كلمات
كلمة توكل كرمان في مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) حول الأمن الغذائي وطريق السلام - بوغوتا
أود في البداية أن أعبر عن سعادتي بوجودي معكم، ومما يضاعف من هذه السعادة أن هذا اللقاء يحصل في كولومبيا، البلد الذي ينفض عنه غبار الحرب، ويمضي بخطوات واثقة نحو السلام والتنمية والاستقرار.
الاصدقاء الاعزاء:
يوم الاثنين الماضي الموافق السادس عشر من اكتوبر يحتفل العالم بيوم الاغذية العالمي، لا شك انه يوم مهم في حياة كل الشعوب، فالغذاء يحتاجه الجميع، الغني والفقير، الكبير والصغير، الذي يعيش في الولايات المتحدة أو الذي يعيش في كينيا.
لست هنا لأتحدث لكم عن أهمية الغذاء، فهذا أمر يعرفه الجميع بلا شك، لكني وانتم هنا للتناقش حول السبيل المثلى لتوفره بما يكفي لإطعام كل شخص موجود في هذا العالم، وأعني بكل شخص، كل شخص، إن من العار حقا أن يكون العالم بهذا التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي وأن يكون هناك ملايين يعانون من الجوع ومن ندرة الطعام.
نحن هنا ايضا، لنؤكد على ارتباط الغذاء بمسائل ضرورية تتحكم في حياتنا ومصائرنا، مثل السلام والأمن والصحة العامة والتنمية. إن العالم الذي يعاني من اضطراب في موضوع مثل الغذاء سيفشل في تحقيق الأمن والسلام والتنمية، وسيظل معلولا، وغير قادر على الحركة والتطور.
الأصدقاء الأعزاء:
يحتاج كل شخص منا إلى الغذاء والسلام والأمن معا، لكي يتمكن من البقاء على قيد الحياة، كثيرون يعتقدون بأنه يمكن الفصل بين هذه المتطلبات، من الناحية النظرية يمكن بالفعل اعتبار كل واحد منها عنصرا منفصلا عن الآخر، لكن من الناحية الواقعية، يوجد صعوبة كبيرة في توفير الغذاء الكافي والمناسب للمجتمعات التي تخوض صراعات وحروب أهلية أو حروب مع الآخرين.
لذلك، فإن من الضروري بذل مساع حثيثة لتحقيق السلام من خلال إشراك الناس في خطط التنمية ونبذ الحرب، والانخراط في مشروعات زراعية واقتصادية، هذا هو الطريق الأمثل لتغيير واقع كثير من المجتمعات التي تعاني من الصراعات والنزاعات الداخلية.
وكما قلت في مناسبة سابقة، فإن أمر كهذا سيتطلب تحقيق قدر كبير على صعيد تحسين الحياة المعيشية للمواطنين، وصولا إلى عملية تنمية مستدامة تتضمن مكافحة الفقر والقضاء على الجوع، فالحروب والصراعات يذهبان بنا إلى الموت والفقر والجوع والمجاعات، وأظن أن لا أحد بمقدوره أن يقول خلاف ذلك.
الاصدقاء الاعزاء:
بالرغم من نجاح التعبئة العالمية للأهداف الإنمائية للألفية بين عامي 2000 - 2015 بخصوص مكافحة الفقر، وتحقق الهدف الإنمائي للألفية للحد من نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع في عام 2010 إلى النصف، بحيث أمكن ملاحظة انخفاض نسبة الذين يعانون من نقص التغذية في المناطق النامية بمقدار النصف تقريبا، وانخفاض عدد الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن في جميع أنحاء العالم من طفل واحد من بين كل سبعة أطفال إلى طفل واحد من بين كل أربعة في عام 1990 بالرغم من ذلك، إلا أن هناك المزيد من العمل يتعين القيام به، واعتقد أنه يجب من الآن وصاعدا التركيز على أهداف التنمية المستدامة لما بعد 2015.
هناك أشياء قمنا بإنجازها على صعيد مكافحة الفقر ومعالجة نقص الغذاء، لكن في المقابل هناك ازدياد في عدد الذين يعانون من الفقر ونقص الغذاء، لذا من الضروري عدم الركون لما انجزناه في هذا المضمار، يجب العمل والعمل والعمل وعدم الاعتقاد ولو للحظة واحدة، ان الامور صارت على ما يرام.
تلعب الحروب من ضمن أسباب كثيرة دورا أساسيا في الوصول إلى هذه النتيجة المؤسفة، فالحروب والصراعات الداخلية تتطلب محاربين وليس مزارعين، واقتصاد الحرب بالتأكيد لا يلحظ انشطة أساسية مثل الزراعة، وأمراء الحرب لا يشغلوا أنفسهم بكيفية تأمين الغذاء للناس، لذا يجب مكافحة الفقر ونقص الغذاء من بوابة السلام وإنهاء الحرب القائمة في العديد من الدول وفق مبادئ واضحة لا تسمح بتجدد الحروب، ودعم السياسات المناهضة للفساد في دول العالم الثالث، حيث تعيش الأنظمة في تخمة وتعيش الشعوب في فقر.
إن جزء كبير من هذه الدول ينفق مليارات الدولارات في شراء أسلحة، وهذا الأمر كما تعلمون يؤثر بشكل مباشر في ازدياد نسبة الفقر والفساد ونقص الغذاء وتدني مستوى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة.
الأصدقاء الأعزاء:
هناك أشياء يجب أن نقوم بها لمنع الخطر القادم الذي يهدد عدد كبير من الناس وهو الجوع، إن من العار أن يكون لدينا جوع، ما قيمة ما انجزه الانسان من تقنية وتكنولوجيا ومعارف وانشاءات، وهناك وباء اسمه الجوع يتمدد كل يوم. فوفقا لتقرير البنك الدولي لعام 2016 فإن العالم يحتاج إلى إنتاج المزيد من الغذاء بنسبة 50% على الأقل لإطعام تسعة مليارات نسمة بحلول عام 2050. يضيف تقرير البنك الدولي ان تغير المناخ يمكنه أن يخفض غلة المحاصيل بنسبة تزيد على 25% فاستمرار استنزاف الأرض والتنوع البيولوجي والمحيطات والغابات، وغيرها من أشكال الموارد الطبيعية بمعدلات غير مسبوقة، سيؤدي إلى أن يكون فقراء العالم في خطر، وهو ما يوجب علينا أن نغير طريقة إنتاج غذائنا وإدارة الموارد الطبيعية والأمن الغذائي كما يوصي التقرير.
إن مساعدة الدول الفقيرة على استخدام التكنولوجيا والأساليب الحديثة في الزراعة والري سوف يساهم حتما في حل هذه المعضلة، هناك دول كثيرة لا تزال تستخدم الوسائل القديمة في الزراعة مما يقلل من غلة المحاصيل ويهدر المياه التي هي أقل مما يجب في كثير من هذه البلدان.
كما ترون، هناك ارتباط وثيق بين الغذاء والسياسة والحرب والمناخ والتنمية والفساد، فكلما اتجهت المجتمعات نحو الاستقرار والتنمية وانتهاج سياسات شفافة وعادلة كلما تجنبت الفساد والفقر والجوع.
لذلك، يجب مناهضة الاستبداد، نعم يجب اتخاذ مواقف حاسمة ضد الميليشيات والجماعات التي تنتهج العنف والارهاب، ويجب أيضا اتخاذ مواقف حاسمة أيضا ضد الأنظمة الفاسدة والمستبدة وضد الانقلابات العسكرية، ففي النهاية، لا يمكن تحقيق أي انجاز حقيقي على صعيد التنمية ومكافحة الفقر في ظل أنظمة وجماعات تستخدم السلاح لتحقيق مكاسبها الخاصة.
الأصدقاء الأعزاء:
أعرف أن هناك أسباب وعوامل كثيرة تساهم في انتاج مشكلة الغذاء وفي حلها، لكني مهتمة بالتأكيد على ضرورة الانتباه لمشكلة الاستبداد، كونه السبب الرئيسي للفساد والصراعات الأهلية العنيفة، وهو الأمر الذي يصنع لنا كوارث مثل الفقر والجوع ونقص الغذاء.
يجب علينا أن نتعامل بحزم تجاه هذا الأمر، أعرف أن هناك من سيعتبر حديثي نوع من المبالغة، لكن كيف يكون في الأمر مبالغة والمستبدون يعطلون التنمية، وينهبون ثروات شعوبهم، ويصنعون السجون والإرهاب والخوف والحروب.
ما استطيع أن أقوله لكم باختصار: الفقر ونقص الغذاء مشكلة ربما لها ابعاد كثيرة، لكن الاستبداد يساهم في وضع العراقيل أمام أي حلول ناجعة. لنتحدث عن دور المناخ في حل هذه المشكلة، وعن دور ارتفاع اسعار المحروقات، وعن ندرة المياه، وعن وعن، لكن يجب أن لا ننسى دور الاستبداد في توسيع رقعة الفقر والخوف، وفي نقص الغذاء وفشل التنمية.
يجب أن نتحدث بصوت واحد: لا للاستبداد، لا للسياسات التي تصنع الفقر والفساد والخوف..حان الوقت لذلك، حان الوقت.