كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في جامعة أكسفورد البريطانية - لندن
عندما أبدت جامعة اكسفورد رغبتها باستضافتي لإلقاء هذه المحاضرة، شعرت بفرحة غامرة، أعرف معنى أن تدعى من قبل جامعة موغلة في العراقة مثل جامعة اكسفورد، لا شك أن هذه الدعوة في جانب منها تحوي قدرا لا بأس به من الاحترام والتقدير معا. شكرا اكسفورد، شكرا اساتذة اكسفورد، طلاب وطالبات اكسفورد، شكرا لكم جميعا.
اعزائي:
لا أعرف ما إذا كان أمرا جيدا أم لا أن اتحدث إليكم في لحظة فارقة تشهد حالة نكوص عالمي عن قيم التعايش والتآخي والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومجمل منظومة القيم الإنسانية التي بقيت هاجسا للبشرية عبر مئات السنين حتى تمكنت من بلورتها في منظومتها الحقوقية والقانونية منتصف القرن الماضي بعد حربين عالميتين داميتين أهلكت عشرات الملايين من البشر.
واليوم تعود العنصرية والكراهية والنزعات العرقية المتطرفة في ظل موجة إرهاب تجتاح المعمورة، كأن العالم فقد ذاكرته، وقدرته على التمييز بين الأشياء.
في العالم العربي، المشهد أكثر تعقيدا نتيجة ثورات الربيع العربي والثورات المضادة التي تبدو مستنفرة ومجهزة بكل عناصر الدعم الدولي لإجهاض حلم الناس بالتغيير.
اصدقائي الاعزاء:
أحد اسباب وجودي هنا، هو رغبتي في أن أحكي لكم قصة الربيع العربي: الحلم والتضحيات والمآلات. ربما سيدور في خلد واحد منكم أسئلة من نوع، هل هناك ربيع عربي من الأساس، ألم يفشل الربيع، إلا يمكن أن تكون الثورة خطأً، هل كانت الثورة ضرورة، هل أخطأنا عندما قمنا بزج أمتنا في معركة غير متكافئة مع الحكام وشركائهم الدوليين!.
حسنا، سوف اتحدث معكم حول الارهاب الذي غدوتم تسمعون ربيعه يمتد وسطوته تكبر. عن "الاسلام فوبيا" الذي استحال إلى خذلان وتآمر عالميين على ثوراتنا وكفاحنا المدني ومن أجل الحرية، وقارب نجاة للإرهابين وخدمة جليلة تقدم لهم دون حساب.
سنعرج بالضرورة على ما يحدث في اليمن، وكيف تحولت ثورة سلمية انتزعت احترام العالم إلى انقلاب فاشي، وغزو ميليشاوي للمدن وما استتبع ذلك من حرب خلفت كوارث لا حصر لها ولاتزال.
أيها الأعزاء:
أننا نقف أمامكم اليوم لنذكركم ونذكر أنفسنا ونذكر العالم بقضيتنا التي خرج الناس من اجلها في ثورات الربيع العربي، في عالم يمضي من جديد بوتيرة متسارعة باتجاه الحروب وتضخيم ترسانات الأسلحة الفتاكة وإحياء الصراعات بين الدول ونزعاتها للهيمنة المسلحة، مخلفا في الهامش قضايا الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وإرادة الشعوب وحقها في اختيار حكامها ومحاسبتهم وتغييرهم.
إن التمسك بحق الشعوب في اختيار حكامه والمشاركة في السياسة كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات وبناء تحالف عابر للحدود والحواجز الدينية والعرقية والحضارية بين شعوب العالم للدفاع عن منظومة القيم العصرية هي مهمة عالمية وليست فقط حاجة ملحة للشعوب العربية التي تواجه ثورة مضادة تهددها بمستقبل أكثر ظلاما من الديكتاتوريات التي سادت في العقود الأخيرة من القرن الماضي.
أعزائي:
قبل ست سنوات خرجت الشعوب في بلدان الربيع العربي إلى الساحات العامة ليضعوا بإرادتهم وسلميتهم حدا لاستبداد متطاول تحول إلى رؤساء مؤبدين وجمهوريات وراثية عائلية وطائفية.
لقد قال الربيع العربي كلمته: في هذه المنطقة من العالم توجد تمر برغبة جامحة للحاق بالعصر وقيم الديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان عبر تحول ديمقراطي حقيقي يحول الدولة من أداة سيطرة وقمع وقتل جماعي للمجتمع وطموحاته ومقدراته إلى حيز يتشارك كل المواطنين في صنع السياسة من خلاله، وينتجون توافقاتهم عبره ويديرون خلافاتهم وتنافسات برامجهم تحت رعايته كمؤسسة جامعة لكل المواطنين.
قال الربيع العربي في 2011: في هذه المنطقة شعوبا تحلم أن ترى شكلا حقيقيا للديمقراطية يسمح بتداول السلطة سلميا، بدلا عن الشكل المزيف للديمقراطية الذي بقي فيه الحاكم حاكما إلى الأبد ومن بعده أبناءه، والمعارض معارض إلى القبر.
لم تكن ثوراتنا الشعبية نزوة عابرة تقفز على الواقع، بل حاجة واقعية تأخرت سنوات طويلة حتى ظن الطغاة أنهم هم قانون الحياة وليس الحرية والكرامة، وأنهم هم قدرنا المحتوم إلى الأبد يتوارثنا أبنائهم وليس إرادتنا الحرة التي تقرر قدرنا ومصيرنا وحكامنا ونوع الحياة التي نريدها.
أعزائي:
تطرح اليوم من جديد المفاضلة البائسة بين الأمن والديمقراطية، وفيها محاولة مكلفة من قبل النظام العالمي لإعادة إنتاج الأنظمة المنهارة عبر الانقلابات والحروب والميليشيات الطائفية، وكل ذلك تحت غطاء الحرب ضد الإرهاب. إن استغلال التطرف والإرهاب وجماعاته ليس جديدا من الأنظمة المنهارة، فقد وظفت ثقافة التطرف وجماعاته منذ عقود، وكانت ترد على كل دعوة توجه اليها للانفتاح الديمقراطي واحترام حقوق الانسان بتخويف العالم من الإرهاب والتطرف والمتطرفين. وقد تبين عقب ثورات الربيع العربي أن ذلك الإرهاب وجماعاته هو مخزونها الاستراتيجي في ساحة هيمنت طويلا على كل فاعليها وأدواتها.
يقولون جلب الربيع الإرهاب، هذه قراءة متهافتة للغاية، سطحية في أحسن احوالها، تنطوي على مغالطات تاريخية لا تتماسك أمام أي بحث منطقي وتتهاوى أمام أي نقاش موضوعي. الارهاب ليس جزءا من الربيع ولا من قوى الربيع ولا من فكر الربيع. فالربيع العربي يهدف إلى دولة المواطنة والعدل والقانون والحريات المدنية والسياسية، وكانت وسيلته لتحقيق ذلك الفعل السلمي الممهور بتقديم التضحيات دون اللجوء الى عنف مماثل، لذا كان ولا يزال وسيظل الربيع خصم استراتيجي للإرهاب فكرا وسلوكا وغاية واهداف، هذه الحقيقة لا تحتاج إلى اثبات.
حين خضنا الكفاح السلمي واسقطنا رؤوس انظمه الفساد والاستبداد والفشل، قدمنا تجربة ملهمة لشعوبنا مغايرة لما يطرحه الارهاب وجماعاته، كان درسا بليغا مفاده: إن التغيير ممكن دون اللجوء للقوة والعنف، وأن ذلك التغيير ممكن وأجدى وأقرب الطرق وأقلها كلفة، كانت ضربة في مقتل كادت تجفف ينابيع الارهاب كفكر وتخرسه كممارسة.
ايها الأصدقاء:
بإمكانكم بسهولة أن تتأكدوا من هذه الحقيقة، خلال سنتين من الربيع تلاشت جماعات العنف والارهاب، فلم نسمع بعملية ارهابية واحدة من لحظة اندلاع الثورات السلمية حتى لحظة الانقلاب عليها وقمعها ومصادرة مكتسباتها من خلال ثورات مضادة بعد عامين تقريبا.
كان نضالنا السلمي يكتسح المجتمع ليجفف فكر الإرهاب، كان سلوكنا يطوي قبحهم وعنفهم ، كان حلمنا وهدفنا يشق طريقه في اتجاه المستقبل، بعيدا عن الكهنوت والفاشية الدينية نحو دولة مدنية حديثة كشفت عن تفاصيلها كل الدساتير التي تسنى صياغتها في دول الربيع قبل أن يتم الغدر بها وبعضها لايزال يتربص به الغدر، في مصر واليمن وتونس وحتى في لبيبا.
هناك سلميون وثورات سلمية، وحلم بالحرية والكرامة، وجسارة في التضحية دون اللجوء لعنف مماثل .. هكذا مضى الأمر خلال السنوات الأولى من الربيع حتى تمكنت قوى الانقلاب والثورات المضادة، فكان الارهاب وكان ربيعه ولكن إلى حين، فثوراتنا مستمرة وسنعاود الكرة، ولن نقبل مهما كانت التضحيات أن نحكم مجددا بالخوف والمحسوبيات.
ايها الاصدقاء دعوني في غمرة الحديث عن المسؤول عن الارهاب اطرح هذا السؤال
من المسؤول عن الإرهاب إذن، من هم آباؤه، ومحتكرو ماركة تصنيعه؟
هناك رابط شديد الوضوح بين بين خذلان ثورات الربيع العربي السلمية من جهة، وبين توسع الجماعات الارهابية من جهة أخرى، فعندما تؤسس للديكتاتورية فأنت تؤسس للإرهاب، الاستبداد والإرهاب يغذي كل منهما الآخر، وكل واحد منهما يستفيد من وجود الآخر.
لقد أدى الصمت على انقلاب العسكر في مصر، وعلى قمع بشار الكبير للثورة السورية لتقوية الإرهاب.
كان للصمت عن جرائم بشار الأسد من جهة، وللخذلان والتآمر الدوليين من جهة أخرى، أثر بالغ في توحش نظام بشار الأسد، الذي رفع شعار بالغ القسوة والانحطاط هو "الأسد أو نحرق البلد"، من هذا الشخص الذي يمكن أن نحرق بلدا كبيرا وعريقا من أجله!.
لقد فشلنا في حماية الشعب السوري من تنكيل وبطش بشار الأسد، لقد ساهم هذا الأمر في خلق "داعش" التي ظهرت وأخواتها كرد فعل أو كوسيلة واداة للنظام وحلفاءه لضرب الثورة السورية وشرعنة قمعها، ورفع أي غطاء ومساندة عالمية لها.
لقد أدى الفشل الغربي في العراق وإسقاط نظام صدام حسين ومعه الدولة العراقية دون رؤية متماسكة لبديل ديمقراطي إلى تمكين الحشد الطائفي بدلا من الجيش العراقي، والساسة الطائفيين حكاما بدل المتنورين والديمقراطيين.
فشل الذين تدخلوا في العراق ووعدوه بالديمقراطية وحقوق الانسان ثم تركوه نهبا للميليشيات الطائفية والاستحواذ الايراني الذين خلقوا الإرهاب وداعش وكل الجماعات الإرهابية.
** غياب التنمية، والإصلاح والتجديد الديني
لذا أيها الأعزاء حين تسألون عن سبب ظاهرة الإرهاب في الشرق الاوسط فقدموا هذه الاجابة الأولية بثقة ويقين:
قولوا: قمع الربيع وخذلان ثورات الربيع والتآمر عليها بالانقلابات والثورات المضادة، ودعم الدكتاتور وامدادها بإمكانات القمع والتنكيل هو من صنع ظاهرة "داعش".
وهنا وبكل غضب، نقول لكل من اشترك في هذه الخطيئة: لقد استبدلتم ربيع الشباب العربي بربيع "داعش"، فعلتم ذلك بقصد أو دون قصد، بعلم أو بجهل، بحسن نية أو بمكر وخبث، وليس ذلك فحسب، بل قمتم أيضا باستبدال الربيع العربي بربيع ملالي إيران الذي أكمل استحواذه على العراق وسوريا ولبنان وذهب جنوبا إلى اليمن ولايزال يمارس توسعا واستحواذا يمتد نحو كل جهة وصوب.
استبدل المتآمرون والمتواطئون مع الانقلابات والثورات المضادة ربيعنا ومشروعنا وحلمنا المدني بكهنوت الملالي القادم من طهران، وبدعم غير مبرر من روسيا، أنظروا ما الذي يحدث في سوريا؟
أيها الأعزاء:
ليس هناك خدمة جليلة يمكن أن تقدمها هذه الحكومات للإرهاب مثل مساندة الاستبداد، والسماح بإغلاق سبل ومنافذ التغيير السلمي، ومثل الكف عن مساندة الافكار المعتدلة من الافراد والجماعات الدينية، ووضع الجميع في سلة واحدة .
مجازر حلب وخروج المدنيين تطاردهم قذائف البارجات والطائرات الروسية والميليشيات الطائفية التي جلبتها إيران من كل صوب، وتوسلات العالم بالسماح لهم بالخروج والهجرة من الديار فحسب، يجعلنا نبكي عميقا ونتحسر طويلا.
ليس على الضحايا فحسب، بل على منظومة عهود ومواثيق دولية وانسانية ظننا أنها ستوفر للمظلومين ولو الحد الأدنى من الحماية، دعوهم يخرجون من أرضهم وديارهم لا تقتلونهم في الطرقات، ذلك غاية الانجاز الذي حققه المجتمع الدولي، يا له من انجاز يستحق الرثاء حقا.
لقد نسفوا أبسط حقوق الإنسان وداسوا عليها، وذهبوا لمنح المبرر والغطاء السياسي لهذه المجزرة المروعة، من خلال الاحتفاء بما حصل وتصويره بأنه انجاز وانتصار للضحايا!!
كل يوم يعلن القتلة عن أنفسهم، لكن هناك من يحاول لوم الثورة، لوم الضحايا، لوم أي شيء، هذا منطق أبواق الأنظمة المستبدة، منطق اللامنطق.
باعتقادي إن من يلام على تدهور الأوضاع في بلدان الربيع العربي، هو من انقلب على ثورات الربيع، وساهم في عرقلتها وتورط في قمعها بالفعل المباشر، أو بالدعم والمساندة أو التآمر والمباركة أو الصمت والخذلان.
دققوا في مسار الأحداث، دققوا جيدا، راجعوا التفاصيل، فتشوا في مواقف الجوار، ستجدون من تشيرون إليهم بأصابعكم كمتورطين اختاروا في اللحظة الاستثنائية والزمن الفارق أن يكونوا في الجانب الخاطئ من التاريخ.
حكومات ديمقراطية طالما أدعت أنها تأبه لحقوق الإنسان وتنتصر للحريات وتقف بجانب الديمقراطية، وترفض تقويضها أو النيل منها.
يخيل إليّ وأنا أشاهد ما حدث في مصر واليمن وسوريا وقد لا تسلم منه تونس طويلا إن هناك من لا يريد لنا غير الإرهاب وغير الاستبداد.
هذا يجعلنا نؤمن أكثر بمواصلة كفاحنا من أجل تقرير مصيرنا، وبناء دولنا على أسس العدالة والمواطنة والحرية والديمقراطية وحكم القانون.
أيها الأعزاء:
يجتهد الرئيس ترامب وفريقه لتأكيد الانطباع بأن المسلمين ارهابيون عبر تصريحات مكثفة تزعم أن الخطر الوحيد الذي يهدد العالم هو "الإرهاب الإسلامي"، يريد ترامب أن يجد مبررا لإجراءاته العنصرية التمييزية الأخيرة فيما يخصص اللجوء والهجرة بحق سبع دول مسلمة، وأقول عنصرية وتمييزية، لأن فرز الناس حسب أديانهم ومناطق ولادتهم والتعامل معهم بشكل تمييزي يعد سلوكا عنصريا يتصادم مع القيم المدنية، ومع كافة المواثيق والعهود التي تفاخر بها الانسانية ويقوم عليها العالم المتمدن اليوم.
لا أعرف إن كان هناك من يمكنه أن يصارح ترامب بأن مصطلح "الإرهاب الإسلامي" وما تبع ذلك من إجراءات عنصرية تمييزية بحق المسلمين، يعد مكافأة عظيمة لم تكن تحلم بها "داعش"، ولم تخطر على بال أي إرهابي. لكن لماذا الاستغراب، فالمتعصبون يساعدون بعضهم، حتى لو كانوا مختلفين في الدين أو القومية أو الانتماء السياسي.
يكذب كل من يوصم الإسلام والمسلمين بالإرهاب، كيف يمكن أن يكون ضميرك مرتاحا وأن تصف دين بأكمله بأنه دين إرهابي، وأمة يفوق عددها مليار ونصف إنسان بالإرهابيين.!
هذا الخطاب المتعصب، فضلا كون خطاب هش غير متماسك، إذ يخالف أبسط قواعد المنطق، فإنه يعد بالدرجة الأولى عملا تمييزيا ضد مواطنين أمريكيين من قبل من يفترض أنه رئيسهم، في حادثة يمكن أن تحصل في إحدى دول العالم الثالث، وليس دولة تتدعي أنها تقود العالم الحر.
مثل هذا الخطاب القائم على كراهية الآخر، يجعل الطريق سالكة أمام الجماعات الارهابية، ويفتح الباب على مصراعيه أمام "داعش" وأخواتها، في حين أنه يضعف قوى الاعتدال، لكن إرادة أمتنا أكبر من هذا المخطط الشرير، فالوعي بخطر داعش والجماعات الإرهابية يتضاعف، لن تقبل شعوبنا أن تمنح الإرهابيين شرف قيادتها، لقد قضي الأمر، دول ديمقراطية وحقوق إنسان وصون الحريات وعلاقات متكافئة مع دول العالم.
الأمر ذاته بالنسبة للقتل خارج إطار القانون باسم "مكافحة الإرهاب"، والذي يأتي عبر الطائرات بدون طيار والتي يسقط في معظمها نساء وأطفال مدنيين، أنتم لا تكافحون الارهاب، بل تصنعونه وتمدونه بكل أسباب القوة والبقاء والانتشار!
أيها الأعزاء:
لا مفر أمام النشطاء العالميين والنخب والمفكرين والساسة والإعلاميين من أن يتذكروا كفاح أبطالهم الملهمين من أجل الحقوق المدنية ويواصلوا مسيرة الكفاح المدني والحقوقي الآن، لإسقاط منطق الإرهاب، ومعه خطاب الكراهية والمنابر العدوانية الطافحة بالعنصرية والتعصب، عليهم أن يفعلوا ذلك حتى لا تسقط البشرية مجددا في فخ الحروب والفوضى.
علينا جميعا خوض هذه المعركة في إطار كفاح عالمي ينتصر للتعايش والمحبة والسلام ويقطع الطريق أمام أي صراع بين المسلمين والغرب لأسباب دينية على النحو الذي تكرسه ادارة ترامب.
علينا ونحن نمضي في شراكتنا الحقة في الحرب على الإرهاب أن لا نفقد الأمل، ولن نردد ذات الخطاب العدمي، سنطرح خطابنا الحضاري دون يأس، فنحن نعلم أن الاستبداد والإرهاب وجهان لعملة واحده يغرفان من نفس المستنقع، ويستمدان من بعضهما سبل القوة والبقاء.
لنكافح الاستبداد والإرهاب معا، تلك هي شراكتنا العالمية التي علينا جميعا أن نخوض تفاصيلها، من أجل مكافحة الاستبداد ومساندة قوى التغيير، والتصدي للإرهاب وذلك من خلال فتح آفاق التغيير السلمي من جهة، وتشجيع المعتدلين أفرادا وجهات وجماعات لبث افكار الاعتدال والإصلاح الديني من جهة أخرى.
الذين يتحالفون مع المستبدين تحت أي مبرر لا يفرطون فقط بمنظومة القيم التي قامت عليها بلدانهم، بل وبمصالح شعوبهم وبلدانهم الاستراتيجية. المستبد لا يشكل خطر على بلده، بل على العالم بأسره.
تعبر الأخطار التي يخلفها المستبدون إلى ما وراء الحدود، ولذلك فإن مكافحة الاستبداد ليس شأن محلي فقط، بل شأن عالمي بنفس القدر.
الحكام زائلون والبقاء للشعوب. تصالحوا مع الشعوب لا الحكام، تحالفوا مع محرريها لا المستبدين وقامعي حرياتها، هذا هو السبيل الآمن وما عداه محض أوهام وضلال كبير.
وفي الأخير أيها الأعزاء:
ربما بعضكم يود أن يعرف ماذا يحدث في بلادي اليمن، حسنا سوف أروي لكم القصة بصورة مختصرة، وأرجو أن أنجح في هذه المهمة.
في عام 2011 قمنا بثورة سلمية عظيمة لإسقاط نظام علي عبدالله صالح الذي تمكن خلال ثلاثة عقود من حكمه الطويل إلى إحالة اليمن لمجرد مقتنيات خاصة به وعائلته وعشيرته. في الحقيقة كانت ثورة ضد دولة الفساد والمحسوبية والرشاوى والفشل الشامل.
دعونا شعبنا الذي يمتلك نحو ستين مليون قطعة سلاح إلى ترك السلاح في البيوت والنزول سلميا إلى ساحات وميادين الثورة السلمية في مختلف المحافظات اليمنية، قلنا لهم واجهوا القمع والرصاص بالورود وبالصدور العارية، لا تواجهوا العنف بالعنف ولا تردوا على الرصاص بالرصاص مهما بلغت مساحة العنف والقمع الرسمي، وقد كان. استمرت الجموع بالملايين في ساحات وميادين الثورة عام كامل، اللاعنف في مواجهة العنف، السلمية في مواجهة القمع حتى سقط علي عبدالله صالح ووقع على وثيقة مغادرته للسلطة، وتم البدء بعملية انتقالية تحت قيادة رئيس توافقي جديد وحكومة توافقية لإدارة العملة الانتقالية، والانتقال بالبلاد إلى رحاب الديمقراطية خلال عامين. دخلنا في حوار وطني شامل شارك فيه الجميع استمر لأشهر من أجل انجاز دستور جديد للبلاد يكفل الحقوق ويضمن الحريات، دستور مدني حديث وفق أعلى المعايير شارك فيه الجميع بمن فيهم الحوثيون وحزب المخلوع صالح، وانجزنا وثيقة ختامية بالتوافق وصغنا بناء عليها مسودة الدستور الجديد وبالتوافق أيضا.
تبقى لنا حسب الخارطة الانتقالية، أن نذهب للاستفتاء على هذه المسودة للدستور، ثم إجراء الانتخابات المختلفة بناءا عليها خلال ستة أشهر.
قبل أن نذهب للاستفتاء على الدستور غزت ميليشيا الحوثي والمتحالفة مع قوات الرئيس المخلوع علي صالح المدعومين من إيران، فتم الاستيلاء على مؤسسات الدولة بالقوة، ثم اتجهوا جنوبا حتى وصلت إلى عدن وتعز والحديدة.
نصب الانقلابيون رئيسا من عائلة رئيس ميليشيا الحوثي ونصبت مقربين منه مسؤولين وقائمين على كافة مؤسسات الدولة.
لقد دخلت الميليشيا التي غزت المدن في مواجهة مفتوحة مع طلاب الجامعات وشباب الثورة، والمواطنين في أكثر من محافظة لاسيما في المحافظات الجنوبية والشرقية وتعز وغيرها، ثم اندلعت الحرب والمواجهات الشاملة كما اسلفنا سابقا.
التحالف الانقلابي المدعوم من إيران لم ينسف حلم اليمنيين بالتغيير فحسب، ولا توافقهم الوطني ولا العملية الانتقالية التوافقية بالقوة والقهر فحسب، بل أيضا داس على الشرعية الدولية التي اصدرت سبعة قرارات دولية تأييدا للعملية الانتقالية في اليمن وللتضامن معها توجت بقرارين لرفض الانقلاب والدعوة لإنهاء الاجراءات الانقلابية والتهديد باتخاذ اجراءات رادعة وفق الفصل السابع إن اقتضى الأمر.
يختصر الإعلام في الغرب المشهد بأن السعودية تقصف اليمن، هكذا يتم اختصار الحكاية، هكذا يتم اجتزاء المشهد، حسنا: اقبلوا هذا التوصيف وحددوا موقفكم من قصف للسعودية وجرائم التحالف في اليمن، وطالبوا بإيقاف القصف والحرب، لكن في نفس الوقت عليكم أن تحددوا موقفا حازما تجاه المجرم الأول في اليمن الذي شن ضد اليمنيين حربا مدمرة وخان ثورتهم السلمية، يجب أن يكون لكم موقف صريح ضد مهندس الانقلاب على إرادة اليمنيين واحتلال عاصمتهم في 21 مارس، المجرم الذي اختطف واخفى قسريا أكثر من عشرة ألف من السياسيين والصحفيين وشباب الثورة السلمية، والذي فجر منازل رافضي الانقلاب، وزرع مئات الالاف من الألغام، ليس جيدا أن تغمضوا أعينكم عن مشاهدة جرائم الحوثي والمخلوع علي صالح، فهذا أمر غير عادل، وغير منصف، إن من يفعل ذلك لا يريد السلام ولا الرفاه ولا الحق ولا العدل ولا الحقيقة في اليمن.
أعزائي:
لقد اتخذت الثورة المضادة بقيادة الدكتاتور صالح لنفسها في اليمن شكل الميليشيا المسلحة التي تجتاح الدولة والمدن وتقمع المجتمع، ولم تترك لنفسها بذلك ساترا يموِّهها أو يضعها في المنطقة الرمادية الغامضة. لقد حددت الثورة المضادة هدف بعودة شكل من الكهنوتية الدينية لاحتكار السلطة عبر حركة تزعم أنها مخصوصة بالحكم عبر الاختيار الإلهي من السماء، ومعها حليفها الرئيس المخلوع الذي رأى فيها خيار شمشون الأمثل للانتقام من بلده وشعبه. وبتقويضها لكل توافقات المرحلة الانتقالية واتفاقات نقل السلطة واستيلاؤها على الدولة بالقوة والعنف هددت الثورة المضادة منطقة الخليج ودوله التي تمثل إحدى أهم مناطق الاستقرار في العالم منذ عقود طويلة.
ان الثورة المضادة في اليمن قد اتخذت صيغة تقويض للبلد ووجوده وتهديد لأمن المنطقة والعالم.
أعزائي:
انتم في هذه الجامعة تنتمون لبريطانيا ولبلدان كثيرة، تتلقون العلوم المختلفة، لتفيدوا انفسكم ومجتمعاتكم والإنسانية، كل واحد منكم لديه حلم يسعى لتحقيقه. في اليمن بعد الانقلاب ليس مسموحا لأحد بأن يحلم بأي شيء. فالمطلوب من الشباب اليمني وفق عقيدة الانقلاب الفاشي أن يكونوا محاربين من أجل السيد الذي يتلقى توجيهات الهية حسب مزاعمه.
على هذا الأساس، يتم توزيع المناصب بطريقة عنصرية وكوميدية في آن، فقد تم تعيين كثير من الأشخاص الأميين والذين اشتهروا بالخروج على القانون في مناصب عليا في مؤسسات الدولة وفي الجيش لأنهم ينتمون إلى سلالته التي يدعي بأنها سلالة مقدسة. ما نريده من مليشيا الحوثي أمر بسيط للغاية، نريد من الحوثيين أن يتخلوا عن السلاح، فالدولة هي من يجب أن تحتكر حيازة السلاح، وأن يعترفوا بأنهم بشر مثلنا.. لا أعتقد أن مثل هذه المطالب تعجيزية...ما رأيكم؟
في الأخير أيها الأعزاء:
لقد دارت عجلة التغيير في بلداننا ولن تقف قبل أن تطوي عالما كاملا من الطغيان والقمع والأجهزة والسجون والقهر والاضطهاد والاستعلاء والتمييز والفساد. ويكشف هذا المخاض الدامي حجم التراكم تحت سطح الاستقرار الخادع الذي قدم دائما في الماضي مبررا لمقايضة الحرية والديمقراطية من قبل النظام العالمي والدول الكبرى المسيطرة على النظام العالمي.
إن الربيع العربي قد بدأ عملية تاريخية لا تنقضي بين يوم وليلة بمجرد إزاحة رأس الطغيان والفساد، إنها عملية طويلة من إعادة تشكيل الوعي بالحرية والكرامة والمساواة وبناء السياسة والدولة والاجتماع العام على هذا الوعي الجديد.
إن مواجهة الثورات المضادة ليست سوى جولة في مسار الثورة الشعبية التي انطلقت بعفوية وتلقائية كأنها واحدة من حركات الوجود الطبيعية التي لا تستأذن أحدا ولا تنتظر تخطيطا مسبقا ولا ترجع للوراء، خوفا من الصعوبات والعوائق والأثمان الباهظة.
إنها معركتنا الكبرى من أجل الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والمساواة تجتمع كلها في كلمة واحدة: الربيع العربي.
وهي بهذا لا خريف لها، بل ربيع دائم في نفوس الشباب التي توقدت بها قبل ست سنوات مع أول شعلة توهجت في تونس الحبيبة. هذا هو قانون الحياة، كفاح من أجل تحقيق الذات، رفض الظلم، والانحياز لقيم الحرية والكرامة والتضامن الإنساني.
المجد للثائرين من أجل كرامتهم وحريتهم وأدميتهم احياءا وشهداء وجرحى..