كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في الجلسة الإفتتاحية لمؤتمر وارسو الدولي الخامس للحوار الديمقراطي - وارسو
اصدقائي الاعزاء..بداية سعيدة انني بينكم اليوم في وارسو عاصمة الثورة والتغيير وملهمة الربيع العالمي.
أيها الأعزاء:
في اللحظة التي تعقدون فيها مؤتمركم هذا تعرضت وتتعرض مدينة حلب إلى تدمير فاشي، يشبه إلى حد كبير ما حدث لوارسو هذه المدينة العظيمة من تدمير ابان الحرب العالمية الثانية، وكما خرجت وارسو منتصرة، ستخرج حلب واخواتها كالعنقاء من تحت الأنقاض.
وكما تمردت وارسو لاحقا على الاستبداد الشمولي بثورتها المخملية العظيمة وعبرت نحو آفاق الحرية والديمقراطية والكرامة، ستنتصر حلب وجميع دول الربيع العربي، وستعبر نحو الديمقراطية والحرية والحياة الكريمة، أؤمن بذلك.
ايها الأعزاء:
إليكم هذه المقاربة..روسيا لاتدمر فحسب التطور السياسي المتصاعد في اوكرانيا بل تقوض الدولة الاوكرانية يحدث الامر نفسه في اليمن وسوريا التدخل الخارجي من قبل ايران المتحالفة مع روسيا يدمر التطور السياسي ويقوض الدولة الى الابد، الامر بحاجة لتدخل اممي لحماية هذه الشعوب، هذه ليست تحديات محلية وداخلية بل تدخل خارجي لاقبل لهذا الشعوب بها دون حماية ومساندة اممية.
أيها الاعزاء ..
قبل 27 عاما، بدأ من هذا البلد ربيع أوروبا، أو ما اصطلح على تسميته ربيع براغ، في ذلك التاريخ، كان كثيرون حول العالم غير متأكدين من قدرة البولنديين على اسقاط نظام شمولي بالغ القسوة، لكن الشعب البولندي كان قد حسم قراره بضرورة التغيير، وهو ما حدث بالفعل. مواجهة الظلم وسياسات الافقار قادت بولندا إلى شاطئ الأمان، لقد سقط الديكتاتور، وقام الشعب.
منذ ربيع أوروبا وسقوط جدار برلين، والدول التي تتبنى النظام الديمقراطي في تزايد مطرد، وحتى افريقيا القارة التي استوطنتها الحروب الأهلية والصراعات المسلحة، قررت أن تتغير، قررت أن تنحاز للقيم الديمقراطية، لقد صار بإمكاننا أن نتحدث عن تجارب ديمقراطية ناجحة في افريقيا تترسخ يوما بعد يوم، بعد أن كان التفكير في مثل هذا الأمر يعد ضربا من الجنون.
وبمرور الأيام اكتسبت الديمقراطية تأييدا كبيرا بين شعوب العالم المختلفة، لكن ظل هناك مكان واحد في العالم لا تصل اليه الديمقراطية، إنه العالم العربي.
لم يكن هذا منصفا، لكن الأنظمة الديكتاتورية سعت لتجهيل الناس وتخويفهم من الديمقراطية، ووصل الأمر إلى تصوير الديمقراطية بأنها مؤامرة تستهدف الدين ووحدة الوطن.
لكن هذه السياسات المضللة انهارت تماما مع اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011، فقد خرجت الناس إلى الشوارع تنادي بإسقاط الديكتاتورية والقمع والتعذيب واحتكار السلطة والثروة والتطرف.
الاعزاء..
اليوم، وفي ظل هذه العواصف والفوضى التي تجتاح بلدان الربيع العربي، وفي ظل كل هذا الدمار الذي خلفته الثورات المضادة وحلفاءها الإقليميين والدوليين بتواطؤ وصمت عالمي مخجل، قد يتساءل البعض، هل يستحق التغيير في الشرق الأوسط كل هذه الكلفة؟
استطيع أن اجيب بكل اطمئنان، الثورات لم تستأذن أحد، وربيع الشعوب لم يستأذن أحد، فالثورات حتمية عندما تنسد السبل أمام أي تطور أو تغيير سياسي. لقد كانت ثورات الربيع العربي الخيار الوحيد لإنقاذ ما يمكن انقاذه، فقد كانت الأنظمة القائمة فاسدة وفاشلة ومستبدة، وكان يجب اعلان العصيان.
لم يكن هناك من خيار أمام شعوب الربيع العربي، إما الثورة من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية والعيش الكريم، أو الاستمرار في دولة الفرد والعائلة دولة الفساد والفشل والاستبداد.
كما تعلمون، الثورة هي خيار اضطراري في نهاية الأمر، لقد استنفذنا كل محاولات الإصلاح دون جدوى، وكان خيار شعوبنا في مواجهة الاستبداد هو الكفاح السلمي، وما حدث لاحقا من عنف وعنف مضاد تتحمله الانظمة المستبدة وحلفاءها.
هذه الكلفة الكبيرة للتغيير التي تدفعها أوطاننا، تؤكد أن خياراتنا كانت صحيحة، وأن الثورة كانت قرارا صائبا، فقد اثبتت الأحداث إن من ثرنا عليهم كانوا مجرمين، بل من عتاة الإجرام، مستعدون لحرق كل شيء من أجل كراسيهم وفسادهم.
الأعزاء..
في بلدي اليمن لا نزال نكافح من أجل الديمقراطية والحرية والمساواة. لقد قمنا بثورة سلمية في 11 فبراير 2011، رغم انتشار السلاح بين المواطنين، نجحنا في أن تكون تحركاتنا ومظاهراتنا سلمية بشهادة العالم، وقد تمكنا من إسقاط المخلوع علي عبدالله صالح بواسطة هذه الثورة السلمية التي انتجت مسارا سياسيا استوعب الجميع، وحتى الرئيس الذي حكم اليمن لثلاثة وثلاثين عاما تم منحه حصانة قانونية تمنع ملاحقته بتهم استهداف المتظاهرين أو الفساد الذي اتسم به عهده الطويل. تناسى اليمنيون كل ذلك، وقالوا لنبدأ صفحة جديدة. تم انتخاب نائبه رئيسا توافقيا للبلاد، وتم عقد مؤتمر وطني شامل شارك فيه الجميع واستمر حوالي تسعة أشهر، انتهى إلى مجموعة من المقررات، من ضمنها تشكيل لجنة لإعداد دستور جديد للبلاد، تم اعداد مسودة الدستور الجديد، كنا على بعد خطوات قليلة من وضعه للاستفتاء، ثم البدء بالانتخابات على ضوئه، والعبور باليمن نحو مستقبل الحياه الحرة الديمقراطية الكريمة.
ماذا حدث؟ تم الانقلاب على كل شيء، ثورة مضادة بشعه وانقلاب فاشي قاده الرئيس المخلوع علي صالح، بالتحالف مع ميليشيا الحوثي المسنودة من إيران، فتم احتلال العاصمة صنعاء، وبعض المحافظات اليمنية، وتم وضع الرئيس التوافقي والحكومة تحت الاقامة الجبرية، تم قتل واختطاف واخفاء قسري وتعذيب آلاف شباب الثورة السلمية ومن الصحفيين والقادة السياسيين، وتم زرع مئات الالاف من الألغام، وشن الحرب على كل المناطق اليمنية.
اليوم تعاني اليمن من أزمة انسانية كارثية، ودمار كبير، وفي ذات الوقت لا يزال اليمنيون يخوضون معركتهم المصيرية نحو الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية، لم ييأسوا ولن ييأسوا، سينتصرون حتما، وهم في طريق انتصارهم يضعون خارطة سلام مستدام ترتكز على ضرورة تنفيذ قرارات مجس الأمن ذات الصلة باليمن، والرضوخ لمقررات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي شارك فيه الجميع.
في هذه الأثناء، يعرض على اليمنيين أن يقبلوا بوجود ميليشيا مسلحة عنصرية تعتقد أن الحكم يجب أن يظل في أسرة واحدة باعتبار ذلك أمرا الهيا، وأن تظل محتفظة بسلاحها.
إني هنا اتساءل، هل يمكن بناء نظاما ديمقراطيا أو حتى نصف ديمقراطي في وجود ميليشيات مسلحة تعتبر السلطة حقا حصريا لها؟.
إنني وكل الذين يحرصون على اليمن ومستقبله ووحدته، ننادي بوقف الحرب من أجل اقامة سلام مستدام، وليس للاستعداد لمزيد من الحرب. إن المجتمع الدولي والدول الكبرى مطالبة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة باليمن، وعدم السماح بوجود ميليشيات وجماعات مسلحة.
أيها الأصدقاء..
إن شعوبنا وهي تسير على درب الالام من أجل الديمقراطية والحرية، باتت مصممة أكثر من ذي قبل على أن تواصل قطع الطريق إلى نهايته، الحرية أو الموت، لن نقبل بأن نكون استثناء بين جميع شعوب العالم، فمثلما يقوم المواطنون البولنديون والأمريكيون والهنود والفرنسيون والألمان والكنديون والافارقة الجنوبين واليابانيون وغيرهم من شعوب العالم بانتخاب زعماءهم، نحن من حقنا أن نختار من يحكمنا بكل حريتنا.
على العالم أن يعي هذه الحقيقة، لم هناك مؤيدين كثر للديكتاتورية في بلداننا العربية، لذا عليه، أن يقوم بدعم الديمقراطية والحرية وأن لا يخشى من انتصار الثورات العربية، فهي ثورات تنشد السلام والديمقراطية وتنبذ العنف والإرهاب.
دعوني أصارحكم بما تعتقده النسبة الأكبر من شعوبنا، إن هناك شكوك لا حصر لها تجاه موقف المجتمع الدولي من الديمقراطية، فالحكومات الغربية التي طالما قالت إنها تشجع وتدعم الديمقراطية والتحول الديمقراطي في العالم مطالبة اليوم بالإجابة على التساؤلات التي تبديها الشعوب التي تعرضت لخذلان مهين من قبلها، وخصوصا في دول الربيع العربي التي قامت بما يجب القيام به، لكي تؤسس لديمقراطيات حقيقية، وتوقف الاستبداد الذي نال منها عقودا طويلة.
لقد حظيت الثورات المضادة المعادية للديمقراطية بتدليل غربي مشبوه، بل والأدهى من ذلك أن هذا حصل بالتزامن مع تضييق الخناق على المناضلين من أجل الحرية.
كثيرون يقولون: لقد كسب الغرب حلفائه المستبدين، لكنه خسر الشعوب التي باتت تدرك أن حديثه الدائم عن الديمقراطية وحقوق الإنسان لم يكن جادا، وإنما كان من أجل الابتزاز وحسب.
اصدقائي الأعزاء..
ندرك أن هناك عيوب للديمقراطية، لكن انحيازنا لها غير قابل للمساومة، فحلم الدولة الديمقراطية يساوي وجودنا. البعض قد ينظر إلى ذلك باعتباره نوع من المبالغة، لكن لا يوجد ما هو اثمن من الحرية، والحرية ترتبط بالديمقراطية، فلا حرية من دون ديمقراطية، ولا ديمقراطية من دون حرية.
إن الديمقراطية طريقة جيدة لإدارة الصراع على السلطة، ولتحقيق مجتمع متماسك ومتسامح في آن، ولتحقيق الامن والسلام والاستقرار، أما الاستبداد فلا يجلب سوى التطرف والإرهاب، وكثيرا ما كنت أردد، وما أزال: الاستبداد والإرهاب وجهان لعملة واحدة، كل واحد منهما يغذي الآخر.
لا تقعوا ضحية المستبدين مرة أخرى، لا تنتظروا من ميليشيات مسلحة، أو انقلاب عسكري، أو رئيس يذبح شعبه ليل نهار، أو رئيس استولى على السلطة بقوة السلاح، أن يحارب الإرهاب، الإرهاب هو بضاعتهم التي سوف يحافظون عليها ويستمدون منها سبل بقاءهم، ما سوف يحاربه هم العملاء من وجهة نظرهم، وهؤلاء هم المناضلين من أجل الحرية وحقوق الإنسان.
المستبدون بشعون بما يكفي، لكنهم يتجملون ويتضخمون عندما يتم استقبالهم في دول ديمقراطية، وهذا ما يجب أن يوضع له حد. يجب عليكم مقاطعة الطغاة ومعاقبتهم، أنادي بفرض عزلة عليهم. الطغاة والارهابيون ينبغي عدم التسامح معهم.
إذا كان من الضروري أن يكون هناك معركة في هذا العالم، فلتكن بين الذين يؤمنون بالديمقراطية وبين من يكفرون بها، واعتقد جازمة أن النصر سيكون من نصيب الذين يؤمنون بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
أبلغكم بأني منذ وقت مبكر حجزت مكاني في هذه المعركة المصيرية، ومتفائلة بانتصار الديمقراطية في نهاية المطاف.
أخيرا أيها الأحبة..
برغم كل الدمار والمجازر، برغم كل الخذلان والتآمر، سترى كل شعوب العالم النور وستشهد الديمقراطية والحياة الحرة والكريمة واقعا معاشا، وسيتحقق الحلم ذات صبح قريب.
لقد آمنت دائما إن إرادة الشعوب غلابة، وأن الظلم مهما اشتدت وطأته وطغيانه إلى زوال، وإن آلة البطش مهما تعاظمت ستنكسر لا محالة، وأن انات المقهورين وصيحات المظلومين طوفان يقتلع الطغاة في نهاية المطاف.
التاريخ القديم يؤكد هذه الحقيقة، والتاريخ الحديث يقولها أيضا
نعم، إرادة الشعوب غلابة.
إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلابد ان يستجيب القدر