كلمات
محاضرة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في جامع المركز الاسلامي بعنوان: التحديات التي تواجه المسلمين في الغرب - بوسطن/اميركا
السلام عليكم .. أيها الأعزاء...القوة الحقيقية لاندماج المسلمين في الخارج تكمن في تطبيق الإسلام بالمعنى الحقيقي، مثل حسن التعامل والعمل بجهد وعدم الاتكال على الغير وعمل منظمات تحميهم وتوفر لكل مسلم الأمان.
يجب أن يعي المسلم أنه أصبح ابن هذا المجتمع الاميركي الذي احتضنه، وعليه واجبات تجاه هذا المجتمع بالحفاظ على أمنه وتطوره، وبذلك يستطيع أن يعيش بسعادة مع الآخرين وينقل صورة جميلة عن دينه وامته، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان!
إن البلدان الغربية بشكل عام وبغض النظر عن موجة الكراهية التي بدأت تنتشر هذه الايام، والتي أثق بانها سرعان ماستتراجع وتموت .. الكراهية والتعصب الحاصلين في الغرب اليوم..الاصل في هذه البلدان انها تحترم أصول وعادات الاقليات وتحترمهم وتحترم دينهم وتقاليدهم، هذه القيم لاتموت .. ربما تتعرض للاعياء .. لكنها سرعان ماتسترد عافيتها وقوتها.
المهم هو انتم كيف تتأقلمون مع هذه المجتمعات وتندمجون معها، وأول خطوة للاندماج هي نسيان الأحكام المسبقة والخوف من الآخر.
أغلب الشعوب الغربية مسالمة وطيبة ولديها الكثير من الصفات والعادات التي تتفق مع الدين الإسلامي. فمن أراد أن يعيش في إحدى الدول الغربية، سواء ممن ولد هنا او كانت هجرته إجبارية أم اختيارية، عليه أن يحترم ويلتزم بعادات وتقاليد وأنظمة البلد الذي هو فيه..
لا أجد تعارض بين الدين الإسلامي والحياة في الغرب. عيشوا تسامح وتحضر الغرب الذي يحاول فيه بعض المتطرفين والمتعصبين تشويه صورته لأنها وبكل بساطة، لا تخدم تيارهم الديني المتعصب الذي يدعو إلى مزيد من القهر والديكتاتورية والتي ستكون باسم الدين وأسوأ مليون مرة مما نعيشه من ديكتاتورية وتخلف وجهل في اوطاننا .. والتي سيرفضها بالتاكيد المجتمع الغربي.
بعضكم ولد هنا وبعضكن يعيش هنا منذ سنوات وعقود ولغاية هذه اللحظة لم يسألكم احد أي دين تعتنقون انهم يعاملونكم هنا حسب عملكم في المجتمع وليس حسب الأصل أو القومية أو الدين .
بإمكانكم ان تكونوا نموذجا للرقي والتحضر واستيعاب المفاهيم والقيم الغربية الراقية.
أحمّل المسلمين أمانة تعديل النظرة السيئة إلى الإسلام والمسلمين. أحملهم الأمانة في تعديل النظرة بتحسين سلوكياتهم وتحضرهم والتحلي بالقيم الراقية في كل شيء: في المعاملات وفي احترام آراء الغير وفي عزة النفس من غير تكبر، وأطالبهم بحسن الخلق اثبتوا للعالم ان الإسلام ضد العنف وضد قتل الأبرياء.
عليكم أن تتحرروا من كافة القيود التي تلزمهم في مجتمعهم السابق ما عدا الالتزام بثوابت الدين الإسلامي وقيمه السمحة كقيم ومبادئ وليس كموروثات وتقاليد بالية وهي في مجملها تنسجم مع القيم الغربية حد التطابق..عليكم انتم الاندماج في المجتمع الجديد وليس العكس. لا تطلبوا من المجتمع الغربي ان يندمج مع تقاليدكم وموروثاتكم بل اندمجوا مع المجتمع الجديد.
فمع الإندماج يحصل تبادل الأفكار والثقافات وذلك مفيد جدا للسلام العالمي هنالك عادات وطقوس ربطها الناس بالدين لكنها لا تتماشى مع نمط الحياة في الغرب ويجب تركها، وهذا لن يتعارض مع التمسك باركان الإسلام ولا ينتقص من قيمه ومبادئه الأساسية.
عليكم احترام الدستور الاميركي واحترام حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة والأخذ بالعادات الحميدة كمساعدة الآخر والتهذب في الكلام والسلوك العام.
اقبلوا القوانين الغربية والتزموا بها عن رضى وطيب خاطر فهي بمجملها اعلاء لقيم الأديان ومنبثقة عن منظومة حقوق الانسان..فهي أرحم من قوانين بلدانكم الاصلية التي تعلي فقط من العبودية والاستكبار والاستغلال السيء للسلطة لصالح الفرد والعائلة.
ان ازالة الخلط الذي حصل وما يزال بين الإرهاب والإسلام بعد احداث الحادي من سبتمبر يكمن في الدرجة الأولى عليكم هذا واجبكم اكثر مما هو واجب اي جهة اخرى في مكان في العالم، ولا سبيل الى ذلك دون حدوث الاندماج الكامل في المجتمع الأميركي للجالية الإسلامية، ان عليهم الايتعاملوا مع الأمر وكانهم نازحون او مقيمون مؤقتا في هذه الديار بل كمواطنين اصليين ينتمون الى هذه الامة العظيمة ويدينون لها بالاخلاص والولاء واذ يفعلون ذلك فإنهم ينتصرون لانفسهم واجيالهم ودينهم وامتهم الاسلامية واوطانهم الاصلية بقدر ما يعلون من مصالح أمتهم الأميركية العليا.
ناهضوا الفكرة السلبية عن المسلمين في الإعلام والقوانين، عن طريق التقرب مع النخب الاعلامية والثقافية ومد جسور التواصل والتعارف معها عوضا عن مقاطعتها وبدل مشاعر الكراهية تجاهها وبدل التقوقع، والانعزال عليكم ان تفعلوا ذلك بثقة وشجاعة واصرار حتى تحققوا هدفكم في اذابة الفواصل والاستار والسدود التي تحول بينكم وبينهم ذلك سبيلكم لكبح مشاعر العداء والقطيعة مع بقية الجاليات والمكونات المجتميعة الاخرى.
ناهضوا كل ما يثير الكراهية بين الأعراق والقوميات والاديان المختلفة وكونوا قدوة في اشاعة قيم التسامح والتعايش والقبول بين الأديان.
اخطر ظاهرة تواجهكم هي الاسلاموفوبيا وهي التي تكبر وتنمو وتغذيها بعض المتعصبين من بعض الغربيين، ازاء هذه الحواجز سيكون عليكم دور محوري في مواجهتها..وذلك عبر اشاعة قيم التسامح والالتزام الاخلاقي، مقابلة التعصب بالتسامح والكراهية بالحب والقبول ، واظهروا مشاعر هائلة من التسامح والتعايش مع كل من يبدي تجاهكم مشاعر التعصب والكراهية، امقتوا فكر الارهاب وساهموا في مكافحته، ناهضوا التمييز وشاركوا في بناء جسور التعاون والتسامح والمحبة مع بقية مكونات المجتمع الأمريكي وامضوا معا لبناء وطنكم العظيم أميركا فهي العالم الجديد الذي نتطلع عبركم وعبر بقية مكونات الشعب الاميركي ان تقدموا شيئا ايجابيا عظيما لأمم العالم فهذا قدركم وقدر الشعب الأميركي.
سيكون امامكم دورا محوريا آخر وهو التاكيد بان الارهاب صنيعة الاستبداد وان الجماعات الارهابية نالت من الامة الاسلامية والمسلمين بصورة شاملة اكثر آلاف المرات مما نالته من الغربيين وبالتالي هي عدوة الامة الاولى وخصم اساسي لقيمنا، قولوا ان هذه الجماعات هي صنيعة الاستبداد يجري صناعتها وتسويقها وتصديرها لكي تجلب شرعية للحاكم المستبد على انه الضمانة الوحيدة لحماية مصالح الغرب في المنطقة وعلى ان الارهابيين هم صنيعة الحاكم المستبد.
وتخيير الناس بين الاستبداد والارهاب غير مقبول، خيار اما الاستبداد او الارهاب ارفضوه بشكل قاطع، قولوا ان امتنا ليست مجبرة تاخذ ايا من هذين الخيارين، لدينا خيار ثالث الحرية والعدالة والرفاه والديمقراطية وان تنعم امتنا بالقبول والتعايش والشراكة العالمية.
ذكروهم بأن بشار الاسد قتل ٥٠٠ الف وشرد الملايين فقط لانهم طالبوا بحياة ديمقراطية، الميليشيا الطائفية في اليمن غزت المدن وهدمت البيوت واعتقلت عشرات الالاف وقتلت الالف لذات السبب البحث عن الحياة الديمقراطية والعدالة والمساواة، انقلاب عسكري في مصر والاف القتلى فقط لانهم فازوا بالانتخابات، العراق سقط على يد الطائفية ..
نحن نلوم الحكومات الغربية كان يجب ان تقف مع الشعوب ومطالبها العادلة ولو فعلت لكانت جنبت العالم كل هذه الكراهية وكل هذا التعصب، وهنا سيكون عليكم التواصل لحشد تضامن عالمي لقضايا امتكم.
فيما يخص قضية اللاجئين .. عليكم التاكيد على نحو قطعي على ان اللاجئين ضحايا وليسوا جناة..يجب قول ذلك بشكل واضح هؤلاء ضحايا الاستبداد والارهاب..حرب الظلمة المستبدين على شعوبهم هي التي ادت لموجة النزوح هذه.
على الحكومات العربية وهذا اقل مايمكن ان تقدمه لقيمها ووفاء بالتزاماتها ومسؤولياتها ان تأوي هؤلاء اللاجئين وتعطيهم حقوقهم الانسانية كاملة..وحين تفعل ذلك هي تلتزم بقيمها، هؤلاء ضحايا الارهاب وليسوا جزءً من الارهاب، هؤلاء ضحايا الاستبداد وليسوا جزء من الاستبداد.
كل ماتؤمن به الحضارة الغربية من مبادئ حقوق الانسان هو من اصل ديننا وبالتالي انخراطكم وتمسككم بهذه المبادئ هو جوهر رسالة الاسلام والدفاع عنها هو دفاع عن حاضركم هويتكم ومستقبلكم، الانخراط في الدفاع عنها بدلا عن مواجهتها لانها جوهر رسالة الاسلام من حرية الاعتقاد الى حرية التعبير وكل الحريات لن يمر وقت طويل حتى تغدو امتنا واحدة من اقوى الامم التي ستجلب الخير للامم، بكفاحنا وكفاح شعوبنا ، ستغدوا امتنا من اعظم الامم.
تذكروا ايضا ونحن نتكلم عن الاسلامية ان هناك امة ننتمي اليها اوسع واشمل وهي الامة الانسانية التي يجب ان نعمل بكل جد واجتهاد من اجل، نحن نعيش في قرية صغيرة .. الارض فيها هي وطننا والانسانية امتنا.
وفي الاخير ايها الاحبة..
ستجدون كثيرين من نخب هذا الشعب العظيم ومثقفيه وناشطيه يشاركونكم الحلم ويخوضون معكم المعركة ذاتها المعركة المقدسة ضد التمييز والإقصاء الذي تحشرون أنفسكم فيه او تم حشركم فيه بقصد او دون قصد، عبر ذلك فقط ستثبتون ان الاسلام دين تعايش وقبول وتسامح ومحبة دين حرية وسلام وليس معتقدا سياسيا انعزاليا، دينا يعلي من قيم التعايش الحضاري لا الصراع ولا الاقتتال الديني والطائفي والاثني، وأن المسلمين مواطنين أميركيين صالحين" ، وأن مساجدهم ومركزهم ليست واجهات للمتطرف ولامزارع لاستنساخ وتفريخ المتطرفين.