كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في ندوة السياسة الايرانية وتبعاتها على حقوق الانسان في الشرق الأوسط وأوربا - جنيف
يمكنك أن تصادف في حياتك شخص ما تتمنى أن يكون صديقك لأسباب كثيرة، لكنه لا يكف الأذى عنك، إيران تشبه هذا الشخص الذي لو كف الأذى عنك لكان صديقا جيدا.
هناك تفاصيل كثيرة في هذا الشأن، لكني سأتحدث عن النظام السياسي في ايران من وجهة نظر مدنية وحقوقية وبناء على هذه المعايير، سوف اوجه النقد.
أود أن اشير إلى أن نقدي للنظام السياسي الإيراني لن يكون بسبب المذهب، فعلى الصعيد الشخصي ليس لديّ مشكلة مع أي مذهب ديني، وقد يكون من المناسب الإشارة إلى أني احتفظ بصداقات واسعة مع أشخاص يتبعون المذاهب الشيعية، وهي صداقات متينة واتشارك مهم أحلام الكفاح في سبيل الحرية في كل مكان من موقعنا الانساني.
ايها الاعزاء:
من الطبيعي وأنا مواطنة من جزيرة عربية تبعد مئات الاميال عن ايران أن نحرص وأن نتمنى علاقات ايجابية مستقرة قائمة على التعاون المشترك مع ايران، في النهاية إيران هي دولة كبيرة نتأثر بها ونؤثر أيضا، فمنذ الثورة الاسلامية وصعود الخميني إلى الحكم وحتى الان، ومنطقتنا هدف أساسي للضربات التي توجهها "ايران النظام" إلى المنطقة بدعوى تصدير الثورة، وهو المبدأ الذي نص عليه الدستور الايراني، والذي يتضمن إلزام النظام بتصدير الثورة ونظرية ولاية الفقيه التي تخول رجل دين امتلاك جميع السلطات الفعلية، وتقوم بتحويل بقية المسؤولين إلى موظفين ثرثارين.
النظام السياسي الذي يعقب أي ثورة حين يكون على هذا الشكل، فهذا يعني أن الثورة قد تعرضت للاختطاف، وأن هناك من سرق الأحلام وسطى عليها. هذا ما حدث بالفعل للثورة الايرانية ذاتها.
يعد الخميني أحد الفاعلين في الثورة، لا أحد يمكنه قول غير ذلك، لكنه جاء إلى الثورة متأخرا، ما لا يجب أن يكون غائبا هو أن هناك تاريخ للمعارضة في ايران، وليس صحيحا ما يجري تسويقه من أن المعارضة بدأت مع الخميني، مثل هذا الادعاء مهين للتاريخ والحقيقة معا.
بعد عودة الخميني من فرنسا لم يعلن عن مشروع الدستور الذي سوف يضمنه نظرته الفقهية لولاية الفقيه التي تتيح للفقيه لأول مرة في تاريخ المذهب الاثنى عشري أن يتولى السلطة، وعلى هذا النحو المبالغ فيه، فبعد نجاح الثورة، شهدت إيران فضاء حرا واسعا جدا، حرية صحافة مطلقة، تعددا سياسيا وحزبيا، ثم انتخابات، وخلال عامين تم تصفية هذا الهامش وايداع شركاء الثورة في السجن، وتم اغتيال قيادات الاحزاب واغلاق الصحف وحظر الاحزاب. بعد عامين تحولت إيران إلى دولة للملالي، لم يعد هناك صوت إلا صوت ولي الفقيه..
كان تلك هي السرقة الأولى لثورة كان لها أن تكون الأعظم في المنطقة، لولا ولي الفقيه الذي دهس احلام وتطلعات الثوار والشعب الايراني ليرضي غروره الاجوف.
كلكم تعرفون أن مبدأ تصدير الثورة اصطدم بنظام صدام حسين وبحرب دامية استمرت عشر سنوات، تلقى العراق خلالها دعم عربي وعالمي سخي مكنه من الصمود والانتصار اخيرا، حين اضطر الخميني لقبول وقف اطلاق النار واطلق مقولته الشهيرة:"قبولي وقف اطلاق كأنني احتسي كأسا من السم".
لم يمر وقت طويل حتى دخلت العراق في سلسلة منالصراعات الاقليمية والدولية إثر غزوه لدولة الكويت، توجت باقتحام جيوش التحالف لبغداد وحل الجيش العراقي واسقاط النظام العراقي بالقوة.
في هذه الأثناء رتبت ايران وضعها جيدا داخل العراق، وصارت الفاعل الأكبر إن لم يكن الوحيد هناك. ونتيجة لذلك فقد تم السطو على كل ثروات العراق، وبالنسبة لمكتسبات الدولة العراقية خلال القرن الأخير، فقد تم تقويضها، هذا التقويض لا تتحمل ايران المسؤولية لوحدها، فالتحالف الذي تقوده امريكا والذي قام بإسقاط بغداد وحل الجيش العراق بناءا على اكاذيب، وفقا لاعترافات كبار الساسة في اميركا وبريطانيا، يتحمل مسؤولية أكبر، كونه قدم العراق على طبقة من فضة لنظام مثل النظام الإيراني يعد من الأنظمة الأسوأ على مستوى العالم على صعيد الحريات وحقوق الإنسان.
ما هو حادثٌ اليوم هو أن إيران تدير العراق من خلال ميليشياتها المسلحة، ومن خلال الأحزاب التي صنعتها.
وبالمثل، تعاني سوريا من التدخلات الايرانية منذ زمن بعيد، لكن هذه التدخلات تعد الأشد قسوة مع اندلاع الثورة السورية، فإيران تمارس كل أنواع الجرائم في سوريا، وبمختلف الوسائل والاتباع، فهناك اعتقاد ايراني أن سوريا يجب أن تظل تحت الهيمنة الإيرانية إلى الأبد.
لكن ماذا عن اليمن؟ ما هي قصة التدخل الايراني في اليمن؟ وما تفاصيل حكاية سرقتها لثورة اليمنيين؟
اليمن بعيدة نسبيا عن إيران، لكن ما يحدث في اليمن ليس بعيدا عن عبثها الذي تمارسه في المنطقة.
كما هو معروف، فليس في اليمن انقسام مذهبي كماهو الحال في العراق على المستوى الشعبي، إذ لا تلحظ فروق مذهبية بين المذهبين الشافعي والزيدي، الناس جميعا يذهبون إلى المساجد القريبة من مساكنهم، والخطاب الديني غير قائم على التمييز بين السنة والشيعة، من هذه الناحية ليس هناك خطر كبير يهدد اليمن.
ما يهدد اليمن هو نزوع صالح وميليشيا الحوثي المدعومة ايرانيا للسيطرة على البلاد بقوة السلاح.
ايها الاعزاء:
بعد اربعين سنة من الثورة بدأ التدخل الايراني في اليمن بالتنسيق مع علي صالح كما يبدو من خلال دعم فكرة انشاء جماعة الشباب المؤمن في صعدة، وهي جماعة دينية تقوم على احياء فكرة البطنين وما يتبعها من معتقدات، بعضها طرأ على الزيدية وخصوصا تلك التي تتعلق بحصر الولاية في البطنين، فكما هو معلوم، فإن الزيدية تقول بجواز ولاية المفضول في وجود الفاضل.
دعمت ايران بالتزامن عددا من المراكز الدينية في عدد من المحافظات ذات الاغلبية الزيدية أهمها مركز بدر في صنعاء ومراكز في صعدة، وما هي إلا سنوات قليلة إلا واندلعت أول حرب بين الدولة وجماعة الشباب المؤمن بعدان تحول اسمها الى جماعة الحوثي.
خاضت الدولة ضد الجماعة ستة حروب في صعدة، كل حرب تنتهي بهدنة، ثم تعاود حرب جديدة بعد أشهر. من خاض الحرب ضد الحوثيين نيابة عن الدولة هو جزء من الجيش الوطني غير مرضي عنه من قبل صالح وكان يعتقد انه لا يدين له بالولاء، وخلال حروب صعدة تم انهاك هذا الجيش تماما مقابل تنامي الجماعة الحوثية، كان على صالح ينقذها مع كل حرب بفرض هدنة حين تكون في مأزق، كنا موقفنا كمجتمع مدني وحتى كأحزاب ضد هذه الحروب، وانا شخصيا والمنظمة التي أراسها من الذين دافعوا عنهم بجسارة اثناء تلك عبر الاعتصامات والبيانات وحملات التضامن المختلفة التي كنا ننظمها داخل العاصمة وخارجها. كان التنسيق بين الحوثيين وعلي صالح في تلك الفترة لم يكن بالعلن كان يدار حديث عن تعاون خفي، لكن ظاهريا الدولة تخوض الحرب العسكرية والاعلامية والامنية ضد الجماعة الحوثية،الحرب السادسة انتهت قبل ثورة فبراير حوالي بأربع سنوات.
تصاعد نضالنا المدني المعارض في صنعاء وظل الحوثيون في صعدة، نضالنا السياسي والمدني ضد نظام علي صالح تزايد واتسع ليشمل محافظات في أقصى الجنوب وامتد الى كل المحافظات.
بعد سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، خرجنا نطالب بإسقاط النظام، وبعد ثلاثة أيام تم اعتقالي، وقد قوبل الاعتقال برفض واسع، ومن ضمن الذين رفضوا اعتقالي الحوثيين، وقد تم اطلاق سراحي بعد يومين، وبعد ذلك تم تنظيم عدد من المسيرات المتضامنة معي والتي بنفس الوقت تطالب بإسقاط النظام.
بعد خروجي من السجن ازدادت قدرة الشباب وأنا معهم على حشد الجماهير واستمرينا في الحشد، ودعينا كل الاحزاب وجماعة الحوثي والحراك الجنوبي للانضمام للثورة بعد حوالي شهر تحولت الثورة الى شعبية شاملة واعلن الحوثيون مساندتهم لها.
ومع أنها ثورة سلمية خالصة وجماعة الحوثيين جماعة مسلحة لها ثأر مع الجيش ومتورطة بقتل الآلاف منهم الا أننا قبلناها في الثورة شرط أن لا تستخدم العنف كنت أحد الذين اشترط أن يكون لديهم عضو ممثل عنهم في اللجنة التنظيمية للثورة التي تقاسمها شباب الثورة والاحزاب السياسية كان عدد اعضائها ١٨ حوالي عشر من شباب الثورة والمجتمع المدني، وقد دخلت ميليشيا الحوثي لأول مرة صنعاء عبر ممثليها في لجنة تنظيمية الثورة وعبر مشاركتها في ساحات الاعتصام،كان هذا اول معروف قدمته الثورة لميليشيا الحوثي، استمرت الشراكة لعدة اشهر فقط بإخلاص ودون منغصات بعدها بدأت تتصرف على نحو يثير بعض الريبة، وأثيرت شكوك حينها عن تنسيق ولقاءات خفية بينهم وبين نجل المخلوع تأكدت لاحقا من صدق الخبر، إذ اخبرني ممثلهم في لجنة الثورة انهم يخططوا لوراثة المخلوع والاستيلاء على الوية الحرس الجمهوري، قال لي ذلك لأنه كان يراني مقربة منهم وكنت كذلك بحكم طريقة تعاملي مع شركاء الثورة وهو يعلم هذا، لكن كلامه اثار ارتيابي وغضبي الذي لم ابديه خلال الاشهر اللاحقة.
توصل الحوثيون لاتفاق مع المخلوع، وفي الأثناء وصلتهم عدد من سفن السلاح القادمة من ايران، وهذه كانت ثاني طعنة توجهها الجماعة/الميليشيا للثورة التي لم تسدي لها الا الخير، قامت لاحقا بتعيين محافظ لصعدة، لم تعترض الثورة، ثم ذهبت للتوسع خارج صعدة قبل الناس الأمر على مضض، لكنهم اعتبروا ذلك طعنة أخرى تسددها الجماعة/الميليشيا للثورة.
وبالإضافة إلى ذلك، تم الاستيلاء القوة على اراضي جديدة وتدفقت اليها أسلحة جديدة من ايران، دخلنا في حوار وطني وقمنا بإشراكها في الحوار الوطني حول الدستور والقضايا المختلفة وتم تسميتها كأحد المكونات في الحوار باسم انصار الله، وتم اعتماد هذا الاسم في الأمم المتحدة، كان ذلك معروفا كبيرا اضافيا تسديه الثورة للجماعة الحوثية المسلحة التي تخوض حوار مع مكونات سلمية في صنعاء، وفي الأثناء كانت تراكم قوتها ونفوذها في صعدة والمناطق المجاورة وتتوسع بالقوة مع استمرار تدفق الاسلحة الايرانية اليها خلال أشهر الحوار التي امتدت لعام خرجنا خلالها بوثيقة حوار شاملة، وتوافقنا على كافة المخرجات التي سيتم صياغة دستور اليمن الجديد بناء عليها.
كانت الجماعة الحوثية خلال الحوار تزاول خيانتها للعملية الانتقالية والثورة بمزاولة مزيد من التوسع بالقوة، وكان حرص الثورة السلمية والعملية الانتقالية السلمية يقابل ذلك بالصبر على رجاء وأمل انها ستتوقف عند هذا الحد لكن لم يكن هذا يحدث.
تم تشكيل لجنة صياغة الدستور ورئيسها مقرب من الحوثيين ولديها عضوان في اللجنة المناط بها صياغة مسودة الدستور بناء على مخرجات الحوار، وظلت اللجنة المكونة من مختلف المكونات المشاركة في الحوار تصيغ مواد الدستور الجديد خلال فترة ستة اشهر تقريبا.
وخلال الستة اشهر كانت الجماعة الحوثية المسلحة قد اقتربت من العاصمة بدعم لوجستي شامل من المخلوع شبه معلن ودعم إيراني، احتلت محافظة عمران ثم مناطق في ريف صنعاء، وغدت على مداخل العاصمة، وهناك أقامت لها مخيمات اعتصام مسلحة، وبالتنسيق مع المخلوع الذي لا تزال القوات العسكرية تدين له بالولاء، وبمداراة ومهادنة من قوى الثورة السلمية والسلطة الانتقالية التي لا تريد أن تفجر الوضع، وبمهادنة الرعاة غدت الميليشيا مسيطرة بالقوة من الحدود مع السعودية شمالا حتى مطار صنعاء ومداخل امانة العاصمة سيطرةكاملة.
اضطرت السلطة الانتقالية الى رفع الدعم عن المشتقات النفطية وبدرجة مقبولة ومعقولة، وقد استغلت ميليشيا الحوثي ذلك، واقتحمت العاصمة واسقطت الحكومة، وتم تشكيل حكومة جديدة بناء على اتفاق السلم والشراكة الذي فرضته بالقوة، وضربت على الرئيس مايشبه الاقامة الجبرية غير المعلنة في منزله بصنعاء، في هذه الاثناء تم الانتهاء من صياغة مسودة الدستور وتسلم أمين عام مؤتمر الحوار الوطني المسودة وأثناء ما كان متجها الى الهيئة الوطنية المكونة من أعضاء من جميع المكونات بما فيهم الحوثيون لمناقشة المسودة واقرارها، تمهيدا للذهاب للاستفتاء الشعبي، ثم اجراء الانتخابات المختلفة، بناءا عليها بعد أشهر كما كان مقررا، قامت ميليشيا الحوثي باختطاف أمين عام الحوار الوطني، وكان حينها مدير مكتب الرئيس ومعه المسودة واخفته قسريا، ثم فرضت الاقامة الجبرية على جميع الوزراء بما فيهم رئيس الوزراء الذي فرضته على الرئيس والاحزاب السياسية، واستولت على كافة مؤسسات الدولة العسكرية والامنية والمدنية وسمت مندوبيها على كل مؤسسة كرقابة عليا عليها.
نتيجة ذلك، اشتعلت المظاهرات في محافظات الجمهورية الرافضة للانقلاب، وبالنسبة لنا، فقد اعتبرنا صنعاء عاصمة محتلة، لكن الحوثيين استمروا في مخططاتهم بالسيطرة على اليمن.
انحازت إيران في كل مواقفها للحوثيين، اعطتهم السلاح، عملت على تدريب المقاتلين، دعمت اعلانهم غير الدستوري، كل ذلك، لأن الحوثيين يحققون مصالح ايران.
ببساطة، تريد ايران تحويل اليمن لمخلب قط في الجزيرة العربية لتهديد السعودية ودول الخليج، ترى إيران مجرد وقود لحماقتها في الصراع على المنطقة.
مثلما سرق ملالي طهران الثورة الايرانية، هاهم اليوم عبر الحوثيين يريدون أن يسرقوا الثورة اليمنية بإنتاج نظام يشبه ذلك الموجود لديهم، مع ضمان تبعيته لهم.
وهذا ما لن يقبله الشعب اليمني.