كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في ندوة "النساء بين النزوح واللجوء والهجرة" - اسطنبول/تركيا
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، اليوم، كلمة أمام ندوة "النساء بين النزوح واللجوء والهجرة" التي نظمتها مؤسسة توكل كرمان الدولية في مدينة اسطنبول التركية..فيما يلي نصها:
أيها الاعزاء:
يبدو أننا ندرك جميعاً أهمية موضوع اللاجئين، وما تعنيه معاناة ملايين البشر حول العالم، هذه المعاناة التي تزداد قسوة مع مرور الايام، نتيجة تغلب المصالح على المبادئ وعلى الاعتبارات الانسانية.
قبل عدة أيام قمت بمرافقة عدد من الحائزين على جائزة نوبل للسلام مع عدد من القادة الدوليين، كان برفقتي زميلتي الحائزة على جائزة نوبل للسلام ليما غبوي، وكيلاش ساهارتي، زرنا مخيم الزعتري في المملكة الاردنية الهاشمية. زرت أيضاً خلال الاعوام الماضية عدة مخيمات للاجئين هنا في تركيا: أتاي، وفي غازي عنتاب. دخلت إلى الاراضي السورية وزرت بعض المخيمات هناك. زرت كذلك مع زميلاتي جودي ويليامز، وشيرين عبادي ميريد ماغواير، لاجئين بشكل عام في كرواتيا وفي صربيا وفي المانيا.قبل اسابيع كنت في زيارة مع أيضا زميلاتي الحائزات على نوبل شيرين عبادي ميريد ماغواير في بنجلاديش بتنظيم من الزميلة العزيزة الرائعة السيدة شيرين حقي التي نتشرف بحضورها معنا اليوم.
زرنا مخيم الروهينجا في بنجلاديش واطلعنا على احوال واوضاع اللاجئين هناك في كل تلك الزيارات وبغض النظر عن اختلاف اوضاع اللاجئين من دولة إلى أخرى كانت الخلاصة التي توصلت إليها هي تشابه طباع القتلة والمجرمين، وتشابه ما يحدث للضحايا وللمدنيين من قتل وتشريد وتنكيل ودمار. القتلة في بورما وفي سوريا وفي اليمن في العراق في افغانستان كلهم متشابهون، في افريقيا وفي كل مكان فيه حرب يرتكبون أبشع المجازر ضد المدنيين لا يفرقون بين الجرال والنساء، لا يفرقون بين الكبار والصغار، يقومون بمختلف الانتهاكات يدمرون البيوت، يحرقون المزارع، يحرقون المؤسسات والمحلات التجارية. يدفعون الناس لترك ديارهم املا في احداث وقائع جديدة على الارض، هم يتبعون سياسة الارض المحروقة هذه السياسة التي تعد عاراً على الانسانية، والتي يجب ألا يفلت مرتكبوها من العقاب.
إنه لمن المحزن أن يبدي المجتمع الدولي والدول الكبرى قدراً من اللامبالاة، قدرا ضئيلا من الاهتمام تجاه أزمات اللاجئين في جميع انحاء العالم، وتجاه الاسباب التي أدت إلى تضخم هذه الظاهرة في السنوات الاخيرة..يبدو الامر وكأن هناك اتفاقاً غير معلن وان هناك تواطؤ بين معسكر القتلة والدول التي تدعي التحضر.
حسب احصائية لمفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد النازحين القسريين في كافة انحاء العالم في العام 2016 تخطى حاجز الـ65 مليون نازح وهو أعلى مستويات النزوح التي سجلتها المفوضية منذ انشاءها في العام 1950 ومايزال العدد في تزايد.
وصل عدد اللاجئين إلى حوالي 22 ونصف مليون لاجئ، منهم اكثر من 11 مليون تقل اعمارهم عن 18 عاما، وبحسب احصائيات المفوضية ان هناك 10 ملايين شخص يعانون من غياب الهويات، يعدوا عديمي الجنسية لا يستطيعون الحصول على الحقوق الأساسية؛ التعليم، الرعاية الصحية والعمل وحرية التنقل.
الاصدقاء الاعزاء:
هناك كما اخبرتكم كنت في زيارة لمخيمات الروهينجا وزرنا أغلب المخيمات ، وأكبر المخيمات فيها ما لايقل عن 250 ألف لاجئ. استمعنا لمئات الشهادات وخاصة من النساء، التقينا بالنساء والاطفال، ما سمعناه لا يتصوره ابداً أي إنسان، أبشع بكثير مما نقرأه في الصحف أو نشاهده في وسائل الإعلام المختلفة؛ اغتصاب جماعي، قتل جماعي، حرق، ذبح، تمثيل بالضحايا، قطع أعناق ورقاب الاطفال امام آبائهم وأمهاتهم، وقطع أعناق ورقاب الأمهات والآباء امام أطفالهم، حرق الممتلكات وتأميمها فوراً ونقل ملكيتها.
أتذكر ذات مرة، امرأة قالت قالت لي-وبالمناسبة هذه القصة تكررن مع حوالي مائة امرأة - بأن الجنود بورما جاءوا ليبحثوا عن زوجها وحين لم يجدوه اغتصبوها وذبحوا أباها امام عينيها، وكان معها طفل صغير أحرقوا بيتها وذبحوا الطفل أمام عينيها ورموه في النار. ما كنت أبداً أتوقع اني كنت سأسمع مثل هذه القصص. ما نراه من مشاهد مئات الأطفال المرميين في الانهار في ميانمار مشاهد حقيقية وليست فوتوشوب. ما نراه مشاهد الجثث المتدلية على الاشجار والجسور هذه قصص حقيقية وليست إختراع. نحن أمام جرائم ابادة حقيقية هي جريمة ابادة ترتكب بحق شعب الروهينجا.
انا هنا أدعو العالم إلى القيام بخطوات حقيقية تجاه ما يحدث من جرائم إبادة بحق مسلمي الروهينجا، ولنعمل معاً على معاقبة هؤلاء المجرمين، مرتكبي الجرائم ضد الانسانية. أن نعمل معاً من أجل انصاف المظلومين، صحيح أننا لن نستطيع ترميم جراحهم ولن نقدر على إعادة أحبائهم إليهم، لكن علينا وعلى العدالة الدولية أن تعاقب القتلة.
أنا هنا ادعو المجتمع الدولي -كما دعيناهم اثناء زيارتنا- إلى ملاحقة الحكومة الميانمارية والقادة العسكريين هناك إلى أن يلاحقوا من قبل محكمة الجنايات الدولية، كمجرمي حرب، ومرتكبي مجازر، وجرائم ضد الانسانية.
كما أدعو زميلتي اونغ سان سو تشي بأن عليها ان تختار موقعها الآن بين معسكر الانسانية أو معسكر القتلة والمجرمين. بين أن تكون حاملة لنوبل ومستشارة في السلطة الميانمارية تقوم بدورها كرئيسة وزراء في حماية هؤلاء المظلومين وإعادتهم إلى ديارهم ومنحهم حقوقهم كاملة، ومعاقبة كل المجرمين الذين ارتكبوا مجازر بحقهم؛ القادة العسكريين تحديداً أو أنها ستلاحقها العدالة الدولية، مثلهم سواء بسواء.
الوضع في سوريا كذلك هو الآخر مأساوي. قتل بشار الاسد ما لا يقل عن نصف مليون إنسان. هجر أكثر من عشرة ملايين شخص، طردهم من قراهم ومدنهم ومن بلدهم. ارتكب مختلف الجرائم من اغتصاب، ومن عنف، ومن تعذيب، ومن حرق للمدن، آخر جرائمه في الغوطة الشرقية. كل هذه الجرائم قام بها بشار الأسد ونظامه والدول التي تحميه وتقف معه، والدول المتواطئة معه والصامتة عليه لأن الشعب السوري العظيم هتف وقال "بدنا حرية". فقط نادى من أجل الحرية، يجب محاكمة بشار الأسد كمجرم حرب كذلك، يجب أن تطاله العدالة الدولية.
أدعو من هذا المنبر إلى حل سياسي في سوريا، هذا الحل السياسي يجب ألا يكون للقتلة المتورطين في جرائم الحرب أي دور فيه. يجب أن يكون المستقبل فقط للشعب السوري العظيم لأولئك الذين ينادون بالحرية والعدالة والكرامة والديقراطية.
إن أي حل في سوريا لن يكتب له النجاح إذا بقي بشار الأسد في السلطة. إن معاناة السوريين يجب أن تفرض معادلة عادلة. من غير المنصف أن يتم خذلان الشعب السوري الذي لايطلب سوى الحرية والديمقراطية.
أيها الاعزاء:
في اليمن الأوضاع لا تختلف سوءاً عما يحدث في سوريا. اليمن تعاني من كارثة إنسانية كبيرة. اليمنيون يواجهون حروباً متعددة، أدت هذه الحروب إلى انتشار المجاعة والامراض وعلى رأسها الكوليرا، أدت إلى النزوح ولجوء مئات الآلاف من المدنيين اليمنيين. أدت إلى حصار بري وجوي وبحري على اليمن كلها وعلى المدن.
دعوني أحدثكم عن بعض تفاصيل لما يحدث في اليمن: قبل ثلاث سنوات من الآن وقبل أسابيع من الذهاب للاستفتاء على الدستور الذي تمت صياغته بناء على توافق اليمنيين وبناء على مخرجات الحوار الوطني الشامل، لكن تم اسقاط الدولة اليمنية والتآمر عليها والانقلاب عليها من قبل تحالف الحوثي والمخلوع صالح في سبتمبر 2014.
غزت ميليشيات الحوثي العاصمة صنعاء واستمر زحفها نحو تعز وعدن. ارتكبوا مختلف الجرائم، ارتكبوا مختلف الانتهاكات لحقوق الانسان، زرعوا الالغام، وقوضوا الدولة اليمنية. طبعاً أنا هنا يؤسفني أن أقول: إن هذا الانقلاب الفاشي حدث بمؤامرة ومباركة من قبل دولتين عربيتين هما السعودية والامارات، وبرضى عالمي. صحيح أن ايران حققت نفوذ وسيطرة على اليمن لم تكن تحلم بهما من قبل، لكن هذه السيطرة والنفوذ التي تمتعت بها ايران تمت بأياد خارجية، ولا غرابة، من قدم العراق على طبق من ذهب لإيران هم ذاتهم الذين قدموا اليمن لإيران. طبعاً هذا ليس رجما بالغيب، ولا مجرد قراءة تحليلية لما يحدث في اليمن، بل هذا ما اعترف به المتورطون إقليميا ودولياً منذ أشهر، وهذا ما كنا نتحدث عنه منذ ان بدأت الجريمة الاولى في إسقاط الشرعية اليمنية، وإسقاط الجمهورية اليمنية والتآمر على احلام اليمنيين في سبتمبر 2014، ثم بعد ذلك ظهرت الاطماع بشكل أكثر وضوحاً.
لكن قبل ان اتحدث عن بقية الاطماع أؤكد لكم بأن هذه الحقيقة يجب أن تكون واضحة، يجب أن نستحضر هذه الحقيقة المُرة دائماً ففيها منافع للأجيال اليمنية؛ علينا أن نجلو هذه الحقيقة ما الذي حدث في اليمن بكل صراحة، كل يوم وكل شهر وكل سنة.
نعم. السعودية والامارات متورطتان تورطاً مباشراً في دعم انقلاب المخلوع صالح والحوثي ومساندته والتخطيط له، فلولاهما لما كان هناك انقلاب في اليمن ولما كانت هناك ثورة مضادة. والآن بعد حربهم المزعومة التي أعلونها في مارس 2015 تحت شعار دعوى الشرعية اليمنية ومواجهة الانقلابيين هم يستخدمون الانقلاب ذاته الذي دعموه كمبرر مرة أخرى لتحقيق مآربهم القذرة، المستمرة في: يمن مدمر، وشعب جائع، متقاتل، وبلد متشظي لا تقم له قائمة تحت حجة محاربة الانقلاب ودعم الشرعية التي يتذرعون بها، هم الآن يمارسون احتلالاً بشعاً لأجزاء كبيرة من اليمن، بجزره وموانئه وأراضيه، هم الآن يمنعون الرئيس الشرعي من العودة إلى المناطق المحررة والتي تشكل حوالي 80% من الاراضي اليمنية. يمنعونه من العودة كي لايبسط نفوذ الدولة وكي لايقوم بممارسة مهامه. هم الآن يدعمون ميليشيات تواجه الدولة وتناصبها العداء، يبنون السجون المختلفة ويعذبون فيها كل من يرفض نفوذهم واحتلالهم لليمن. مؤسف أن نقول ذلك. مؤسف ان نقول ان السبب للحرب في اليمن هي دول جارة. مؤسف ان نقول ان السبب في تشريد اليمنيين وقتلهم وحصارهم وتجويعهم ومرضهم هي دول مجاورة لنا، كل ذنبنا أننا قلنا أيضاً نريد حرية. تناصب اليمنيين العداء لأنهم رفعوا شعار الربيع اليمني، أسوة بمواطني جميع دول الربيع العربي، وأحلامهم في الحرية والعدالة والديمقراطية والكرامة. هم لا يريدون تسوية سياسية من أي نوع، لا يريدون دولة يمنية بأي حال من الاحوال، ما يريدونه ان تبقى اليمن في حالة اللادولة ، هذا ما يريدونه اليمن المتشظي يمكنهم من ابتلاع جزرها وموانئها ونفطها وغازها وثرواتها يمكنهم من استمرار الوصاية والنفوذ والهيمنة والاحتلال. يريدون يمناً فاشلاً يتقاسم نفوذه الميلشيا التي يستنسخونها في كل يوم وفي كل منطقة على امتداد خارطة البلاد، يتحكمون بمخرجات صراع هذه الميلشيا بما يكفل استمرار وصايتهم ونفوذهم على جميع انحاء الدولة اليمنية التي أرادوها
والتي أرادوا أن يجعلونها فاشلة.
إن ترك اليمن ساحة مفتوحة للصراع ما بين ايران والسعودية والامارات، لهو عار على مجلس الأمن الدولي، وهو عار على المجتمع الدولي بأكمله، على هذا العبث المتوقع. على المجتمع الدولي ان يوقف العبث بدماء اليمنيين وحرياتهم واستقلالهم الوطني.
وهنا أشدد على ضرورة ان يكون هناك حلاً سياسياً يقوم على قرارات مجلس الامن.
اليمن لا تحتمل وجود ميليشيا فاشلة ولا تقبل وجود محتل لأراضيه. أعتقد أن على المبعوث الاممي الجديد أن ينطلق في تحركاته من هذه المعادلة، يجب أ، يكون هناك سلطة واحدة، وان يكون هناك جيشا واحد، لايمكن القبول بتعدد القوى المسلحة كما لايمكن القبول باستمرار الاحتلال والنفوذ على اليمنيين، لان ذلك يعني مزيداً من الحرب، ومزيداً من العنف، ما يعني مزيداً من ارتفاع اعداد اللاجئين والنازحين.
وهنا أؤكد أن شعبنا لا ينكسر ولا يقهر وأن أحلامه لا تموت وأنه لا يساوم على الكرامة.
ايها الاعزاء:
سأتحدث حول الغرب، رسالة صغيرة بأن تدفق اللاجئين لا يمكن ان يتوقف عبر اقفال الحدود، أو منعهم من الهجرة ومن اللجوء، ولا عبر الاسلاك الشائكة، ولا عبر القمع وكلاب الحراسة التي يطلقونها على اللاجئين أثناء عبورهم، هذا أمر غير مجدي فضلا عن انه يتنافى مع القيم الانسانية.
يجب ان يتم التعامل مع اللاجئين عبر مسارين وهذا ليس فقط للغرب ولكن للجميع: استقبالهم، ايوائهم، توفير الخدمات الصحية والتعليمية والغذاء بشكل مجاني. الالتزام بالمعايير الدولية لاستقبال اللاجئين، كما يجب معاقبة ومحاكمة مهربي البشر. يجب ايضا بشكل خاص توفير الاحتياجات الخاصة بالنساء والاطفال خاصة اولئك الذين يسافرون وحدهم. ايضاً يجب الاستجابة لمطالبهم بالحرية والعدالة والديمقراطية والعيش الكريم، وهذا لا يمكن ان يتحقق في ظل انظمة مستبدة فاسدة تفرخ الارهاب وتصنعه لقمع تطلعات الشعوب.
أقول للجميع ابقوا الحدود مفتوحة، ليس من المعقول ان تعاقب الشعوب بسبب حاكم مستبد يريد ان يحكمهم بالقوة والعنف والاستبداد والفساد. أو جماعات ارهابية تريد استعبادهم بالقوة والقهر والتعصب والكراهية. ليس من المعقول أن تقفل أمامهم الابواب، أبواب المجاعة، ان يقال لهم عليهم ان يموتوا إما تحت اقدام القهر والاستبداد، أو تحت اقدام الارهاب.
لكن انه برغم كل هذا الاهمال، وبرغم كل هذا الظلم، ورغم كل الصمت العالمي والتآمر العالمي أن الشعوب لا تقهر. لقد عقدت هذه الشعوب عزمها على ان تخوض معركتها حتى النصر، وليس أمامها إلا طريق واحد لن تقبل أي خيار بين الارهاب او الاستبداد، لديها خيار آخر وهو: الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة.
أيها الاعزاء:
في نهاية هذه الكلمة، إن حماية المظلوم هو جوهر رسالة السماء، ان الانتصار للعدالة عبر مقاومة الظلم والاستكبار والعنصرية عبر ذلك فقط ننتصر للسلام ونكفل بناء السلام، ونشيد الاستقرار إذ لا سلام دون عدالة.
أشكركم جميعاً على حضورتكم لندوتنا الأولى، وأخص بالشكر السيدة شيرين حقي، والسيد أحمد طعمه، والسيد مدير مكتب رئاسة الوزراء في اليمن، جميع الشباب وجميع النساء اشكركم وأشكر السيدة مسك الجنيد وفريقها الرائع والمتطوعين مؤسسة توكل كرمان على بذل هذا الجهد من اجل تحقيق العدالة ومن اجل ضمان تعليم اللاجئين والنازحين وكل المنتهكة كرامتهم.