كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في مركز نوبل للسلام بعنوان "ماذا يعني أن تكون حائزا على نوبل" - النرويج
العالم يحتفي بجائزة نوبل، والناس تشعر بأهميتها، لذلك عندما يحصل شخص ما عليها، فإنه ربما يتصور أنه حقق كل شيء، بالنسبة لي، اعتبرت الجائزة محفزا للعمل، للكثير من العمل والكفاح من أجل أن تسود رؤيتي تجاه بلدي وتجاه العالم بأسره، لديّ أحلام كبيرة وغير مستعدة للسقوط في حبائل اليأس والاحباط مهما حدث.
إن تكون حائزا على جائزة نوبل، فأنت صرت شخصا مهما حتى لو اعتقدت عكس ذلك، بالنسبة لي لطالما اعتبرت نفسي محاربة من أجل السلام الحقيقي والعدالة الحقيقية. كثير من الذين ناصبوني العداء يقولون: ألا يمكن الاكتفاء بسلام وعدالة مزيفين من أجل الضحايا ولمرة واحدة!. سوف أذكر رأيي الذي اعتقد أنه صواب، لا، لا أستطيع، ليس أنا من يروج لسلام مغشوش، لست أنا.
معنى أن تكون حائزا على نوبل، أن لا تساهم في إخراج تمثيلية وهمية، في النهاية سبيل السلام ليست مجموعة من الالغاز، وليست منح الطغاة رقاب الضحايا، هذا ليس عدلا
معنى أن تكون حائزا على نوبل، أن تقول الحقيقة مهما بدت قاسية، السلام لا يعني توقف الحرب، بل توقف القمع والظلم ايضا، فالدول التي ليس فيها حروب، لكن فيها انتهاكات لا حصر لها من قتل وتعذيب وحجز للحرية، وإخفاء قسري، يمكن القول إنها لا تعرف السلام.
أجدني أكثر انجذابا إلى الفكرة التي تقول: لا سلام دون عدالة، وإن حدث سلاما بالقفز على العدالة، فهو سلام هش أقرب إلى أن يكون استراحة محارب يعقبها ما هو أشد وانكأ، وهدنة مؤقتة سرعان ما تنهار قواعدها التي لم تقم على أساس متين، ولا أساس متين للسلام غير العدالة.
حالة الحرب داخل الدول إذاً ليست حين تندلع الصراعات والنزعات والاقتتال الأهلي، بإمكاننا القول ايضاً ان هناك حالة اللاسلام تشهدها المجتمعات التي تعاني من غياب العدالة حيث تمتهن الكرامة الانسانية وتصادر فيها الحقوق الاساسية للمواطنين وتنتهك فيها حرياتهم.
مثل هذا المجتمع لا نستطيع أن نقول أنه يشهد سلاما، فأشد حالات الحرب وطأة هي حرب المستبدين على شعوبهم، إذ يستوي في ميزان الكرامة الانسانية مصادرة حق الحياة ومصادرة الحقوق والحريات.
الناس بحاجة لخارطة كفاح تبني سلاما مستداما عبر تحقيق العدالة التي لا تأتي دون انجاز حق تمتع المواطنين بالحقوق والحريات الاساسية. إننا نحرز سلاما عظيما حين ننتقل بالمجتمعات من جحيم الاستبداد الى آفاق الحرية وحقوق الانسان. المكافحون على هذا الدرب نالوا جائزة نوبل للسلام؛ منظمات وأفراد من مارتن لوثر كنج إلى شيرين عبادي إلى منظمة العفو الدولية.
خاض هؤلاء الابطال الملهمون كفاحا عظيما في سبيل الحرية ومن أجل التمتع بحقوق الانسان أو لنقل من اجل تحقيق بناء السلام فكلا المعنيين سواء، ولذا منحتهم لجنة نوبل للسلام الجائزة كملهمين حقيقيين وابطال استثنائيين.
معنى أن تكون حائزا على نوبل، هو أن تكون في صف المظلوم أيا كان دينه أو قوميته أو لغته، أو لونه، أو معتقداته، يجب إذا كنت حقا تعي روح جائزة نوبل أن تكون سيفا للحق والقانون في يد المظلوم. علينا أن نتذكر إن المظلومين لا يصمتون إلى الأبد، وإن التغيير إذا لم يجد افقا لأن يكون سلميا فسيكون عنيفاً للأسف.
لا تسمحوا بالظلم والظالمين، لنكن صرحاء بما فيها الكفاية، يجب أن لا يحظى الطواغيت باعترافنا وسلامنا، فهذا الأمر بمثابة خيانة لكل قيم نوبل وروح نوبل، ولطابور طويل من الشجعان الذين سقطوا وهم يدافعون عن السلام الحقيقي والعدالة الحقيقية والحرية الحقيقية.
باعتقادي إن الكفاح ضد الظلم والقمع هو كفاح من أجل السلام، إننا نبني سلاما عظيما حين يتوقف الظلم ويختفي القمع، فتشوا لتجدوا ان كل حرب داخلية أو خارجية وراءها مستبد قهر شعبه ثم مضى ليزاول هوايته في البطش خارج الحدود.
من المحيط إلى الخليج تعاني منطقتنا حالة اللاسلام، ويتعرض الناس لمثل تلك الحرب، حرب المستبدين على شعوبهم بنسب متفاوتة لكن لا يسلم منها أحد.
أيها الاعزاء:
الحروب التي تشاهدونها في المنطقة أربابها وآباءها هم هؤلاء المستبدون، تأملوا خطاباتهم، سياساتهم، ضحاياهم، تأملوا جيدا وسوف تصلون إلى حقيقة مفادها إن المستبد يصنع الخراب.
هنا يتوجب التأكيد على ضرورة عدم اتخاذ العنف سبيلا لمقاومة الاستبداد، العنف عواقبه وخيمه، ونتائجه مدمرة. لكن ما يجب قوله بشجاعة ودون تردد: إن ما نشهده من حروب ومظالم ليس سببه تطلعات أو ثورات الشعوب التي تريد الحرية والديمقراطية، ولكن السبب هو هذا الاستبداد الذي يريد استعباد الناس واذلالهم. علينا أن لا نفشل في توصيف ما يحدث، فننحرف إلى القول الثورات والمظاهرات والاعتصامات جرما ارتكبه المكافحون في سبيل الحرية والمناضلون من أجل مناهضة الظلم والدفاع عن حقوق الانسان، فنخذل الناس مرتين، مرة حين تركناهم دون أن نفعل شيئا لتخفيف وطأة حرب المستبدين على شعوبهم، ومرة حين اعتبرناهم جناة وليس ضحايا.
معنى أن تكون حائزا على جائزة نوبل، أن لا تنضم لجوقة الطغاة، دفتر الملاحظات الذي سوف تعبئه بالأعذار الواهية لن يسعفك أمام ضميرك، وأمام ضمائرنا، وضمائر الضحايا.
معنى أن تكون حائزا على جائزة نوبل، أن تظل ثابتا على مناصرة حق الشعوب في أن تملك زمام أمرها، وتكون غير خاضعة لحكومات وأنظمة فاشية ومعادية لحقوق الإنسان.
ايها الأعزاء:
علينا أن نؤمن وأن نلهم الناس لمشاركتنا الايمان بأن مواجهة القمع والعنف دون اللجوء إلى قمع وعنف مماثلين ممكنة ومجدية ايضا، وأن نلتزم بالكفاح السلمي لتحقيق العبور وانجاز الحكومات الضامنة للحقوق الكافلة للحريات كخيار استراتيجي نمجده ونبثه ثقافة وفكر ونزاوله ممارسة وسلوكا، هذا أولا، وثانيا علينا أن نعلن أن مجتمعات القمع والظلم هي مجتمعات مفخخة بكل بذور وعوامل الصراع واندلاع العنف والاقتتال المسلح وغيره من الكوارث المتوقعة، وأن السبب في هذه النتيجة هو فشل النظام الفاسد والمستبد وليس المطالبون بدولة العدالة والقانون.
في هذا السياق يمكن أن نضع مقارباتنا حول الربيع العربي، لماذا حدث، وكيف يجب النظر إليه وما هي آلية التعامل معه؟
حسنا، يجري توظيف ما واجهته ثورات الربيع العربي من انتكاسات في أكثر من بلد على نحو بالغ الضرر، بحيث يتم الترويج بأن النضال من أجل الحرية ومناهضة الاستبداد في المنطقة ليس سوى سعي حثيث لتقويض السلام.
إن جزء من التآمر الاقليمي على ثورات الربيع العربي لإفشالها واضح للغاية: منع عدوى الربيع الذي اندلع عام 2011 والمنتشر كالنار في الهشيم من جهة، وللحيلولة دون تكراره مستقبلا من خلال التشويه بالنموذج واستحضار ما حاق بالسوريين والليبيين واليمنيين الذين تجرأوا وقال لحاكمهم المؤبد: أرحل، نريد حرية.
تعتقد هذه الأنظمة إنها قدر الله في هذه الأرض، ومن خلال وسائلها المختلفة تقوم بتوظيف كل شيء الآن للترويج لهذه الفكرة وتكثيفها لتغدوا في ذاكرة الناس حقيقة مطلقة، لكن كل ذلك ليس سوى محاولات بائسة لن تصمد أمام نضالات الشباب العربي الحالم بالحرية والكرامة.
ما يجب أن يدركه الجميع إن الربيع العربي لم يكن نزوة طائشة ولا حدثا طارئا، بل مثّل حاجة ماسة وضرورة ملحة استدعتها انظمة القمع والاستبداد والفشل، وسيظل يعاود الكرة جولات وكرات طالما كان هناك انظمة للقمع والاستبداد والفساد والفشل.
اخيرا، معنى أن تكون حائزا على جائزة نوبل، أن لا تخون ضميرك، لا يستحق أي شيء في هذا العالم أن تضحي بضميرك من أجله.