبيرة ذات مقدرات عظيمة وذات إرث تاريخي وانساني عظيمين؛ هذه الأمة في الوقت الذي يُنتظر منها أن تلعب دورا عالمياوحضاريا في اشاعة الخير وتعزيز الأمن والاستقرار في العالم، تعاني من مخاطر عظيمة وتحديات كبيرة تستهدف روابطها وتحالفاتها بالتفكك، ومكوناتها بالإضعاف!!!
فلم يعد هناك مجالا للإنكار، أن أمتنا تتعرض لعملية شيطنة تستهدف ثقافتها، كما تستهدف النيل من دينها وتصويره على أنه ديناً للإرهاب والتطرف والعنف لاديناً للسلام والحب والخيرية لكل العالمين، كما أكد القرآن في كثير من آياته، وكما أكده رسولناالكريم، وأكدته تجارب التاريخ التي اثبتت أن أمتنا ومن خلال السلوك العملي كانت أكثر الأمم حرصا على بذل الخير للناس في كل المناطق التي وصلت إليها.
أيها الأعزاء:
إنه من المؤسف حقا، أن احتقار الأمة الإسلامية وشيطنة دينها وثقافتها وناسها يحدث بصورة مكثفة ومريبة ومن دون أسباب حقيقية.
لذا يجب علينا أن نبذل الجهود للتصدي لهذه الحملات غير المنصفة، والتي بقدر ما تشوه بصورة أمتنا وتطعن في الإسلام وتعاليمه السمحة، فهي تغذي أسباب وعوامل الصراعوالإرهاب والعنف.
إن الإرهاب ينال منا أكثر مما يناله من الآخرين، فنحن أول ضحاياه ، ونحن المعنيون بحربه والتصدي له وتجفيف منابعه الفكرية والعملية، ولكن ذلك يجب أن يكون وفق معايير واضحة لا يجعل من أمتنا عبارة عن مشبوهين متهمين بالإرهاب، مدانين حتى تثبت براءتهم.
الحضور الكريم
يمكننا القول إن الإرهاب الذي تتسع رقعته يوما بعد يوم، هو نتاج جملة من العوامل والأسباب الداخلية والخارجية، فغياب الديمقراطية، وانتهاك حقوق الإنسان، وقمع الحريات العامة، وتراجع معدلات التنمية من جهة، وفشل التدخل الدولي فيأكثر من دولة إسلامية وتخديدا العراق وافغانستان وسوريا، من جهة أخرى، مما أنتج فوضى وعدم استقرار وأعطى الإرهاب والإرهابيين دفعة قوية لمواصلة معركتهم العبثية والغبية التي لم تثمر سوى الموت والدمار.
كما أنه من المحزن فعلا أن تحظى الجماعات المسلحة خارج إطار الدولة والتي تنتهج العنف والإرهاب سبيلا لتحقيق أهدافها في السيطرة والهيمنة تحت شعارات مذهبية ضيقة أو أفكار متطرفة بالدعم من بعض حكومات الدول الإسلامية، وهو الأمر الذي يساهم في تهديد وجود أمتنا واستقرار العالم.
أيها الاحبة:
ان علينا التأكيد على واحدة من أهم المسلمات المرتبطة بالتنمية المستدامة والتي يتفق عليها كل من يعمل في هذا الحقل الهام.
هذه المسلمة التي تقول بأنه لا تنمية مستدامة بدون استقرار، ونعني بالاستقرار الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فالتنمية المستدامة معدومة في حالة اللااستقرار ناهيك عن حالة الحرب والعنف والفوضى!!
لاتنمية مستدامة دون استقرار، ولا استقرار دون سلام مستدام يفض النزاعات وينهي الصراعات ويعالج آثارها ويحول دون تكرارها.
كما لا سلام دون وعدالة وانصاف، تحفظ الحقوق وتنصف المظلومين، وتنتصر للضحايا، وتعوضهم.
السلام المستدام والعدالة والانصاف عناوين كبيرة تختزل كل الحكاية ، وبيدها مفتاح سر النهوض والتقدم وباب كبير للرفاه والعيش الكريم.
صناعة التنمية المستدامة بابعادها المتعددة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية تتطلب اولا بناء سلام مستدام مبني على:
- السلام بين الحكام وشعوبهم ، سلام قائم على الرضى لا القهر، وعلى القناعة لا الاكراه، وهو سلام حيوي مفعم بالقوة والكرامة، حكومات متصالحة مع شعوبها حيث الجيش لخدمة الوطن وحراسة حدوده لا جيش الفرد والعائلة الحاكمة يسخرهم لقمع معارضيه ولقتل مواطنيه.
هناك فرق بين السلام الناشئ عن العلاقة التصالحية بين الحكام وشعوبهم ،وبين السلام الناشئ على القهر في دول الخوف.
الأول سلام صلب راسخ ، سلام منتج ايجابي يحرسه الجميع، يصمد في وجه الاعاصير ويتماسك في الظروف غير المواتية، والآخر اشبه بسلام المقابر الزائف، حيث الموت وفكرة الموت صاحبة السيادة والحضور.
- سلام داخلي لكل فرد نشأ في مجتمع معافى وتلقى مايستحق الانسان من العلم والقيم والالتزام الاخلاقي، يمقت الجريمة ويستهجن العدوان، ينحاز الى العدل والانصاف، هو نتاج لثقافة تعلمها مثلما تعلم كيف يكون الالتزام في مجامع تعلي من الاخلاق وتنفر من الظلم والعدوان.
- سلام بين الطوائف والجماعات والاثنيات والعشائر والقبائل يقوم على القبول بالتنوع والرضى والقناعة باهميته، يتعايشون في وطن يتسع للجميع يحدث ذلك كقناعة راسخة يدافعون عنها ويحرسونها كلما لاح في الافق خطر يتهدد سلامهم الاجتماعي ويهدد تنوعهم وقبولهم وتشاركهم الوطني.
أيتها الاخوات أيها الإخوة:
ان اعظم ما يتهدد امتنا من اخطار مدمرة حاليا هو الصراع على اسس طائفية تشهدها اكثر من بلد في أمتنا ، والتي تنذر بالاتساع الى كل بلد يشهد تنوع طائفي!!
ان تغذية هذا الصراع واستمراره لاينذر فحسب في فشل التنمية، بل ينذر بتفكك الاوطان الى دويلات طائفية متناحرة، وقبل ذلك الى قطيعة وعداوة خالصة بين مواطنين فرقتهم الطائفة فلايجمعهم وطن!!
ان على زعماء العالم الاسلامي..ان على شباب العالم الاسلامي..ان على مفكري امتنا ونخبها وساستها في كل مكان وفي كل البلدان ان يجعلوا من التصدي لهذا الخطر غايتهم الاستراتيجية هذه معركتنا الاكثر قداسة الآن.
اعزائي شباب المؤتمر الاسلامي:
أظنكم مثلي تؤمنون أنه لا طريق آخر أمامنا غير القبول بالشراكة والتعايش بين دولنا وداخل مجتمعاتنا، والتصرف كأمة متعددة القوميات يسند بعضها بعضا بما يوفر استقراروسلامة الاوطان، عوضا عن انتهاج سياسة الانكفاء على الذات والتسلط والتهميش، فهذا أفضل لنا ولمستقبلنا، ويحقق ما نادى به الإسلام من تعاون على البر، ومن احترام للإنسان ولحقه في العيش بكرامة وحرية.
ان علينا ونحن نتحدث عن العنف ونحذر منه ان نكون منصفين وعادلين، من المهم أن نتحدث بصراحة ووضوح ونقول أن العنف الذي يعرقل التنمية ليس ذلك الذي يصدر عن جماعات العنف وحسب، وإنما أيضا ذلك الذي تقوم به حكومات بعض الدول ضد شعوبها، وضد الحريات العامة، ومعلوم لدى الجميع أن الاستبداد والقمع يهدر الإبداع ويقيد الطاقات، ويصنع الصراعات والحروب.
إن العنف هو عدو التنمية، وأظن أننا لا نحتاج لأن نبحث عن حجج لتأكيد هذه الحقيقة، لذا يجب أن نتوجه بكل طاقتنا وقوتنا على صنع سلام داخلي في بلداننا يكون قائما على قيم المواطنة والعدالة والتسامح واحترام حقوق الإنسان وحرياته، واحترام التنوع الثقافي والاثني، فهذا ما سوف يحفظ أمتنا، ويضعها على الطريق الصحيح.
أعزائي الشباب:
إن إعطاء الشباب دورا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا بات مسألة ملحة، لكنها بعيدة عن اجندة هذه الدول وخططها وسياساتها في معظمها، قليل هي تلك الدول التي تمضي نحو تنمية متوازنة مستدامة متعددة الابعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية، وهذا القليل غير راسخ تهدده وتنال منه المشكلات والمعضلات التي تعاني منها بقية الدول، والتي تصدَّر اليه بعلم وإرادة، او كتأثر حتمي لجوار يعاني!!
الشباب قاطرة التغيير في كل زمان ومكان، ولذا تعمل الحكومات المستبدة على احباطهم وتهميشهم، ظنا منها أنها ستكون في منأى عن الغضب الشعبي الذي قد يطيح بها في غمضة عين، غير مدركة أن كل سياساتها تلك لن تقوى على الصمود أمام إرادة التغيير وعزيمة الشباب المتسلح بحب وطنه ودينه.
أيها الأحرار:
لقد سعى شباب الربيع العربي إلى التأكيد على احترام القيم الإنسانية، والتأكيد على احترام التنوع الديني والمذهبي، فقد كان هدف الربيع ولا يزال هو إقامة دول ديمقراطية ومجتمعات متصالحة تعلي من قيمة الإنسان بغض النظر عن معتقداته الدينية أو السياسية أو الفكرية، لكن قوى الثورة المضادة عرقلت هذا المسار، وأعادوا التوتر من جديد ليتحكم بحياة الناس ومصائرهم، غير أن روح الثورة لم تخمد، ولا أظنها سوف تخمد ، ما دام هناك عرق ينبض في دماء الشباب المتطلع للحرية والديمقراطية والكرامة الانسانية.
وبغض النظر عن بعض الاختلافات هنا وهناك، علينا كشباب أن نقف موقفا صلبا ضد كل مظاهر القمع والتسلط سواء تلك التي تصدر من الجماعات الارهابية أو جماعات العنف أو الحكومات المستبدة، من المهم ويجب أن تكون تحركاتنا تحت سقف القانون.
علينا أيضا، أن نرفض الانقلابات العسكرية والميليشياوية، وأن يكون احتكامنا لإرادة الشعب خياراً غير قابل للمساومة.
علينا قبل ذلك وبعده ان نعمل على استقرار اوطاننا وسلامة امتنا..وان نعد اي تصرف شاذ غير سوي ينال من استقرار الاوطان وسلامة أمتنا..خيانة عظمى لمصلحة اوطاننا وامتنا العليا.
علينا ونحن نفعل ذلك ان نعلم ان نساهم بفاعلية في خدمة الانسانيه لان في سلامة امتنا سلامة للانسانية بالضرورة، وفي قوتها تفعيل لدورها الايجابي في خدمة الانسانية.
علينا أيضاً رفض كل الأفكار التي لا تتسم مع العقل والمنطق، والتي غالبا ما تتخذ من الدين شعارا لها، ففي اليمن على سبيل المثال تقود ميليشيا الحوثي تمردا على الدولة بحجة أن الله منحهم حق حكم البلاد دون سواهم، ولا شك أن مثل هذه الأقوال تتغذى على الخرافات وتسيء إلى الدين ومبادئ العدالة والمساواة.
علينا ان نعمل من أجل اشاعة الحرية والمعرفة وحكم القانون، والعمل على انجاز خطوات ملموسة في مجالات التنمية المختلفة،
يجب الاهتمام بالتعليم، بالصحة، بالثقافة، بالفنون، بالرياضة، بتنمية افكار التعايش، وتجريم الافكار والجماعات العنصرية.
يجب تمكين الشباب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، يجب أن ينخرط الشباب في عملية صنع القرار، يجب أن يحدث ذلك.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يثق بالشباب، لقد كان محقا بالفعل، ونحن يجب أن نستلهم من سيرة الرسول كل الأشياء التي تمنحنا العزم والقوة والتسامح والخير.