كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في المؤتمر الدولي نزع السلاح من أجل مناخ للسلام - برلين/المانيا
في البداية أود أن اعبر عن سعادتي بوجودي في مؤتمر هام مثل هذا المؤتمر الذي يدافع عن الحياة في وجه السلاح والحرب والموت..
ايها الاعزاء:
أسوأ شيء قد يحدث هو أن يجد شخص –ما- في هذا العالم رصاصة، ولا يجد قطعة خبز.
أنظروا حولكم: مئات الالاف من البشر في مناطق مختلفة تركوا وظائفهم وهواياتهم وصاروا جنودا لمعارك بلا طائل، وهذا يجعل العالم أقل أمنا بطبيعة الحال، المكان الذي يكتظ بالسلاح لا يكون آمنا.
كلنا يعرف أن العالم يواجه اليوم مشكلات كبيرة ومعقدة، ولعل أبرز تلك المشكلات هو الفشل في مجالات التنمية المختلفة، ولا شك أن هذه الاخفاقات المتتالية ساهمت في رفع معدلات عدم الاستقرار السياسي والحروب والصراعات المسلحة.
هناك صلة كبيرة بين ارتفاع الإنفاق العسكري وبين انخفاض الإنفاق في مجالات التعليم والصحة والإسكان والاستثمارات وتوفير مزيد من الوظائف، فالدول التي تعطي الأولوية للتسلح غالبا ما تفشل في تحقيق تنمية مستدامة.
فوفقا لتقديرات صادرة عن جهات متخصصة في رصد ظاهرة التسلح، فإن ما ينفق على صفقات التسلح سنويا بطرق يقال بأنها طرق مشروعة حوالي 2 تريليون دولار، أما التجارة غير المشروعة للأسلحة، فيتم انفاق مبلغ 60 مليار دولار.
يكفي خمسين في المائة من هذا المبلغ او 25% منه للقضاء على الجوع في العالم ، واحداث تنمية مستدامه في كل العالم ، والمُضي بالدول النامية والفقيره للالتحاق بركب الدول ذات التنمية المستدامه ، يكفي هذا المبلغ لبناء سلام عالمي مستدام وتجفيف كل اسباب النزاعات ، والوقايه منها ، إذ ان اندلاع الحروب في الغالب الاكبر منه بسبب الفقر وغياب التنميه .
يكفي ايضا لتنفيذ كافة البرامج اللازمة لحماية البيئة والحفاظ على الكوكب .
أيها الاعزاء:
لن يمكنا المضي نحو مستقبلنا المشترك الآمن دون اتخاذ مثل هذا الاجراء ، قد نتاخر لكن يوما ما ستجد البشريه نفسها مضطره لفعل ذلك.
إن جعل هذه العولمة عولمة ايجابيه عادلة ، ينعم بخيراتها الجميع ، ويتم تقاسم خيراتها بين بني البشر على نحو عادل ، لا ان يحتكر خيراتها قلة من الاغنياء دول وشركات وافراد ، وتذهب سلبياتها وآثارها المدمرة على الفقراء الذين يزدادون يوما بعد آخر وتهدد بانشطتها سلامة الارض ومستقبل الكوكب. ان هذا الهدف هدفا بالغ الاهمية لضمان سلامنا العالمي وسلامة مستقبلنا المشترك . ، وليس اجراء ترفيا فائض عن الحاجة .. يوماً ما لن يطول انتظاره ستجد البشريه بمختلف دولها واقوامها وتنوعاتها مضطره لفعل ذلك ، او فالباب مفتوح على مصراعيه للجحيم .
الأعزاء:
من حق الدول أن تشتري كميات معقوله من السلاح لحفظ السلام ومحاربة الجريمة والدفاع عن امنها وسيادتها ، الذي تدافع به عن سيادتها، لست بصدد المطالبة بالنزع الكلي للسلاح واغلاق مصانع الأسلحة بشكل كامل، فهذا طلب -على الرغم من أنه يحمل بعض الوجاهة- قد يبدو ساذجا، ويثير سخرية البعض، لكني أطالب بكل قوة كخطوة أولى بمكافحة التجارة غير المشروعة للسلاح، ومن ثم يجب الحد من التسلح بشكل عام، ما يعني أن تزول نهائيا ظاهرة سباق التسلح.
مع المضي قدما في نزع السلاح النووي وتخليص البشريه وكوكب الارض من شروره واخطاره غير المقدور على تحمل تبعاتها.
ايها الاعزاء:
إن إجراء مراجعة شاملة لتوجهات وسياسات بعض الدول والمجتمعات مسألة محورية وضرورية الآن، وإلا فلن يبقى شيء للتنمية، أو لمحاربة الفقر والجوع أو مكافحة انتشار الأمراض، علينا أن نختار بين طريقين واضحين، هما مزيد من الانفاق على السلاح والحرب، أو مزيد من الانفاق على التنمية بمختلف أوجهها، لا يوجد من سيقرر غيرنا.
الأعزاء:
كان الرئيس الأميركي ايزنهاور يعتبر كل بندقية تصنع وكل سفينة تدشن وكل صاروخ يطلق هو، في التحليل النهائي، سرقة من الجياع الذين لا يطعمون، ومن يقاسون البرد ولا يكسون، وإن تكلفة قاذفة ثقيلة واحدة هي: مدرسة حديثة مشيدة من الطوب في أكثر من 30 مدينة.
لكن هذا الوعي الذي كان يملكه رئيس اميركي بأهمية ايزنهاور لم يحدث تغيير كبير في اميركا للتقليل من الانفاق العسكري والصناعات العسكرية، خصوصا في ظل اشتداد الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي، والتي كان سباق التسلح أحد وجوهها البائسة.
لقد انتهت الحرب الباردة قبل ستة عشر عاما تقريبا، ولا يزال هناك من يفكر بنفس المنطق، السلاح أولا وعاشرا، وبعد ذلك يمكن التفكير بالدواء والخبز والتعليم والفنون، وغير ذلك. إن من المؤسف حقا، أن تتبنى دول فقيرة هذه المعادلة، وأن يصبح شراء السلاح أهم من التفكير جديا بالتعليم والحد من الجريمة أو التسرب من التعليم على سبيل المثال.
الاعزاء:
إن استمرار الدول الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ( وغيرهما من الدول الكبيره المعنيه بحراسة السلام العالمي ) في بيع الاسلحة لأنظمة قمعية هو خطأ فادح، فغالبا هذه الانظمة لا تقوم بواجباتها تجاه التنمية، فضلا أنها أنظمة تمارس الفساد بصورة كبيرة، والتعاون مع هكذا أنظمة يعد مشاركة لها في الجرائم والانتهاكات التي تطال الشعوب، وفي سرقة ثرواتها.
إن ازدهار تجارة السلاح يشير إلى أن هناك رغبة لدى الذين يقومون بتصنيعه والإتجار فيه في إبقاء الصراعات المسلحة دون حلول جذرية، لا أسوأ من أن تتصرف الدول وفق منطق تاجر سلاح جشع همه جمع المال وحسب.
إن النجاح على صعيد بيع السلاح وشراءه، والفشل على صعيد التنمية يزيد من درجة المخاطر التي تهدد السلم والأمن الدوليين خصوصا في ظل ضعف سلطة كثير من دول العالم الثالث وازدياد نفوذ الجماعات المسلحة التي تسعى للسيطرة والهيمنة وفقا لمصالحها الخاصة.
إذا أردنا عالما أكثر استقرارا وعدلا، فعلينا أن نمضي في طريق التنمية ومحاربة الفقر والبطالة ومكافحة الجريمة، لا يجب أن نسمح لتجار السلاح أن يحددوا لنا المسار، لان ذلك يعني مزيدا من الاقتتال والفقر والجريمة، وهذا ما لا يجب أن نقبل به، فنحن نريد أن نعيش في سلام وأمن وكرامة ورفاهية، وهذه المعاني لا تتوافر عندما يكون هناك سلاح.
الاعزاء:
قبل خمس سنوات وفي غمار الربيع العربي كنا نحلم بدول مدنية، فقد كانت دولنا أشبه بمحميات عسكرية، وكانت سياسة الأنظمة في المنطقة آنذاك هي عسكرة المجتمعات، وتقليص الهامش الذي يتحرك فيه التيار المدني الذي لا شك أن قضايا مثل التنمية والحريات والحقوق المدنية والسياسية تشغل اهتماماته.
ما زلنا متمسكين بالحلم الذي دفعنا في سبيله تضحيات كبيرة، وستواصل الشعوب العربية نضالاتها وتسقط الثورات المضادة التي يتم التواطؤ معها من قبل المجتمع الدولي، لن تقبل شعوبنا العربية أن تكون العسكرة مقابل المدنية، والتخويف من الإرهاب مقابل الديمقراطية، والسلاح مقابل التنمية، لن تقبل.
في بلدي اليمن، تمت عسكرة المجتمع، كان شراء قطعة سلاح أسهل من شراء كمبيوتر أو كاميرا بمواصفات متوسطة، ليس هناك احصائيات مؤكدة عن عدد قطع السلاح في اليمن الذي يبلغ عدد سكانه حوالي عشرين مليون نسمة، هناك تقديرات بأن العدد هو 60 مليون قطعة، ( بمعدل ثلاث قطع لكل مواطن).
لقد فشل نظام علي عبدالله صالح في إحداث تنمية في البلاد، وأدى عدم احترامه للدستور الذي دأب على تعديله كلما قاربت فترته الرئاسية على الانتهاء، إلى احتجاجات شعبية كبيرة، توجت بثورة 11 فبراير 2011، لم يكن هناك من خيار آخر.
اليوم هناك حرب في اليمن، يتحمل مسؤوليتها بدرجة كبيرة المخلوع صالح وميليشيا الحوثي اللذان رفضا مقررات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقادا انقلابا دمويا ضد السلطة الشرعية، ووضع أعضاءها تحت الاقامة الجبرية. لقد تم الاستيلاء على السلطة بالقوة، وهذا أمر كان يجب مقاومته.
على المجتمع الدولي أن يساعد اليمنيين على بناء سلام حقيقي يقود إلى تنمية حقيقية، وهذا لن يتأتى إلا من خلال حل الميليشيا و نزع السلاح من كل الأطراف وجعله حكرا على الدولة وحسب وح.
إن جزء كبير من مواقفنا ضد ميليشيا الحوثي بسبب أنها جماعة مسلحة تنتقص من سيادة الدولة، وتمارس الارهاب بحق خصومها، يمكنكم أن تتصوروا مثلا إجراء انتخابات تنافسية في وجود فصيل مسلح غاضب من كل شيء يتبنى عقيدة عنصرية، فهو يؤمن بأحقية سلالة علي بن أبي طالب وهو زوج إحدى بنات الرسول محمد صلي الله عليه وسلم بالحكم، وأن أي شخص لا ينتمي لهذه السلالة ليس من حقه أن يفكر أن يحكم البلاد.
نحن نعارض المليليشيا لأنه ضد المواطنة المتساوية، ضد المدنية، ضد العدالة، لأنه يصر على أن يمتلك السلاح من خلال نهب المعسكرات وتلقي سفن السلاح من إيران التي تلعب دورا سيئا في المنطقة وفي اليمن بشكل خاص.
ايها الاعزاء:
لوقف الحرب الدائرة في اليمن وإقامة سلام مستدام فيها، يجب نزع سلاح الميليشيات والجماعات خارج إطار الدولة، وجعل امتلاك وحيازة السلاح حكرا عليها، وتمهيد الأجواء أمام انتخابات حرة ونزيهة بعد الاستفتاء على مسودة الدستور الذي سبق ان توافق عليه اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني وانقلبت عليها ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح لاحقا.
وتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنيه لانصاف الضحايا وضمان عدم التكرار، وتبني مشروع اعمار لما دمرته الحرب وتحقيق اصلاح ونمو اقتصادي لازم وبالغ الاهميه لنجاح عملية التغيير السياسي.
يحدث ذلك كله مع وقف اطلاق النار في اليمن ، والذي ادعوا اليه الان في هذا المؤتمر الهام ، وادعوكم لمساعدة بلدنا في تحقيقه وفق تلك الاسس ، وادعوكم للعمل معنا لتحقيق اراده شعبنا في العبور نحو مستقبل حر وكريم.
نحن جزء من هذا العالم، وأمننا أمر مهم للعالم كما أتصور.
يمكننا بعد القيام بهذه الخطوات، أن نتحدث عن التنمية، أما قبل ذلك، وفي وجود سلاح خارج الدولة، فإن ما سوف نتحدث عنه هو عدد الضحايا وعدد القتلى وعدد الانتهاكات هنا وهناك.
أعرف أننا كيمنيين نتحمل قدرا كبيرا من المسؤولية، فالحل يبدأ من إيماننا بأن السلاح والسلوك الميليشياوي يتعارضان مع التنمية والرخاء الاقتصادي، أعرف ذلك، وأرجو أن تكون الحرب قد أعطتنا درسا لنبذ السلاح والسعي للعيش الكريم.
لكن مسؤوليتنا هذه، لا تعفيكم من مساعدة الشعب اليمني حتى يتجاوز محنته، يجب تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالوضع في اليمن، يجب التعامل مع الملف اليمني بجدية أكثر، نحن شعب متسامح، كل الذين زاروا اليمن يقولون ذلك، وكل الذين كتبوا عن اليمنيين من الأوروبيين والأميركيين يؤكدون هذه الحقيقة.
في الختام:
أود أن اجدد شكري لمؤتمركم الحافل، وارجو له النجاح، كما أرجو أن يحل السلام في بلدي اليمن، وفي سوريا، وليبيا وكل بقاع الأرض.