كلمات
كلمة الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان في جامعة يوماس لويل الاميركية
ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، اليوم، كلمة أمام جامعة ماساشوستس الاميركية والمعروفة اختصاراً بـ"يوماس لويل" بعنوان اللاعنف سبيل للتغيير، فيما يلي نصها:
في البداية أود أن أعبر لكم عن سعادتي بوجودي بينكم، إنه شعور رائع عندما تتحدث إلى أشخاص يستطيعون تفهمك حتى لو كانت لديهم وجهات نظر مختلفة، الجامعات توفر لنا دائما فرص كبيرة للتعلم والمعرفة والتعارف أيضا، وهو ما يجب أن ينعكس على سلوكنا تجاه بعضنا البعض. أود أن أتوجه بالشكر إلى إدارة جامعة مامسيتشوتس على دعوتها الكريمة، أود أن أشكركم جميعا.
الأصدقاء الاعزاء:
خلال العقود الماضية، شهد العالم تطورات كبيرة ومتسارعة في شتى مناحي الحياة، ومن ضمن هذه التطورات الايجابية نشوء الحركة الحقوقية في العالم، النضال السلمي، وكفاح اللاعنف، لقد عززت هذه الافكار توجه معظم الناس إلى نبذ الحرب والإيمان الكامل بالسلام، لكن هذا لا يبدو كافيا لوقف الحروب والصراعات المسلحة.
كما ترون، فالموضوع معقد جدا، فالدول الديمقراطية تسعى لاستمرار تجارة السلاح حتى تجني مزيدا من الارباح المالية، أما الدول الاستبدادية والتي تنتهج العنف تجاه مواطنيها وتجاه الآخرين، فهي تعتبر اجراءاتها القمعية جزءا من الأمن الضروري الذي لا يجب أن يقابل بالاعتراض.
أذن هناك تحالف على صعيد معظم الحكومات لإبقاء مستوى العنف مرتفعا، وهذا ما يفسر هذه العلاقات المريبة بين النظم الديمقراطية في الغرب، والنظم القمعية في العالم، وبالأخص في منطقتنا العربية.
الأصدقاء الأعزاء:
لطالما اعتقدت ان النضال السلمي هو السبيل الأكثر تأثيرا لانتزاع الحقوق ومقاومة الظلم والاستبداد، مدركة ان هناك من سوف يرفض هذا المنطق، ويعتبره انهزامية أو عدم فهم للواقع، فيما أرى أن هذا يحقق قدر أكبر من المنافع، ويحافظ على المجتمع والدولة معا.
لكن المشكلة تظل هي في سلوك الأنظمة القمعية التي تمارس القتل والعنف، لنتذكر كيف خرج الليبيون في مظاهرات تطالب بالتغيير، وكيف زحفت كتائب القذافي إلى المدن الليبية لإبادة الناس، وكيف خرج السوريون إلى الشوارع يهتفون "بدنا حرية"، وكيف خرج المصريون إلى الميادين العامة يطلبون التغيير، وكيف ملأ اليمنيون ساحات التغيير في كل مكان تاركين أسلحتم الشخصية من أجل قيم السلمية وعدم الانزلاق إلى العنف.
لقد قدمت الشعوب العربية نموذجا رائعا في النضال السلمي، لكن محاولات ادخالهم دوامة العنف كانت أشد بتواطؤ غربي لسوء الحظ، لقد نشأ تحالف رباعي لمواجهة الربيع العربي مكون من الأنظمة القمعية التي تم الثورة ضدها، ودول اقليمية لديها كثير من المال وقليل من الضمير، وتخشى أن تصل رياح التغيير إليها، والدول الغربية التي تتحدث عن الديمقراطية كثيرا، لكنها تدعم المستبدين دون خجل، أما الضلع الرابع من هذا التحالف البغيض، فهو الجماعات الارهابية مثل داعش والقاعدة.
ارجوكم، لا تدققوا في ملابس وتسريحات الشعر لدى اضلاع هذا التحالف، فهناك اختلافات كثيرة في هذا الجوانب، لكن دققوا من موقفهم تجاه الربيع العربي والتغيير الديمقراطي الذي بدا مع 2011، ستجدون أن موقفهم واحد، نعم، إنهم يعادون التغيير، يعادونه بكل قوتهم، وكل هذه الحرائق في مدننا تحت اشرافهم ومن تنفيذهم جميعا، يمثلون علينا دور الأعداء، لكنهم لا يرون عدوا غيرنا، نحن الذين نؤمن التغيير والديمقراطية وحقوق الإنسان.
كان غاندي يشترط لنجاح سياسة اللاعنف ضرورة أن يتمتع الخصم ببقية من ضمير وحرية تمكنه في النهاية من الحوار والتراجع عن اجراءاته السابقة، وقد اثبتت تجربته وتجربة الشعب الهندي صحة هذه المقولة، فقد اضطر الاحتلال البريطاني للتراجع عن بعض الاجراءات المجحفة بحق الشعب الهندي نتيجة مقاومته السلمية.
مارتن لوثر كينغ هو الآخر اتخذ الكفاح السلمي طريقا لمواجهة التمييز العنصري ضد السود في امريكا، ورغم مقتله في 1968 إلا أنه استطاع واستطاعت الحركة المدنية الامريكية الانتصار في النهاية، وباعتقادي لم يكن ليتحقق هذا الانتصار بهذه الطريقة لو أن كان من يحكمون امريكا مثل بشار الأسد والقذافي وعلي عبدالله صالح.
الاصدقاء الاعزاء:
في أثناء الربيع العربي 2011، انخفض صوت القاعدة والتطرف في الشرق الأوسط، لقد اصيب المتطرفون والارهابيون بصدمة كبيرة، فقد وجهت الاحتجاجات السلمية التي تمكنت من اسقاط الانظمة المستبدة ضربة إلى أولئك الذين كانوا يرفعون شعار التغيير بالقوة. لكن مع صعود قوى الثورة المضادة عادت قوى التطرف والاستبداد للإمساك بالمشهد من جديد.
لقد تم التآمر على الربيع العربي وفتح المجال واسعا أمام ربيع داعش، وهذه جريمة كبرى بحق الشعوب العربية التي لم تطالب بأكثر من الحرية والعيش الكريم.
وسط هذا الخراب وهذه الحروب، سيكون علينا اعادة الاعتبار للنضال السلمي من خلال محاسبة الطغاة والقتلة، ورفض تصنيف جماعات سياسية معارضة كقوى ارهابية، لان هذا ببساطة يسد الأبواب أمام أي نضال سلمي أو تغيير سياسي، يجب أن نكون شجعانا ونحن ندين القاتل، ونحن نقف بجنب الضحية، ففي النهاية لا يجب أن نكون عونا لسياسات الاقصاء والكراهية.
الاصدقاء الاعزاء:
دعوني اتحدث قليلا عن اليمن، بلدي، هذا البلد العريق الذي يتعرض لأكثر من حرب داخلية وخارجية في آن واحد. من المؤسف أن اقول لكم أن مجلس الأمن والمجتمع الدولي تخليا عن واجباتهما ومسؤولياتهما تجاه اليمن التي تم وضعها تحت وصاية السعودية والامارات اللتين تمارسان دورا تخريبيا ضد اليمن، من خلال تقويض السلطة الشرعية ودعم وتأسيس ميليشيات وقوات مسلحة لا تلتزم بأوامر الرئيس اليمني الذي يتم منعه من العودة لليمن، والسيطرة على الموانئ والجزر اليمنية وتحقيق اطماع خاصة بهما، مستغلين ضعف السلطة الشرعية واستمرار انقلاب ميليشيا الحوثي.
أخطر ما تقوم به السعودية والامارات في اليمن هو محاربة السياسة، ودعم المجموعات المسلحة، لإبقاء اليمن في دوامة العنف أكثر وقت ممكن، لا يوجد تفسير واحد للعبث الحاصل هناك.
الأصدقاء الأعزاء:
سعت الانظمة القمعية ومموليها إلى إدخال المنطقة في دوامة الصراعات المسلحة لأنها تجيد اللعب في هذا الميدان، وقد نجحت إلى حد كبير في هذا المسعى، لكن هذا النجاح ليس سوى نجاح مؤقت، فالشعوب العربية سوف تحبط هذه المؤامرة، وسوف تستعيد عافيتها وقرارها السياسي وحيويتها السياسية، وإلى حين يتم ذلك، علينا أن نقوم بكل شيء من شأنه محاسبة القتلة الذين يقومون بارتكاب جرائم ضد المدنيين، وضد المعارضين والناشطين السياسيين والحقوقيين، يجب أن نشكل شبكة عالمية للدفاع عن أولئك الذين ينتهجون مبدأ اللاعنف في نضالاتهم وتحركاتهم، فهذا أقل القليل الذي يمكننا أن نقدمه في سياق مقاومة الظلم والعنصرية والارهاب.
الأصدقاء الاعزاء:
كثيرون يسألونني ماذا بعد؟ هل انتصر العنف في الشرق الأوسط، هل انتصر منطق الجماعات الارهابية، ودائما ما أقول لأولئك الذين يسألونني هذا السؤال، نعم هناك عنف، لكنه لن يدوم، فمنطق داعش لا يمكن أن يكون منطق الشعوب العربية التواقة للحرية وحقوق الإنسان والحريات العامة، ونبذ العنف.
داعش تشبه الانظمة الاستبدادية ولا تشبه الشعوب العربية، هذا ما أحاول تأكيده باستمرار، وأظن أن هذه هي الحقيقة التي يراد لها أن لا تظهر للناس.
سوف ننتصر، مهما كانت حجم الالام والاحزان والمصاعب، سوف ننتصر، وسوف نقيم دولا تحترم آدمية الإنسان وكرامته، لا يوجد خيار آخر أمامنا، سنفعل ذلك، ثقوا بذلك.