كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في ندوة حقوق الإنسان في دول الربيع العربي- جنيف
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان كلمة في ندوة "تأثير الصراعات السياسية على أوضاع حقوق الإنسان في بلدان الربيع العربي" التي نظمتها، اليوم، منظمة المحامين الدوليين بمدينة جنيف السويسرية على هامش اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فيما يلي نصها:
السيدات والسادة:
في البداية أود التعبير عن فرحي بوجودي بينكم للمشاركة في الحديث عن حالة حقوق الإنسان، خصوصا في ضوء صعود المشروعات المتطرفة والفاشية التي تتبنى وجهة نظر معادية لفكرة حقوق الإنسان من الأساس.
أصدقائي الأعزاء:
قبل ست سنوات، خرج ملايين العرب للشوارع والميادين العامة للإطاحة بأنظمة قمعية فشلت في السياسة والاقتصاد، ونجحت في انتهاك حقوق الإنسان والنيل من حرياته.
لقد عاشت الشعوب العربية عقودا طويلة تحت اذلال متعمد، فقد كانت الحكومات العربية تعتقد أن سحق مواطنيها سوف يوفر الأمن والاستقرار، ونتيجة لذلك، لم يسجل أي تقدم في حالة حقوق الإنسان في العالم العربي طوال السنوات الماضية، لكن ثورات الربيع العربي وضعت مسألة حقوق الإنسان على رأس أولوياتها، فقد شهدت الفترة التي تلت اسقاط أنظمة ابن علي ومبارك وصالح والقذافي تقدما في مجال الحريات، وخصوصا الحريات السياسية وحرية الصحافة والإعلام، وصار من حق كل مواطن أن يعبر عن رأيه وموقفه السياسي والفكري دون أن يتعرض لملاحقة اجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية.
لقد تحسنت حالة حقوق الإنسان في دول الربيع العربي، فاختفت جرائم الاعتقال السياسي والتضييق على حق التظاهر وتشكيل النقابات المختلفة، لقد كانت الأمور تسير بطريقة جيدة، صحيح أن الأمر لم يكن مثاليا لكن لم يكن هنا دولة بوليسية، وهذا سبب كافٍ للتفاؤل.
أصدقائي الأعزاء:
بصعود الثورات المضادة وحدوث انقلابات عسكرية في دول الربيع العربي وحدوث حروب داخلية نتيجة ذلك، تدهورت حالة حقوق الإنسان والحريات العامة، وعادت الأمور إلى سابق عهدها.
لقد عادت الأجهزة الأمنية إلى ممارسة دورها في قمع المعارضين وتخويف المواطنين، والسعي للسيطرة على فضاءات المجال العام، ووصل الأمر إلى التدخل في تشكيل مجالس نيابية كما حدث في مصر على سبيل المثال، وإلى ملاحقة الافراد الذين ينشرون آراءهم الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك، توتير"، وسجنهم كما يحدث في اليمن ومصر وسوريا.
لقد اعادت الثورات المضادة في دول الربيع عربي كل سياساتها القديمة بطريقة أكثر قسوة من ذي قبل، ولم يعد من الممكن انكار ذلك.
في اليمن، تم إهدار حقوق الإنسان على أكثر من صعيد، فعدد القتلى في ازدياد نتيجة الحرب متعددة المستويات من جهة، وقتل الاشخاص لذين يعارضون توسع ميليشيا الحوثي العنصرية من جهة أخرى.
لم يعد حق الحياة قائما في اليمن، لقد تم اهدار كل مكتسبات اليمنيين الذين حصلوا عليها بعد عقود من النضال السلمي، لم يعد من حق يمني أن يعبر عن رأيه، لقد تحولت اليمن تحت قبضة ميليشيا الحوث والمخلوع صالح إلى دولة خوف ومحاكم تفتيش.
بفعل الانقلاب والثورة المضادة التي قادها ميليشيا الحوثي وصالح تم تقويض الكثير من مكتسبات الثورة الخاصة بالحقوق والحريات التي جلبتها الثورة وشهدتها الفترة الانتقالية ، وفي مقدمتها حرية التعبير.
شهدنا في الفترة الانتقالية حرية صحافة مطلقة، مارس الجميع حريتهم في التعبير دون قيود، ثم ما لبثت منذ اليوم التالي للانقلاب إن اغلقت كل الصحف والقنوات الفضائية والاذاعات ووكالات الانباء، اغلقت مقرات الاحزاب والمنظمات الحقوقية، وتم الزج بآلاف الناشطين الشباب والمعارضين في المعتقلات وتعذيبهم والاخفاء القسري لهم، بعد حريات سياسية مطلقة مارسها الجميع اثناء الفترة الانتقالية.
التظاهرات والاعتصامات وكافة اشكال الاحتجاج السلمي هي الاخرى كانت مكفولة اثناء الفترة الانتقالية، بعد الانقلاب تم حظر هذه الحريات وتجريمها ومن يزاولها مصيره السجن والاخفاء القسري في أحسن أحواله، أو القتل في كثير من الاحيان.
في هذه اللحظات التي اتحدث فيها معكم يتعرض نحو ١٨ صحفيا في سجون الحوثي غير القانونية للتعذيب، فضلا عن انتهاكات لا حصر لها يتم ارتكابها بحق الصحفيين والمدنيين بشكل عام.
في أحد خطابات زعيم ميليشيا الحوثي عبدالملك الحوثي اتهام وتحريض واضح للصحفيين بأنهم أكثر خطرا من المرتزقة المحاربين، بهذه الطريقة يتم استباحة حق التعبير بصورة غير مسبوقة في اليمن.
الأصدقاء الأعزاء:
يؤدي نظام بشار الأسد دور القاتل المتعجرف، لا يوجد كلمات مناسبة يمكنني أن أصف حالة الإنسان في سوريا، ما يحدث في السجون السورية شيء لا يمكن تصديقه لولا أنه مدعوم بالأف الوثائق والصور والشهادات. لقد ارتكب نظام بشار الأسد كل الانتهاكات التي لا تخطر في بال أكثر المجرمين سوءا، لكنه دون سبب مقنع، يحظى بتواطؤ دولي مريب، لقد سقط العالم في امتحان حقوق الإنسان في سوريا، إنه أمر مخجل.
يجب مساعدة السوريين في التخلص من نظام لا يجيد سوى ارتكاب أكثر الجرائم فظاعة، يجب التحرك فورا حدا لهذه المذبحة الكبرى. يجب التحرك أيضا ضد الجماعات الارهابية التي تعيث فسادا وقتلا واجراما في سوريا، الذين ينتهكون حقوق الإنسان في سوريا يجب محاسبتهم، ليصبح العالم أكثر أمنا يجب محاسبتهم.
وبشكل عام فإن منطقتنا العربية بشكل عام وبدون استثناء، تعاني من حرمان كامل لحقوق الإنسان كما هي في العهود والمواثيق الدولية، المواطنون لا يتمتعون بادني الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية، حرياتهم وحقوقهم منتهكه لصالح الحاكم المستبد والفرد والعائلة.
كما أن اغلب بلداننا العربية لاتزال تعاني من وطأة قوانين الطوارئ، والمحاكم الاستثنائية، والاخلال بمبدأ الفصل بين السلطات.
هذه الحالة العامة التي يعاني منها المواطنون العرب ستظل طالما كانت الدولة غير وطنية وهي دولة الاستبداد والفساد والمحسوبية، وطالما كانت الآليات الأممية قاصرة عن الزام الحكومات والأنظمة بالالتزام بالعهود والمواثيق الدولية.
هناك طريق وحيد لكي يتمتع الناس بالحقوق والحريات الاساسية، بما فيها ميثاق الأمم المتحدة والاعلان العالمي، والعهدين الدوليين عبر:
- انجاز حكومات وطنية رشيدة تكفل الحقوق وتضمن الحريات، انجاز الدولة الوطنية الضامنة للحقوق والكافلة للحريات، إقامه هذه الدولة خطوة حاسمة للانتصار لحقوق الإنسان، بدون هذه الخطوة ستكون الدولة كافلة لغياب الحقوق وضامنة لانتهاك الحريات.
- الكفاح العالمي من أجل اصلاح منظومة الامم المتحدة، بما فيها مجلس حقوق الإنسان، وكافة الادوات، بما فيها مجلس الأمن، بحيث تصبح أدوات قادرة على حماية الشعوب من مجازر الحكام، وقادرة على الزام الحكام بالوفاء بالتزاماتهم تجاه الحريات والحقوق الاساسية لمواطنيهم.
كنا ندرك هذا جيدا ونحن نمتلك الحلم بالدولة الوطنية الحديثة الكافلة للحقوق والضامنة للحريات، ومضينا نقدم التضحيات على درب كفاحنا السلمي العظيم بسخاء، وبشجاعة اسطورية قل ان يكون لها نظير، بعد أن ضقنا بدولة الفساد والمحسوبية والرشاوي والاستبداد والارهاب.
لم يكن الربيع العربي نزوه ولا حدثا طارئا ولا فصلا عابرا، بل حاجه ملحة، اختارته الشعوب كدرب وحيد للرد على حكومات الفساد والاستبداد والفشل.
انجاز الدولة الوطنية الضامنة للحقوق الكافلة للحريات كان هو الهدف الاستراتيجي لكل ثورات الربيع العربي، في مصر، اليمن، سوريا، ليبيا، تونس.
لذلك بمجرد سقوط الديكتاتور وانتصار الثورة، ودخول دول الربيع في المرحلة الانتقالية، عاشت تلك البلدان حريات وحقوق كاملة، دون انتهاك للحقوق ودون مصادرة للحريات، حرية تعبير مطلقة دون رقابة مسبقة، لا حظر للنشر، لا عقوبات على الرأي، حرية التظاهر والاعتصام مكفولة، لا اعتقالات سياسية، حرية تأسيس الأحزاب، مئات الاحزاب انطلقت دون أي عقاب.
الخلاصة كان هناك انطلاق كامل للحقوق والحريات قبل أن يتم الغدر بربيعنا العظيم، يمكنني القول ان هذا هو السبب الذي أدى إلى التآمر الاقليمي والدولي على ربيعنا. لو لم يكن هدف الربيع العربي، إقامة الدولة الضامنة للحقوق والحريات، لما حدث الانقلابات، ولما حدث كل هذا التآمر الدولي.
أصدقائي الأعزاء:
يقول الرئيس الأميركي جيمي كارتر: لم تخترع أميركا حقوق الإنسان، بل الحق أن العكس هو الصحيح، ألا وهو أن حقوق الإنسان هي التي اخترعت أميركا.
لست بصدد مناقشة هذه المقولة، وما إذا كانت صحيحة أم خاطئة، لكن تبدو مقولة تثير الاهتمام والاعجاب معا، لكن إلا يبدو غريبا أن تصدر اشارات وتصرفات من هذه الدولة الكبيرة تظهرها وكأنها الداعم الأول للقمع في الدول العربية.
المؤسف إن الغرب الديمقراطي شارك في الغدر بالربيع، سواء بالصمت أو المباركة، أو التآمر على التجربة المصرية، واليمنية، والليبية، والسورية، وربما تونس في الطريق. اقول كان بإمكان الغرب الديمقراطي الذي راهنا عليه، كان بإمكانه ان يجعل من الربيع العربي ملهما ، عبر إجرائيين حاسمين، لو أنه اتخذ كافة الاجراءات للتصدي لجرائم بشار الاسد الذي قتل أكثر من 500 الف من شعبه لأنه طالب فقط بالحرية، ولو أنه اتخذ كافة الاجراءات للتصدي للانقلاب في مصر.
لكن للأسف ان بشار الاسد والسيسي اصبحوا هم الملهمين للمستبدين في الارض ان افعلوا بشعوبكم ما تريدون، وستجدون ما تريدون من دعم ومساندة.
إن معركتنا وكفاحنا من أجل المجتمع الديمقراطي الذي يحترم الحقوق ويتمتع بالحريات، هي معركة إنسانية مقدسة، سنظل نخوض فصولها ومعنا كل الاحرار في العالم، من أجل انجاز الدولة الوطنية الكافلة للحقوق الضامنة للحريات، ومن أجل مؤسسات أممية قادرة على حماية المواثيق الدولية والزام من يخترقها، ان لا يفلت من العقاب والملاحقة.
سأقولها مرة أخرى بصراحة: إن الشعوب العربية مصممة على نيل حقوقها وحرياتها، وهي في سبيل هذه الغاية النبيلة، سوف تواصل نضالها دون ملل أو كلل.
إن فكرة حقوق الإنسان جديرة بأن يضحي من أجلها الناس، ونحن في دول الربيع العربي ندرك جيدا عظمة هذه الفكرة، ولذا لن نقبل العودة لدول الخوف والاستبداد مهما كانت التضحيات ومهما كان الثمن.