كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في معهد اليونسكو عن التنمية والسلام - باريس
في البداية أود أن اعبر عن مدى سعادتي بوجودي في اليونسكو، أن تكون في مكان يهتم بالثقافة والتعليم والعلوم على صعيد العالم، فلا شك أن هذا سوف يعطيك شعورا بالفخر والأمان معا، الثقافة والعلم يمنحان العالم السلام والتنمية والقدرة على التعايش والتسامح، والإيمان بالتنوع.
الاصدقاء الاعزاء:
يشهد العالم موجات متزايدة من النزاعات المسلحة والارهاب والعنصرية والاستبداد، وهو ما يجب أن يثير الأسئلة أكثر مما قد يثير الاعتراض أو الاحباط، كيف حدث ذلك؟ كيف عادت الحروب والارهاب والعنصرية إلى الواجهة، من المسؤول الحقيقي وراء ما حدث؟ من يقف وراء إفشال جهود التنمية وإرساء الأمن والسلام الدوليين على صعيد العالم.
الاصدقاء الاعزاء:
الطريق إلى السلام ليست سالكة دائما، لكن الصعوبات التي تواجهنا ونحن نسعى إلى تحقيق السلام لا يجب أن توقفنا أو تحبطنا، علينا أن نكون واثقين من انفسنا، ومن قدرتنا على تحقيقه مهما بدا الأمر صعبا.
إحدى المشكلات التي تواجه كثير من المجتمعات التي غرقت في الفوضى والحروب والفقر هي الفشل في اختبار التنمية. علينا أن نفعل الكثير لتجاوز ذلك.
هناك حقيقة أؤمن بها مفادها، لا سلام دون تنمية ولا تنمية بلا سلام، فحيث هناك فرصة لتعزيز التنمية المستدامة يكون هناك لبناء السلام المستدام، وأيما جهود تبذل لتحقيق احدها بطريقة مباشرة فهي تبذل لتحقيق الآخر بطريقة مباشرة ايضا.
إن الفشل في بناء التنمية المستدامة يؤدي إلى فشل الدولة في القيام بوجباتها في كفالة الرفاه الاجتماعي وتحسين المعيشة الاقتصادية لمواطنيها فتكون الدولة الفاشلة ويكون الجوع والفقر، وبذا يكون الطريق سالكا لانهيار السلم الاجتماعي ونشوء صراعات ونزاعات شتى وعلى اكثر من صعيد.
إن السلام ضرورة محلية واقليمية وعالمية تزداد الحاجة لها مع كل يوم، فلم يعد بامكان أحد أن يدعي ان السلام حاجة ثانوية أو أمر بالامكان التأقلم مع غيابه، ثم المضي في تدبير شؤون حياته في ظل تلك المخاطر، إذ لا مجال في المجتمعات التي تفتقد إلى السلام لتدبير أي شأن، لا مجال للتنمية والحياة الكريمة، لا مجال لشيء.
الاصدقاء الاعزاء:
لم يعد بامكان أحد دول أو أفراد في عالم اليوم الشعور بالأمان وهو يراه مفقودا لدى آخرين، السلام ليس شأناً شخصيا، بل شأن كل البشر. من أجل ذلك، لم يعد السلام والحاجة إلى بناءه مطلب واستحقاق وطني واقليمي فحسب، بل استحقاق عالمي، هذا ما احلم به، وأظن أن كثيرين مثلي يحلمون بتوحد إرادة العالم نحو السلام والتضامن ومحاربة الفقر والجوع من خلال المشاركة بفعالية في التنمية المستدامة.
الحقيقة إن التنمية المستدامة متعددة الابعاد لم تعد حاجة قابلة للتأجيل بالنسبة لأي بلد. إذا كانت تجارب التاريخ تؤكد إن السلام والتنمية يتأثر كل واحد منهما بالآخر، فإن هذا التأثير لم يعد محكوما برقعة جغرافية محددة، الارهاب أحد تجليات الفساد السياسي والاستبداد وفشل التنمية يضرب في كل مكان في العالم ولم يستثني أحد. مشكلة تغير المناخ سيكون لها تأثيرات كبيرة على سلامة العالم، ولن ينجو أحد، هذه الأخطار سوف تنال من كل فرد على هذه الأرض، أذن علينا أن نفكر بطريقة مختلفة وأفق مفتوح.
أيها الأعزاء:
إن خطة التنمية لما بعد 2015 وقبلها إعلان الألفية يمثلان انجازاً انسانياً عظيماً كان ولايزال من شأنه أن يحقق للأرض سلامتها وللإنسانية رفاهها العالمي وسلامها المستدام، وللجميع حياة خالية من الفقر والجوع، سوف تغدو البشرية بكل مجتمعاتها في مكان أفضل، ما يتوجب علينا القيام به هو تنفيذ أهداف التنمية العالمية على نحو صادق وحقيقي وحسب..
إن أهداف خطة التنمية تتسم بالطموح والإنصاف، لقد تم تأسيسها على مبادئ العدالة والانصاف والحرية والكرامة الانسانية المستحقة للجميع، وعلى أن الارض أمنا، حمايتها واجب الجميع وحق للجميع كما هي حق للأجيال القادمة، ما يعني أن صفحة العولمة غير المنصفة سيتم طيها، العولمة التي يحصل البعض فيها على الامتيازات والخيرات فيما الآخرين لا يحصلون على شيء.
أعرف أن التوقيع على اجندة التنمية العالمية لما بعد 2015 من قبل حكومات ورؤساء العالم خطوة جبارة لكنها خطوة غير كافية.
من وجهة نظري المهم هو التنفيذ، وأن تجد أهداف التنمية طريقها للتحقيق في حياة المجتمعات على امتداد هذه الأرض. ولكي يحدث هذا الأمر يتطلب الأمر، وضع الخطط التفصيلية والموضوعية لتنفيذ اجندة التنمية على نحو شامل ومتوازن، كما يتطلب الاشراف الأممي الكافي على تنفيذ تلك الخطط وتقييم الاداء وتذليل الصعوبات على نحو مطرد، مع وجود ما يكفي من التمويلات اللازمة التي تحتاجها تنفيذ خطط التنمية العالمية المختلفة.
كل تلك الاجراءات ضرورية لكي لا تبقى اجندة التنمية لما بعد 2015 مجرد حبر على ورق تنضم إلى حزمة الاتفاقات والخطط التي تم التوقيع عليها، ثم تحولت إلى مواد أرشيفية حين يحين موعد الالتزام والتنفيذ.
من المهم أيضا ونحن نتحدث عن أهمية تحقيق أهداف التنمية العالمية وعوامل وأسباب نجاحها، آن نؤكد على أهمية ثلاثية: المؤسسات القوية والسلام والعدالة. لنجاح الخطط وكفالة عدم تعثر التنفيذ وترشيد التمويلات.
المؤسسات القوية المطلوب انجازها على مستويين، مستوى المنظمة الأممية ومستوى الصعيد المحلي والوطني، فمن دون تفعيل هيئات الامم المتحده ذات العلاقة بتنفيذ أهداف التنمية العالمية، ودون منحها المزيد من الصلاحيات لتتمكن من أداء دورها في التخطيط والاشراف والتقييم، ودون اصلاحات جذرية تمنح هيئات المنظمة الأممية المختصة ما يكفي من الصلاحيات التي تحقق لها الالزام والالتزام بما تقرره وتتخذه من اجراءات وقرارات فستتعثر عملية تنفيذ اجندة التنمية العالمية على نحو محبط.
وعلى المستوى المحلي تعد عملية انجاز المؤسسات القوية شرط لا يقل أهمية لتحقيق التنمية المستدامة متعددة الابعاد، فلا تنمية دون مؤسسات رشيدة قوية تلتزم بسيادة القانون والرشد في الإدارة والمساءلة والشفافية، وتكافح الفساد وتحول دون استغلال السلطة أو إهدار الموارد.
بمكافحة فاعلة للفساد نفتح الباب لتحقيق التنمية المستدامة٫ وبضمان الحقوق والحريات ننجز الشرط الأهم لبناء عملية السلام المستدام ، ادارات دون شفافية ومساءلة ومحاسبة ادارات فاشلة، كل جهود تقدم او وصفات تبذل لضمان اداء رشيد للحكومات لا تبدأ بمكافحة الفساد وتخفيق الشفافية والمساءلة والمحاسبة الفاعلة فهي لا تجلب سلاما ولاتنميه ٫ هي مضيعة للوقت فحسب<
أيها الأعزاء:
تتأسس اجندة التنمية العالمية على مبادئ العدالة التي يجب أن تسود في توزيع خيرات العولمة على نحو منصف بحيث تطال ببركاتها جميع في هذه القرية الكونية التي نتشارك الحياة عليها.
على المستوى المحلي يجب أن تتوزع الفرص بين المواطنين دون تمييز أو استئثار تحت أي ظرف أو مبرر تمييزي، فالعدالة تتجلى في تمتع الجميع بالحقوق والحريات الاساسية دون تمييز او حرمان.
كما يجب تحقيق العدالة الجنائية التي تكفل الحماية للمواطنين من العدوان والانتهاكات التي تطال حقوقهم وحرياتهم وتضمن أن لا يفلت المذنبون والجناة من الجزاء العادل والعقاب المنصف وفق القانون.
إن تحقيق العدالة في مجتمعات عديدة يستدعي إيقاف حرب المستبدين على شعوبهم ، هنا تتجلى العدالة في أهم صورها بحماية الشعوب من المجازر وحالات القتل التي يزاولها المستبدون بحق المواطنين المطالبين بالحرية. الطريق الى العدالة اذاً في هذه الحالة بضمان الملاحقة الدولية لمرتكبي المجازر ضد الانسانية وكفالة ان لا يفلتوا من المساءلة والعقاب، فهذه وسيلة مهمة لتحقيق العدالة في العديد من المجتمعات والدول التي تعاني من تلك الانتهاكات.
إن اي مجتمع دون حقوق وحريات هو مجتمع يعيش سلام زائف واستقرار خادع، وكل جهود تبذل او تقدم لفض النزاعات وتحقيق السلام لا تضع في الحسبان ضمان الحقوق وكفالة الحريات فهي تصنع في احسن احوالها هدنات مؤقتة يعقبها صراعا أشد.
هناك ارتباط وثيق بين غياب العدالة عن المجتمعات وبين انتهاك الحريات الاساسية للمواطنين، لذا فإن الكفاح من أجل مجتمع ديمقراطي يسوده احترام الحقوق والحريات، هو كفاح من أجل العدالة أيضا.
أخيرا ايها الاعزاء:
يظل الحديث عن السلام والتنمية والنهضة الشاملة كلاما انشائيا وبلا قيمة، ما لم يتم استيعاب المرأة والشباب ضمن هذه المسارات. إن خطط التنمية التي لا تلحظ أي دور للمرأة والشباب هي خطط فارغة من أي مضمون حقيقي، وغير مجدية إطلاقا.
في كل أنحاء العالم، وبالذات دول العالم الثالث تقوم المرأة بدور مهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في ظروف صعبة، لذلك تركز خطط التنمية على كيفية مساعدة المرأة الريفية التي تمثل نسبة كبيرة من العاملات على تحسين ظروف عملها، الأمر الذي ينعكس ايجابا على مسيرة مكافحة العوز والتقليل من رقعة المجتمعات الفقيرة.
أن عدم إقصاء المرأة يساعد كثيرا في إحلال السلام والتقدم في مجالات التنمية المستدامة.
وبالمثل، فإن عدم تهميش الشباب وإهدار طاقاتهم يساعد الدول والمجتمعات في تجاوز كثير من المشكلات الخطيرة مثل البطالة والجريمة المنظمة والارهاب والفقر، فأي أمة تريد النهوض لا بد أن تكون حريصة على شبابها وإعطاءهم الدور الكبير في قيادة قاطرة التحديث والتنمية.
الشباب قوة إيجابية لا يجب السماح بتحولها إلى عبء أو قوة سلبية، هذه مسؤوليتنا جميعا، دول وحكومات ومجتمعات ومنظمات وهيئات دولية وناشطين متهمين بالتنمية والسلام وحقوق الإنسان.