كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في قمة عالم واحد للشباب - بوغوتا
في البداية، أود أن أعبر عن سعادتي بوجودي بينكم، وأن يكون موضوع حديثنا عن الشباب فهذا سبب اضافي للسعادة، فأنا أؤمن بالشباب وبقدرتهم على صنع المعجزات، الشباب هم ثروة وثورة على حد وصف الشاعر العربي ميخائيل نعيمة.
لقد كان الشباب في قلب التحولات الكبيرة، فهم وقود الثورات والانتفاضات وحركات التغيير وهم عمود النهضة والتنمية، لذا، تخسر الدول التي لا تتعاطى مع الشباب وقضايا الشباب بروح المسؤولية الكثير، الشباب هي الثروة الحقيقية التي يمكن استغلالها على نحو أمثل لمصلحة تنمية أوطاننا ومجتمعاتنا، فمعظم المبادرات التي تسعى لتنمية المجتمع والتصدي للأفكار والتقاليد الضارة يكون مصدرها شباب وفتيات، فلدى الشباب طاقة هائلة للتغيير وانتماء لروح العصر الذي يعيشونه.
الأصدقاء الاعزاء:
عند الحديث عن ثنائية السلام والتنمية يجب أن يتموضع الشباب كصناع السلام وضمان لاستدامته ومن يقطفون نتائجه وينعمون بثماره، فلن يكون هناك سلام حقيقي إن لم يكن الشباب وسيلة بناء السلام والغاية منه، عدا ذلك، ستكبر فرص تقويض السلام، فالشباب هي الفئة الأكثر حيوية وحركة، وجعلها على الهامش يؤدي إلى نتائج وخيمة.
كما تعلمون، فإن جزء كبير من الاقتتال يحدث لعوامل واعتبارات دون وطنية، وينتج عنه ازدهار نفوذ تحار الحروب والجماعات والقيادات التي تقتات على أوجاع الناس، لا يحسن المتحاربون غير هذه التجارة البشعة، فيجنون المزيد من الارباح، ويجني المجتمع وفي المقدمة منهم الشباب المزيد من الآلام والفقر والفشل والحرمان.
إن مصلحة الشباب المتسلح بالحلم وصاحب المصلحة في التغيير تكمن في مناهضة هذا الفكر الشيطاني الذي يغذي الحروب، مصلحته في مكافحة الفساد وبث وتبنى خطاب وطني ينتصر للحكومة الرشيدة وللحقوق المتساوية بين جميع الموطنين ومنها الحق في التنمية.
يستطيع الشباب مكافحة ثقافة الصراع والحرب والاقتتال الداخلي، باعتبارها ثقافة كراهية واستبعاد واقصاء، لا يستفيد منها إلا تجار الحروب الذين يراكمون الأموال والنفوذ، واستبدالها بخطاب مدني وطني يعلي من القيم العليا لحقوق الانسان في وطن واحد يتساوون فيه في الحقوق والواجبات والفرص.
في هذا الإطار، يجب أن يعمل الشباب على برامج فعالة وحملات توعوية تمنع انخراطهم في الصراعات والاقتتال الداخلي التي لا علاقة لها بالدفاع عن الوطن، لا يجب أن يموتوا لتكبر ارصدة وفوائد تجار الحروب، فهذا يجعلهم مجرد وقود لمغامرات طائشة لا تعود بالنفع على وطنهم ومجتمعهم وأنفسهم.
في كل الحروب، الشباب وحدهم من يتحلون بالإقدام والتضحية، الذي يغري الشيوخ بالزج بهم في أتونها، بينما هم يتوارون في غرف القيادة المدرعة والمخفية والمحمية من أي مخاطر، يتم استغلال عاطفة الشباب واندفاعهم في ما لا يخدم أي هدف نبيل أو مصلحة وطنية عليا.
أقول للشباب: كفوا أن تكونوا اداة للحرب، وتحلوا بالحلم والالتزام الاخلاقي لصناعة السلام والعبور إلى مستقبل نظيف دون صراعات. ثقوا بأنفسكم بأنكم تستطيعون، فأنتم من يملك المصلحة الحقيقية في التغيير، هذا عصركم، وذلك موقعكم.
قد تقولون، إن جنرالات وتجار الحروب يملكون القوة والقدرة على البطش والقهر فما الذي نملكه لإيقافهم وانتزاع المبادرة وكتابة التاريخ، أود أن أقول لكم: انتم تملكون الإرادة، تملكون الغد، المستقبل، الحيوية، القدرة على التضحية، القدرة على المواجهة، العلم، حب الحياة، تملكون كل ذلك.
أود أن أقول لكم: القوة ليست في السلاح فقط، العلم قوة، الارادة قوة، الايمان بعدالة القضية قوة، الحيوية قوة، التضامن قوة، التسامح قوة، قابلوا العنف باللاعنف والكراهية بالحب والرغبة في الصراع بالانحياز للتعايش والسلام.
أصواتكم أقوى من أصوات الرصاص، صدوركم العارية من المفخخات أقوى من المدرعات، اياديكم الخالية من السلاح أعظم أثر من القنابل.
خطاب الحياة الذي تملكونه أقوى من دعاوي الموت ومبررات الصراع، أنتم تنتمون إلى المستقبل وهم ينتمون إلى الماضي، أنتم تمضون لتعيشوا المستقبل واقعا معاشا، وهم يمضون ليقبروا انفسهم في دهاليز الماضي السحيق، هذه هي سنة التغير تمضي على هذا النحو.
نعم، أنتم تملكون الحلم وليس هناك ما هو أقوى من الحلم. وهم لا يملكون سوى الهواجس والمخاوف أن تصحى الناس وتكف أن تكون مجرد ضحايا ووقود لصراعات سخيفة لا صلة لها بالقيم والدوافع الوطنية والانسانية.
ليس هناك ما هو أشد تدميرا من هواجس الخوف من المستقبل على من يعيشون الماضي ويريدونه أن يكون الحاضر والمستقبل وإلى الأبد.
امتلكوا القدرات والامكانات، الاتصالات والتواصل مع العالم، اللغات والمعارف
التشبيك والتحالفات، الايمان بقدرتكم على صنع المعجزات.
أيها الشباب:
تحرم الأوطان من ابداعاتكم حين لا تتصدرون قيادتها بكل مستويات القيادة، حين ينظر اليكم كأغرار طائشون تعوزكم الحكمة وتنقصكم الخبرة والمهارة، وهذا يحدث للأسف على نطاق واسع في العالم، وفي كل البلدان وإن بنسب مختلفة، فستند مراكز القيادة للشيوخ وتسد كل الأبواب أمام الشباب تحت هذه المبررات والحجج الواهية والحجج.
شكلوا أحزابكم السياسية، امتلكوا أدواتكم في الضغط، أسسوا منظماتكم الأهلية، اخترقوا منابر الإعلام، انفذوا إلى كل مكان، فهذا عصركم.
أنتم الساسة وأنتم القادة وأنتم من يصنع السياسات وأنتم من ينفذ البرامج والخطط ويقود البلدان والعالم.
النساء والشباب فئتان تتعرضان للتهميش على مستوى العالم، ويجري استغلالهم كأدوات، وليس كشركاء اصليين في صنع الخطط والقرارات.
هاتان الفئتان تنتميان إلى روح العصر، زمن العولمة والقرية الصغيرة، وحدهما يستطيعان تقديم نموذج في التعايش والمشاركة وعدم الاستبداد، يجب رفض سياسات الاقصاء والتهميش بحقهما، فهذا المعادلة المختلة لصناعة تاريخ الأمم القائمة على الاستبعاد يجب أن تتغير الآن، أنتم تملكون تغييرها من أجل أوطانكم ومن أجل العالم.
من أجلكم ومن أجل كل الناس، افعلوا ذلك.
الأصدقاء الأعزاء:
تعيش كولومبيا واحدة من اعظم التجارب الملهمة في صناعة السلام، أريدكم أن تحيوا هذا البلد العظيم وهو يمضي قدما في انحاز سلامه المستدام هذا، والذي كفل للدولة حق احتكار السلاح واستخدامه، وكفل للمتمردين تنظيم أنفسهم سياسيا والمشاركة السياسية الفعالية دون لجوء للعنف أو استخدام للقوة ،ووفقا لعدالة انتقالية تعوض الضحايا وتكرمهم وتضمن عدم التكرار.
هناك انتقادات واسعة ومخاوف كثيرة تجاه هذا السلام، بعضها صحيح وبعضها مبالغ فيها، بعضها مجرد أوهام وهواجس ومخاوف لا مبرر لها وبعضها صحيحة، لكن علينا أن ننظر للمستقبل، وأن نعرف أن المستقبل النظيف الخالي من الصراعات يستحق أن نتنازل من أجله بعض الشيء، بحيث لا تؤدي هذه التنازلات إلى إبقاء بعض أسباب الحرب دون حل.
يجب طي صفحة الحرب بصورة نهائية، يجب معالجة أسبابها، وحل أدواتها، بحيث يمكن تقبل أي تنازل لإحلال السلام. يجب أن نعمل من أجل سلام حقيقي ومستدام، واتوقع إن كولومبيا تسير في هذا الاتجاه.