كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام في مؤتمر تحالف الحائزين على نوبل مع منظمة الاغذية العالمية الفاو من اجل الامن الغذائي والسلام - روما
سعيدة وفخورة اني بينكم اليوم هنا في روما .. في هذه الفعاليه الهامة لاشهار تحالف الحائزين على جائزة نوبل للسلام ومنظمة الأغذية والزراعه العالمية FAO من أجل الأمن الغذائي والسلام .
كان الفنان الضاحك شارلي شابلن يقول: الجوع لا ضمير له. يمكننا أن نضيف ما نشاء إلى هذه العبارة الساحرة للتدليل على رفضنا للجوع، فمن العار أن تحدث هذه النهضة الحضارية الهائلة ولا يزال هناك ملايين من البشر تعاني بسبب نقص الغذاء، هذه المعادلة الظالمة يجب أن يتوقف.
معادلة ان هناك عولمة متخمة بالامكانات ، تراكم من خلالها بعض الدول والمؤسسات والافراد ثروات هائلة وفي الجوار فقراء وجائعون كثر إن ما ينتظرنا جميعا هو كفاح انساني عظيم منأجل عولمة ايجابية أكثر انصافا، ويتقاسم خيراتها الجميع، لا أن تبقى عولمة سلبية ينال خيراتها البعض من البشر بينما تذهب آثارها السلبية ومخاطرها إلى البعض الاخر.
بعيدا عن إعطاء هذا الموضوع أبعاد ايديولوجية، سيكون لزاما علينا أن نعمل بكل قوة واخلاص من أجل تحقيق اعظم اهداف خطة التنمية المستدامة لما بعد ٢٠١٥ وهو التخلص من الجوع والفقر.
لا يجب السماح بحدوث مجاعة في أي مكان في العالم. يجب أن نكون عند مستوى المسؤولية، إنه امر يدعو للفخر أن نكون ضمن أولئك الذين يشهرون عدائهم للفقر والجوع وما يرتبط بهما من بؤس وشقاء وحرمان.
إن القضاء على الجوع والفقر يعني بالضرورة أننا خطونا خطوة حاسمة في بناء الأمة الانسانية العادلة المتعاونة والمتشاركة حيث الأرض بيتنا والإنسانية أمتنا.
من حق الذين يعانون أن يجدوا من يهتم لشقائهم،من حق من يفتقدون الغذاء أن يحصلوا على ما يكفيهم من غذاء ومياه،باعتبار ذلك يندرج ضمن أهم حق للإنسان على الإطلاق، وهو حق الحياة.
لديّ حلم وأثق انكم تشاركونني الحلم ذاته، أن يكون العالم الذي يحتوينا هو عالم بلا فقر، وأن تكون الأرض التي نعيش على ترابها وبحرها دون جائعين،
هذا الهدف النبيل بالغ الأهمية بالإمكان تحقيقه، إذا توفرت الجدية لدى الحكومات الغنية والفقيرة على حد سواء، وإذا توفرت مقادير من النزاهة الاخلاقية والالتزام الانساني من القادرين ماليا ومن الذين يمكن أن يساعدوا في التخفيف من وطأة الجوع والحاجة.
بالإمكان تخصيص نسبة من دخل الدول ومن دخل الشركات ورجال الاعمال للقضاء على الجوع والفقر ويتم تحصيلها بشكل مستدام ويتم تخطيط عملية توزيعها وعملية تدفقها إلى المحتاجين.
إن القضاء على الجوع والفقر غاية إنسانية نبيلة تتطلب تحقيقها التزام اخلاقي فحسب، فما يحدثني به ضميري هو أنه للفقراء حق لازم على الاغنياء، هذا ما تفتضيه العدالة والانصاف والانتماء للإنسانية.
يزخر العالم دولا وشركاتٍ ورجالَ أعمالٍ بمقدرات هائلة، ويتم مراكمة الثروة وتخزينها بطريقة مخجلة مؤذية الضمير الانساني وتنقصها النزاهة الاخلاقية وتفتقر للشعور بالمسؤولية تجاه ملايين من الناس الذين يتضورون جوعا، ناسين أن العالم صار قرية صغيرة يعلم ساكنوه بأوجاع وحاجات كل فرد، ما يمثل إدانة لهم ، ان لم يتصرفوا على نحو يعلي من القيم الإنسانية وينتصر للتضامن الإنساني.
لنسأل، كم من دولة غنية تعهدت بنسبة من دخلها القومي لمكافحة الفقر،ثم عندما يحين الوفاء بالالتزام فإنها تجود بأقل القليل أو تنسى ما تعهدت به.
نحتاج للقضاء على الجوع والفقر في هذا العالم الى قدر من المال مقدور عليه وهو لايضاهي حتى مبالغ التسليح التي تنفقها بعض الدول الكبرى.
ماذا لو خصصت حكومات العالم نسبة من دخلها تدفعها للمنظمة الأممية من أجل جهود مكافحة الفقر، ماذا لو خصصت نسبة أخرى من دخلها القومي لمكافحة الفقر المحلي والاقليمي وفق برامج وخطط حكوميةملزمة، ماذا لو خصص رجال الأعمال والشركات في هذا العالم نسبةمن دخلهم لتمويل برامج مكافحة الفقر والقضاء على الجوع، بالتاكيد سنصل الى "عالم بلا فقر وأرض من دون معوزين وجائعين.
الأصدقاء الأعزاء:
إننا إذ نكافح الجوع والفقر، فإننا نكافح ينابيع الإرهاب؛ الإرهاب ينتقي ضحاياه من وسط المجتمعات الفقيرة ، يجند اتباعه من بين أوساط المسحوقين، وحيث هناك جائعين، فهناك مصادر لا تنضب من مواردالإرهاب.
أيتها السيدات ايها السادة:
كما انه لا يمكن تحقيق السلام بدون الأمن الغذائي، فإنه أيضا لا يمكن تحقيق الأمن الغذائي بدون السلام.
الاصدقاء الأعزاء:
سيكون علينا ان ننظر بإعجاب إلى الانجاز الذي أحدثناه فيما يخص مكافحة الجوع والفقر ، والذي اتشرف اني كنت ضمن اللجنة الاممية رفيعة المستوى لصياغة أهداف التنمية لما بعد ٢٠١٥ ، فمن خفض الجوع والفقر في العالم كما نصت اهداف الالفية، إلى القضاء على الجوع وانهاء الفقر بكل اشكاله في كل مكان بحلول عام ٢٠٣٠ ، كما نصت عليه الاهداف ولا شك أن تحقيق هذا الهدف الانساني العظيم يقتضي حشد ودعم وارادة سياسيه عالمية كبير وجاد ومثابر، أما الامكانات فهي متوفرة ما تنقصنا هي الإرادة ، الارادة السياسية.
أيتها السيدات ايها السادة:
لن يتحقق الأمن الغذائي العالمي دون تخطيط صحيح واستراتيجية دؤوبة تفض النزاعات وتصنع السلام في الدول التي تعاني من الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية وتكفل عدم تكرارها وتضع الاجراءات الوقائيةالكفيلة بعدم اندلاعها في المجتمعات التي يتهددها خطر اندلاع النزاعات والاقتتال الداخلي.
يتطلب الأمر إذا وضع خارطة طريق واضحة لفض النزاعات وكفالة عدم تكرارها لكي يكون من الممكن بناء عملية سلام مستدامة، أحد أهم عوامل كفالة عدم التكرار هو تحقيق تحسين الحياة المعيشية للمواطنين بعد عملية فض النزاعات مباشرة، وصولا إلى عملية تنميةمستدامة تتضمن مكافحة الفقر والقضاء على الجوع، كما تتضمن آليات حاسمة لكفالة عدم تكرار النزاعات، فالحروب والصراعات يذهبان بنا إلى الموت والفقر والجوع والمجاعات، أظن أن لا أحد بمقدوره أن يقول خلاف ذلك.
على أي خارطة طريق يتم تقديمها لصناعة سلام في دولة -ما- اي دولة تشهد نزاعا مسلح واحتراب اهلي ، على هذه الخارطة أن تركز على تحقيق هدف اساس هي: "دولة تحتكر امتلاك السلاح وجماعات تتمتع بحقها في تنظيم نفسها في أحزاب سياسيةتشارك في الحياة السياسية والعامة دون إقصاء ودون حرمان ودون استخدام القوة لتحقيق أهدافها".
ينبغي على أي جهة تقدم مبادرات سلام هنا أو هناك أن تأخذ هذا في حسبانها لكي يكتب لمبادرتها.النجاح أو أن تكون خطوة مهمة على طريق النجاح على الأقل.
يمكن القول ايضا إن اي عملية تحول سياسي استراتيجية لن يكتب لها النجاح دون عملية تحول اقتصادي موازية ومتزامنة تحقق الامن الغذائي وتكفل التحسين الملحوظ لحياة غالبية المواطنين، ولاسيما الذين يعانون من الجوع والفقر ونقص الخدمات الأساسية.
وسيكون علينا حينها أيضا انجاز عدالة انتقالية وهي عبارة عن خليط من الاجراءات الاقتصاديةوالسياسية يتم اتخاذها ليتسنى لنا بناء عدالة انتقالية تكفل العبور للمستقبل دون تكرار الصراع ودون حدوث عملية ثأر أو انتقام عبر انصاف الضحايا وتعويضهم ورعاية ضحايا الحرب من الجرحى والمعوقين وأسر القتلى.
فضلا عن اتخاذ الاجراءات الكفيلة بعدم تكرارالنزاع مستقبلا، وأهم تلك الاجراءات على الإطلاق كفالة أن لا يفلت مرتكبي المجازر الجرائم ضد الانسانية من الملاحقة العقاب.
أيتها السيدات ايها السادة:
بإمكان تحالف "الحائزين على نوبل" مع منظمة الفاو العمل بحيوية كبيرة للإنجاز في هذا الاتجاه؛ صناعة سلام يتوازى مع مكافحة الفقر والقضاء على الجوع.
يحتاج الأمر إلى جدية وشعور بالمسؤولية، وهو متوفر كما أعتقد،وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا العمل المهم يحتاج إلى آليات عمل فعالة تضمن التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم بطريقة مستدامة في الدول التي تعاتي من نزاعات او مقبلة على نزاعات، كما يحتاج الأمر إلى عمل دراسات وأبحاث موضوعية حول كل ما له علاقة بأسباب الصراع وأطرافه وسبل بناء السلام في تلك الدول، بالتزامن مع دراسات أخرى حول تنفيذ برامج واسعة لمكافحة الفقر والقضاء على الجوع.
من المهم التركيز على الدول ذات الأولوية كاليمن وسوريا ودول من افريقيا ومن مناطق مختلفة من العالم، وأن يتم ذلك وفق خطة استراتيجية مزمنة تتوزع مع خطة التنمية العالمية لما بعد 2015.
سيكون من المهم أن يضع التحالف نصب عينه وضمن خطتهالاستراتيجية ضرورة التخلص من الجوع بحلول عام 2030 بحيث لايكون هناك جائع أو فقير مع حلول هذا العام. سيتطلب ذلك نوعا من التكاتف والتضامن بين الجهات الأممية والاقليمية والحكومات والقطاع الخاص ما يحقق هذا الهدف الاستراتيجي من أهداف التنمية المستدامة. سيتطلب الأمر تمويلات كافية لبرامج مكافحة الفقر المتزامنة مع فض النزاعات والحروب في الدول التي تعاني منها، وأن تكون هذه التمويلات جاهزة.
الاصدقاء الأعزاء:
الجوع كلمة موجعة فعلا، لا يوجد شخص يمكن أن يدافع عن الجوع، وأن يمارس حياته بشكل طبيعي وضميره مرتاح وهناك بشر يموتون من الجوع، لا يجدون ما يسدون به رمقهم، دعونا نقوم بواجبنا، لا يجب أن نمارس دور اللامبالي بأوجاع الناس، فهذا يجعلنا أشخاص في منتهى السوء.
لا أعتقد أن أحدا سوف يسر إذا صار شخصا بلا التزام اخلاقي تجاه قضية كهذه، وتجاه مظلومين مثل أولئك الذين لا يجدون الطعام دائما أو أحيانا، ما أسوأ هذه الحياة إذا خلت من الإحساس بالآخرين، وبالمحتاجين، والجائعين.
دعونا نسير إلى هدفنا بكل ثقة وإصرار: عالم بلا فقر أو جوع أو حرب، فلنقم بواجبنا ومن المؤكد أن الله لن يخذلنا. لنبدأ الآن ، لنبدأ الآن.